- العقيدة الإسلامية
- /
- ٠1العقيدة الإسلامية
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
ما نص عليه علماء الأصول في بعض العقائد يجب على المسلم أن يتعلمها بالضرورة:
أيها الأخوة, هناك مجموعة من العقائد يجب أن يعلمها المسلم بالضرورة, لأنه إذا جهلها انحرفت عقيدته، وإذا انحرفت عقيدته انحرف سلوكه, وإذا انحرف سلوكه شقي في الدنيا والآخرة، فمعرفة بعض العقائد التي نص عليها علماء الأصول فرض واجب على كل مسلم، هناك معلومات معرفتها تُعد فرض كفاية, التبحر مثلاً في علم المواريث هذا فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الكل, لكن معرفة الإيمان بالله تحقيقاً, والإيمان بأسمائه الحسنى, والإيمان بالملائكة, والإيمان بالجن، والإيمان بالرسل، والإيمان بالكتب، والإيمان بالقضاء والقدر, هذه عقائد يجب أن تُعلم بالضرورة, وهي فرض عين على كل مسلم.
لو أنّ إنساناً اشترى سيارة, يجب أن يعرف أنه إذا تألق الضوء الأحمر في لوحة العدادات لابد من أن يقف فوراً ليضيف زيتاً إلى المحرك وإلاّ يحترق المحرك, هذه المعلومات يجب أن يعرفها كل من يقود سيارة، لكن نوع الخلائط التي استخدمت في صناعة المحرك هذه ليست لكل من يركب السيارة, هذه للذين يتخصصون في صناعة السيارات، فهناك علوم يجب أن يعلمها كل إنسان مسلم ولا عذر له في جهلها، وإذا جهلها زاغت عقيدته فانحرف سلوكه فشقي في الدنيا والآخرة.
إذن موضوع الجن من العقائد التي يجب أن تُعلم بالضرورة, لأنك إذا توهمت أن هذا فلان يعرف الغيب، وأن هذا الشيخ يطّلع على ما سيكون, إنك تمشي في متاهات لا أساس لها من الصحة.
ما هو مدى علاقة الجن بالإنس ؟
1- الشيطان لا يستطيع أن يؤثر على الإنسان إلا إذا خضع له واعتبره شريكاً مع الله:
ما هو مدى علاقة الجن بالإنس ؟ مرّ معنا من قبل, أن الجن منهم المؤمنون, ومنهم الكافرون قال الله:
﴿وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً﴾
إن يكن لخبثاء الجن بعض التأثير الجسمي على أحدٍ من الإنس, فإنما يؤثرون على من يستكين بأوهامه وتخيلاته لسلطانهم, لا يستطيعون أن يؤثروا على أحد إلا إذا استكان لهم وخضع لهم واتبعهم واعتقد بهم وأشركهم مع الله عز وجل, هذا الذي يفعل ذلك يتحمل تأثيراتهم, و كل من يتخيل أنهم بيدهم نفعه أو ضره, ويخضع لسلطانهم يتعرض لمسّهم وتخبطاتهم لاستعاذته بهم, هذه الحالات محددة.
2- من أراد أن يستخدم الجن ليضر الناس بهم لا يقع شرهم وكيدهم إلا عليه ؟
من أراد أن يستخدم الجنّ ليضرّ بهم إخوانه من الإنس, أو من التمس النفع عندهم، أو من استعاذ بهم، أو من خضع لسلطانهم، أو من اعتقد بهم, أو من استكان بأوهامه لهم, هذا الإنسان بالذات يدفع ثمن جهله وثمن شركه وثمن ضلاله قد يتعرضون له بالأذى ؟ فقد علّمنا النبي عليه الصلاة والسلام أن نستعيذ بالله من همزات الشياطين، ومن حضورهم ومن ذلك ما رواه أبو داود والترمذي عن عَمرو بن شُعيب عن أبيه عن جده أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:
" عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا فَزِعَ أَحَدُكُمْ فِي النَّوْمِ فَلْيَقُلْ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ "
إذا وجد ابنه في الليل بكى بكاءً شديداً فجأة، فليستعذ بالله من همزات الشياطين، هذا هو السلاح الفعال، هذا هو السلاح المجدي، ومنه ما رواه أبو داوود وابن ماجه بإسناد صحيح عن زيد بن الأرقم قال عليه الصلاة والسلام:
" عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْخَلاءَ فَلْيَقُلْ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ "
هل يلقي الجن للإنس علوماً وأخباراً ؟
1- الخبر المشهود:
لا يمكن لإنسان أن يتعاون مع الجن إلا أن يكون كافراً, لأن من أدق تعريفات الساحر: هو الذي يتصل بالجن وقد قال عليه الصلاة والسلام:
" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً ثُمَّ نَفَثَ فِيهَا فَقَدْ سَحَرَ وَمَنْ سَحَرَ فَقَدْ أَشْرَكَ وَمَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ "
فأي اتصال بين الجن وبين الإنس هذا الاتصال هدفه إضلال البشر، ولو لبس هذا الذي يتصل بالجن بزيّ ديني, و لو لبس عمامة خضراء هو عند رسول الله عليه الصلاة والسلام كافر، لأن هدفه إيهام الناس أن بيد الجن النفع والضر, هدفه تحويل الناس عن الله سبحانه وتعالى إليه.
هل يلقي الجن للإنس علوماً وأخباراً ؟ أما العلوم والأخبار التي يمكن أن يلقيها الجن إلى الكهان فهي بحسب مواضيع هذه العلوم التي يلقونها، فإن كانت من العلوم التي تتعلق بالأمور المشهودة, مثلاً: في حلب نزلت أمطار غزيرة هذا اليوم, هذه من الأشياء المشهودة وليس من الأشياء الغيبية، لكن نقل الخبر قد لا يكون متيسراً للإنس قبل الاتصالات السلكية واللاسلكية, وقبل السفر السريع إلى هذه البلاد, فنقل أنباء الأمطار التي هطلت في حلب اليوم إلى الشام متعذر, فالجن أحياناً يستطيعون أن ينقلوا هذه الأخبار التي وقعت, هذا الأمر ليس من عالم الغيب و إنما هو من عالم الشهادة، فإن كانت من العلوم التي تتعلق بالأمور المشهودة أو الأخبار التي عن الوقائع الماضية، فإنها أخبار تحتمل الصدق والكذب قد يصدقون, وقد يكذبون.
ومن جهة ثانية: لا يصح الثقة بأخبارهم لانعدام المقاييس التي بحوذتنا في معرفة صدقهم وكذبهم, فانتقال الجن سريع جداً والدليل:
﴿قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ﴾
قبل أن يقوم سيدنا سليمان عليه الصلاة والسلام من مقامه, يستطيع عفريت من الجن أن يأتي بعرش بلقيس من اليمن إلى القدس، فانتقاله سريع جداً لذلك لما قال الله عز وجل:
﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ﴾
الله سبحانه وتعالى قدم الجن على الإنس, لأنهم أقدر من الإنس على خرق السموات والأرض لميزات أعطاهم الله إياها.
الاستشهاد بأمثلة من الواقع للتوضيح:
شخص أعرفه توفي رحمه الله, سُرقت من بيته قطعة أثاث ثمينة جداً " سجادة ", فدلّه بعضهم على ضارب المندل قال: ذهبت إلى ضارب المندل, وجاء بوعاء وضع فيه زيت, وجاء بغلام صغير وصار يسأل هذا الغلام, والغلام يجيب يقول الغلام: هذه السجادة موجودة في بيت, أمام البيت حجر كبير, الباب لونه كذا, يُفتح الباب على اليمين في غرفة تدخلونها، في زاوية الغرفة في مكان عليه فرش و لحف تنزعون الفرش واللحف, هناك صندوق عليه قطن, السجادة تحت القطن, هكذا قال ضارب المندل, فقال هذا الرجل: توجهت إلى هناك وأخذنا معنا المختار, و كل شيء قاله هذا الطفل في المندل صحيح، دخلنا البيت ثم دخلنا إلى الغرفة, ووجدنا في زاوية الغرفة صندوق وفرش ولحف, فتحنا الصندوق وجدنا القطن ولكننا لم نجد السجادة ! ذهبوا لصاحب البيت فإذا هو بياع سجاد, ضربوه ولشدة الضرب قال: نعم أنا أخذتها وبعتها, واختاروا إحدى السجادات وأخذوها مكانها, قال هذا الرجل: أخذنا السجادة بنفس القياس بعد أربعة أشهر يقول لي رجل كان في السجن: أتدري من سرق من عندك السجادة ؟ قلت له: أعرفه, قال لي: لا, كنت في السجن, فحدثني أحد السجناء: أنه هو الذي دخل بيتك وسرق السجادة, أين كلام الجن ؟ كذابون, لكن معالم هذا البيت يعرفونها لا شك, لكنهم لا يعرفون من أخذ السجادة, لذلك: ضرب المندل كذب و دجل, لكن بأثناء الكلام قد يوجد بعض الحقائق ليست غيبية بل مشاهدة. هذه القصة أردت منها أن الجن في نقلهم للأخبار المشهودة يكذبون ويصدقون, فلا يعول على كلامهم, لأننا لا نملك مقاييس للتفريق بين كذبهم وبين صدقهم.
2- الخبر الغيبي:
أما إذا كانت من المغيبات التي استأثر الله بعلمها:
﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾
لا إنس ولا جن ولا نبي ولا رسول يعرف ذلك، ولا يكون التحدث بشيء منها إلا كذباً وافتراء على الله, ربنا عز وجل قال:
﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾
لكن لو قال عز وجل ومفاتيح الغيب عنده: هل هناك فرق ؟ نقول: هناك فرق كبير جداً, إذا قال الله عز وجل ومفاتيح الغيب عنده: معنى ذلك هي عنده, وقد تكون عند غيره, حينما قدّم الظرف على المبتدأ فقال وعنده مفاتيح الغيب, معنى ذلك أن الغيب محصور ومقصور على الله وحده, وليس لأحد كائناً من كان أن يعرفه.
كل من قال لك: أنا أعلم ما سيكون, دجال، هذه الصرعة التي ظهرت حديثاً في كل عاصمة كبيرة كاهنة أو كاهن, يأتيها رجال من علية القوم يسألونها عن المستقبل, هل سأبقى في هذا المكان ؟ ماذا يحصل لي في المستقبل ؟ دجل في دجل، كذب في كذب، غباء في غباء, لا يعلم الغيب إلا الله.
أما المغيبات التي قُضي أمرها في السماء, وأصبحت معلومة لذوي الاختصاص من الملائكة، كما أصبحت معدة لتبليغها للملائكة, جاء فيها حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
" عَنْ عَائِشَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ الْملائِكَةَ تَنْزِلُ فِي الْعَنَانِ وَهُوَ السَّحَابُ فَتَذْكُرُ الأَمْرَ قُضِيَ فِي السَّمَاءِ فَتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ فَتَسْمَعُهُ فَتُوحِيهِ إِلَى الْكُهَّانِ فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ "
﴿قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ * لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ﴾
هكذا قالت الملائكة: لسيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام, لا تزال القرية بحالها، الأمر لا يزال طبيعي جداً, لكن الملائكة أباحوا لسيدنا إبراهيم أنّا أُرسلنا إلى قوم مجرمين لنرسل عليهم حجارة من طين, فهل هذا من قبيل علم الغيب ؟ لا, هذا القرار اتخذ في السماء وبُلغ لأصحاب العلاقة لينفذوه, من هذا القبيل قال عليه الصلاة والسلام
" إِنَّ الْملائِكَةَ تَنْزِلُ فِي الْعَنَانِ وَهُوَ السَّحَابُ فَتَذْكُرُ الأَمْرَ قُضِيَ فِي السَّمَاءِ فَتَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ فَتَسْمَعُهُ فَتُوحِيهِ إِلَى الْكُهَّانِ فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ "
يعطوك خبر صحيح، ويمرقوا عليه مليون خبر كذب، عملية استراق أمر قضى الله به في السماء, وبُلغ للملائكة لتنفيذه يأتي الشيطان فيسترق هذا الخبر ليوحيه للكاهن، يقوله للناس، فيوهم الناس أنه يعلم الغيب, وهذا هو استراق الشياطين السمع من الملائكة بعد نزولهم إلى جو الأرض وليس من السماء, كما كان دأبهم قبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومُنعوا بالشهب:
﴿وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً ﴾
﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً﴾
وفي تكذيب من يلقي سمعه للشياطين وإثمه الكبير قال تعالى في سورة الشعراء:
﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ﴾
لو لم يكن في كتاب الله إلا هذه الآية لكفت, هذا الذي يُلقي أذنه للشيطان هو أفّاك أثيم، ضالٌ مُضل قال الله:
﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ﴾
أي تعاون بين أي إنسان وبين أي شيطان, هذا دليل قطعي على أن هذا الإنسان أفاك أثيم, ولو لبس جبّة, ووضع على رأسه عمامة خضراء, ولقّبَّ نفسه الولي الفلاني.
هنا آية أعظم وأوضح في أن الجن لا يعلمون الغيب أبداً, سيدنا سليمان قبضه الله عز وجل وهو مستندٌ إلى عكازه قيل: بقي مدة طويلة لا يدري كم بقي ؟ إلى أن جاءت دابة الأرض يعني السوسة ونخرت في هذه العكازة، حتى أتت عليها كلها, فلما أتت عليها كلها انكسرت فوقع سيدنا سليمان، قال تعالى:
﴿فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ﴾
كان يكلفهم بأعمال شاقة فكانوا يتحملونها خوفاً منه، لو أنهم يعلمون الغيب بمجرد أن قبضه الله عزّ وجل لخففوا من هذه الأعمال، فربنا عز وجل جاء بهذه القصة ليؤكد بشكل قاطع، ودليل قطعي على أن الجن لا يعلمون الغيب.
الجن لا تعلم الغيب، وقولاً واحداً ليس للجن تأثير على الإنسان تأثير جسماني, شخص وقع في الساعة, فيه نوعان: نوع مرض عصبي، و نوع من تأثير الشياطين, المرض العصبي كما قال بعض الأطباء: تخريش بالدماغ هذه تعالج, لكن قد يكون بعض أنواع الصرع إذا خاف الإنسان من الشيطان و اعتقد به, و استسلم له، وتوهم أنه ينفعه أو يضره، و أشركه مع الله عز وجل، عندئذٍ يقع تأثيره عليه.
هل للشياطين سلطان على الإنس في عقائدهم وإرادتهم وأعمالهم ؟
أما أن يكون للشياطين على الإنس سلطان في عقائدهم وتوجيه إرادتهم للأعمال السيئة فذلك مما لا سبيل لهم إليه, لا سلطان للشياطين على الإنسان لا في عقائدهم ولا في إرادتهم ولا في أعمالهم مطلقاً, لأن الله حجزهم عن ذلك, ولم يجعل لهم سلطاناً على بني آدم ليكون الإنسان حر في اختياره, يخاطب الله عز وجل رأس الشياطين إبليس في سورة الحجر:
﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾
هل هناك دليل أوضح من ذلك قال الله:
﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْغَاوِينَ﴾
إلا إذا اتبعك هو.
من صفات الشيطان:
﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ﴾
الخناس على وزن فعال, يعني سريعاً ما يهرب لو عذّت بالله عزّ وجل انتهى الأمر.
ما هي وظيفة الشيطان في الأرض ؟
أين ينحصر عمل الشيطان ؟ مادام ليس له علاقة بعقائدنا, ولا بإرادتنا, ولا بأعمالنا, ولا يعلم عن الغيب شيئاً، ولا يؤثر على أجسامنا, عمله محصور في وظيفة الوسوسة الخفية هذا كل ما يملك, أنا أقول دائماً هذا المثل: واحد مرتدي أجمل الثياب، سائر في الطريق، في حفرة كبيرة فيها مياه سوداء نزل فيها, وتوجه إلى مخفر الشرطة ليشتكي على السبب قال له المحقق: هذا الرجل دفعك في هذه الحفرة ؟ قال له: لا, قال له: أجبرك أن تنزل فيها ؟ قال له: لا, قال له: أمسكك ووضعك في الحفرة ؟ قال له: لا, قال: فكيف تشتكي عليه إذن ؟ قال, قال لي: انزل فنزلت, هذا بحاجة لمستشفى المجانين وليس بحاجة لمن يشتكي عليه هكذا قال الله عز وجل:
﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾
ينحصر عمل الشيطان في الوسوسة الخفية, ولا يزيد على ذلك شيئاً, وهذه الوسوسة تخنس وتتخاذل أمام حزم المؤمن وإرادته والتجائه إلى الله تعالى بالاستعاذة والذكر والمراقبة, أما إخوان الشياطين فإنهم يستجيبون لوسوستهم, وينساقون معهم فيتسلط الشيطان عليهم, فيمدهم في الغيّ ويزين لهم الشر والضلالة, إنسان طلق زوجته وشرد أولاده, لأنه سمع كلام الشيطان, مازال الشيطان يوسوس له أن يطلقها حتى طلقها فخسرها وشرد أولاده, إذن هذا من عمل الشيطان إنه عدو مُضلّ.
﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ ﴾
قال تعالى:
﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾
﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ ﴾
النزغ يعني الوسوسة، طائف من الشيطان يعني وسوسة من الشيطان بفكرة سيئة.
التوازن الذي أقام الله الإنسان عليه في مقابلة الشيطان قرين من الملائكة يدعوه إلى الخير:
في توازن وقد جعل الله تعالى في مقابلة وسوسة الشيطان التي هي من اختصاصه, داعياً للخير عن طريق ملك من ملائكة الرحمن, دائماً مع الإنسان قرين ملائكي, و قرين شيطاني، الملائكي يقول له: يا عبد الله تفكر في خلق الله, يا عبد الله أطع أمر ربك, يا عبد الله كن محسناً, أما الشيطان خذ المحل التجاري منه ليس له اسم في الإيجار، يقول الشيطان دائماً: افعل معه كذا وكذا, خذ هذا المبلغ راتبك قليل لا يكفيك, دائماً الإنسان بين وسوسة الشيطان وإلهام الملك:
﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾
يقول عليه الصلاة والسلام:
" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ الأخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ثُمَّ قَرَأَ ( الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ ) "
﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام:
" عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ وَقَرِينُهُ مِنَ الْمَلائِكَةِ قَالُوا وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَإِيَّايَ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَلا يَأْمُرُنِي إِلا بِحَقٍّ "
الأدلة الواردة من الكتاب على ابتلاء الله للإنسان بقرين من الخير وقرين من الشر:
جاءت الإشارة في القرآن الكريم:
﴿وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ ﴾
هذا حسابه, فعل كذا وكذا وكذا, هذا قرينه الملائكي معه كل أعماله:
﴿وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ * أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ ﴾
قال قرينه الثاني:
﴿ قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ﴾
﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾
هذه آية تؤكد أن لكل إنسان قريناً ملائكياً وقريناً شيطانياً, فالملائكي يقول لك: افعل واستقم وغض بصرك، أما الشيطاني يقول له: طلع شو صار الله بتوب عليك, لا تدقق, خذ المال الحرام أنت فقير, الآية واضحة.
خدعة من أعمال السحرة للإنسان لتضليله:
أيام تسمعون عن تحضير الأرواح, هنالك مشعوذين، دجالين، سحرة, يأتي واحد ساذج يسألوه أتريد أبوك ؟ يجيب طبعاً، يقولوا له: أبوك كان يشتغل شرطي فيجيب: نعم صحيح، يقولوا له: أبوك كان مصاب برأسه، فيجيب: نعم صحيح, فيوهموه بأن أبوه أتى من الآخرة, كل ذلك دجل, هؤلاء الجن يستدعون قرينه الذي كان في الحياة معه فهذه المعلومات من قرين أبيه لا من أبيه، ما فعلوا إلا أن استحضروا القرين الجني الذي كان مع هذا الميت, فأعطاهم بعض المعلومات لأنه كان رفيقه هذا كل ما في الأمر.
هؤلاء يفترون على الله افتراءات ما أنزل الله بها من سلطان, فينسبون إلى الجنّ علم الغيب, ويتلاعبون في عقول السُذج من النساء وصغار العقول, أو يدّعون قدرة الجن على النفع و الضرر، والجن أنفسهم لا حول لهم ولا قوة، ولا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً إلا أن يشاء الله, وقد بيّن القرآن أن أهل الجاهلية الذين كانوا يعوذون برجالٍ من الجن لم ينفعوهم شيئاً, بل زادوهم غيّاً وضلالاً وبعداً عن الأمن الذي يرجونه منهم قال تعالى:
﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً ﴾
ملخص البحث:
عن حفصة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً "
لم يصدقه ولكنه أراد أن يتسلى, هذا الذي يفعل ذلك لن تقبل له صلاة أربعين صباحاً, ولا دعاء أربعين ليلة, فلو صدقه فقد كفر, العلماء قاسوا على ذلك قراءة الفنجان, يقال له: سيأتيك دفعة من المال, إذن يُحمل على هذا قراءة الكف، يحمل على هذا التطيّر " التشاؤم ", مثلاً: دخل لعنده زبون البيعة لم تتم، يُحمل على هذا من فتح مجلة أسبوعية فيها حظك هذا الأسبوع، فهؤلاء المنجمون والمنجمات، والمشعوذون والمشعوذات، والساحرون والساحرات الذين ينسبون للجن النفع أو الضرر, ويتحدثون عنهم بالمغيبات إنهم كذابون دجّالون عصاة لله ولرسوله هذا كلام واضح مثل الشمس, يُريدون أن يستولوا على المغفلين السذج، البسطاء ليضلوهم, ويسلبوا منهم أموالهم.
كيف صدقوا ؟ صدفة, إمّا عنده معلومات كما تحدثنا، أو استرق الخبر من الملائكة أذاعه للكاهن, الكاهن تكلم به, أوهم الناس بأنه يعلم الغيب, هذا إذا صدقوا صدفة, صدقوا بمعنى جاء الخبر مطابق للواقع صدفة أو جاء من نوع استراق الخبر، فالاستعاذة لا تكون إلا بالله، والاستعانة لا تكون إلا بالله, إياك نعبد وإياك نستعين.
تعقيب أخير: إن يكن للجن شيء من القوة المادية فيما بينهم فقد صرفهم الله تعالى
في مجرى العادات عن أن يكون لهم سلطان على الإنس والجن في نفعٍ أو ضرر إلا أن يشاء الله عزّ وجل شيئاً لحكمة أرادها.
استخلاص العبر والحكم من هذه القصة:
" رواية طريفة " لامرأة متزوجة فجأة قلبت لزوجها ظهر المجن فجأة, معاملة سيئة، تقصير, إهمال، كلام قاسي، فكلما عاتبها قالت له: أنا متزوجة غيرك كاد عقله أن يطير, من ؟ تقول له: من تحت يعني رجال من الجن, لأن الجن عالمهم سفلي والملائكة عالمهم علوي, فهذا الرجل استجار بعالم من علماء بلده ورجاه رجاءً حاراً أن يأتي معه إلى البيت ليقنعها, ما هذه القصة ؟ تقول: قد تزوجت واحد غيري " جني متزوجة " ! فجاء هذا العالم وجلس " طبعاً من وراء حجاب " فقال لها: يا بنيتي من تزوجتِ ؟ فقالت: واحد من تحت يعني جني, قال: كيف علمت ذلك ؟ قالت: رأيته في المنام, قال: ما شكله ؟ قالت له: شيخ لابس عمامة خضراء, قال لها: مسلم أم كافر, قالت له: مسلم, قال لها: غلط.
أولاً:
﴿ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾
الإمام الشافعي يقول: من قال إني رأيت الجن: لا تقبل شهادته, لأنه كذاب ومزوّر أنصدقه أم نصدق الله سبحانه وتعالى ؟ الله جلّ في علاه يقول: " إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ " فقال لها أولاً: إنك لن تريه.
ثانياً: لو أنه مسلم لما فعل هذا, لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال:
" عَنْ جَابِرٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ الرَّحْمَنِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا فَسَكَتُوا فَقَالَ لَقَدْ قَرَأْتُهَا عَلَى الْجِنِّ لَيْلَةَ الْجِنِّ فَكَانُوا أَحْسَنَ مَرْدُودًا مِنْكُمْ كُنْتُ كُلَّمَا أَتَيْتُ عَلَى قَوْلِهِ ( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) قَالُوا لا بِشَيْءٍ مِنْ نِعَمِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ فَلَكَ الْحَمْدُ "
القسم المؤمن من الجن صالحون طيبون فهذا كلام فيه افتراء, قال لها: أنت مسلمة أم كافرة, قالت: مسلمة, فقال لها: قال ربنا أنه ليس له سلطان على الذين آمنوا, يعني لست بمشاهدة للجن, وليس له عليك سلطان, وهذا الذي تدّعينه ليس مؤمناً, فتبيّن أنه يُسكنها زوجها مع سلفتها, متضايقة منهم، فعملت هذه الحيلة من أجل أن تنجو من ضرتها أو سلفتها في البيت, ليس صحيحاً إطلاقاً أن يتزوج رجل من الجن امرأة من الإنس.
الحقائق التي يمكن أن نستنبطها من سورة الجن:
1- الجن لا يملكون للإنسان نفعاً أو ضراً:
أهم ما في الموضوع أن الله سبحانه وتعالى يقول في سورة الجنّ بالذات:
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً ﴾
فالعلماء قالوا: الشرك هنا أن تعتقد بأن الجن ينفعون أو يضرون, ثم يقول عزّ وجل في الآية نفسها:
﴿ قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا رَشَداً ﴾
فاسمعوا يا أخوان: إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام حبيب الحق، وسيد الخلق, وسيد ولد آدم، وأعلى مخلوق في الكون لا يملك نفعاً ولا ضراً, أفيملك النفع والضر الجنّ ؟ أين جاءت هذه الآية ؟ في سورة الجن لماذا ؟ ليعلمنا الله سبحانه وتعالى لا يمكن للجن أن يكون على الإنسان من سلطان ؟
﴿ قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا رَشَداً * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً * إِلَّا بَلَاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً * حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً * قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً * عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً ﴾
هذه الآية, وهذه الآيات كلها وردت في سورة الجنّ، من أجل أن يؤكد الله لنا أن موضوع الجن لا يملكون نفعاً ولا ضراً، ولا يعلمون الغيب، ولا يملكون إلا شيئاً واحداً هو الوسوسة الخفية, فإذا قلت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم انتهى كل شيء, معلومات دقيقة جداً مأخوذة من كل آيات الشياطين في القرآن الكريم.
2- على قدر الطاعة لله لا يقترب منك الشيطان وعلى قدر المعصية يقترب منك:
قال تعالى:
﴿إ ِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾
لما الإنسان يرتكب معصية يصبح قريباً من الشيطان، فإذا أطاع الله عزّ وجل يصبح الشيطان بعيداً عنه, لذلك يا عمر, ما سلكت فجاً إلا وسلك الشيطان فجاً آخر.
3- إذا جاءك خاطر خوف من الطاعة لله هذا من الشيطان ليبعدك عنه:
الشيء الثاني:
﴿إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
حينما تأتيك خواطر الخوف من طاعة لا تصلي أحسن لك, لا تدفع زكاة مالك هذا من الشيطان.
4- حيل الشيطان وخداعه للإنسان:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالاً طَيِّباً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾
الشيطان ذكي لن يأمرك بالزنا, يأمرك بإطلاق البصر, ثم بالسلام, ثم ببعض عبارات الثناء, وينتهي الأمر إلى الزنا، الشيطان يمشي معك خطوة خطوة بأكل المال الحرام، بالاختلاط بالنساء, الشيطان ذكي يعرفك مؤمناً فلا يقترب منك، أما لو رأى فيك ضعفاً يعطيك معصية مخففة جداً شيء بسيط جداً, هل أنت متوحش ؟ يسلم على جارته, وبعدها يُحضر لها سندويشة, صار في علاقة قال تعالى:
﴿ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴾
لماذا بدأ الله بشياطين الإنس قبل الجن ؟
أريد أن أقول كلمة واحدة في آية حيرتني قال تعالى:
﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ﴾
لماذا بدأ الله بشياطين الإنس ؟ لأنهم أشد إيذاءً من شياطين الجن, ربنا قال:
﴿ فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾
فالمرأة الشيطانة كيدها أعظم من كيد الشيطان الجني.
الأماني والغرور الذي يعده الشيطان للإنسان:
﴿ يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً ﴾
في إنسان ارتكب جريمة، وسرق مبلغاً ضخماً، ماذا يعده الشيطان ؟ يشتري بيت, يشتري سيارة، يعيش في بحبوحة، يُسافر، وبعد ساعتين يتم القبض عليه قال الله:
﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا ﴾
كلما رأيت واحداً واقعاً في مشكلة وأزمة كبيرة وكان عاصي هذا من عمل الشيطان لا تقولها له:
﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾
إذا نسي الواحد أن يصلي يعني أن شيطانه ذو قوة يقول لك: قد نسيت.
﴿وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾
﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً ﴾
إذا أتت مصيبة على الإنسان, ولم يكن إيمانه قوي فقد يوالي الشيطان, يقول لك: في الكون لا يوجد رحمة, لا يوجد عدل, مع أن الله يكون قد ساق له شيء بحسب ما يستحقه بالضبط.