وضع داكن
28-03-2024
Logo
العقيدة الإسلامية - الدرس : 38 - صفات الرسل 2 - هل يعقل أن يكذب الرسول ؟
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

 

صفات الرسل:

 

1- الصدق:


 أيها الأخوة, وصلنا في الدرس الماضي إلى موضوع عنوانه صفات الرسل, وقد تحدثنا عن الصفة الأولى ألا وهي الفطانة, وتحدثنا عن الصفة الثانية ألا وهي العصمة, واليوم ننتقل إلى الصفة الثالثة من صفات الرسل وهي:
 1- صفة الصدق: " فحينما وقف سيدنا جعفر رضي الله عنه أمام النجاشي, وقال له: أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام, ونأكل الميتة, ونأتي الفواحش, ونقطع الرحم, ونسيء الجوار, ويأكل القوي منا الضعيف, حتى بعث الله فينا رجلاً نعرف أمانته وصدقه وعفافه ونسبه " فالصدق من أبرز صفات الرسل عليهم السلام, ولا يرفع الإنسان عند الله بشيء إلا إذا كان صادقاً معه, وصادقاً مع نفسه, وصادقاً مع الناس, قال عليه الصلاة والسلام:

"عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ قَالْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيـــْهِ وَسَلَّمَ يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلالِ كُلِّهَا إِلا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ "

(أخرجه الإمام أحمد عن أبي أمامة في مسنده)

 فقد يكون المؤمن حادّ الطبع، وقد يكون المؤمن كثير الإنفاق، وقد يكون المؤمن مائلاً إلى الانطواء، وقد يكون المؤمن محباً للاختلاط، كل هذه الصفات لا تقدح في كرامة المؤمن ولا في مكانته, فالمؤمنون طباع, وقد قال عليه الصلاة والسلام:

" الحدة تعتري خيار أمتي"

( ورد في الأثر )

 أما أن يكون المؤمن كاذباً أو خائناً فهذا يتنافى مع إيمانه, لا يجتمع إيمان وكذب, ولا إيمان وخيانة, فالصدق صفة بارزة من صفات الأنبياء عليهم السلام, وهي من أبرز صفات المؤمن, لماذا؟ لأن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين, فإذا اصطفى الله إنساناً بالوحي, وكلفه تبليغ رسالاته للناس, وزوده بالمعجزة التي تشهد بصدقه أنه رسول.

هل يعقل أن يكذب الرسول ؟

 فهل يُعقل أن يكذب الرسول؟ اصطفاه الله, وهو العليم الخبير, اصطفاه الله بالوحي وكلفه تبليغ رسالاته للناس وأيّده بالمعجزات التي تؤكد صدقه, أفيعقل بعد هذا أن يكذب؟ فهذا شيءٌ في علم العقائد مستحيلٌ عقلاً، من الذي اختاره؟ العليم الخبير، فلو أنه كذب على الله لكان اختيار الله غير صحيح, إذاً هذا الذي اصطفاه الله وأيّده وكلّفهُ بالتبليغ لا يُعقل أن يكذب.
 الرسول مؤيد بالمعجزة, فلو كذب قبل المعجزة لكانت المعجزة تأييداً للكذب, ولو كذب بعد المعجزة لكانت المعجزة تأييداً للكذب, وهذا الذي أمسك العصا فإذا هي ثعبان مبين, فما معنى هذا؟ أيها الناس, إني رسول الله فإذا نطق بالكذب قبلها أو بعدها, فالمعجزة أصبحت تأييداً للكذب, وهذا مستحيل عقلاً, ولا يليق بحضرة الله سبحانه وتعالى أن يصطفي رسولاً يكذب عليه, ولا يعقل أن يكذب النبي على ربه، ولا أن يُكذّبه, فالرسول في العقيدة الصحيحة التي يجب أن يعلم بالضرورة أن يكون صادقاً قطعاً في كل ما يبلغ عن ربه, لذلك فسيدنا سعد قال:

" ثلاثة أنا فيهن رجل, وفيما سوى ذلك فأنا واحد من الناس, ما سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حق من الله تعالى, انتهى الأمر, من عند الخبير، من عند العليم، الخالق، الذي لا يغفل، الغني، رب العالمين، ولا سِرتُ جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول حتى أنصرف منها، ولا دخلت في صلاة فشغلتُ نفسي بغيرها حتى أقضيها, وفيما سِوى ذلك فأنا واحد من الناس "

( قول مأثور )

 لو أن الرسول كذب في موضوعات غير شرعية ليس لها علاقة بالدين كعلاقته مع زوجته في بيته، أو مع أقربائه و جيرانه، فهذا الكــذب في موضوعات لا علاقة لها بالدين يسبب الشك في رسالته كلهــا، فالذي يكذب في علاقته مع الآخرين يكذب عن الله عزّ وجل، ولذلك لا تثبت رسالة الرسول إلا بالصدق، وإياك أن تسمح لنفسك أن تعتقد أنَّ رسول الله يكذب في أمور, لا علاقة لها بالدين أبداً, لا تثبت رسالة الرسول إلا بالصدق في كل أحوال النبي عليه الصلاة والسلام، حتى أن الإيماء ليس من أخلاق الأنبياء، أي يقوم بغمز واحد افعل كذا، فهذا الإيماء كأنهُ في شيء ظاهر وشيء باطن, قال عليه الصلاة والسلام:

" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَسَنٍ قَالَ قَدِمَ الْحَجَّاجُ فَسَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ وَالْمَغْرِبَ إِذَا وَجَبَتِ الشَّمْسُ وَالْعِشَاءَ أَحْيَانًا كَانَ إِذَا رَآهُمْ قَدِ اجْتَمَعُوا عَجَّلَ وَإِذَا رَآهُمْ قَدْ أَبْطَئُوا أَخَّرَ"

(أخرجه النسائي عن محمد بن عمرو بن حسن في سننه)

المعجزة دليل صدق الأنبياء:

 سيدنا موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، أشار في خطابه إلى فرعون بأنه شاهد المعجزة, وهذه المعجزة دليل صدقه في النقل عن ربه, هذه المعجزات التي تأتي بها الأنبياء, هي دليل صدقهم وأنهم رسل من عند الله:

﴿وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾

)سورة الأعراف الآية: 104-105(

شهادة الله لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام بأنه لا ينطق عن الهوى:

 وربنا عزّ وجل شهد لهذا النبي المصطفى عليه أتم الصلاة والتسليم، قال:

﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾

(سورة النجم الآية: 3-4)

 فعلماء الأصول قالوا: هناك وحيٌ متلو, وهو القرآن، وهناك وحي غير متلو, وهو ما صح من الحديث الشريف, بل إن الذي يُنكر الأحاديث الصحيحة المتواترة يُعدّ كافراً, كما لو أنه أنكر كلام الله, فليس من حق أحد على وجه الأرض أن يُكفّر الناس, يجب أن يقف الإنسان موقف السيد المسيح عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام, قال:

﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

(سورة المائدة الآية: 118)

 وهذا تدخل في شؤون الله عزّ وجل, فبدل أن تكفره، اسعَ في هدايته, ومن قال:

" هلك الناس فهو أهلكهم "

( ورد في الأثر )

 قال الله:

 

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً ﴾

 

(سورة النساء الآية: 170)

 

إذا تكلم المؤمن خلاف ما يعتقد من الحق فقد خان رسالة الله:

 إذا تشرّف إنسان " فالله عزّ وجل رفعه وشرّفهُ " في أن يدعو إلى الله, فلو أنه تكلم بخلاف قناعاته، ولو أنه سكت عن حقيقة يعرفها, أو بالغ في حقيقة أو قصّر عن إلقاء الحق، فقد خان الرسالة وخان الأمانة، وفي ذلك قال الله عزّ وجل:

﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً﴾

(سورة الأحزاب الآية:39)

  لو أن أحداً قال لك: هذه حرام, وأنت تعلمها حراماً, وأردت ألا تزعجه، وألا تحرجه, وأن تبقى لك معه مصالح، وأن تنتفع منه، فقلت له: لا, هذه حلال فقد سقطت من عين الله عزّ وجل؟ لأن يسقط أحدنا من السماء إلى الأرض فتتحطم أضلاعه أهون من أن يسقط من عين الله, يجب ألا تأخذك في الله لومة لائم وأن تنطق بالحق, وكلمة الحق لا تقطع رزقاً ولا تقرّب أجلاً.

ينبغي على المسلم أن يكون كلام الله فوق كل شيء:

  وقد قال لي أحدهم مرة: سعر كل سيارة هبط بمقدار 200 ألف ليرة، فإذا عمل إنسان تصريحاً صغيراً يُغيّر أسعار كل الحاجات، وربنا عزّ وجل خالق الكون ومنزل القرآن الكريم ستمئة صفحة فيه وعد ووعيد، وإنذار و إعذار، وتوضيح و تصريح, ألا يستحق خالق الكون أن تصدقه وأن تطيعه ؟ لو خاف الناس من ربهم كما يخافون من بعضهم لدخلوا الجنة, إذاً تعلم أن هذا الإنسان إذا قال فعل: وهو يملك أن يؤذيك, وقال: هذا ممنوع, فهل تفعله؟ لا والله لا تفعله, كيف تسمح لنفسك أن تصدق إنساناً وأن تطيعه, ولا تفكر في أن هذا القرآن من عند الله, وفيه أوامره ونواهيه ما لَكَ أين أنت؟ لذلك قال الإمام الجنيد: " ليس الولي من يفعل خوارق العادات ولكن الولي من تجده عند الأمر والنهي في الملمات" فالله عزّ وجل السميع البصير، بيده كل شيء, قال الله:

﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾

(سورة الحديد الآية: 4)

 

هل من المعقول أن يكذب رسول الله ويتركه الله من دون عقاب ؟

  لو أنّ رسوله كذب عليه, أيتركه هكذا؟ ويقول أحدهم: والله ما عندي علم سمعتها من إنسان، لم يبلغني ذلك أنه كَذَبَ عليّ هكذا سمعتها، أمّا خالق الكون, قال الله:

﴿سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾

(سورة المجادلة الآية: 1)

﴿ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ﴾

(سورة طه الآية: 7)

  ولو أنَّ نبيه كَذَبَ عليه أيتركه سُدى؟ اسمعوا الآية:

 

﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ﴾

 

(سورة الحاقة الآية: 44-47)

 فلو تكلم كلمة واحدة من عنده لعاقبه الله عزّ وجل, ولكَشفَ هذا الكلام الذي لا يُطابق الرسالة، ولما طلب المشركون من النبي عليه الصلاة والسلام أن يأتي بقرآن غير هذا القرآن, أو يبدّل فيه الآيات التي تمسُ معتقداتهم.

الأدلة من الكتاب على نفي الكذب من الرسل:

 قال الله:

﴿ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي ﴾

(سورة يونس الآية: 15)

  هذا شيء مستحيل, قال تعالى:

 

﴿ مَا يَكُونُ لِي﴾

 

(سورة يونس الآية: 15)

 من أشد أنواع النفي, ومعنى قوله تعالى:

﴿أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي ﴾

(سورة يونس الآية: 15)

 هذه إشارة إلى وجود الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، بل إن هذا هو الدليل, وهناك أدلة أخرى، قال الله تعالى:

﴿ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ﴾

(سورة النساء الآية: 43)

 فبحسب ظاهر النص الخمر مباحة في خارج الصلاة, وهذه الآية منسوخة قولاً واحداً، إذاً في القرآن الكريم آية ناسخة وآية منسوخة, وهناك أدلة كثيرة عليها, وهناك حكمة بالغة من الإثبات, ومن النسخ, ومن بقاء الآية بعد النسخ, قال الله:

﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾

(سورة يونس الآية: 15)

 أنا متبع, قال تعالى:

 

﴿ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ ﴾

 

(سورة يونس الآية: 15)

 هذه وظيفتي وهذا قدري, ولا أستطيع أن أزيد فيه ولا أن أنقص منه, ولا أن أبدل، ولا أن أٌغيّر، ولا أن أُعطل, هذه أمانة التبليغ, و الذين يذهبون إلى مقام النبي المصطفى عليه أتم الصلاة والتسليم, ماذا يقولون في حضرته:

" أشهد أنك بلّغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وكشفت الغمة ومحوت الظلمة وجاهدت في الله حق الجهاد وهديت العباد إلى سبيل الرشاد "

( ورد في الأثر )

  الله علّمه أن الذي يفتري عليه الكذب هو من أشد أنواع الظلم, قال تعالى:

 

﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ﴾

 

(سورة يونس الآية: 17)

ما هي علاقة المؤمن بموضوع الأنبياء في نفي الكذب عنهم ؟

 قد يقول قائل: الأنبياء لا يكذبـون, هم صادقون مصدّقون مئة في المئة, ونحن المؤمنين ما علاقتنا بهذا الموضوع ؟ إذا خرجت عن الحقيقة, و سكتّ عن الحق, أو نطقت بالباطل, فهذا يخرجك من الإيمان، المؤمن لا يكذب، إذا أفتيت للناس بفتوى ترضيهم بها, وتُغضب الله عزّ وجل, أليسَ هذا كذباً على الله؟ وعلاقتنا من هذا الموضوع يجب أن نعتقد اعتقاداً جازماً أنَّ المؤمن إذا كذب فقد خرجَ من إيمانه, لأنَّ المؤمن لا يكذب و هكذا قال عليه الصلاة والسلام.
 ألم تسمعوا بأن أحد المتحدثين الأجلاء حينما رحل من المدينة إلى البصرة ليتلقى حديثاً عن رجل في البصرة, رآه عن بعدٍ, وقد وضع طرف ردائه موهماً فرسه أن فيها شعيراً, فلما اقترب منه لم يجد شيئاً فلم يكلمه, وعاد من حيث أتى, هذا كذاب, وما دام أن هذا الإنسان كذاباً لا يليق أن نأخذ منه حديثاً عن رسول الله عليه الصلاة والسلام, و الإمام البخاري جمع ستمئة ألف حديث, واختار منها تسعة ألاف حديث فقط, فصحيح البخاري فيه تسعة آلاف حديث فقط مختارة من ستمئة ألف حديث جمعها في صحيحه, كم بذل من جهد؟ أجمــع أهل المِلل والنحل والشرائع بلا استثناء, أنه لا يتم إثبات رسالة رسول إلا بالصدق، لأن الأنبياء والمرسلين جميعاً صادقون فيما بلّغوا عن ربهم, وهذا كلام قيّم جداً, فإذا قرأت حديثاً شريفاً فهذا ليس من عند رسول الله و ليس اجتهاداً, هذا وحيٌ من عند الله, فمخالفته مخالفة لأمر الله, وطاعته طاعة لله، ولذلك فربنا عزّ وجل قال:

﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾

(سورة الحشر الآية: 7)

  و قال ربنا عزّ وجل:

 

﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾

 

(سورة النساء الآية: 80)

2- التبليغ:

 الصفة الثانية من صفات الرسل عليهم الصلاة والسلام, صفة التبليغ: لاحظنا أيها الأخوة, أن الرسول مبلّغٌ عن الله تعالى, وأن الله اصطفاه لهذه المهمة, وأنه أمره بتبليغ جميع أحكامه وشرائعه للناس, وذلك بمقتضى قول الله عزّ وجل:

﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾

(سورة المائدة الآية: 67)

 قال تعالى:

﴿يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ﴾

(سورة المائدة الآية: 67)

 أي لن يستطيع أحد أن ينال منك, أو أن يقتلك.
  وآية أخرى:

﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً * لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً ﴾

(سورة الجن الآية: 26-28)

 الله عزّ وجل سيسأل الأنبياء, هل بلّغتم رسالاتي:

 

﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾

 

(سورة الزمر الآية:71)

 أن الرسل معصومون عصمــة تامة عن مخالفـة أمر الله، ومعصومون من أن يقتلوا، والنبي عليه الصلاة والسلام عصمه الله من أن يُقتل, والأنبياء جميعاً والرسل جميعاً معصومون من أن يعصوا الله عزّ وجل, فلو عصوا الله عزّ وجل, والناس مكلفون باتباعهم لصار التبليغ باتباع المعصية, ولصار أمر الله أن تعصي الله، وهل يأمرك الله أن تُطيع هذا الرسول وهو يعصي الله, كأنَّ الله يأمرك أن تعصيه, والله سبحانه وتعالى لا يأمر بالفحشاء؟ معنى أن الرسول عليه الصلاة والسلام مكلفٌ بالتبليغ, أي لا يمكن أن يكتم من الحق شيئاً، هذا شيء مستحيل بحق الرسل, وهم معصومون أن يكتموا شيئاً أمرهم الله بتبليغه, لأنَّ الله عزّ وجل ما اختارهم لحمل رسالته إلاّ ليقوموا بتبليغ شرائعه.

ما هو الدليل على عدم كتمان الرسل رسالات الله ؟

  وما الذي يؤكد أنهم لم يكتموا شيئاً مما أُمروا به؟
1- أن الله عزّ وجل شهد لهم بأنهم فعلوا ذلك في مناسبات كثيرة.
2- أنَّ الله وقد ذّم أهل الكتاب الذين يكتمون شيئاً من التوراة والإنجيل فلم يرض منهم هذا الكتمان وهم أفراد عاديين، فكيف يرضاه ممن اختارهم لحمل رسالته؟ وهل يسكت عنهم لو كتموا شيئاً؟ لذلك قالوا:

" الساكت عن الحق شيطان أخرس"

( قاعدة فقهية )

 لو أن النبي عليه الصلاة والسلام كتم شيئاً أنزله الله إليه, وأمره بتبليغه, لكتم ما قاله الله بحقه حينما قال:

﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى﴾

(سورة عبس الآية: 1)

 ولكم قصة زينب التي أمر النبي عليه الصلاة والسلام بالزواج منها بعد أن كانت مطلقة لمتبنّاه زيد, قال الله:

﴿ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ﴾

(سورة الأحزاب الآية: 37)

﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ﴾

(سورة التوبة الآية: 43)

 فلو كان بالإمكان أن يكتم النبي العدنان شيئاً من القرآن لكتم هذه الآيات، إذاً يجب أن نعتقد اعتقاداً جازماً في حق الرسل, أنهم بلّغوا جميع ما أمرهم الله بتبليغه " اللهم قد بلغّت, اللهم فاشهد " لأنَّ الكتمان ضد التبليغ, فإذا وجبت لهم صفة التبليغ امتنعت عنهم صفة الكتمان، هذه الصفة, صفة التبليغ من صفات الرسل عليهم الصلاة والسلام.

3- العصمة من الأمراض المنفرة أو ما يخل بأداء رسالتهم:

  ومن صفات الرسل أيضاً, أنهم لا يتعرضون للأمراض المنفّرة: هناك أمراض جلدية منفّرة, أو أمراض لا يرتاح الإنسان لمنظرها, حدثتكم عن الأحنف بن قيس: كان قصير القامة, أسمر اللون، غائر العينين، مائل الذقن, خفيف العارضين، ليس شيء من قبح المنظر إلا وهو آخذ منه بنصيب, وكان مع ذلك سيد قومه, إذا غضب، غضب لغضبته مئة ألف سيف لا يسألونه فيم غضب, لكن النبي الكريم جمع الحسنيين, جمع كمال الخلقِ والخُلق, وهكذا يكون الكمال, يجب أن يكون النبي عليه الصلاة والسلام حتى في خلقه مثلاً أعلى, قال الشاعر:

وأحسن منك لم تر قط عيني   وأجمل منك لم تلد النساء
خلقت مبرءاً من كل عيـب   كأنك قد خلقت كما تشاء

  وفي روايات, أنَّ بعض الأنبياء ظهر الدود من جلودهم, وهي أوصاف مُبالغ فيها كثيراً، كيف يستطيع الناس أن يجلسوا أمام هذا النبي؟ لذلك لا تعترض أبدان الرسل عليهم الصلاة والسلام لما يُنفّر الناس منهم, لكن ليس معنى ذلك أن النبي لا يمرض, لا, الأمراض العادية تُصيبه، لأنه بشر،

" اللهم إني بشر أرضى كما يرضى البشر"

( ورد في الأثر )

 وسوف نتابع بقية صفات الرسل عليهم الصلاة والسلام في درس آخر إن شاء الله تعالى.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور