- العقيدة الإسلامية
- /
- ٠1العقيدة الإسلامية
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الكون دليل على وجود خالق يستحيل عليه أن يخلق الناس من دون يوم للحساب:
الموضوع اليوم: الإيمان باليوم الآخر، وكنّا قد مهّدنا لهذا الموضوع في دروس عديدة، والذي يبدو حقاً أن لهذا الكون خالقاً عظيماً، من صفاته العلم والقدرة، والعدل والحكمة، وأنه مُنزّه عن كل نقص، ويستحيل في حقه حينئذٍ أن يخلق الكون عبثاً، كما أنه يستحيل على إنسانٍ عاقل - ولله المثل الأعلى - أنْ يبني بناء ضخماً، يستغرق عشرات السنين، ثم يُكسى، ثم يُفرش، ثم يُجهّز بكل ما يحتاجه الساكن، وبعد أن ينتهي يهدمه، هذا العمل يستحيل على عاقل أن يعمله, كذلك خلقُ السموات والأرض، هذا الكون المعجز، حياة الإنسان، خلق الإنسان في أحسن تقويم، يعيش سنوات عديدة ويموت، وانتهى الأمر, قد يكون هذا الإنسان معتدياً، قد يكون مظلوماً، قد يكون ظالماً، قد يكون قوياً، قد يكون ضعيفاً، فإذا خلق الإنسان في أحسن تقويم، وانتهت حياته على أتفه سبب، وانتهى كل شيء، فهذا نوعٌ من العبث، لذلك ربنا عزّ وجل يستحيل في حقه أن يخلق الكون عبثاً، وأن يخلق الإنسان سدى, قال الله:
﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴾
﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾
لذلك, فالتأمـل في خلـق السموات والأرض يُستنبط منه أنّ لخالق الكون أسماء حسنى، وصفات فضلى، هذه الأسماء الحسنى، وهذه الصفات الفضلى لا يمكن أن تدع مجالاً للاعتقاد أن هذا الكون خلق عبثاً، وأنّ هذا الإنسان سيًتْرَك سدى, ومِن لوازم التأمل في خلق السموات والأرض الإيمان بأن لهذا الكون العظيم خالقاً، وأنّ بعد هذه الحياة يوماً يجازى فيه الإنسان على عمله، هذا يتضح في سورة النبأ، قال سبحانه وتعالى:
﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ * كَلَّا سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ * أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً ﴾
النبأ العظيم، يوم الجزاء، يوم القيامة، يوم الحساب، يوم الدين، يوم الدينونة، يوم الثواب، يوم العقاب، يوم الجنة، يوم النار، هذا هو النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون، كلا سيعلمون عند الموت، ثم كلا سيعلمون عند البعث والنشور.
ما علاقة الآيات الكونية في سورة النبأ بيوم القيامة ؟
سيأتي الدليل على النبأ العظيم، وسيأتي الدليل على يوم الدين, قال الله:
﴿وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً * وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً * وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً * وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً * وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً* وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً ﴾
﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً * إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً ﴾
ما علاقة هذه الآيات الكونية بيوم الفصل، بيوم الدين؟ هذا الكون لم يُخلق عبثاً، والإنسان لن يترك سدى، بل لا بد أن يُحاسَب، لا بد أن يجازى، لا بد أن يدفع الثمن، أما أن يموت الإنسان، وانتهى الأمر، أن تنتهي حياته بالموت, فهذا لا يحقق كمال الحكمة الإلهية، وكمال العدل الإلهي، فلا بد من تحقيق كمال الحكمة، وكمال العدل في يوم آخر، إنه يوم الدين.
الشيء الثاني، هو أن أركان الإيمان، وهي معلومة لديكم، الإيمان بالله، وباليوم الآخر، وبالملائكة، والكتاب، والنبيين، لكن إذا أردنا أن نرتب أركان الإيمان عدا الإيمان بالله من حيث الأهميةُ, يأتي الإيمان باليوم الآخر في الدرجة التي تلي الإيمان بالله، أن تؤمن بالله، وباليوم الآخر، لأن من لوازم الإيمان بالله, الإيمانُ باليوم الآخر، والإيمان بالله يعني الإيمان بأسمائه، والإيمان بعدله، والإيمان بحكمته، والإيمان بعلمه، والإيمان بقدرته، سبحانه وتعالى.
فالإيمان بهذه الأسماء يقتضي كمال الحكمة، وكمال العدل، ولا يتحققان إلا في اليوم الآخر، هذا عاش ثلاثين عاماً، وهذا مات صغيراً، وهذا عمّر ثمانين عاماً، وهذا وُلِد غنياً مِن أبٍ غني ثري، وهذا وُلِد فقيراً، وهذا عاش مريضاً، وهذا عاش صحيحاً، ما هذا التفاوت الكبير؟ لا بد من تحقيق العدل الإلهي، بل كمال العدل الإلهي، ولا بد من تحقيق كمال الحكمة الإلهية، إنها في اليوم الآخر.
ما هي السلسلة الفكرية المنطقية التي تقودنا إلى اليوم الآخر:
1- الكون هو الدليل الأول لقيادة الإنسان إلى الإيمان بربه:
سنورد السلسلة المنطقية الفكرية التي تقودنا إلى الإيمان باليوم الآخر:
المقدمة الأولى: دراسة الكون، والحياة، والإنسان, تهدي إلى الإيمان بالخالق العظيم، القادر العليم، العدل الحكيم، وأسماء الله عزّ وجل كثيرة، ويعنينا في هذا المجلس أو في هذا الدرس أربعة أسماء, العلم، والقدرة، والعدل، والحكمة.
2- الكون دليل على تدبير خالق حكيم يستحيل عليه العبث فيه:
المقدمة الثانية: لا بد من غاية مِنَ الخلق، ولا يوجد إنسان عاقل يقوم بعمل لا غاية له فيه، ولا يوجد إنساناً يتحرك حركة بلا غاية، يسافر بلا غاية، يتكلم بلا غاية، يزور فلانًا بلا غاية، أن يكون للعمل غاية فهذا مِن لوازم العقلاء، والإنسان العاقل كل أعماله معللة بغاية، والله سبحانه وتعالى خالقُ الكون, أيُعقل أن يخلق الكون بلا غاية؟ فما معنى بلا غاية، يعني عبثاً، قال تعالى:
﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾
إذا تأملت في خلق السموات والأرض, وجدت أن للسموات والأرض خالقاً عظيماً، عليماً، قديراً, عدلاً، حكيماً، ومن لوازم العدل والحكمة والعلم والقدرة أن يكون لأفعاله غاية، غاية نبيلة، ربنا عزّ وجل قال:
﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾
كيف عرفنا معنى بالحق؟ من هذه الآيات, قال تعالى:
﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾
﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ﴾
ما دام الحق مناقضاً للعب، وما دام الحق مناقضاً للباطل، فالحق هو الشيء الثابت الهادف، بالحق هناك هدف، باللّعب لا هدف معه، الحق شيء ثابت، الباطل شيء زائل، قال تعالى:
﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾
3- الإنسان مخير في أي طريق يسير:
المقدمة الثالثة: أن الإنسان مخير، فبإمكانه أن يفعل الخيرات، وبإمكانه أن يعمل السيئات، بإمكانه أن يتبع الهوى، وبإمكانه أن يتبّع العقل، بإمكانه أن يستقيم على أمر الله، وبإمكانه أن ينحرف عن أمر الله، بإمكانه أن يكون خير البرية، وبإمكانه أن يكون شر البرية، بإمكانه أن يفوق الملائكة المقربين، وبإمكانه أن يهوي إلى أسفل سافلين، هذا كله بإمكانه، إذًا: فهو مخيّر، ومعنى مخيّر، أي ممتحن، مُبتلى، ومن لوازم الامتحان والابتلاء, الجزاء.
النتيجة: إنها الحياة الآخرة، إنه اليوم الآخر، فطبيعة هذه الحياة رُتبت لتنتهي إلى حياة أبدية، وهذا تخطيط الله عزّ وجل، تصميمه، وهندسة الكون تقتضي أن يكون في الكون حياة دنيا، هي دار ابتلاء، وحياة أخرى، هي دار جزاء, ومن لوازم التخيير الجزاء.
الأدلة من الكتاب بشأن هذا الموضوع:
الأدلة النقلية القرآنية حول هذا الموضوع, يقول ربنا سبحانه وتعالى:
﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾
تعالى الله، وتنّزه أنْ يخلق الخلق عبثاً بلا غاية، هذا النص يؤكد لو أن الله عزّ وجل خلق الخلق، ولن يُحاسبهم على أعمالهم فخَلْقه لهم جاء عبثاً، وهذا يتنافى مع حكمته، ومع عدالته، ومع علمه، ومع قدرته، فتعالى الله أن يخلق الخلق عبثًا، ومعنى المَلِك الحق، أي أن هذا الكون خُلق ليبقى، وأن الإنسان خُلق ليبقى، وما الموت إلا حالة طارئة تعتريه، لينتقل من دار إلى دار، ومن مجال إلى مجال, ولما كان احتمال العبث احتمالاً مرفوضاً عقلياً، كان لا بد من وجود حياة أخرى، تظهر فيها تطبيقات الغاية من الحياة الأولى، وهذه الحياة لا بد أن تكون مقررة في برنامج المقادير الإلهية، إنّ الله هو الملك الحق لا إله إلا هو.
دليل آخر، يقول الله سبحانه وتعالى:
﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾
وقال سبحانه:
﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾
شيء طيب, في الدنيا قد يستوون، وقد يكون المجرم الكافر المعرِض في بحبوحة، وغنى، ويسر، وقد يكون المؤمن في ضيق، وفقر، وما دام الله عزّ وجل قال:
﴿لَا يَسْتَوُونَ﴾
و:
﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ﴾
فلا بد أن يكون هناك فرق كبير بينهما.
فمن ظروف الحياة اليومية التي نعيشها، هذه الحياة تسمح للمعرضين أن يعيشوا فيها عيشاً رغيداً ناعماً، يصيبون فيه المال، والجاه، واللذّات، إذا سمحت الحياة لهؤلاء أن يعيشوا كذلك، والآية تقول:
﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ﴾
كان لا بد من يوم آخر، تتحقق فيه هذه الآية:
﴿وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ﴾
﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾
لا بد من يوم يمتاز فيه المجرمون عن المؤمنين، والمعرضون عن المقبلين، فالدنيا التي تساوي في المظهر بين المسلم وبين المعرض، هذه الدنيا، لا بد من يوم آخر يتبعها، لا يستوي في هذا اليوم الآخر المجرم مع المسلم، قال تعالى:
﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾
قد تسمح الدنيا للفاجر أن يقوى على المؤمن، قد تسمح الدنيا للمعرض أن يرتفع عن المؤمن، لكن في الآخرة كل هذا لا يكون, قال الله:
﴿تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ *إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ * قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾
وفي آية أخرى يقول عز وجل:
﴿فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ ﴾
دليل آخر, قوله تعالى:
﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾
﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى* فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾
بلى إنّ الله قادر، وهذه الآيات تؤكد أن طبيعة الحياة الدنيا تقتضي أن يكون بعد الموت حياة أخرى، يتحقق فيها العدل الإلهي المطلق، والحكمة الإلهية المطلقة، والله سبحانه وتعالى يقول:
﴿إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ ﴾
﴿إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى﴾
يعيد كل نفس بعملها، ويعيد الخلق ليجازي كلاً بعمله.
شيء آخر, يقول الله عزّ وجل:
﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً ﴾
أسماؤه سبحانه وتعالى كلها حسنى، ومن مقتضيات أسمائه الحسنى أن يثيب الصالح، وأن يعاقب الطالح، ومن لوازم أسمائه الحسنى أن يُكرم المستقيم، وأن يعاقب المنحرف، الدنيا لا تكفي، لأنّ فيها تفاوتًا كبيرًا، فلا بد من حياة أخرى تتحقق فيها أسماء الله الحسنى.
لا يمكن أن يسعد المجتمع الإنساني إلا إذا آمن أفراده باليوم الآخر:
الإيمان باليوم الآخر, مبدأ ضروري لسعادة الجماعة الإنسانية، هذه أخطر فكرة في الدرس، فلا يمكن لمجتمع إنساني أن يسعد إلا إذا آمن أفراده باليوم الآخر، لماذا؟ لأن الإنسان في المجتمع لا يسعد إلا إذا انضبط أفراده.
هذا الذي يبيعك حاجة، يبيعك زيتًا، ما الذي يضمن لك أن هذا الزيت ليس مغشوشاً؟ أنت لا تملك الإمكانية التي تكشف بها الغش, هذا الذي يعطيك هذه السلعة ما الذي يضمن لك أن ليس فيها عيب؟ فإذا خاف البائع من الخالق، وخاف اليوم الآخر، وخاف يوم الدين، يستقيم معك في البيع والشراء، أما من دون إيمان باليوم الآخر، مهما وضعنا من ضوابط يتفلت الإنسان منها، لأنّ الذي يضع هذه الضوابط إنسان، والذي يتفلت منها إنسان مثله، والعملية منافسة بين الأذكى، فقد يضع الضوابط إنسان ذكي، فيأتي إنسان أذكى منه، ويخرق هذه الضوابط, إنّ كل شيء وضعه البشر أَمكن خرقه، وأمكن الاحتيال عليه، والتلاعب به، فحتى عملياً لا تصلح الحياة إلا أن يؤمن أفراده باليوم الآخر.
حدثني أخ كريم, أنه يمكن إضافة مواد ضارة للمواد الغذائية من أجل أن يرتفع سعرها، فما الذي يضمن أن هذا الذي يصنع الغذاء سيضيف مواد حافظة بكميات زائدة عن الكميات القانونية، من أجل ضمان عدم فساد هذه المواد، وهي مواد مسرطنة، تؤدي إلى الإصابة بالسرطان؟ إذاً: كيف تستقيم حياتنا؟ هذا الذي يصنع الغذاء ويعلبه, إذا لم يخش الله عزّ وجل، وإذا علم أن الله لن يحاسبه عن كل من تأذى بهذا الغذاء, فسيقع ظلم وقهر، ولن تستقيم حياتنا، فضوابط البشر مهما دقت لا تكفي, لأن الإنسان علمه محدود، وضوابط البشر مقيدة بالمراقبة، ويستحيل أن توفر مراقباً على كل إنسان، وقد يتفقان، فتحتاج لمراقب ثالث عليهما، وقد يتفق الثلاثة فتحتاج إلى رابع, فمن المستحيل أن تضبط الأمور، إلا أن ترسخ إيمان الناس باليوم الآخر، حيث سيقف بين يدي الله عزّ وجل ليحاسبه عن كل عملٍ اقترفه، والأمثلة في مثل هذا لا تعد ولا تحصى، فالإنسان الذي تتعامل معه إذا لم يكن مؤمناً بالله، ولا باليوم الآخر, فهو وحش مخيف، فقد يحتال عليك، وقد يبتز مالك، وقد يغشك في صحتك، فيجري لك عملية جراحية لا جدوى منها.
أخ يعمل في لف المحركات، حدثني بنفسه عن مشكلة عامة تحدث في أكثر المحركات التي تحتاج للتصليح، وهي وجود سلك رفيع يكون مقطوعاً، يتم تصليحه خلال خمس ثوان, ويأخذ عليه أجرة 1500 ليرة، بينما بعد ما عرف الله عزّ وجل, يأتيه الزبون بعد أسبوع فيتقاضى منه أجراً عشر ليرات، لأن العطل لا يتطلب ذاك المبلغ, وعلى هذا فقِس.