الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الاستدلال بالمعجزة التي يجريها الله على يد النبي من الأدلة القطعية على رسالته:
أيها الإخوة المؤمنون؛ مع الدرس الواحد والثلاثين من دروس العقيدة.
لازلنا في موضوع الإيمان بالرسل، وقد تحدثنا في الدرس الماضي عن الدليل الثالث على الإيمان بالرسل، وهو ما ورد في الكتب السماوية السابقة من بِشارات بالأنبياء بسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، واليوم ننتقل إلى الدليل الرابع من الأدلة على صدق إرسال الرسل ونبوة الأنبياء.
الدليل الرابع هو الاستدلال بالمعجزة التي يجريها الله سبحانه وتعالى على يد النبي، فحوى الرسالة، وشخصية النبي صلى الله عليه وسلم، والأدلة النقلية الأخبار الصحيحة التي وردت في الكتب السماوية.
واليوم الدليل الرابع هو المعجزة التي يجريها الله سبحانه وتعالى على يد النبي.
لقد علمنا من تاريخ الأمم أن كل أمةٍ جاء فيها رسول يدّعي النبوة كانت تطلب منه برهاناً على صدقه، ومن حقها أن تطالب بهذا البرهان إن لم يحصل لها العلم بنبوته من طريق آخر، وذلك للتثبت من صحة نبوته، يشهد بهذا قول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلا أُعْطِيَ مَا مِثْلهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَة. ))
أي كل نبي الله سبحانه وتعالى أيّده بمعجزة تُثبت لقومه أنه نبي، ما المعجزة؟ المعجزة أمر ممكن عقلاً، خارق للعادة ممكن عقلاً، أي الذي خلق الماء أعطاه هذا التركيز، هذه السيولة، هو الذي صممه هكذا، هو قادر على أن يجعله طريقاً يبساً، فالمعجزة ممكنة عقلاً ممتنعة عادةً، لذلك لا تُجرى إلا على يد النبي، تأكيداً للناس على أن هذا هو نبي مرسل من عند الله سبحانه وتعالى.
فالمعجزة أمر ممكن عقلاً، ممتنع عادةً، يجريها الله على يد من أراد أن يؤيده ليثبت بذلك صدق نبوته وصحة رسالته.
أن تنقلب العصا أفعى، ثعباناً مبيناً، أن يضرب موسى بعصاه الحجر فتنفجر اثنتا عشرة عيناً، هذه معجزة، أن يأتي سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام فيحيي الميت، ويبرئ الأكمه والأبرص، ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله، أن يُنْبِئهم ما في بيوتهم، ماذا يعلم الإنسان عما في بيوت بعضنا بعضاً؟ هذه أشياء لا يستطيع بشر أن يفعلها، إنها فوق إمكانات البشر، الحواجز المادية تحجب علم البشر، أنا ما الذي يُعْلمني ماذا في بيتك؟ لأن البيت حاجز يمنع العلم عن أن يصل إليك، فسيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم كان يُنْبِئهم ما في بيوتهم، أبرأ الأكمه، أبرأ الأبرص، أحيا الموتى، سيدنا موسى أمسك العصا فإذا هي ثعبان مبين، نزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين، ضرب البحر فأصبح طريقاً يبساً، ضرب الصخر فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً، هذه كلها أشياء ممتنعة عادة، مُمكنة عقلاً، خالق الكون بإمكانه أن يفعل ما يشاء، هو على كل شيء قدير، قال الله:
﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)﴾
كلمة واحدة، مما تعلمنا في الكيمياء أن العناصر لها نواة،

وحول النواة كهارب، هناك عنصر حوله كهروب واحد، هذا أبسط العناصر، هناك عنصر حوله كهروبان، ثلاثة، أربعة، وهكذا، فهناك عنصر بنيته صُلْبة، وهناك عنصر آخر بنيته غازية، والعناصر كما تعرفون إما أن تكون صُلبة كالمعادن وأشباه المعادن، وإما أن تكون سائلة، وإما أن تكون غازية، فبين عنصرين أحدهما صُلب والآخر غازي كهروب واحد، فلو أن الله سبحانه وتعالى أجرى تعديلاً طفيفاً على بنية العنصر كان غازاً فصار صخراً، كان ماءً فصار طريقاً يبساً، فعقلاً المعجزة ممكنة عقلاً، هو الخالق، هو المصمم، هو المخطط، الذي أعطى الحديد هذه القساوة يمكن أن يجعله ليناً، قال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10)﴾
الذي جعل خلق الإنسان عن طريق أب وأم يمكن أن يجعله عن طريق أبٍ من دون أم، أو عن طريق أمّ من دون أب، فالمعجزة كما تحدثنا عنها في دروس سابقة حينما وصلنا إلى موضوع واجب الوجود والمستحيل والممكن، فأي شيء آخر غير الشيء الذي هو عليه الكون ممكن، ممكن أن يكون الماء صلباً والحديد سائلاً، ممكن أن يعيش الإنسان بدون طعام، الذي صممه أنه يعيش بطعام ممكن أن يصممه أن يعيش من دون طعام، كل شيء ممكن، لذلك ربنا عزّ وجل قال:
﴿ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8)﴾
لكن هذا الذي هو عليه الإنسان هو ليس في الإمكان أبدع مما كان، هو أنسب وضع له، فهذا الذي ينكر وقوع المعجزة قد عطّل تفكيره، هذا الكون من صممه؟ خالقه، مادام قد صممه على هذا الوضع فبقدرة الخالق أن يصممه تصميماً آخر على وضعٍ آخر، النار من أعطاها قدرة الإحراق؟ الله سبحانه وتعالى، الذي أعطاها قدرة الإحراق يستطيع أن يسلبها هذه القدرة، قال تعالى:
﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)﴾
لولا أن الله عزّ وجل قال: ﴿وَسَلامًا﴾ لمات من شدة البرد وهو في النار، ﴿بَرْدًا وَسَلامًا﴾ أي إذا فكّرت في الكون تستشف عظمة الخالق، عندئذ لا تستبعد أن تقع أية معجزة يجريها الله عزّ وجل على يد نبيه، فالإيمان بالمعجزة أمر ممكن عقلاً ممتنع عادة، لا يستطيع أن يفعلها سائر البشر، لذلك حينما يأتي النبي بهذا فهذه شهادة من عند الله بأن هذا الرسول رسولي وهو صادق فيما يقول.
ذلك لأن الذين يتحداهم الرسول بالمعجزة بشراً أو غيرهم لا يستطيعون الإتيان بمثلها منفردين ولا مجتمعين، في حدود قدراتهم الممنوحة لهم بحسب مستواهم، وإذا استجاب الله لطلب المعجزة –هنا يوجد عندنا نقطتان-أحياناً يُجري الله سبحانه وتعالى المعجزة على يد النبي من دون أن يُطالَبَ بها، وأحياناً يُطالَب بها، تأتي بعد الطلب وقد تأتي من دون طلب، فإذا جاءت من دون طلب فمعنى ذلك أن حكمة الله سبحانه وتعالى اقتضت أن تؤيد هذا النبي الكريم بهذه المعجزة، وإن طُولب بها النبي فكان الإتيان بها تحدياً لهؤلاء المعاجزين الذين علقوا إيمانهم بهذا النبي على أن يأتي لهم بمعجزة.
1 ـ أن تكون خارقة للعادة:
العلماء وضعوا بعض الشروط للمعجزة، منها أن تكون من الأمور الخارقة للمعتاد، المألوف في قوانين الكون وأنظمته الدائمة، مثلاً لو أن إنساناً أُصيب بمرض، وجاء الطبيب وفحص المريض، وعرف الداء، وشخّص له الدواء، وتناول الدواء، وشُفِي الداء، هذا أمر ممكن عادة، فلا يسمى إبراء هذا المريض معجزة، ولكن أن يأتي نبيّ كريم فيضع يده على هذا المريض فيشفى، يضع يده على عينيه فيبصر، يضع يده على جلد الأبرص فيعود جلداً ناصع البياض، متألقاً، هذا هو الخارق للعادة، يجب أن تكون المعجزة خارقة للعادة، أما إن كانت وفق مألوف العادة لا ترقى إلى مستوى المعجزة.
2- أن يتحدى بها النبي من تناولتهم دعوته وشملتهم رسالته:
شيء آخر؛ أن يتحدى بها النبي من تناولتهم دعوته، وشملتهم رسالته، فإن جرى خارق العادة على يد غير مدع الرسالة، المتحدي بالإتيان بمثلها فإنــها لا تكون معجزة، وقد تكون كرامة، أي يجب أن تتم هذه على يد النبي نفسه، فلو تمت على يد آخر هذه ليست معجزة إنما هي كرامة.
الشرط الأول أن تكون من خوارق العادات، والشرط الثاني أن تجري على يد النبي نفسه لتكون دلالة قطعية على صدق رسالته.
3- أن تعجز الأمة عن معارضتها:
أن تَعجز الأمة وجميع البشر عن المعارضة بمثلها على الصورة الخارقة التي تمّ تحديهم بها، أي أن يصل الإنسان إلى كوكب بمركبة، هذا ليس معجـزة، لأن قوانين الأرض كلها طُبقت على هذه المركبة، فهذه المركبة فيها ضغط جوي، فيها هواء، فيها طعام، فيها اتصال لاسلكي، هذه البذلة الفضائية التي ارتداها رواد الفضاء فيها ضغط كاف، فيها تنفس، فيها هواء مضغوط،

فحينما يتم خرق العوائد وفق قوانين الأرض هذا لا يُعدّ معجزة، ولكنه يجب أن تتم هذه المعجزة خلافاً لقوانين الأرض، حتى إن صعود الإنسان إلى القمر كان وفق قوانين الأرض، ما هي المركبة الفضائية؟ هي جميع الشروط المتوافرة على سطح الأرض جُعِلت في هذه المركبة، ما هي البذلة الفضائية التي ارتداها رواد الفضاء وهم على سطح القمر؟ جميع الشروط المتوافرة على سطح الأرض توافرت في هذه البذلة، إذاً هذا وفق قوانيــن الأرض، لكن الإسراء والمعراج معجزة، لأنها خلاف القوانين التي ألِفها البشر، ولكن هذه المعجزة ليست للناس، إنها خاصة بالنبي عليه الصلاة والسلام:
﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)﴾
أضاف علماء الكلام شرطاً رابعاً للمعجزة، ويشترط في المعجزة بالإضافة إلى الشروط السابقة ألا يكون الأمر الخارق للعادة متضمناً تكذيب مدّعي النبوة، الذي جرى هذا الأمر الخارق على يديه، قد يأتي على يديه أمر خارق لكن يُكذبه، لا يصدقه، ما معنى ذلك؟ قال: كما حُكِي أن مسيلمة الكذاب لما قيل إن محمداً وضع يده على عين أرمد فشفيت فأرنا مثل ذلك؟ فوضع يده على عين أرمد فعميت، هذا العمل خارق للعادة لكنه كذّبه ولم يصدقه، أما إذا طُلِبت المعجزة تعنتاً، وشططاً، واستخفافاً، واستهزاءً فأغلب الظن أن الله سبحانه تعالى لا يستجيب لهؤلاء المتعنتين، أنت كمعلم حينما تُسـأل بدافع الفهم تُجيب، أما حينما تُسأل بدافع آخر لا تجيب، قال تعالى:
﴿ وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132)﴾
أي افعل ما شئت لن نؤمن بك، إذاً هؤلاء القوم لا يستحقون أن يُجري الله لهم معجزة، كفار قريش طلبوا من النبي عليه الصلاة والسلام بعض المعجزات تعنتاً، واستهزاء، وسخريةً، وتعجيزاً:
﴿ وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93)﴾
قلت تعليقاً سريعاً: إن الذي يتعامى عما في الكون من معجزات، الكون بوضعه الراهن، بأنظمته الطبيعية، بسننه الثابتة، بقوانينه المُحْكَمة هو بحدّ ذاته معجزة، فمن تعامى عن هذه المعجزة لن يؤمن بخرق هذه العوائد، لذلك قيل: حسبكم الكون معجزة.
الكون بما فيه دليل على المعجزة:
الشمس، ستة آلاف درجة على سطحها، عشرون مليون درجة في باطنها، مضى على تألقها خمسة آلاف مليون عام، من أين تأتي الشمس بهذه الطاقة؟ الأرض تبعد عنها مئة وستة وخمسين مليون كيلو متر، هناك نجمٌ يسع الشمس والأرض مع المسافة بينهما، هناك مجرة تبعد عنا ستة عشر ألف مليون سنة ضوئية، هناك ثقوب بالفضاء سوداء إذا دخلتها الأرض أصبحت كالبيضة وحجم البيضة مع وزنها نفسه.
خَلق الإنسان معجزة، هذا القلب الذي ينبض في رحم الأم، قلب الجنين الذي ينبض وهو في الرحم، ليس هناك هواء، وليس هناك رئة،

الرئة معطلة والهواء غير موجود، فالله سبحانه وتعالى لحكمة بالغة جعل بين الأُذينين ثقباً، للقلب أذينان وبطينان، بين الأذينين هناك ثقب الذي اكتشفه عالم اسمه: بوتال، هذا الثقب يسمح بمرور الدم من الأذين الأيسر إلى الأذين الأيمن، لأن الدم يتلقى ويتجدد ويكسب الأوكسجين عن طريق دم الأم من خلال المشيمة، فيأتي الدم إلى الأذين الأيسر فينتقل عبر هذا الثقب إلى الأذين الأيمن في الجنين، هذا الجنين خرج إلى الدنيا وأمسكته القابلة من قدميه، واستنشق الهواء أول مرة، وصرخ صرخته المعهودة، ما الذي حصل؟ هكذا الأطباء قالوا، قال: تأتي جلطة فتغلق هذا الثقب،

والله هذه معجزة، لو أن الإنسان بقي ثقبه مفتوحاً لأصيب بمرض اسمه: مرض الـزرق، داء الزرق، أي هذا المرض لا يسمح للإنسان أن يعيش فوق عشر سنوات، يحتاج لكي يسير أمتاراً إلى جهد كبير، دمه أزرق، لأن الدم بدل أن يذهب إلى الرئة ليتخلص من غاز الفحم ويأخذ الأوكسجين من الهواء الخارجي، ينتقل مباشرة عبر هذا الثقب إلى الأذين الأيمن، إذاً يبقى الدم غير نقي، من أين يأتي الإنسان بالطاقة؟ يحتاج إلى أوكسجين لحرق المواد السكرية،

إذاً لا يوجد طاقة، لو أن هناك عملية جراحية مُعقدة تُجرى لهذا الإنسان، العلماء قالوا: احتمال نجاحها ثلاثون بالمئة، وتكلف أكثر من مئتين إلى ثلاثمئة ألف ليرة، يحتاجون إلى شقّ الصدر بالمنشار، وتوسيع هذه الرِّيَش، وإخراج القلب من مكانه، وقطع الشرايين الكبرى، ووصلها بقلب صناعي، وشقّ القلب، وفتح الجدار بين الأذينين، وإغلاق هذا الثقب عن طريق الخياطة، وبعدئذٍ يمسدون القلب، إما أن يتحرك وإما أن يُقال: عظّم الله أجركم، احتمال الموت بالمئة ستون أو سبعون، يد من وصلت إلى هذا الثقب وأغلقته؟
الأطباء قالوا: تأتي جلطة، لوحدها جاءت؟ ألا يوجد أحد سيّر هذه الجلطة؟ تأتي جلطة فتغلق هذا الثقب، هذه معجزة.
هذا الصوص وهو داخل البيضة كيف يخرج منها؟ ضعيف، ينمو له على منقاره نتوء مدبب حاد يستطيع به أن يكسر هذه القشرة، فإذا كسرها وخرج تلاشى هذا النتوء، أليس هذا معجزة؟

طائر يطير من شمال أمريكا إلى جنوبها، ويقطع سبعة عشر ألف كيلو متر، أطول رحلة يقودها ستاً وثمانين ساعة طيران متصلة، هل في الأرض كلها طائرة تطير في الجو ستاً وثمانين ساعة متصلة؟ أطول رحلة عبر الأطلسي يقول لك: تكسّرنا عشر ساعات قبل الكونكورد، الآن أربع أو خمس ساعات، عشر ساعات تكسّر إذا الطائر طار ستاً وثمانون ساعة طيران، أليس هذا معجزة؟

أن يأتي سمك من أعالي الأنهار في أمريكا ويتجه نحو المحيط الأطلسي إلى أن يصل إلى غرب أوروبا، ينمو ويكبر، ثم يعود إلى مسقط رأسه، هذا السمك وهو على سواحل فرنسا أو سواحل إسبانيا يتجه غرباً إلى مسقط رأسه، لو كانت زاوية اتجاهه درجة زيادة يأتي إلى شمال أمريكا، فكيف يتجه هذا السمك وهو تحت الماء إلى مصب الأمازون؟ كيف يرسم له هذا الطريق؟ أليس هذه معجزة؟ سمك من أعالي النيل، ثعبان الماء،

يخرج من أعالي النيل إلى البحر المتوسط يتجه غرباً إلى مضيق جبل طارق، يصعد شمالاً على سواحل إسبانيا، ثم يدخل بحر المانش ليصل لبحر الشمال ويعود من حيث جاء، والله ربان يحمل دكتوراه في علم البحار من دون بوصلة ومن دون إحداثيات واتصال لاسلكي يضيع، يقول لك: أنا تائه، فمن علم هذا الثعبان ثعبان الماء أن يصل إلى مقره؟ وسمك السلمون؟ والطائر؟ الحقيقة والله لا ساعة ولا خمس ساعات ولا سنة ولا عمر يكفي لبيان ما في الكون من معجزات.
لذلك أنا أريد أن أؤكد لكم أن الكون بحدّ ذاته هو معجزة، كما قيل: حسبكم الكون معجزة.
خلق الإنسان، تحدثنا عن المخيخ يوم الجمعة، مجموعة خيوط عصبية، وزنه مئة وخمسون، تعوض للإنسان جهده، التوازن، هل التوازن سهل؟ التوازن عملية بالغة التعقيد، أن تمشي على قدميك، أن تقف، أن تركع، أن تسجد، أن تقوم، لولا هذا الجهاز العصبي بالغ التعقيد لما أمكنك أن تفعل هذا،

لكن لو كان أحدهم في الطريق يمشي وشاهد أفعى ماذا يحدث له؟ من منكم يصدق أن هناك أعمالاً داخلية تجري في الجسم لا يُصدقها العقل، إذا وقعت عين إنسان على منظر أفعى فإن هذه العين تنقل الصورة إلى الدماغ، يتم الإسقاط بالعين وتنتقل الصورة عبر العصب البصري إلى الدماغ، الدماغ يترجم هذه الصورة، في الدماغ إدراك وفي العين إحساس، الدماغ يدرك أن هذه أفعى وخطيرة وسمّها خطير، وقد تكون لدغتها مميتة، الدماغ ملك الجهاز العصبي يأمر ملكة الجهاز الهرموني وهي الغدة النخامية، ملكة، جميع الغدد الصماء في الجسد تأتمر بأمر ملكة واحدة هي الغدة النخامية، لا يزيد حجمها على حبة العدس في الدماغ، الدماغ يأمر ملكة الغدد النظام الهرموني عن طريق ضابط اتصال،

هناك ضابط اتصال بين المخ وبين الغدة النخامية، هذا الضابط هو الجسم تحت السرير البصري، في جذع الدماغ، الغدة النخامية تعطي أمراً عاماً إلى الكظر، غدة فوق الكلية، الكظر أمر عام، هناك خطر أيها الكظر تصرف، هذه كلها كلمات مجازية، ليس هناك إلا الله عزّ وجل، الكظر يُصدر أمراً هرمونياً، أول أمر يصدره إلى كل الشرايين والأوردة بتضييق لمعتها لتوفير الدم للعضلات، تجد الإنسان له وجه أزهر، مورّد، فإذا خاف اصفرّ وجهه، أين ذهب لونه الأحمر؟ أين هذا اللون الوردي الجميل؟ لأنَّ الكظر أعطى أمراً لكل الشرايين لتضييق اللمعة، هذا الدم الذي وفرناه من الشرايين سيتجه إلى العضلات ليعينها على مواجهة الخطر، هذا أول أمر، الخائف يصفرّ لونه، لماذا يصفرّ لونه؟ لأن هناك أمراً هرمونياً أصدره الكظر إلى كل الأعصاب التي تُعصب الشرايين والأوردة لتضييق اللمعة، يصدر الكظر أمراً ثانياً إلى القلب بمضاعفة ضرباته، لماذا؟ أمسك سماعة ضعها على قلب خائف تجد أن نبضه مئة وأربعين ضربة لماذا؟ لأن سرعة الدم في الشرايين تحددها عدد ضربات القلب، فالوجيب هكذا الدم يمشي هكذا، الوجيب الأسرع الدم أسرع، فمن أجل تلبية حاجة العضلات إلى الطاقة الدم يُسرع يمشي على العشرين، يمشي على المئة والعشرين، لو أن القلب أسرع والرئة على الوضع الطبيعي، ست عشرة خفقاناً في الدقيقة، مستحيل، لا يلحق القلب، لابد من أن يزداد خفقان الرئتين من أجل أن يلبي حاجة القلب لتصفية الدم.
يأتي أمر ثالث للرئتين تجد الخائف قلبه مئة وأربعين ويلهث ووجهه أصفر، يصدر أمراً رابعاً للكبد بطرح كمية سكر زائدة في الدم من أجل أن تحترق، وتوفر للعضلات طاقة، أليس هذا معجزة؟ إذا إنسان شاهد عقرباً أو حية أو هدده أحد أو سيارة مسرعة كاد أن يدهس بها، هل يدري ماذا حصل؟ أليس هذا معجزة؟ الشيء الذي يمكن أن يقال في هذا الدرس لا ينتهي بدروس.
ظواهر الكون العدد فيها لا يُحصى:
لماذا الماء، عناصر الأرض كلها إذا بردتها تنكمش والماء كذلك، اجعل الماء درجته مئة برّده للتسعين ينكمش، لو لدينا أجهزة دقيقة جداً تقيس حجم الماء ينكمش، سبعون ينكمش، ستون، خمسون، أربعون، ثلاثون، عشرون، عشر درجات، تسع، ثمان، سبع، ست، خمس، زائد أربع ينعكس الموضوع يزداد حجم الماء، عندما تجمده يزداد حجمه، لولا هذه الظاهرة لما كنّا على سطح الأرض نحن، أن الماء يزداد حجمه عندما يصل تبريده إلى درجة زائد أربع، لهذا البحار يتجمد منها القسم السطحي فقط،

كلما تجمد الماء ازداد حجمه، قلّت كثافته، طفا على سطح الماء، بهذه الطريقة تبقى البحار كلها سائلة، لو أن الماء إذا برد انكمش فزادت كثافته، فغاص في الماء، خلال سنوات تصبح البحار كلها متجمدة من سطحها إلى أعماقها، وإذا تجمدت انعدم التبخر، وإذا انعدم التبخر انعدم المطر، وإذا انعدم المطر انعدم الإنبات، وإذا انعدم الإنبات مات الحيوان، وإذا مات الحيوان مات الإنسان، وانتهت الحياة كلها من على سطح الأرض، لو أن هذا الماء، أليس هذا بمعجزة؟
أشعة الشمس أشعة قاتلة، فيها مواد ضارة بالإنسان، مَنْ خلق طبقة حول الأرض كلها لا يزيد سمكها عن مليمترات هي طبقة الأوزون؟

هذه الطبقة تحمي الكائنات الحية التي على سطح الأرض من أشعة الشمس الضارة، أحدث رقم الآن كل سبعة أشخاص في أمريكا واحد منهم مصاب بسرطان الجلد، السبب؟ أن كثرة إطلاق الصـواريخ والمركبات، طبقة الأوزون تخلخلت، من تخلخل هذه الطبقة نفذت أشعة الشمس المؤذية، من خلق طبقة الأوزون هذه؟ أليس هذا معجزة؟

هذه الشجرة لو أنَّ الماء انقطع عنها؟ لو فرضنا صاحب هذا البستان سافر، أو خرج من بلده لسبب قاهر، وترك هذا البستان بلا عناية، هذه الشجرة ماذا يحصل لها؟ أول شيء يحصل لها أن أوراقها تذبل، سبحان الله! الجفاف بالجذور، لماذا كان الذبول في أوراقها؟ قال: لأن الشجرة إذا انقطع الماء عنها تستهلك أول ما تستهلك ماء أوراقها، ثم تستهلك ماء الأغصان، ثم تستهلك ماء الفروع، ثم تستهلك ماء الجذع، ثم آخر ما تستهلكه ماء الجذور، حفاظاً على الأمل، يعود البستاني إلى بستانه بعد شهرين الشجرة يابسة،

لكن يوجد بقية حياة بجذرها، يسقيها فتعود كما كانت، لو أن الشجرة تستهلك أول ما تستهلك ماء الجذور إذا تركناها من دون ماء، أسبوع تموت فوراً، يوجد حشرات تصيب الزيتون، أخطر شيء ذبابة الزيتون ماذا تفعل؟ تأكل الجذيرات ترى الشجرة خضراء متألقة نضرة فجأة يبست وماتت، فمن جعل أن الشجرة تستهلك ماء الأوراق أولاً فماء الأغصان فماء الفروع فماء الجذر؟ الله سبحانه وتعالى، أليس هذا معجزة؟ والله أشعر مهما تكلمت عن ظواهر الكون العدد لا يُحصى، وهذا العلم محدود، ربنا عزّ وجل قال:
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)﴾
تكريم الله للنبي محمد بأن جعل معجزته مستمرة إلى يوم القيامة:
لو جلست مع أعلم علماء الأرض كل علمه وعلم أسلافه ومن بعده لا يُعدّ مثقال ذرة من علم الله، ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ هذا كله أردت منه أن أوضح قول: حسبكم الكون معجزة، لأصحاب العقول والأفكار والأفئدة وأولي الألباب الكون بوضعه الراهن هو المعجزة، ولكن الذي عطّل عقله لما رأى سيدنا موسى ضرب البحر بعصاه فإذا انفلق كل فرق كالطود العظيم، والله هذا رسول، هناك أدلة أقوى من هذا، لكن لمن عطّل فكره يرى أن خرق القوانين وخرق العادات هذه معجزة، لذلك من تكريم الله سبحانه وتعالى لنبينا عليه الصلاة والسلام أن المعجزة التي جاء بها مستمرة، وهي القرآن الكريم، أما المعجزات التي جاء بها الأنبياء انقلبت إلى أخبار، كوقائع انتهت بقيت أخباراً، قناة السويس تمشي فيها تقول الخبر كان هذا خليج السويس، لما فرعون تبع سيدنا موسى فانتقل من ضفة إلى أخرى، الآن كلها ماء، فهذه المعجزة انتهت وبقيت خبراً، إما أن تصدقه إن كنت مؤمناً أو تكذبه إن كنت غير ذلك، لكن المعجزة التي جاء بها النبي عليه الصلاة والسلام بين أيدينا وهي القرآن الكريم، قال الله:
﴿ وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)﴾
أي الجبل انشقّ وخرجت منه ناقة، هذه معجزة لسيدنا صالح، سيدنا موسى قال:
﴿ حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (105)﴾
أيضاً العصا وشقّ البحر، أيضاً هذه بينة من الله عز وجل، سيدنا محمد:
﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)﴾
﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23)﴾
وسوف نتابع هذا الموضوع إن شاء الله تعالى في دروس قادمة.
الملف مدقق