- العقيدة الإسلامية
- /
- ٠1العقيدة الإسلامية
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً, وأرنا الحق حقاً, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
مسلك الإيمان بالجن هو الخبر الصادق:
يا أيها الأخوة, المسلمون كلهم يعتقدون بوجود مخلوقات غيبيّة عنا لا نراها بحواسنا في الحالات العادية اسمها الجن, لأن الله سبحانه وتعالى في قرأنه الكريم، والنبي عليه الصلاة والسلام في حديثه الشريف قد أخبرا بوجودهم بشكل قاطع لا يحتمل التأويل, في القرآن والسنة إشارات واضحة ونصوص صريحة لا تحتمل التأويل تُلزمنا أن نؤمن بالجن وهذه المخلوقات الغيبية لا نحس بها إلا أن وجودها من الأمور الممكنة عقلاً, تحدثنا في دروس سابقة كيف أن الأشياء من زاوية العقل: هناك أشياء موجودة ممكنة الوجود, وهناك أشياء مستحيلة الوجود وهناك واجب الوجود وهو الله سبحانه وتعالى, كل شيء سوى الله ممكن الوجود لكن الله سبحانه وتعالى واجب الوجود ؟ هناك ممكن الوجود عقلاً، وهناك مستحيل الوجود عادة يعني بحسب العادة النار تحرق فإذا قلت: أن النار لا تحرق هذا الكلام مستحيل بحسب العادة, لكن بحسب العقل الذي خلقها تحرق قد يمنع عنها الإحراق، فوجود مخلوقات غيبية عنا لا نحس بها من الأمور الممكنة عقلاً, فلا يكون إنكار المنكر لها إلا تكذيباً للخبر الصادق كما قلنا مراراً وتكراراً الإيمان بالملائكة، والإيمان بالجن، والإيمان باليوم الآخر هذه كلها مغيبات فمسلك الإيمان بها مسلك الخبر الصادق, لكن الإيمان بالله استدلال عقلي يقيني قطعي، فهناك إيمان تحقيقي وهناك إيمان تصديقي، فالإيمان بالملائكة والإيمان بالجن من نوع الإيمان التصديقي لأن الله سبحانه وتعالى:
﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً﴾
الاستشهاد بأمثلة لتوضيح الفهم:
إذا أردتم مثلاً ما يشبه هذا في حياتنا, هناك أشياء كثيرة فهذا الجو في بث إذاعي من منكم يشاهد البث الإذاعي ؟ لا يُشاهد لكنك إذا جئت بجهاز تسمع فيه صوت البث الإذاعي, فإذا قلت: لأني لا أرى البث الإذاعي فإني أُنكر وجوده هذا كلام فيه حمق، لأن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود مادام هذا الشيء موجوداً, ولكن الحواس لا تراه بقصورها فماذا ترى في هذا الكأس ؟ ترى ماء صافياً عذباً، لو أتيح لأحدكم أن يضع نقطة من هذا الماء تحت مجهر لرأى العجب العجاب، لرأى في هذه النقطة كائنات، ومخلوقات، وأحياء لا يعلمها إلا الله, كذلك الجن مخلوقات ليس بالإمكان أن تقول: هي غير موجودة لأني لا أراها, نقول لك: إن حواسك المحدودة ليست مقياساً للإيمان بالجن, ولكن الإيمان بهم دليل كلام الله سبحانه وتعالى، وكلام نبيه عليه الصلاة والسلام, ومسلك الإيمان بها الخبر الصادق.
الأدلة الواردة في الكتاب والسنة بوجوب الاعتقاد بالجن:
لقد أخبرنا في كتاب الله, والنبي صاحب المعجزة أيضاً أخبرنا بحديثه الشريف أن هناك مخلوقات لا نراها بأعيننا لكنها موجودة, وكما تعودنا جميعاً ليس هناك فكرة تقال في هذا المكان إلا مع الدليل، وهكذا يطلب المؤمن: " إذا كنت مبتدعاً فالدليل وإذا كنت ناقلاً فالصحة " و هذه قاعدة بين العلماء مضطردة أي تقول: أنا رأي بالموضوع الفلاني كذا وكذا ما الدليل ؟ هل عندك دليل من كتاب الله أو حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, أو هل عندك إجماع من العلماء حول موضوع ما, أو هل عندك قياس ؟ " إذا كنت مبتدعاً فالدليل وإذا كنت ناقلاً فالصحة ", لو تتبع الناس أو لو سلك الناس المسلك العلمي في النقل لكنا بحالة غير هذه الحالة:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾
في كل علاقاتكم الاجتماعية، لو كان الأخ المؤمن واعياً لدرجة أنه لا يقبل كلاماً عن فلان إلا بالدليل إذ يسأل أسمعت بأذنك منه ؟ لا, إذن هذا الكلام مرفوض إلى أن يثبت الدليل على صحته, هكذا المؤمن لا فكرة تُلقى من دون دليل فالإيمان بالجن مأخوذ من قوله تعالى:
﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ﴾
إذن الجن ورد ذكرهم صراحة في القرآن الكريم, وقال ربنا سبحانه وتعالى:
﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ ﴾
ما هو علة تقديم الجن على الإنس والإنس على الجن في القرآن الكريم ؟
إشارة لطيفة, لماذا قدّم الله سبحانه وتعالى الجن على الإنس في قوله تعالى:
﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ﴾
لأن خلق الجن سبق خلق الإنس، لماذا قدم الله سبحانه وتعالى الجنّ على الإنس بهذه الآية الثانية:
﴿يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنْ اسْتَطَعْتُمْ ﴾
لأن الجن أقدر من الإنس على خرق السموات والأرض:
﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ﴾
فلماذا هنا قدّم الله الإنس على الجن ؟ لأن الإنس أقدر من الجن على صياغة الكلام, ما من تقديم و تأخير، وما من كلمة وحرف و ترتيب في كتاب الله إلا وينطوي على معنى دقيقٍ.
مقولة العلماء حول موضوع الجن:
قال العلماء: القرآن الكريم تعرّض لذكر الجن فيه في أربعين آية مجموعة في عشر سور، فالإيمان بالجن إذاً من مُسّلمات العقيدة الإسلامية, وأُركز على كلمة الجن لأن هناك فِرقاً ضالة في شرق آسيا تنفي وجود الجن، كما خصص الله سبحانه وتعالى سورة كاملة ذكر فيها قصة نفرٍ منهم استمعوا للقرآن الكريم من تلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم, و قصدت بالفرقة الضالة التي تؤمن أن النبي عليه الصلاة والسلام ليس آخر الأنبياء، و هذه الفرق ليست من الإسلام في شيء, وهي موجودة في شرق آسيا ولها في أوروبا أيضاً نشاط تنفي أن يكون النبي آخر الأنبياء بل إن هناك نبياً بعده, وتنفي أن هناك جناً وتفسر خاتم الأنبياء بأنه ولي وليس آخرهم إلى ما هنالك، فالإيمان بالجن من مستلزمات العقيدة الإسلامية, وهؤلاء الجن الذين استمعوا إلى القرآن الكريم من تلاوة النبي عليه الصلاة والسلام قال الله في هذا:
﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾
إذن فريق من الجن استمع للقرآن الكريم من فم النبي عليه الصلاة والسلام.
عقيدة الناس بالجن:
يقول المؤلف: أكثر أهل الملل والنِحل وخصوصاً أتباع الأنبياء معتقدون بنزول الجن باعتبار أن الأنبياء - وهم صادقون بلا مِرْية - قد أخبروا بوجودهم, ولا يتم إيمان المؤمن بالله إلا بأن يصدق بجميع ما يخبر به ربه هذه نقطة دقيقة, ليس لك خيار هذا الحديث يعجبك، وهذا الحديث لا يعجبك, فهذا الذي يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض ليس مؤمناً, وقد قرّع الله اليهود لأنهم آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعضه, فإذا آمنت برسول الله صلى الله عليه وسلم فكل الذي صح عنه حق, وما هو إلا وحي يوحى من عند الله سبحانه وتعالى.
كيف نؤمن بوجود الجن ؟
كيف نؤمن بوجود الجن ؟ لدينا حالتان:
1- إما أن نؤمن بوجودهم بحواسنا كما يؤمن أحدنا بوجود أخيه أمامه يراه أمامه ويسمع صوته ويصافحه, أي إذا اشتركت حاسة اللمس وحاسة السمع وحاسة البصر يسمع كلامه فيعي مضمونه.
2- وإما أن يسلك في الإيمان بالجن مسلك الخبر الصادق، فنحن كما قلنا لابد من الخبر الصادق في الإيمان بموضوع الجن.
الجن كالملائكة وليسوا كالملائكة، لا نعرف عن حقيقتهم إلا ما جاءنا عن طريق الخبر الصادق أي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, لأننا لا نتصل بهم عن طريق الحس اتصالاً يفيد العلم اليقيني حتى نعرف تكوينهم، وحسبنا أن نقتصر على ما وردت به النصوص.
صفات الجن:
1- أنهم صنف غير صنف الملائكة فهم مخلوقون من مارج من نار:
ما الذي جاءت به النصوص عن الإيمان بالملائكة ؟
أولاً: أنهم صنف غير صنف الملائكة، فهم مخلوقات سفلية وليسوا مخلوقات علوية والملائكة مخلوقات علوية, مخلوقون من مارجٍ من نار أي من أخلاط نارٍ صافية, وفي بيان عنصر خلقهم قال الله تعالى:
﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ﴾
وفي احتجاج إبليس على ربه حينما أمره بالسجود لآدم قال فيما يحكيه الله عنه في سورة الأعراف:
﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ﴾
ثانياً: أنهم مخلوقون قبل الإنس والدليل على ذلك قوله تعالى:
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ* وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ ﴾
كل فكرة والدليل, وفي قصة أمر إبليس بالسجود لآدم واستكبار إبليس وقول الله في حقه:
﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ﴾
دلالة واضحة على أن الجن مخلوقون قبل الإنس.
2- فهم كالبشر يتناسلون ولهم ذرية:
الملائكة لا يتناسلون كما قلنا من قبل أما الجن فيتناسلون ولهم ذرية, والدليل على ذلك قوله تعالى:
﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنْ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا﴾
أقّر الله سبحانه وتعالى ما ذكره النفر من الجن الذين استمعوا القرآن من الرسول عليه الصلاة والسلام حين ذكروا أن للجن رجالاً، ومتى كان فيهم رجال ففيهم نساء، وذلك يقتضي التناسل قال تعالى:
﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً﴾
هذا دليل على أنهم يتناكحون ويتناسلون منهم الرجال ومنهم الإناث، ومن شأنهم أنهم يروننا من حيث لا نراهم والدليل قوله تعالى:
﴿يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾
3- أنهم مخلوقات قابلة للعلم والمعرفة وذات إرادة واختيار:
أنهم مخلوقات قابلة للعلم والمعرفة, وذات إرادة واختيار كالإنسان, فهم مكلفون مثلنا بالإيمان والعبادة، منهيون عن الكفر والعصيان، فكثير من خطابات التكليف والتحدي في القرآن الكريم يجمع الله فيها بين الجن والإنس، قال تعالى في سورة الذاريات:
﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ﴾
أي علّة خلق الإنس والجن العبادة، وفي أدق تعريفات العبادة طاعة تسبقها معرفة وتعقبها سعادة، لا عبادة بلا معرفة، ولا سعادة بلا عبادة، ولا عبادة بلا سعادة، وأدق تعريفات للعبادة أنها طاعة لله، وانقياد كلي لأوامر الله، وهذا الانقياد لا يكون إلا بعد معرفة الله:
﴿وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾
وإذا كان فلابد من أن يتبعه سعادة لا توصف, وقال تعالى:
﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ ﴾
وقال تعالى:
﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً﴾
4- أن الجن قسمان: مؤمنون وكافرون:
الجن قسمان: مؤمنون وكافرون وهذا تابع لما منحهم الله به من إرادة واختيار, الذي اختار من الجن أن يكون مؤمناً آمن، والذي اختار أن يكون كافراً كفر, فبعضهم مؤمن وبعضهم كافر بحسب اختيارهم, فالكافرون من الجن هم الشياطين, وحيثما وردت كلمة " شياطين " ربنا قال:
﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ ﴾
هم الكفار من الإنس والكفار من الجن, إبليس واحد أما الشياطين فمن ذريته, وهم جنود الشيطان الأول إبليس اللعين, الذي كان أول من عصى ربه من الجن, وأول من كفر بنعمة الله منهم، فما الدليل على أن هناك مؤمنين منهم وكافرين ؟ قال تعالى:
﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً ﴾
وفي الآية:
﴿وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً﴾
من سفيههم ؟ إبليس اللعين, و أقرب المخلوقات للبشر الجن من حيث التكليف والاختيار والإرادة, وأنهم حملوا الأمانة, وأنهم مكلفون بالإيمان, منهم المؤمنون ومنهم الكافرون قال الله:
﴿وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً ﴾
هذا قول الجن, يتوهم الإنسان أن كلمة قاسط أي إنسان عادل " لا ", القاسط هو الظالم, والمسقط هو العادل, وقد سأل الحجاج شخصاً رآه في الطريق قال له: من أنت ؟ قال له: أنا فلان، فقال له: أنا الحجاج فما قولك بي ؟ قال له: أنت قاسط عادل, فقال الحجاج لأصحابه: هل تدرون ماذا قال لي ؟ ظّنوه يمدحه قال لهم: قال لي: أنت ظالمٌ كافر, قالوا كيف ذلك ؟ قال:
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾
فالذي عدل عن الإيمان إلى الكفر فهو قاسط أي ظالم.
5- أنهم يحشرون يوم القيامة ويحاسبون على أعمالهم:
هؤلاء الجن يحشرون يوم القيامة ويحاسبون على أعمالهم, فيثابون ويعاقبون قال تعالى:
﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴾
قال الله تعالى مقرراً عقوبة الكافرين من الجن في سورة هود:
﴿إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾
هنا استنباط لطيف, لن تكون العقوبة إلا بعد مخالفة ناشئة عن التكليف، ولن يكون التكليف إلا بعد الاختيار فهي سلسلة.
6- أن لهم قدرات كبيرة ومهارات صناعية فائقة:
لهم قدرات كبيرة ومهارات خطيرة, فقد سخر الله لسليمان الجن يقومون له بأعمال البناء والغوص في البحار, والأعمال الصناعية الكبرى كالجفان الكبيرة والقدور الراسية والأعمال الفنية وكالتماثيل والصور, وقد كانت جائزة ثم حُرّمت في الإسلام إلى غير ذلك من أعمال كبيرة مختلفة قال تعالى:
﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ﴾
قال تعالى حكاية لقول أحد الجن من جنود سليمان الذين سخرهم الله له, حينما قال الجنيّ لسليمان: أنا آتيك بعرش بلقيس قبل أن تقوم من مقامك:
﴿قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ﴾
قال تعالى في وصف أعمال الجنّ الذين سخرهم الله لسليمان يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان:
﴿ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾
7- أنهم كانوا قبل بعثة محمد عليه الصلاة والسلام:
أنهم كانوا قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام، يسترقون السمع من السماء من أفواه الملائكة من السماء, وينقلونها إلى قرنائهم من الإنس في الأرض, وقد ذكر ابن عباس رضي الله عنه أنّه قال: كان الجن يقصدون السماء في الفترة بين عيسى ومحمد فيستمعون أخبار السماء ويلقونها إلى الكهنة, فلما بعث الله محمداً عليه الصلاة والسلام حُرست السماء وحيل بين الشياطين وبين خبر السماء, وأرسلت الشهب عليهم والدليل:
﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً ﴾
أي كان الجن يسترقون السمع, ويتلقفون بعض الأخبار التي تعني أهل الأرض من الملائكة، فإذا ألقاها هؤلاء الكهان توهم الناس أن الكهان يعلمون الغيب, مثلاً: إذا كنت جالساً في بيت ووجدت ورقة على الطاولة لصاحب البيت بأن هناك موعداً في الساعة الخامسة سيأتي فلان لعندي على مفكرته خرج من الغرفة, و وجدت مفكرة على الطاولة قلبتها وجدت الموعد فيها, ولعل الساعة الآن الرابعة جلست، هناك أشخاص كثيرون قاعدون في الغرفة الساعة الخامسة, طُرق الباب فقلت لواحد: أنا أعلم من لدى الباب " فلان " قال لك: كيف علمت ؟ أنا أعلم, فلما فتح الباب دخل فلان, هذا إذا كان ساذجاً توهم أنك تعلم الغيب, لكنك استرقت من هذه المفكرة التي على الطاولة هذا الموعد, وعرفت اسم الذي سيطرق الباب الساعة الخامسة, فلما طُرق الباب قُلتَ فلان لدى الباب، هذا ليس من علم الغيب في شيء, إنما هو استراق للسمع.
قد يتوهم الساذج المغفل غير الديّن أن الكاهن يعلم الغيب, فلما جاءت بعثة النبي عليه الصلاة والسلام ضُرب حصارٌ على الجن لئلا يتقول عليه الأقاويل، ولئلا يتوهم أتباع النبي عليه الصلاة والسلام أن الجنّ لهم علاقة بموضوع الرسالة قال الله:
﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعْ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا﴾
كما تلاحظون ليس هناك فكرة تقال إلا مدعومة بآية أو حديث.
8- أنهم يأكلون أكلاً لا نعلم كيفيته ولا ماهيته:
أنهم يأكلون أكلاً لا نعلم كيفيته ولا ماهيته، وأن الله قد جعل زادهم في العظام وغيرها كما جاء في بعض الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, و لهم قدرة على التشكل بالأشكال الجسمية التي يمكن أن نراها بحسب استعداداتنا البشرية، فقد جاء في طائفة من الأخبار, أن ظهور الجن أحياناً بشكل غير اعتيادي يتشكل بشكل أو بآخر ورد في هذا بعض الأخبار.
أسئلة تدور في فلك الإنسان تخصص للإجابة عليها في الدرس القادم إن شاء الله:
ما علاقة الجن بنا ؟ آمنا بوجودهم وعرفنا صفاتهم, لكن هل للجن تأثير علينا ؟ هذا أكبر سؤال, فلان مسحور، فلان يخاوي الجن، فلان سنأخذه إلى هذا الشيخ ليفكّ عنه السحر هذا الكلام الطويل المعقد الذي أضلّ الناس وضلوا به إن شاء الله سيخصص له درس كامل في الدرس التالي.
هل للجن تأثير على الإنس ؟ وهل للشياطين سلطان على الإنس في عقائدهم وإرادتهم وأعمالهم ؟ و هل يّلقي الجن للإنس علوماً وأخباراً ؟ و هل يعلم الجن الغيب ؟ لا يوجد موضوع يثير حماس الناس وفضولهم وشغفهم كعلاقتنا بالجن, لأن الإنسان الساذج كلما ارتكب معصية يقول لك: الله يلعن إبليس لماذا ؟ لا دخل له, أنت المقصر وأنت المذنب, وهل لهم تأثير على أجسامنا ؟ وهل يتعاون الجن مع الإنس ؟ هذا كله سأجيب عنه إن شاء الله تعالى بشكل مفصل في الدرس القادم ليكون هذا الدرس حاسماً في رد كل الشبهات والافتراءات والظنون والأخيلة والأوهام والخرافات التي تستأثر بعقل الناس وتجعلهم يعتقدون بالله اعتقاداً فاسداً يثبط عزائمهم ويصرفهم عن طريق الحق.
فقد تجد مثقفاً يقول لك: زارني شخص يحمل شهادة عليا قال لي: أنا مسحور وأريد أن أفك السحر عند فلان ما هذا الكلام ؟ يقول لك: فلان سحروه، وفلان يعاونه الجن في ضرب المندل, الدرس الثاني سيكون رداً على هذا التساؤل.