وضع داكن
24-01-2025
Logo
العقيدة الإسلامية - الدرس : 12 - تتمة درس الإيمان بالله عن طريق الفطرة والأدلة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 

أدلة الإيمان بالله:

 

1- دليل الفطرة:

أيها الإخوة الأكارم؛ لازلنا في موضوع العقائد، ولازلنا في موضوع الإيمان بالله سبحانه وتعالى، وقد بينت لكم في الدرس الماضي أن الأدلة على الإيمان بالله عز وجل نوعان؛ دليل فطري: أي أن الله سبحانه وتعالى فطر الأنفس على الإيمان به، فإذا آمنت استقرت واطمأنت وارتاحت وسعدت، وإذا كفرت اضطربت وضاقت عليها الأرض بما رحبت ومرضت وظهرت عليها أعراض الإعراض، الأعراض: الكِبر، والقسوة، واللؤم، والأنانية، والاستعلاء، هذه أعراض الإعراض، فإذا آمنت اطمأنت، إذا أعرضت اضطربت، قال تعالى: 

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)﴾

[  سورة طه  ]

 

قوانين تحكم الفطرة: 


1ـ النفوس جُبلت على حبّ من أحسن إليها:

قيل: ما بال الملوك والأغنياء؟ فأجاب المفسرون: المعيشة الضنك ضيق القلب، هذا البرهان الفطري، الإنسان بالفطرة مؤمن بالله.
البارحة بدرس السبت الذي يُعقد بعد العشاء سألت الإخوة الأكارم سؤالاً إبداعياً، قلت لهم: ابحثوا لي عن بعض القوانين التي تحكم النفس؟ أنا قلت واحداً في الدرس الماضي أن النفوس جُبلت على حبّ من أحسن إليها، أية نفس، أي إنسان، أي مخلوق من أي جنس، من أي عرق، من أي لون، من أي بيئة، هذه النفوس جُبِلت على حبّ من أحسن إلـيها، قيل: بالبر يُستعبد الحر، عجبت لمن يشتري العبيد بماله ليُعتقهم، لِم لا يشتري الأحرار بمعروفه؟ المعروف آسر، هذا قانون أن النفوس جُبِلت على حب من أحسن إليها، أي إذا أردت أن يحبك الناس أحسن إليهم، إذا أردت أن تُوَجه الناس أحسن إليهم قبل أن توجههم، فإذا أحسنت إليهم قبل أن توجههم وقع توجيهك في قلوبهم كوقع السحر، فإذا أسأت إليهم ثم وجهتهم كرهوا هذا التوجيه ولو أنه على حق، أي الزوج القاسي على زوجته لو أمرها بالصلاة، لو أمرها بالاستقامة إنها تكره الصلاة من أجله، من أجل بخله، إنها تكره الصلاة من أجل قسوته في كلامه معها، هذا القانون مهم جداً، إذا أردت أن يُحبك الناس فأحسن إليهم، إذا أردت أن يحبك أولادك فأحسن إليهم، يا بني أنا نشأت عصامياً، الأب مقتدر، وأحواله المادية جيدة جداً، وابنه يتألم لا يجد بيتاً، ولا يجد جداراً، لا يوجد معه مهر، لا يوجد معه، أنا نشأت عصامي، يا أخي وقتك غير وقته، وقتك كان مليون بيت للأجرة موجودين، الآن لا يوجد أي بيت للأجرة، تريد ابنك يحبك؟ أحسن إليه، تريد أن يحبك خادمك؟ أحسن إليه، تريد أنت كرئيس دائرة أن يحبك الموظف؟ أكرمه، يا داود ذكّر عبادي بإحساني إليهم فإنَّ النفوس جُبلت على حُبّ من أحسن إليها، أتحب أن تُوَجه الناس إلى الله؟ أحسن لهم قبل أن تُوَجههم، لذلك قيل: بُعثت بمداراة الناس، رأس العقل بعد الإيمان بالله التودد إلى الناس، هذا قانون.  

2- النفس تستعظم من فاقها في صفة هي فيها:

هناك قانون آخر؛ النفس تستعظم من فاقها في صفة هي فيها، أي من يُعَظِّم الطبيب الجرّاح؟ الطبيب، من يُعَظّم التاجر الكبير؟ التاجر الصغير، من يُعَظّم العالِم؟ من كان في درب العلم، لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أهل الفضل، هذا قانون ثان، أي إذا أردت أن تسيطر في بيتك فكن أفضل من زوجتك، قاعدة، قال تعالى:

﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)﴾

[ سورة النساء ]

أي لن تخضع لك الزوجة إلا إذا فقتها، في الورع، في التقى، في الكمال، في العلم، في الفهم، في الذوق، فإذا كنت أقل منها لن تخضع لك، أي عمل قيادي، لو أنك مدير مدرسة إن لم يكن علمك يغطي كل من عندك من المعلمين لن تستطيع أن تقودهم، مدير مستشفى إن لم يكن علمك يفوق كل علم الأطباء الذين عندك لن تستطيع أن تقودهم، النفس لا تخضع إلا لمن فاقها، في موضوع ما ، بالعلم أو بالخبرة أو بالتجارة أو فيما شاكل ذلك، إذاً هذا قانون ثان، هذه كلها أشياء فطرية. 

2- الدليل العقلي الذي يحتاجه العالم كأداة له في حواره مع الآخرين:

تحدثنا عن بعض الأدلة كمنعكس المص، هذا المنعكس فطري مئة بالمئة، وحبّ الأم لابنها فطري، اندفاع الناس لكسب الرزق شيء فطري، وقلنا إن الفطرة تشبه المرآة مرآة صافية، تعكس الحقيقة، فإذا أصابها الهباب والدخان والفحم حتى انطمست عندئذ نحتاج إلى الدليل العقلي، لكن قلت البارحة: الدليل العقلي يحتاجه الداعية إلى الله، العابد قد يكتفي بالدليل الفطري، مطمئن إلى وجود الله وإلى أسمائه الحسنى، العابد يكفيه الدليل الفطري، لكن العالم لا يكفيه الدليل الفطري، لا لنفسه ولكن للآخرين، كيف يُعَلمهم؟ كيف يرد على شُبُهاتهم؟ كيف ينهض بهم؟ كيف يصلح أحوالهم؟ العلم هو الأساس، إن الله عالم يحبُ كل عالم، لَعالم واحد أشدّ على الشيطان من ألف عابد، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم. 
 

كيف نرد على الشبهات حول مسألة وجود الله؟


النقطة الأولى أنّا الآن نحن بحاجة إلى دليل عقلي لوجود الله لسببين؛ إما لأن الفطرة قد انطمست معالمها، الشهوات والمشاغل، والشبهات والنظريات الهدّامة، والمذاهب الوضعية، والمذاهب الإلحادية في الأرض، هذا كله طمس دليل الفطرة، إذاً نحن بحاجة ماسة إلى دليل العقل، أو أنك إذا أردت أن تُعَلّم الناس الإحساس الفطري لا يَصلُح للنقل، الدليل: أنت تحس بالجوع تقول لإنسان: أنا جائع، يقول لك: ما الدليل؟ لا يوجد معه دليل، والله جائع، والله أكاد أموت جوعاً، يقول لك: هات لي الدليل العقلي؟ لا يوجد دليل، الإحساس الفطري لا يُنقل، هذه مشكلته، هو مريح وسهل لكن لا يُنقل للآخرين، الإحساس الفطري لا يعرفه إلا صاحبه، فإذا أردت أن تنقل للناس إيمانك بالله أنت بحاجة إلى الدليل العقلي، إذاً طلب العلم فريضة، لابدّ من أن تعرف الله بالفطرة وبالعقل، لأنك بالعقل تُقيم الحجة، قد يسألك طفلك في الصف السابع: يا بابا ما الدليل على وجود الله؟ أنت تصلي وتصوم وتحج إن لم تملك الجواب المناسب فإن ابنك يتزلزل، أنت بحاجة ماسة إلى الدليل العقلي.

  ينبغي على المؤمن الذي توصل إلى الحقيقة ألا يخشى مجادلة الآخرين له:


ولكن وأنا في طريقي إليكم جاءتني خواطر أنني حينما أبحث معكم أيها الإخوة الأكارم الأدلة العقلية على وجود الله كمن اشترى بيتاً، وسكن فيه، ثم يبحث عن الدليل عن أن هذا الذي يسكنه بيت، وأن هذا البيت بيته، أي أنتم تجاوزتم هذا الموضوع، هذا الذي عرف الله، واستقام على أمره، وأقبل عليه، وأحسّ بوجوده، وسعد بقربه، وتجلى الله على قلبه، ورأى من الله معاملة تأخذ بالألباب، هذا الإنسان عرف الله، حينما أقيم له الدليل على وجوده كأني أرجع به إلى الوراء، طالب بالجامعة في السنة الثانية من الجامعة ، فرع اللغة العربية، أقول له: الكلمة اسم وفعل وحرف، هذا مستوى الصف الرابع الابتدائي، تجاوز هذا، ومع ذلك لابد من متابعة الموضوع أولاً بأول ومرحلة مرحلة وباباً باباً.
أتمنى عليكم هذه الفكرة الأساسية أن الحقيقة لا تخشى البحث، أي إيمانك يجب أن يكون خاضعاً للتداول، لو عرضته على إنسان ملحد يجب أن تُقيم عليه الحجة، لن يظهر في المستقبل ولا إلى يوم القيامة حقيقة علمية تُناقض آية قرآنـية، هذا دين الله، الحقيقة لا تخشى البحث، أي أنت إذا حللت مسألة رياضية حلاً صحيحاً، وفق القوانين المستخرجة من المُسَلّمات، لا تخشى أن يطلّع أحد على هذه الورقة، يطّلع، أما إذا كان بالحل تدليس، رقم ليس له أصل، يوجد خطأ بالجمع، جاء الجواب صدفة موافق للمعطيات، هذا الحل لا ترغب أن تَعْرِض هذه الورقة على إنسان، أخي أنا نجحت ومزقت الورقة، وانتهى الأمر، أخذت العلامة التي تريدها وليس راغباً أن يطّلع أحد على هذا الحل أن فيه أخطاء، فيه تدليس، فيه صدف، الحل فيه تزوير، من الذي لا يخشى أن يطّلع أحد على مسألته؟ من كان واثقاً بصحتها، مثلاً: تقول أنت في التعليمات أن هذا شراب برتقال طبيعي، ثم منكهات، هذا الذي قدم البرتقال الطبيعي لا يخشى التحليل، لكن الذي وضع منكهات البرتقال مع حموض كيماوية وقال: عصير طبيعي، هذا يخشى أن تؤخذ عينة من هذا الشراب إلى التحليل، لأن التحليل سوق يفضحه، سوف يخزيه، أنت يجب أن تتأكد أنك على حق، والحق لا يخشى البحث. 
 

الدين الذي يُبنى على العادات والموروثات البيئية البعيدة عن ضوء العلم يذل معتنقه:


لا يوجد عندنا نحن شيء مضمر، الدين واضح، لا يوجد عندنا مجالس مغلقة، الأبواب مفتحة، تفضل اسمع،لا يوجد عندنا شيء نضمره ولا نُظهره، معنى هذا ليس ديناً، هذا ليس دين الله عز وجل دين الله لا يخشى البحث، لا يخشى الاطّلاع، ليطّلع عليه كل الناس، ليطّلع عليه أعداء الإسلام، دين الله حق، صدق، وضوح، إشراق مئة بالمئة، الحقيقة لا تخشى البحث، لا يوجد عندنا شيء بالإسلام غير قابل للتداول، كل حقائقه قابلة للتداول، كل حقائقه قابلة للنشر، كل حقائقه مُعدة للتصدير.
مثلاً الدين البوذي، البقرة إله، البقرة مقدسة، روث البقر، هذا إذا سافر أحدهم إلى أوروبا وهو هندي يستحيي أن يعرض ديانته على الناس هناك، يستحيي لأنها غير منطقية، فيها خرافة، فيها نجاسة، فيها وهم، فيها ضلال، إنسان يأخذ روث البقر النجس ويضعه على جبينه بأيام الأعياد، بقرة تقطع الطريق ثلاث ساعات، تدخل البقرة إلى حانوت البقّال تأكل ما لذّ وطاب والشعب جياع، البقرة تدفن دفناً بمراسم مقدسة والإنسان يُحرق حرقاً! إذا إنسان له دين بوذي وذهب إلى أوروبا يستحيي أن يعرض دينه على هؤلاء، لكن المسلم في أي مكان، في أي زمان، في أي عصر، في أي مصر، في أي إقليم، في أي ظرف، مع أي إنسان، دين الله حق، صدق، واضح، لذلك هذه الفكرة أتمنى أن تكون عندكم واضحة، الحق لا يخشى البحث، لأنك لو بحثت عنه لآمنت به، لو حللته لازددت به إيماناً، هذا الحق، أما الباطل فتخشى أن يسألك الناس عن هذا الموضوع، لأن فيه إحراجاً، فيه مواقف محرجة، هذه النقطة دقيقة، قال عليه الصلاة والسلام:

(( عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ قَالَ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذِهِ لَمَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ قَالَ: قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلا هَالِكٌ، وَمَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِمَا عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ وَعَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ. ))

[ صحيح ابن ماجه ]

 

الفرق بين دين الإسلام وبين الديانات الأرضية عند البحث والتدقيق العلمي:


أكبر غلطة يرتكبها المسلمون هي أنهم حينما يقرؤون في كتب الغربيين هجوماً على الديانة النصرانية، يظنون أن ما ينطبق على الدين النصراني ينطبق على الدين الإسلامي، لا، هنا حق، هنا صدق، هنا وضوح، أما أن يبيع رجل الدين قِطعاً في الجنة بصكوك يوقعها هو، هذه من قال بها؟ هذه غير مقبولة، يقول لك: خذوا أقوالهم ولا تفعلوا أفعالهم، من قال لك: إنني أستطيع أن أستمع إلى إنسان لا يطبق ما يقول؟ هذا الذي لا يُطبق ما يقول ساقط في نظري، وانتهى الأمر، إذاً خذوا أقوالهم ولا تفعلوا أفعالهم هذه مرفوضة، غير منطقية، يا أيها الرجل الذي تعظنا إذا كنت أنت لست قادراً على أن تطبق ما تقول نحن أكثر ضعفاً منك، أنت الفهمان، القدوة، تخالف كلامك، أنا أطبقه؟ لا أطبقه، مستحيل، هذه المقولة غلط.
مقولة ثانية؛ الإيمان فوق العقل، لأن العقل منطقي أما يوجد أشياء بالإيمان غير منطقية، فقالوا: الإيمان فوق العقل، هذه ليست صحيحة، هذه الطروحات لا تقف على قدميها في المناقشة، هذه الأفكار مرفوضة، غير مقبولة، لذلك في بعض الأديان تخشى البحث، على المناقشة والبحث والتمحيص والتدقيق والتحليل تنهار، بعض المذاهب في البحث والتحليل والتنقيب والدراسة والسؤال والجواب تنهار، لكن الإسلام لأنه دين الله، خالق الكون وهذا دينه، كيف أن الكون مبني على علم دقيقٍ دقيق كذلك الدين مبني على علم دقيق دقيق، لذلك إذا الإنسان مسلم، وإيمانه صحيح، وإيمانه جيد لا يخشى البحث، اعرض إيمانك على الناس كلهم من يقل بالإسلام لا يوجد شيء يقال وشيء لا يقال، كل شيء في الإسلام يقال، لا يوجد شيء مضمور، الحقيقة لا تخشى البحث، الحق لا يخشى البحث، اعرضه على أي الناس، هذا الذي جعل بعض كبار المفكرين في فرنسا يؤمنون بالله وبالإسلام، ويسلمون، هذا الذي جعل أعداء الدين أحياناً يسلمون، لأنهم إنما يخضعون للحق.
مايكل هارت هذا نذر على نفسه أن يقرأ تاريخ زعماء العالم قاطبةً، أراد أن يختار من هؤلاء الزعماء مئة، نخبة النخبة، ورتبهم بحسب خمسة مقاييس؛ قوة التأثير، واتساع رقعة التأثير، وامتداد زمن التأثير، فكان النبي عليه الصلاة والسلام في مقدمة هؤلاء لأسباب موضوعية بحتة، هو ليس مسلماً لكنه اضطر وفق مقاييسه أن يجعل النبي عليه الصلاة والسلام في رأس المئة الأوائل، لكنني علقت على هذا الكتاب، هو اختار مقياس قوة التأثير، واتساع رقعة التأثير، وامتداد زمن التأثير، لكنه لو أضاف إلى هذه المقاييس الثلاث نوع التأثير لحذف من هؤلاء المئة سبعين، هتلر رقمه اثنان وخمسون مثلاً من عظماء العالم، خلّف مأساة يزيد عدد المصابين فيها عن خمسين مليون قتيل، عمل حرب عالمية ثانية كانت النتيجة خمسين مليون قتيل، وكل قتيل يوجد وراءه خمسة أي مئتان وخمسون مليون منكوب في العالم، يجب أن يجعل المقياس عمق التأثير، واتساع رقعة التأثير، وامتداد التأثير، ونوع التأثير، يوجد نوع إيجابي، نافع، وهناك نوع ضار، إذا شخص ارتكب جريمة شنعاء في البلد، وفي اليوم التالي نشرت الصحف هذه الجريمة، يقفز ويشتهر، هل هذه الشهرة إيجابية أم سلبية؟ سلبية، هل هذه الشهرة مشكورة؟ لا، مذمومة، هل هذه الشهرة مقياس للعظمة؟ لا والله، مقياس للجريمة هذه الشهرة، فلذلك الحقيقة لا تخشى البحث، في الكون مبدأ واحد وهو الحق، إن كنت معه فهنيئاً لك، وإن كنت على خلافه فالويل لك، من لم يكن مؤمناً حقاً فهو كافر حقاً، لا يوجد حلّ وسط.
 

الباطل لا أثر له في الوجود مهما تنوعت أساليبه:


الاعتقاد، الباطل أنواع، أنا أعتقد أكثر من مليون باطل يوجد بالأرض، الباطل الاعتقادي أنواع، يقول لك: النظرية الذرائعية، باطل، أي أن تصل إلى أي هدف بأية وسيلة، ولو كانت ساقطة، مثلاً؛ امرأة مضطرة إلى دخل كبير باعت شرفها، هذه وفق النظرية الذرائعية عملها صحيح، إنها توصلت إلى هدفها، بصرف النظر عن نوع الوسيلة، هذه نظرية باطلة، والنظرية الإلحادية باطلة، والنظرية الوجودية باطلة، أي أنت يجب أن تعيش لحظة وجودك. 
شخص واقف في مكان ما، وجد أمامه طعاماً نفيساً ليس له فأكله، استطاع أن يروي شهوته من أي طريق، بأي ثمن، بالحق، بالباطل، بالخير، بالشر، يجوز، لا يجوز، مسموح، غير مسموح، هذا الشيء تقره الأديان، لا تُقِره، زنا، زواج، لا، هذا الذي يقتنص اللذة من أية طريق هذا وجودي، فالوجودية باطلة، والذرائعية باطلة، الوصول للهدف بأية وسيلة، باطلة، وإنكار الوجود باطل، واعتبار الإنسان كتلة جنس فقط كما يقول فرويد باطلة، والإنسان اقتصادي فقط باطلة، والإنسان اجتماعي فقط باطلة، فالباطل الاعتقادي مليون نوع، والباطل السلوكي مليار، مليون نادٍ من النوادي في العالم كلها مبنية على الباطل، لكن كل هذه الأنواع من الباطل تجمعها صفة واحدة، عندما ربنا يصف يحير العقول، وصفه جامع مانع قال: 

﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)﴾

[ سورة الإسراء ]

كل أنواع الباطل الاعتقادية والسلوكية والاجتماعية، الباطل في العادات، الباطل في التقاليد، مثلاً إذا كنت أنت إنساناً متمدناً راقياً، متطوراً، تفكيرك مفتوح، كنت بسهرة وصار هناك رقص يجب أن تعير زوجتك لصديقك، وتستعير زوجته ترقص معها، هذا باطل، هذا ليس عقيدة، هذا سلوك، سلوك باطل، ويجب أن تفعل أشياء لا ترضي لا الذوق العام ولا الله عز وجل، فربنا عز وجل جمع كل أنواع الباطل الاعتقادي والسلوكي، باطل العادات، باطل التقاليد، باطل النظم الوضعية، باطل التشريعات الوضعية، قال: ﴿إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾
 

نموذج من الصحابة الذين اتبعوا الحق وبين معارضيه الذين اتبعوا الباطل:


هنيئاً لمن كان مع الحق لأنه مع الثوابت، التعامل مع الله عزّ وجل مريح جداً، فتعاملك مع الله هو تعامل مع قيم ثابتة، وعده مئة بالمئة، أحياناً الإنسان يفاجئك يقول لك: ما وعدتني؟ أنا بنيت على وعدك بعت بيتي من أجل وعدك، تقول له: والله ما قدرت، أو أن إنساناً ينقلب عليك فجأة من صديق إلى عدو، فالتعامل مع الأشخاص خطر، فيه مقامرة وفيه مغامرة،  لكن التعامل مع الله عزّ وجل فيه طمأنينة:

﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)﴾

[ سورة التوبة  ]

خطر في بالي مثل البارحة وفق القرآن؛ هذا أبو لهب وأبو جهل هما زعيما الكفر في مكة المكرمة، مضى على موتهم ألف وأربعمئة عام، والعام ثلاثمئة وخمسة وستون يوماً، فربنا عزّ وجل قال: 

﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)﴾

[ سورة غافر ]

اضرب ألف وأربعمئة ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين ضرب اثنين، ﴿غُدُوًّا وَعَشِيًّا﴾ خذ الرقم والخير للأمام، ولا نزال في الدنيا، ولم تَقُم بعد يوم القيامة، خُذ سيدنا الصّدّيق، سيدنا عمر، هؤلاء الصحابة الكرام، القبر روضة من رياض الجنة، اذهب إلى قبر النبي عليه الصلاة والسلام ثم قل أنت: لماذا أنا سعيد؟ لماذا أنا مغموس في سعادة لا توصف؟ لأنك شارفت بعض حضرته الثنية، أي روائح، أي أنت وقفت أمام المقام لاشك أن هذه النفس الطاهرة فاحت عليك روائحها الطيبة، كيف أصحابه الذين افتدوه بأرواحهم؟
 

الحق واحد لا يتعدد من أجل ذلك لا يخشى البحث:


إذاً أيها الإخوة؛ الحقيقة لا تخشى البحث، أنت فقط آمن الإيمان الصحيح، لا يوجد إنسان، قرأت كلمة لأينشتاين هذا الذي اكتشف أخطر نظرية في الفيزياء، النظرية النسبية، هذه النظرية معقدة جداً، مؤداها أن الشيء إذا سار بسرعة الضوء صار ضوءاً، والضوء شيء حجمه لا نهائي، وكتلته صفر، هذه النظرية تقول: إنك إذا سرت مع الضوء أصبحت ضوءاً فإذا سبقت الضوء تراجع الزمن، هذا الدرس، أنتم أجسام عاكسة للضوء، هذه الإضاءة، يخرج منا موجات ضوئية للفضاء الخارجي، لو تمكّن واحد من البشر أن يسير مع هذه الموجات، لو سار معها مليون سنة، هذا المنظر هو هو لا يتغير، هذه الصورة بُثت للفضاء، وسار مع هذه الصورة، الصورة تبقى مستمرة، فإذا سار الإنسان مع الضوء توقف الزمن، فإذا سبق الضوء رأى من كان قبلنا في هذا المكان، قبل أن يُبنى هذا المسجد ماذا كان فيه؟ لذلك يوجد نظريات تبدو نوعاً من الخيال، لو تمكّن الإنسان أن يطير إلى الفضاء الخارجي بسرعة تفوق سرعة الضوء، وتمكّن أن يلتقط الموجات الضوئية التي أرسلتها الأرض يمكنه أن يرى موقعة القادسية، وموقعة بدر، وموقعة الخندق، إذا الإنسان سار أسرع من الضوء يتراجع الزمن نحو الوراء، فإذا سار مع الضوء توقف الزمن، فإذا قصّر عن الضوء تراخى الزمن، شيء معقد جداً، هذا العالم الكبير الفيزيائي يقول: كل إنسان لا يرى في هذا الكون قوة هي أقوى ما تكون، عليمة هي أعلم ما تكون، حكيمة هي أحكم ما تكون، رحيمة هي أرحم ما تكون، هو إنسان حيّ ولكنه ميت.
والله الذي لا إله إلا هو لو انخلع الإنسان من إيمانه لأصبح كالبهيمة، وبعضهم قال: لولا العلماء لأصبح الناس كالبهائم، هناك كل إنسان يعاملك كأنه بهيمة، فظاظة على تلبّد بالحس، على تجاوز لقدره، على أنانية، على إساءة مقصودة وغير مقصودة، على شعور بالفوق، فالحقيقة لا تخشى البحث، الحق لا يخشى البحث.
مثلاً إذا قلت: الأرض كروية، هل تخشى بهذه المقولة أحداً؟ مصورة، صوِّرت ورآها الناس بأم أعينهم كرة، هل تخشى أن تقول لعالم في دولة أجنبية أخي الأرض كروية ولا تقل لأحد؟ هذه حقيقة صارخة، هذه مسلّم بها، بديهية، يجب أن يصل إيمانك بالإسلام إلى مستوى إيمانك بأن الأرض كرة، هذه الحقيقة صارخة، مُسلّم بها، مقطوع بصحتها، لا تخشى البحث، لا تخف، قل: الأرض كرة، الذي يقول الأرض مسطحة، الآن في عام ستة وثمانين هناك علماء يُصرون على أن الأرض مسطحة، منبسطة، هل تخشى أفكارهم البحث؟ تخشى، نُقِلت بعض أفكارهم في صحف أجنبية فما كان من قُراء هذه الصحف إلا أنهم سخروا، إذا قال الإنسان: الأرض مسطحة، منبسطة، هذا ليس حقاً بل باطلاً، والباطل يخشى البحث لأنه مع البحث يسقط.
إذا كان لدينا قطعة ذهب مطلية بماء الذهب وهي تنك، هذه القطعة هل تخشى الحك؟ طبعاً، إياك، يوجد ألماس أمريكي، ألماس صناعي، قريب جداً جداً من الألماس الطبيعي، لكن هذا الخاتم يلبس فقط في المناسبات، أما لو أن المرأة استعملته بالجلي، هذا البريق يخف، فهذا الخاتم الذي فيه ألماس مزور يخشى الاستعمال، لأنه على الاستعمال ينكشف، أما الألماس الطبيعي هل يخشى الاستعمال؟ لا يخشى، الذهب الطبيعي لا يخشى، أخي حكه حكه لا تخاف، هذه نقطة دقيقة، الحقيقة لا تخشى البحث، أكثرت من الحديث عنها لأنني أحب أن تكون عندكم الفكرة واضحة، إذا كنت على حق لا تخف، لا تخف ورب الكعبة.
 

سعة صدر الإنسان للنقاش المنصف البريء:


العنوان الذي بعده: سعة صدر الإنسان للنقاش المنصف البريء، ربنا عزّ وجل قال: 

﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24)﴾

[ سورة سبأ ]

انظر إلى هذا الطرح الموضوعي، أي الحق واحد، إما نحن على الحق وأنتم على الباطل، أو أنتم على الحق ونحن على الباطل، والمناقشة بيننا، مرة كان لي عمل إداري بالتعليم فكان الموظفون الذين معي لي معهم كلمة مشهورة، إما أن أقنعك أو أن تقنعني، العلاقة علمية، الحق رائدنا جميعاً، أعطيك أمراً إما أن تقنعني أنه خطأ فأتراجع عنه أو أن أقنعك أنه صحيح فيجب أن تأخذ به بالدقة والتمام، ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ لا يوجد حلّ ثالث، إما على الحق وإما على الباطل، لأن الحق واحد، لا يوجد حقان، هناك قاضٍ جاءه متخاصمان، تكلم الأول كلاماً منطقياً قال له: الحق معك، ثم تكلم الثاني فقال له أيضاً: معك حق شيء منطقي، يظهر أن زوجته كانت معه فقالت له: يا فلان ما هذا الحكم؟ قال لها: والله معك حق أنت أيضاً، كم حق؟ صاروا ثلاثة، الحق واحد، إما معي وإما معك، ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ انظر إلى هذه الموضوعية، ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ .
 

بعض الإرشادات والتوجيهات للداعي إلى الله:

 

1- ينبغي لحامل الرسالة أن يكون كلامه ليناً سهلاً بعيداً عن القسوة والفظاظة:

الآية الثانية: 

﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)﴾

[ سورة النحل ]

لو أن الحق معك لا تكن فظاً بنقل الحق، كن لطيفاً، ليس القصد أن تُحطمه، القصد أن تأخذ بيده، ليس القصد أن تُشَهر بجهله، القصد أن تُعلمه، لذلك حتى لو دعوت إلى الحق يجب أن تدعو إليه باللطف والإحسان، ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ .
ربنا عزّ وجل قال: 

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)﴾

[ سورة آل عمران ]

انقل الإنسان نقلة نقلة، تعطيه قائمة بكل المحرمات دفعة واحدة وهو واقع فيها كلها؟ يراها صعبة لا أريد هذا الدين، عرفه بالله أولاً، اتركه هو ومعاصيه، تكلم له واحدة فقط، أي من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف. 

2- على حامل الرسالة أن يكون متمتعاً بالعلم والذكاء والحكمة:

﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8)﴾

[ سورة الحج ]

لا يوجد عنده علم، ولا يوجد عنده قلب مستنير، ولا يوجد عنده فهم لكتاب الله واضح، والله شيء جميل، آية رائعة، إما أن تكون عالماً، أو أن تكون ذا قلب مستنير، أو أن تملك تفسيراً صحيحاً لكتاب الله، ﴿وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ﴾ إذا أردت أن تجادل فبالعلم أو بالهدى أو بالكتاب المنير، وإذا أردت أن تجادل فبالتي هي أحسن.  

3- ألا يبين للمعرض أثناء الحوار أنه على باطل وهو على حق وإنما يتبع الحجة والبرهان:

إذا أردت أن تجادل لا تقل: أنا على حق وأنت على باطل، يقول لك: لا، أنا على حق، يا أخي إما أنا أو أنت على خطأ، أو أنا أو أنت على صح، دعنا نتناقش، آداب المجادلة، ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي﴾ افرض نفسك أنت على باطل، أو على حق، أخي نحن رائدنا المنطق، رائدنا الحقيقة، رائدنا الدليل العقلي، الدليل النقلي، رائدنا البيّنة، البرهان هذا رائدنا، فأنا سأطرح فكرة إما أن تثبتها أنت أو أن ترفضها، هذا أول أدب.
لا تقل: أنا على حق وأنت على باطل، الأدب الثاني: بالحكمة والموعظة الحسنة، دخل رجل لعند ملك فقال له: سأعظك وأغلظ عليك؟ قال له: ولِمَ الغلظة يا أخي؟ إن الله أرسل من هو خير منك إلى من هو شر مني، أرسل موسى إلى فرعون، أنت مثل موسى؟ هل أنت نبي؟  هل أنا مثل فرعون؟ لا أقل، إن الله أرسل من هو خير منك إلى من هو شرّ مني، أرسل موسى إلى فرعون، فقال له:

﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)﴾

[ سورة طه ]

ليناً لا تحتاج إلى غلظة، تحتاج إلى نعومة، تحتاج إلى رقة، ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ النبي صلى الله عليه وسلم زار صحابياً في ظاهر المدينة، فلما جلس النبي الكريم هناك صحابي سأل عنه اسمه مالك بن الدخيشن، قال: أين مالك؟ فقال رجل: نافق مالك، هذا منافق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، ما معنى لا؟ ليس منافقاً، هو فعلاً منافق، قال له الثاني: إنه يُبغض الله ورسوله، قال له: لا، قال له: إن حديثه في المنافقين؟  قال له: لا، ما معنى لا؟ إذا قال النبي: ليس منافقاً وهو منافق، شك أصحابه بتقييمه، وإذا سكت، معنى ذلك أنه أقرهم على تقييمهم، فلو بلغ هذا المنافق أنه سكت فسكوته إقرار، قطعه عنه، قال: لا، يفهمها أصحابه لا تقولوا هذا الكلام، ويفهمها مالك بن الدخيشن أنه ليس منافقاً، وفعلاً بعد فترة عاد إلى النبي وحَسُن إسلامه وتاب إليه، هناك لطف، قال: لا، لو قال: فعلاً منافق، لو سكت أو لو قال: ليس منافقاً، هو يعرف نفسه أنه منافق، كلمة لا تحتمل أنه ليس منافقاً، وتحتمل أنه لا تقولوا ذلك، ثم قال: لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة، هذه ليس له علاقة بها، كأنه أوهمهم أنه يقول لا إله إلا الله، شيء لطيف جداً.
أولاً: لا تفرض نفسك على حق أمام المناقش، قل له: أخي الحق رائدنا، أنا على حق أو أنت، أنا على باطل أو أنت، ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ .
الشيء الثاني: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ .
والشيء الثالث: ﴿وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ﴾ أنت بحاجة ماسة إلى علم وإلى هدىً وإلى كتاب منير.
 

البحث العلمي يفضي بصاحبه إلى الإيمان بالله:


الآن البحث العلمي الصرف يُفضي إلى الإيمان بالله، أي إذا كان هناك إنسان لم يخطر في باله أن يؤمن بالله عزّ وجل، الإيمان بالله خارج اهتمامه، مثلاً يحضّر دكتوراه في الطب في دولة أجنبية، عندما يُطالع هذه الحقائق العلمية المذهلة يجد نفسه بشكل لا شعوري وهو يؤمن بالله العظيم، فالحقيقة وحدها تنقلك إلى الإيمان بالله شئت أم أبيت، أحببت أم كرهت، هذا ما قاله سفيان الثوري: طلبنا العلم لغير الله فأبى العلم إلا أن يكون لله، أي إذا درس إنسان الإسلام حتى يرد عليه يعلق فيسلم، إذا درسه من أجل أن يرد عليه، من أجل أن يكشف التناقضات فيه إذا درسه يؤمن، وهذا ما حصل لكبار أعداء الإسلام، كيف أسلموا؟ درسوه ليردوا عليه لأنه حق انصاعوا له.
العنوان الذي بعده: البحث العلمي المجرد يوصل إلى الإيمان بالله، شيء طبيعي، الدليل:

﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)﴾

[ سورة آل عمران ]

من الذي شهد؟ الله، ﴿وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ُ﴾ أي أولو العلم يشهدون أنه لا إله إلا الله وأنه قائم بالقسط، شيء طبيعي.
 

لا يخشى الله إلا العلماء الراسخين في العلم:


﴿ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)﴾

[ سورة فاطر ]

هنا أدق، هنا العلماء ينقلهم علمهم لا إلى الإيمان بالله فقط بل إلى خشيته، أي إذا أحدهم عرف أن هذا مفاعل نووي، وله إشعاعات قاتلة، فإذا عرف أن هذا المفاعل خطر هل يعتقد أنه خطير ويقف أمامه أم يبتعد؟ يبتعد، إذا عرف أخطار هذا المفاعل، وهذا الإشعاع النووي لا يكتفي أن يعرف بل معرفته تحمله على أن يبتعد، هناك أدوية زراعية خطرة جداً، البائع لا يُسمَح له أن يبيعها إلا بعد أن يأخذ تصريحاً خطياً من الشاري بحسن استخدامه، هناك رجل اشترى هذا المبيد وحله بوعاء، ورشّ به الشجر، وغسل الوعاء خمسة وجوه وطبخ فيه وأكل هو وزوجته وأولاده الخمسة فماتوا كلهم، فإذا عرفت بالضبط خطورة هذا الدواء، هل تعرف فقط أنه خطر؟ فقط؟ هل تكتفي بالمعرفة فقط أم تطبق استعمالات الدواء مئة في المئة؟ انظر المعرفة اليقينية تنقلك حتماً إلى التطبيق، ماذا قال ربنا؟ ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ فالعلماء وحدهم ليس فقط آمنوا به بل إنهم يخشونه، إذا عرفت أن هذا الدواء خطر جداً، وقعت حادثة حقيقية فلاح وزوجته وخمسة أولاد ماتوا جميعاً، أكلوا من وعاء بعد أن غسلوه جيداً خمس مرات، هذا السم قتلهم جميعاً، فإذا عرفت سمية هذا الدواء، معرفتك تعني تطبيق استعماله مئة في المئة، هذه: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ .
ثم ربنا عزّ وجل قال: 

﴿ أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)﴾

[ سورة الزُمر ]

بحثت أنا بنفسي عن حالتين حادتين، إذا كنت جائعاً جوعاً شديداً، موضوع في مكان فيه أنفس أنواع اللحم المشوي، مع كل أنواع المقبلات، وبمكان فطيسة، رائحتها تفوح منها إلى اثنين كيلو متر أنا أقول لك: هل يستوي هذا الطعام وهذا الطعام؟ إنه ليس فرقاً بين لحم وأرز بفول، أو بين لحم ضأن ولحم جمل، ليس هذا الفرق، يا ليت هذا هو الفرق، ليس الفرق بين مجدرة وبين لحم، لا، الفرق بين لحم من أنفس أنواع اللحم وبين فطيسة منذ شهرين ميتة، ورائحتها منتشرة ومنفوخة، ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ لا يستوون، لذلك قالوا: رتبة العلم أعلى المراتب.
 

العلماء أحياء ما بقي الدهر وكذلك كل مؤمن مخلص في إيمانه لله:


دخلت مرة على الطلاب سألتهم سؤالاً؟ قلت لهم: إذا أجابني أحدكم عن هذا السؤال  فسوف أمنحه علامة تامة باللغة العربية، من يذكر لي اسم تاجر واحد عاش سنة ألف وثمانمئة وعشر بالشام؟ تاجر أي أقصد غنياً، صمتوا، تركتهم خمس دقائق ما عرفوا، قلت لهم: وأنا لا أعرف مثلكم، مات خُزّان المال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر.
كم مرة يُذكر سيدنا عمر بالعالم الإسلامي باليوم؟ كم مرة تقول: الإمام الشافعي؟ كم مرة ذكر في اليوم في العالم الإسلامي الإمام الشافعي؟ والله ملايين المرات، يقول الإمام الشافعي كذا وكذا، يقول الإمام أبو حنيفة كذا وكذا، يقول سيدنا عمر كذا وكذا، قال سيدنا الصديق كذا وكذا، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة، أمّا خُزّان المال انتهوا، هذا الكلام مقصود به فقط أصحاب الأموال غير المؤمنين، أما المؤمن فله ذكر حسن وعطر، لأن المال قوة، العلم قوة، والمال قوة، هناك إنسان بماله يهدي الناس، بماله يرقى إلى سابع سماء، كلما ذكرت كلمة مال أقصد به أصحاب المال غير المؤمنين، الذين رأوا المال كل شيء، أما المؤمن تشتهي والله أن تكون مثله غنياً لتواضعه، وسخائه، وكرمه، وإرسال ماله إلى الدار الآخرة قبله من أجل أن يسرّه اللحاق به، إذا إنسان بعث كل ماله إلى جهة من الجهات بقي عليه أن يلحق بماله، شيء ممتع جداً، أرصدة مجمدة بالغة مبالغ طائلة، أما إذا قال له: اترك مالك وغادر، يقول لك: سوف أموت، فعلاً، فمن دفع ماله أمامه سرّه اللحاق به، قال تعالى: 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)﴾

[ سورة المجادلة ]

الله سبحانه وتعالى يرفع العالم به درجات، سبحان الله! أحياناً تجد شخصاً مثلاً لا تعرف من أين أصله لكنه صار عالماً، له مكانة كبيرة، علمه يرفعه، شخص يكون غير معروف أو ليس له هذا النسب العالي، لكن لأنه صار عالماً علمه رفعه.

لا تقل أصلي وفصلي أبداً                إنما أصل الفتى ما قد حصل

[ ابن الوردي ]

* * *

الذي حصّله من علم، يجوز أنت لا تصدق أن الإمام البخاري لم يكن عربياً، كان من بخارى، علماء كبار جداً ملء السمع والبصر لم يكونوا عرباً، ما الذي رفعهم في نظر العرب أنفسهم؟ علمهم، قيل: ليست العربية بأحدكم من أب ولا أم ولكن من تكلم العربية فهو عربي، مقياس العروبة من تكلم العربية فهو عربي، لأنه أحبّ هذه الأمة، حبه لها دفعه إلى تعلّم لغتها لأنها لغة القرآن، هذا مقياس النبي، مقياسه بالنسب القومي: من تكلم العربية فهو عربي، ومقياسه بالنسب الحقيقي: أنا جد كل تقي ولو كان عبداً حبشياً، أجمل شيء الإسلام، ليس فيه تفرقة، وليس فيه طبقية، وليس فيه عرقية، مبدأ واحد: 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)﴾

[ سورة الحجرات ]

سلمان منا آل البيت.

﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)﴾

[ سورة المسد ]

عمه.
وسلمان منا آل البيت.
 

ينبغي على المسلم أن يكون حريصاً على معتقداته فلا يتبع ما ليس له به علم:


الله عزّ وجل نهى عن اتباع ما لا علم لك ، قال: 

﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)﴾

[ سورة الإسراء ]

الإنسان يؤمن بعقيدة من دون تحقق، من دون تثبت، من دون تدبر، من دون سؤال، أخي إنَّ فلاناً قال لي: هذه لا شيء فيها، أنت قلت له: ما الدليل؟ اسمعوا مني هذا الكلام، قال العلماء كلمة مشهورة: إذا كنت ناقلاً فالصحة، وإذا كنت مدعياً فالدليل، عود نفسك إذا قال لك أحدهم: إن الموضوع  الفلاني كذا وكذا، فاسأله ما الدليل؟ دليل عقلي أو دليل نقلي، آية، حديث متواتر أو حديث صحيح، ليس حديثاً ضعيفاً، موضوع، آحاد، تحدثنا عن هذا سابقاً.
حديث متواتر تواتر لفظي أو تواتر معنوي أي تلقته الأمة بالقبول جيلاً عن جيل، تواتر لفظي أو تواتر معنوي، أما أحاديث آحاد أو حديث ضعيف أو حديث موضوع فهذا ليس من الدين، هات الدليل العقلي أو الدليل النقلي؟ هذا إذا كان مبتدعاً، أنا رأيي هكذا، لابأس، من أنت؟ ما حجمك؟ كل إنسان يؤخذ منه ويُردّ عليه إلا صاحب هذه القبة الخضراء، لأنه هناك  وحي، هناك معجزة، ما جاءنا عن صاحب هذه القبة الخضراء فعلى العين والرأس، وما جاءنا من سواه فهم رجال ونحن رجال، عوّد نفسك أي إنسان أدلى إليك بمعلومات، بتوجيه، بحكم،عوّد نفسك قل له: ما الدليل؟ إذا قال لك: قال عليه الصلاة والسلام، قل له: هل هذا الحديث صحيح؟ متأكد منه؟ 

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور