وضع داكن
19-04-2024
Logo
مدارج السالكين - الدرس : 045 - منزلة الصبر
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لاعلم لنا إلا ماعلمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.  


منزلة الصبر.


أيها الإخوة الكرام؛ مع الدرس الخامس والأربعين من سلسلة دروس مدارج السالكين, في منازل إياك نعبد وإياك نستعين, ومنزلة اليوم هي: منزلة الصبر.

الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- يقول: الصبر في القرآن في تسعين موضعاً.

لأن الإيمان هو الصبر، ولأن الإنسان مخلوق للجنة, وثمن الجنة الصبر. 


الفرق بين الكافر والمؤمن .


الكافر متفلت يفعل ما يشاء، يأكل ما يشاء، يجلس مع من يشاء، يذهب لأي مكان يشاء، يأخذ أي مال يشاء، يعتدي على أي مخلوق يشاء، هكذا تفلت، استرخاء، تحرك عشوائي, المؤمن منضبط بمنهج الله، الشهوات واسعة، القنوات النظيفة محددة، أودع في الإنسان حب المرأة, القناة النظيفة المشروعة التي ترضي الله, أن تنظر لزوجتك، وإلى محارمك، وما سوى ذلك تفلت، كسب المال واسع جداً، هناك ألف مصدر لأخذ المال، الكسب المشروع هو الذي يرضي الله عزوجل.

فإذاً: عملية الصبر عملية ضبط, عملية انتقاء، عملية اختيار، عملية دفع ثمن الجنة، أحياناً إنسان يدخل جامعة ويأخذ شهادة عليا، ويحمل لقباً علمياً عالياً، يتعين بمنصب رفيع، يأتيه دخل كبير، يعيش في بحبوحة وكرامة، ما ثمن هذه المكانة, وتلك الكرامة, وهذا الدخل الكبير؟ هو أن رفاقه آثروا اللعب، آثروا النزهات، آثروا الجلوس في الأزقة، هو قبع في البيت, وانكب على الكتاب, وصبر على الدراسة، حتى مراتب الدنيا تحتاج للصبر.

فحينما قال عليه الصلاة والسلام في بعض الأحاديث: 

(( الإيمان نصفان؛ نصف صبر، ونصف شكر ))

[ رواه الديلمي في مسند الفردوس من وراية يزيد الرقاشي عن أنس ويزيد ]

وفي حديث آخر: 

(( الإيمان هو الصبر ))

فعندما آمنت بالله قيدت نفسك بمنهج الله، حينما آمنت بالله قيدت نفسك بما يرضي الله ، وسعيت للجنة، تركت كل طريق واتبعت طريق الجنة, تركت كل مال وأخذت المال الحلال، تركت كل شهوة ومارست كل شهوة ترضي الله عزوجل، هذا كله صبر، الصبر يعني الضبط، فالمؤمن مضبوط، ضابط لسانه, وعينه, ويده, ودخله, وإنفاقه, وحركاته, وسكناته.   

 

مواضع الصبر :

 

البند الأول : أن الله أمر به .


الصبر واجب بإجماع الأمة, لأن القرآن الكريم حينمــا يقول لك: اصبر فهذا أمر، وكل أمر بالقرآن الكريم يقتضي الوجوب، كلام الله منهج، وسلسلة أوامر ونواهٍ، وأنت كمؤمن ليس لك خيار.

﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِيناً (36)﴾

[ سورة الأحزاب ]

فأول موضع من مواضع الصبر أن الله أمر به.

﴿  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)﴾

[  سورة البقرة ]

الصبر وسيلة, راقب نفسك إن كنت عند طبيب الأسنان, وقال لك: إن قلبك لا يحتمل المخدر, أنا مضطر لخلع الضرس دون مخدر فتحمل، هذه القناعة تجعلك تتمسك بيد الكرسي, وأن تشد عليه من أجل الصبر، فكلما ازداد علمك ازداد صبرك.  

أما لو أن الطفل الصغير وضع على كرسي الطبيب, وشعر بوخذة إبرة المخدر, يصيح ويتحرك بقوة, لأن إدراكه غير إدراك الراشد، فكلما ازداد عقلك ازداد صبرك، كلما ضعف إدراكك قل صبرك ( يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة ) وقال تعالى:   

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200) ﴾

[ سورة آل عمران ]

اصبر وأعن أخاك على الصبر، أنا أستمع لبعض الكلمات من وسوسة الشيطان، يطرح أخوك عليك مشكلته تجيبه, لو كنت مكانك لانتحرت! هذا كلام الشيطان، قل له: اصبر يا أخي, فالله عزوجل رحيم, بعد الصبر الفرج، الله يمتحنك، والمؤمن يبتلى، والنبي أشد الناس بلاءً، هذا الكلام فيه مصابرة, اصبر وصابر، لكن المؤمن الصادق يصبر ويستعين بالله على الصبر، قال:  

﴿ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) ﴾

[ سورة النحل  ]

فالصبر بقوة الإرادة كلام فارغ، يتماسك أمام الناس، أما فيما بينه وبين ذاته, قد يتكلم كلاماً قبيحاً, قد يتحرك حركة عشوائية مخجلة, لأنه لم يستعن بالصبر بالله عز وجل, أمرنا بالصبر، أمرنا أن نصبر, وأن نصابر، وأن نستعين بالله على الصبر.  

البند الثاني من موضوع الصبر: النهي عن ضده .

إياك ألا تصبر، إياك أن تضجر، إياك أن تقول: أين الله؟ إياك أن تقول: دعوت فلم يستجب لي، إياك أن تقول كلمات تعني أنك لست صابراً:

﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35) ﴾

[ سورة الأحقاف ]

يقال: أماتهم الله, له أقرباء ظلام حرموه الميراث، يتألم, يستعجل لهم الهلاك، وقوله: 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) ﴾

[ سورة الأنفال ]

التولي من الزحف دليل عدم الصبر، ولا تبطلوا أعمالكم بعدم الصبر، هناك أشياء في حياتك هي قدرك؛ ابنك، وزوجتك، وأقرباؤك الذين ليس لك خيار في الانتماء إليهم, كل هؤلاء هم قدرك، فإما أن تصبر عليهم، وإما أن يصبروا عليك، لذلك: 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33) ﴾

[ سورة محمد ]

إنسان خدم والدته كما ذكرت من أيام عشر سنوات, ثم ضجر أشد الضجر، فصاح في وجهها فبكت، فجاء أخوه ونقلها لبيته، بعد يومين ماتت عند أخيه، ماذا فعل هذا الإنسان؟ أبطل كل عمله. 

أحياناً: تحسن لإنسان إحساناً مستمراً، ثم تفقد الصواب فجأة فتهدم كل الذي بنيته سابقاً ، الإنسان إذا كان مبتلى، قال:  

﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) ﴾

[ سورة آل عمران ]

فالوهن والحزن من عدم الصبر، الضجر من عمل صالح متعب دليل قلة الصبر، التولي من الزحف دليل قلة الصبر، استعجال العذاب للأعداء دليل قلة الصبر.  

البند الثالث في موضوع الصبر: الله جل جلاله أثنى على أهل الصبر

آية قرآنية حينما أقرأها: 

﴿ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (43) ﴾

[ سورة ص ]

الله يعرف أنه ساق لك شدة، ويعرف الأمر بالضبط، والظروف الصعبة والمشقة التي تتحملها, والألم الذي يأكل قلبك، والتضحية التي ضحيت بها، وكم هذا يؤلمك؟ ( إنا وجدناه صابراً نعم العبد إنه أواب ) إذا أثنى الله عليك أليس هذا مكسباً عظيماً؛ أن يثني عليك خالق الأكوان ( إنا وجدناه صابراً ) لوجه الله ، في صبر القهر، أما في صبر المعرفة: 

أحياناً يكون إنسان أقوى منه مقهور صبر القهر، أما أحياناً قادر على فعل كل شيء، لكن يلجمه الصبر, يلجمه خوف الموت, يلجمه رضاء الله عزوجل، يلجمه طلب الآخرة، يلجمه خوف العقاب، الصابرين والصادقين، لأنهم صادقون كانوا صابرين:

﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) ﴾

[  سورة البقرة ]

الله عز وجل يحب العبد الصابر، في إنسان أقل شيء تجده انتهى، انهار, تكلم كلاماً قبيحاً, تطاول, أعلن عن ضجره، أعلن عن عدم صبره، هناك إنسان صابر: ( وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) ماذا نستنتج من هاتين الآيتين؟ ما الذي يكشف عدم الصبر والصدق؟ قلة الصبر، الصادق صابر، الأقل صدقاً أقل صبراً، غير الصادق ضجر، لا يعد صابراً.  

البند الرابع : والله يحب الصابرين .

لو حققت كل مكاسب وصلها إنسان, أعظم مكسب أن يحبك الله عز وجل، 

﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) ﴾

[ سورة آل عمران ]

﴿ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) ﴾

[ سورة الزمر ]

سبحان الله! يقول: إن الحزن خلاق.

الإنسان إذا ربي على النعيم, لا مشكلة مالية عنده، لا صحية، ولا أي قضية, السلامة المستمرة والقوة تقسي القلب، كأنه مستغنٍ عن الله، أما الشدة والابتلاء يرققان القلب، وكأن هذا الصابر قريب من الله عز وجل، هذا شيء ملاحظ، عندما يصاب الإنسان بمرض، عندما يكون هناك مشكلة, تجده سريع البكاء، نفسه شفافة، نفسه قريبة من الله عز وجل، لذلك وجد أن الحزانى في كنف الله، إن الله يحب كل قلب حزين، الحزانى معرضون للرحمة، هذا إنسان قريب من الله, لذلك المصائب قد تخلق بطولات بالإنسان، إنسان معه ألف مليون, تبرع بمليون أو مليونين أو خمسة, هذا هامشها صغير جداً، أحياناً يكون المؤمن معه ألف ليرة لآخر الشهر, مدة سبعة أيام, فهو في أمس الحاجة إليها, يأتيه أخ بحاجة لألف ليرة, يقع في صراع, ثم يدفعها له, ينتصر على نفسه. 

البند الخامس في الصبر: أن الصبر يوجب معية الله لك، ومعية الله شيء ثمين

 قال تعالى: 

﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) ﴾

[ سورة الأنفال ]

هذه المعية الخاصة، معية النصر والتأييد والحفظ والتوفيق، أنت بالصبر ضمنت كل هذه الأشياء.  

البند السادس: الله عز وجل يخبرنا أن الصبر خير لأصحابه.

أنت أمام مشكلة؛ لك أن تصبر ولك أن لا تصبر، أيهما خير؟ أن تصبر، لأنك إن لم تصبر, ماذا تفعل؟ 

﴿ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15)﴾

[ سورة الحج  ]

هذا الذي امتلأ قلبه حسداً من رسول الله, هل بإمكانه أن يمنع عنه الوحي؟ لم يؤمن به, بدل أن تغضب منه وتحقد عليه، جاءت مصيبة, أنت أمام خيارين: تصبر أو لا تصبر، إن صبرت لك الدنيا والآخرة، وإن لم تصبر سوف تقهر, إخبار الله عز وجل بأن الصبر خير لأصحابه، كقوله: 

﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) ﴾

[ سورة النحل  ] 

﴿ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25) ﴾

[ سورة  النساء ]

أحياناً موظف بدائرة, جالس من الساعة الثامنة للساعة الواحدة والربع, بعمل دؤوب, شديد بإخلاص، يضجر فيذهب للمشي، يقف على النافذة دقيقة، يأتي المدير العام, ويقول له: أهذا عملك؟ المدير بشر, ما عرف أنه بعمل دؤوب من الساعة الثامنة حتى الواحدة والربع، رآه في ساعة راحة، نقول: هذا جوزي بأسوأ ما كان يعمل كل الساعات دوام دقيقة راحة شاهده المدير في هذه الدقيقة، ربنا عز وجل كريم, ينتقي لك أجمل عمل ويكافئك عليه، هو دعاء: اللهم إني أعوذ بك من إمام سوء, إن أحسنت لم يقبل، وإن أسأت لم يغفر، أو: اللهم إني أعوذ بك من جار سوء, إن رأى خيراً كتمه، وإن رأى شراً أذاعه.

 

توضيح :


يوجد نقطة بالفقه الإسلامي, أتمنى أن تتضح لكم:

النبي قال: تجب الزكاة في القمح والشعير والتمر والزبيب.

الآن يوجد ألف محصول تجب فيه الزكاة, لكن النبي ذكر أربعة فقط, العلماء قالوا: تجب الزكاة في علة هذه المحاصيل لا في عينها.

رجل يملك عشرين دونماً من التفاح وبدل القمح حمّص عدس، هناك محاصيل غالية وثمينة جداً, فتجب الزكاة في علة هذه العناصر لا في عينها.

لا يقض القاضي حين يقضي وهو غضبان.

العلماء حملوا على الغضب ثلاثاً وثلاثين حالة، إذا ابنه مريض, ومرض مخيف, القاضي ممنوع أن يقضي, فذهنه غير صافٍ، بعض الأيام استخدم عبارة أحياناً أكون أمام أمر صعب أقول: أنا لست معك, فأنا مشغول, عندي موعد, الآن سوء فتوى, هو مرتاح البال, يريد إعطاء التفاصيل, فالقاضي لا يملك الحق بالقضاء, إذا كان غضبان, أو جوعان, أو تعبان, أو يوجد مشكلة في حياته. 

النبي الكريم قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 

(( لا يَفْرَكُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً, إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا, رَضِيَ مِنْهَا خلقاً آخَرَ  ))

[ أخرجه مسلم  ]

جارك, أخوك, أبوك, صديقك, كل له سلبيات وإيجابيات, اجعلها مبدأ، كن منصفاً, كل جهة تبحث عن الإيجابيات والسلبيات، فإن ذكرت الإيجابيات ذكرت السلبيات، فهذا الذي يقوله النبي عليه الصلاة والسلام، إيجاب الجزاء لهم بأحسن أعمالهم، كقوله تعالى: 

﴿ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (96) ﴾

[  سورة النحل  ]

  البند السابع في الصبر: إيجابه سبحانه الجزاء لهم بغير حساب .

﴿ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)﴾

[ سورة  الزمر ]

الله عز وجل مربٍ، يسير الإنسان في الصحراء, يتعب يجد واحة فيرتاح, الله حكيم, يسوق الشدة ثم بعدها الرخاء، يسوق الشدة ومن بعدها شدة إليه، يسوق المحنة ومن بعدها منحة، يسوق الشيء المتعب ومن بعده شيء مريح.

سيدنا رسول الله بالطائف, إذا وجد خط بياني للدعوة بالحضيض، كذب واستهزئ به وبدعوته, وقد ناله الأذى من أبنائهم، قال: يا رب, إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي, ولك العتبى حتى ترضى, لكن عافيتك أوسع لي. ماذا جاء بعد الطائف؟ الإسراء والمعراج، وصل النبي عليه الصلاة والسلام إلى سدرة المنتهى, عندها جنة المأوى، لقد رأى من آيات الله الكبرى، لقد أطلعه الله أنه سيد الخلق ، سيد الأنبياء والمرسلين، متى جاء الإسراء والمعراج؟ بعد الطائف.

وكل شخص منا, عنده طائف, وعنده إسراء ومعراج، بالمعنى الرمزي: ساعات شدة ومحنة، وساعات فوز وتكريم،  بعد العسر اليسر، وبعد الضيق الفرج، بعد الضعف القوة، بعد الفقر الغنى، هذه حكمة الله عز وجل, وهذه تربيته، أنت عندما تبشر إنساناً بماذا تبشره؟ أتبشره بإتلاف المال؟ هذا مستحيل، تبشره بالقتل؟ مستحيل, وهذه اسمها استعارة تهكمية، على كل؛ البشرى للشيء الطيب. قال تعالى: 

﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ(155) ﴾

[ سورة البقرة ]

قد تجد الغني مكرماً عند الله والفقير مهاناً، قد تجد القوي مكرماً ومهاناً، قد تجد الوسيم مكرماً والدميم مهاناً، امرأة على جانب من الجمال معززة مكرمة، امرأة تواجه مشكلة, تجدها غير مرغوبة, فهذه المرأة من الدرجة الثانية تتألم، لكن الله عزوجل يقول:  

﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) ﴾

[  سورة الفجر ]

لا ليس ذلك.

فليس عطائي إكراماً ولا منعي حرماناً.

إذا الله عز وجل منعك من شيء لا يعني أنه يهينك، أجمل مثل: الأب الطبيب, شكا له ابنه ألماً في المعدة, قام بالتنظير, فوجد التهاباً حاداً، طهو من الطعام الكوسا, فمنعه من تناولها بقسوة، وإذا فكرت الأم إعطاءه نصف قطعة, يصب عليها جام غضبه, فهذا الطفل عندما حرم هذه الأكلة الطيبة, هل يشعر أن أباه يهينه؟ هذه ليست إهانة بل حفظ، فعندما تفهم أن هذه المصيبة حفظ نجحت.

الآية الكريمة ، الله عز وجل يخاطب المؤمنين: ( ولنبلونكم  بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إن لله وإن إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ) الصلاة هي الدعاء، الدعاء لمن بيده القوة، فإذا صلى الله عليك, الله بيده كل شيء, الصلاة من الله رحمة وعطاء، من العبد دعاء، قال تعالى:

﴿ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) ﴾

[  سورة البقرة ]

 

العلاقة بين النصر والصبر.


النصر يحتاج للصبر ، قال تعالى:  

﴿ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) ﴾

[ سورة آل عمران  ]

والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: 

(( واعلم أن النصر مع الصبر ))

[ رزين ]

شيء آخر: الصبر يحتاج لقوة إيمان، أما عدم الصبر دليل ضعف الإيمان، والدليل: قال تعالى: 

﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ(43) ﴾

[ سورة الشورى ]

﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)﴾

[ سورة لقمان ]

الفرق في اللام وفي صبر وغفر، المعنى الذي تعرفونه: هو أن الإنسان إذا جاءه من الله مصاب مباشرة عليه بالصبر، أما إذا جاء هذا المصاب على يد إنسان, عليه أن يصبر ويغفر، يصبر على قضاء الله وقدره، ويغفر لمن ساق الله هذه المصيبة على يديه، أوضح مثل:

إنسان وقع ابنه من الشرفة, فنزل ميتاً, عليه بالصبر، لأن هذا قضاء الله وقدره، أو لو أن سائقاً دعس ابنك لا سمح الله ماذا تفعل؟ هنا أنت بحاجة لصبر ومغفرة, وحينما يكون إيمانك قوياً جداً, ترى أن هذا الذي ساق الله المصيبة على يديه, إنسان قدر الله عليه هذه المصيبة، فلا تحقد إذا كنت مؤمناً.

الآن المراتب العالية، المواقف الجليلة، البطولات التاريخية، قمم النجاح، هذا كله يحتاج إلى الصبر، إن أردت أن تكون من عامة الناس فلا تصبر، وإذا كنت من أعلام الأمة والنوابغ والعباقرة وكبار الدعاة والمصلحين، هناك مضائق لا بد أن تمر فيها، ﴿وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا، وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال: إني جاعلك للناس إماما﴾

اسمحوا لي بهذه الكلمة أيها الأخوة: لن نشم ريح الجنة إلا إذا مررنا في المضائق التي رسمت لنا ونجحنا فيها، في مضائق الصبر، الصبر عن الشهوة، والصبر على الطاعة,  والصبر على قضاء الله وقدره، الحياة مريحة؛ مال، جاه، مكانة، طعام لذيذ، نزهات جميلة، لا متاعب أبداً, هذا شيء مستحيل, لا بد من مضائق تمر فيها، مر فيها النبي, ويمر فيها كل مؤمن صادق: ( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ) ، ( وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ) ، ( وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) .

 

الصبر دليل العظمة .


الوحشي الذي قتل سيدنا حمزة, وأمرته هند بنت عتبة أن يشق صدره, وأن يستخرج كبده, فمضغت كبده تحقيقاً لحقدها، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يحب سيدنا الحمزة حباً لا حدود له، أليس بإمكانه أن يقتله؟ أن يمثل به؟ أن يعذبه؟ أعلن الشهادة انتهى، دخل في الإسلام دخلة تقية كما يبدو, فالصبر دليل العظمة، سهل أن تبطش, لكن البطولة أن تصبر، أن تكظم الغيظ:  

﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) ﴾

[ سورة آل عمران ]

﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) ﴾

[  سورة القصص ]

رجلان قادمان من أوربا بسيارتين, دخلا فندقاً في بعض مدن أوربا الشرقية، في الليل فتاتان طرقتا بابي الغرفتين، رجل فتح الباب والآخر طردها، وتابعا المسير للشام، الذي فتح الباب, أصبحت حياته سلسلة من العذابات, إلى أن طلق زوجته، وأغلق متجره، ولم يجد ما يأكل، والثاني صعد هكذا, هذا العطاء لمن صبر، قال: 

﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) ﴾

[  سورة يوسف ]

سيدنا يوسف أكبر شاهد قدوة للشباب, آثر طاعة الله ورضوانه على شهوته, لذلك ما من شيء أكرم على الله من شاب تائب.

إن الله ليباهي الملائكة، يقول: انظروا عبدي ترك شهوته من أجلي:  

﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ(35) ﴾

[  سورة فصلت  ]

المراتب العليا تحتاج إلى صبر، وما نيل الطالب بالتمني، ولكن تؤخذ الدنيا غلايا . 

﴿ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (19) ﴾

[ سورة الإسراء  ]

﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) ﴾

[  سورة آل عمران ]

 

الخاتمة .


الآيات الدالة على عظمة الله، العبر لا يستنبطها إلا الصابرون, قال تعالى:  

﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ(5) ﴾

[ سورة إبراهيم ]

﴿ فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19) ﴾

[  سورة سبأ  ]

﴿ إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ(33) ﴾

[ سورة الشورى ]

الصبار هو كثير الصبر, وهو الذي يكتشف الآيات، في الآيات الكونية والتكوينية.

قد لا تصدقون: هذه الجنة العظمى, ودار الخلد التي وعد بها المتقون, هذا المقام الرفيع عند الله عز وجل: 

﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55) ﴾

[ سورة القمر  ]

هذا العطاء الأبدي، والنعيم المقيم، وهذا الفوز العظيم، والمقام الرفيع في ظل رضوان الله، هذا النظر لوجه الله يوم القيامة, قال: كل هذا ثمنه الصبر، الدنيا فيها شهوات وقنوات نظيفة، فإذا سلكت الشهوات في هذه القنوات هذه للجنة، إذا أفرغت الشهوات في أي قناة للنار ، إن عمل الجنة حزن بربوة، وإن عمل النار سهل بثروة ، الآية الكريمة تقول: 

﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) ﴾

[ سورة الرعد  ]

﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) ﴾

[ سورة السجدة ]

فأنتم في سلام, اللهم أوصلنا إلى دار السلام بسلام، فثمن هذه الدار الصبر: ( سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) ) الصبر يورث صاحبه الإمامة: ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) ) الشيء قبل الأخير: أن الصبر يقترن بكل مقامات الإسلام؛ كالإيمان والتقوى والتوكل والشكر والعمل الصالح والرحمة، لذلك كان الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد, ولا إيمان لمن لا صبر له, كما أنه لا جسد لمن لا رأس له. 

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: خير عيش أدركناه بالصبر.

عندما الله عز وجل  يسعد إنساناً, هذه السعادة لا علاقة لها بنوع معيشته، قد يسعدك وأنت في الكوخ، وقد يسعدك وأنت أعزب, وقد يسعدك وأنت فقير، وقد يسعدك وأنت مريض ، وقد يسعدك وأنت تأكل أخشن الطعام, يسعدك وأنت ترتدي أخشن الثياب، وقد يشقيك الله عز وجل وأنت في قمة النعيم، الشقاء والسعادة لا علاقة لهما في شروط الدنيا التي تعارف عليها الناس إنها عالية، الله عز وجل قد يحجب رحمته عن القوي فقوته بلاء عليه، وعن الوسيم وسامته بلاء عليه، وعن الغني غناه بلاء عليه، عن إنسان عنده أولاد أولاده أعداء له، وقد يفتح رحمته على من حجبت عنه الدنيا, فإذا فراشه الخشن أجمل فراش.

في فندق بألمانيا كتبوا على السرير: إن بت أرقاً, فابحث عن ذنوبك, فالعلة ليست في فرشنا, بل في ذنوبك, يتألم الإنسان أحياناً ولا ينام.

يقول سيدنا عمر: خير عيش أدركناه بالصبر.

والنبي الكريم أخبر في الحديث الصحيح: أن الصبر ضياء ، نور في القلب.

الصبر -كما قالوا-: الحسنة نور في القلب، والوجه صحة في البدن، محبة في قلوب الخلق، سعة في الرزق.

ويقول عليه الصلاة والسلام: 

(( أنَّ ناساً من الأنصار سألوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأَعْطَاهم ، ثم سألوه فأَعْطَاهم ، ثم سألوه فأعطاهم ، حتى إذا نَفِذَ ما عِنْدَهُ ، قال : ما يكون عنْدي من خير فلَنْ أدَّخِرَهُ عنكم ، ومَنْ يَسْتَعِفف يُعِفُّه الله ومَن يستَغْنِ يُغْنهِ الله ، ومن يتصبَّر يُصَبِّره الله ، وما أُعْطِي أحد عطاء هو خَير وأوسَع من الصبر  ))

[ أخرجه الجماعة عن أبو سعيد الخدري رضي الله عنه ]

يا رب ارزقني الصبر، افتقر إلى الله بالصبر.

وفي الحديث الصحيح: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 

(( عَجِبْتُ لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ, إِنَّ أَمْرَ الْمُؤْمِنِ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ, لَيْسَ ذَلِكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ, إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ وَكَانَ خَيْرًا، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ وَكَانَ خَيْرًا ))

النبي عليه الصلاة والسلام أمرنا بالصبر عند ملاقاة العدو، وعند المصيبة، وعند الصدمة الأولى, وأمر المصاب أن يحتسب مصيبته عند الله عز وجل, فإن هذا يخفف من مصيبته، حسبي الله ونعم الوكيل, ونهانا عن الجزع والتسخط والتشكي, فإن هذا يزيد في الإثم ويذهب الأجر، وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام: أن الصبر خير كله، فقال عليه الصلاة والسلام: 

(( ما أعطي أحد عطاء خيراً له وأوسع من الصبر.     ))

إذا كنت مؤمناً فأنت صابر، وإن لم تصبر فهذا ضعف شديد في إيمانك، فإن ضجرت فهذا يدل على عدم الإيمان، ومن لا صبر له لا إيمان له، والحمد لله رب العالمين. 

و الحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور