الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
وسائل القرب إلى الله عز وجل:
أيها الإخوة الأكارم؛ انتهينا في الدرس الماضي إلى عشر وسائل تُقَرّب الإنسان من الله عزّ وجل، وقد تُدخله منزلة المحبة، من هذه الوسائل قراءة القرآن الكريم، الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35)﴾

العلماء فسّروا الوسيلة تفسيرات شتى، فالعلم وسيلة، والعمل الصالح وسيلة، وعلماء القلوب يُبينون أن من وسائل القرب إلى الله عزّ وجل، من وسائل أن تبلغَ منزلة المحبة أن تقرأ القرآن متدبّراً، متفهمّاً، مطبقّاً؛ هذه وسيلة.
من وسائل بلوغ محبة الله عزّ وجل أن تقوم بالنوافل.
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ».))

والحديث واضح.
من وسائل بلوغ العبدِ محبة الله عزّ وجل أن يُكثرَ من ذِكره، لقول الله عزّ وجل:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41)﴾
من وسائل بلوغ محبة الله عزّ وجل المداومة على ذكره، وإيثار محابه على محابك، الإنسان قد يقع في ظروف صعبة، قد ينشأ عنده صِراع، إما أن يُرضي الله عزّ وجل وإما أن يرضيَ نفسه، إما أن يبتغي الدارَ الآخرة وإما أن يبتغي الدنيا، إذا آثرتَ محابَّ اللهِ على محابك فقد سِرتَ في طريق المحبة.
5 ـ ملء القلب بأسمائه الحسنى:
من وسائل بلوغ محبة الله عزّ وجل تنفيذاً لِقولِ الله تعالى:
﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة﴾ أن يجولَ قلبك في أسماء الله الحسنى وصِفاته الفضلى، أي أن يملأ اسمُ الله عزّ وجل قلبك، أن تُشغَلَ به عما سِواه، لذلك ربنا سبحانه وتعالى يقول:

﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)﴾
قالَ علماء التفسير: الخشوعُ في الصلاةِ من فرائض الصلاةِ لا من فضائلها.
الوسيلة الأخرى لبلوغ محبة اللهِ عزّ وجل مشاهدة برّه وإحسانه، أن تُفكّرَ دائماً في النعم التي أنعم الله بها عليك؛ نِعمةُ الوجود، نِعمةُ الإيمان، نِعمةُ الصحة، نِعمةُ الأهلِ والأولاد، نِعمةُ المأوى، نِعمةُ معرفة اللهِ عزّ وجل.
من وسائل بلوغ محبة الله عزّ وجل أن تأتيه من باب الانكسار، لذلك قال علماء القلوب: إن أبواب اللهِ كثيرة، إن أسرعها وأوسعها وأقلّها ازدحاماً بابُ الانكسار، أنا عندَ المنكسرةِ قلوبهم، ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقالَ ذرّةٍ من كِبر، لماذا؟ لأن الكِبر يتناقض مع العبودية لله عزّ وجل.
والثامنة إكثار مجالس الخلـــوةِ مع الله عزّ وجل. إذا أردتَ أن تُحدّثَ الله عزّ وجل فادعه، وإذا أردتَ أن يُحدِّثكَ الله عزّ وجل فاقرأ القرآن، إذا أردتَ أن تُحدّثَ الله عزّ وجل فادعه، أَكْثِر من دعائه،

لذلك كان النبي عليه الصلاة والسلام في كلِّ أطواره وأحواله يدعو الله عزّ وجل، إذا دخلَ بيته، إذا خرجَ من بيته، إذا واجهَ مشكلةً، إذا أصابته سرّاء، إذا أصابته ضرّاء، إذا تناولَ طعاماً، إذا دخلَ بيتَ الخلاء، إذا ارتدى ثوباً جديداً، إذا لاحَ شبح مصيبةٍ، إذا لاحت بشائر الرحمة، لذلك كتاب الأذكار للإمام النووي رحمه الله تعالى يُنْبِئكم كيفَ كان النبي عليه الصلاة والسلام يذكر الله في كلِّ أحواله؟
من وسائل بلوغ محبة الله عزّ وجل مجالسة المحبين الصادقين لقول الله عزّ وجل:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)﴾
أتلاحظون ما من توجيهٍ من هذه التوجيهات إلا مدعوم بآيةٍ أو حديثٍ صحيح؟
10 ـ الابتعاد عن كل شيء يبعدك عن الله:
العاشر أن تبتعدَ عن كل ما من شأنه أن يُبعِدك عن الله عزّ وجل أو أن يقطعك عنه، ورأسُ الحِكمةِ مخافة الله، رأس الحِكمةِ أن تخافَ على هذه الصلة أن تنقطع، لذلك تبتعد عن المخالفات والمعاصي ابتعاداً كبيراً جداً، وقلبكَ فارغٌ خوفاً من أن تقعَ في مشكلةٍ، أو معصيةٍ، أو مخالفةٍ، أو صغيرةٍ تحجبكَ عن اللهِ عزّ وجل.

هذه العشرةُ بنود، والعشر وسائل تنفيذٌ لقول الله عزّ وجل: ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة﴾ القرآن وسيلة؛ قراءةً، فهماً، تدبراً، عملاً.
النوافل وسيلة؛ صلاة الضحى، الصدقات التي فوق حق الله عزّ وجل، في المال حقّ سوى الزكاة، كثرة ذكره، بَرِئَ من النِفاق من أكثَرَ من ذِكر الله، بَرِئَ من الشح من أدى زكاة ماله، بَرِئَ من الكِبر من حملَ حاجته بيده، أن تؤثر في كلِّ الأحوال:
﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)﴾
أن تؤثرَ جانبَ الله على جانبك، محابّ اللهِ على محابك، الآخرة على الدنيا، العمل الصالح على النفع، وأن تجولَ في أسماءِ الله الحسنى وصفاته الفضلى، وأن ترى برّهُ وإحسانه، وأن تأتيه منكسرَ القلب، وأن تُكثّرَ من خلواتك مع الله عزّ وجل، تُحدّثه بالدعاء، ويُحدثكَ بتلاوة القرآن، وأن تُجالسَ المحبين الصادقين، وأن تبتعد عن كل ما من شأنه أن يقطعك عن اللهِ عز وجل.
يا أيها الإخوة الكرام؛ هذه البنود العشر لو حاولتم أن تُرَسّخوها في أذهانكم، وبدءاً من هذا الدرس وكلما أردتم أن تستذكروا أنكم في دارِ عمل، وأنكم في وقتٍ عصيب، بمعنى أن كلَّ ثانيةٍ من حياتكم لها شأنٌ خطير في آخرتكم، لو أننا آثرنا العَمَلَ على الإعجاب بهذه البنود، مهما أُعجبتم بها، مهما تأثرّتم بها تأثراً شكليّاً، ما لم تكونوا في مستواها لن تقطفوا ثمارها، لذلك العملَ العمل.
أيها الإخوة الأكارم؛ الكلام في منزلة المحبة له طرفان؛ الله سبحانه وتعالى يُحِبُّ عباده، والمؤمنون الصادقون يحبون الله عزّ وجل، هذا شيء ثابتٌ عندَ كلِّ العلماء، والدليل أنَّ الله سبحانه وتعالى يقول:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)﴾
بعضهم فسّرَ المحبةَ بالإحسان، أي محبة الله للمؤمن أن يُحسِن إليه، أن يرحمه، ولكن العلماء المتعمقين يرونَ أن محبةَ اللهِ لعباده المؤمنين صِفةٌ زائدةٌ على رحمته وإحسانه إليهم، أنتَ قد ترحم إنساناً ولا تحبه، قد تُشفقُ عليه ولا تحبه، قد تعطف عليه ولا تحبه، قد تحسنُ إليه وأنتَ لا تحبه، ولكنَ محبة الله لعباده المؤمنين صِفةٌ زائدةٌ على رحمته وإحسانه، فما كلُّ رحمةٍ وإحسانٍ حبّ من اللهِ لعبده.
هذا الخطأ الكبير الذي يتوهمه بعض الناس من أنَ الله سبحانه وتعالى لمجرد أن يعطي الإنسان صحةً أو مالاً أو جاهاً أو شأناً فإنه يحبه، يقول لك: ربي يحبني، والعوام يقولون: إذا الله أحبَّ عبده أراه ملكه، باللغة الدارجة، كلام لا معنى له، محبة الله صِفةٌ زائدةٌ على رحمته وإحسانه، قد يرحمك ولا يُحبك، قد يُحسن إليك وهو لا يُحبك، ولكن إذا أحبك أحسن إليك وأحبك، كلّ حبّ لله إحسان ورحمة، وما كل رحمة من الله عز وجل وإحسان محبة منه، موضوع دقيق.
يا أيها الإخوة الأكارم؛ هل تصدقون أن الخلقَ خلقُ اللهِ لهذا الكون، وأنَّ الأمرَ الكتب السماوية، وأنَّ الثواب، وأنَّ العقاب، هي في الأصلِ تنبعُ من محبة، الحبُّ أصلُ الكونِ، الخلقُ والأمرُ والثوابُ والعقابُ أساس كلِّ ذلك محبة الله سبحانه وتعالى لخلقه.
الآن قد يسأل سائل: ما طبيعة هذا الدرس؟ هذا سؤال أردت أن أجيب عنه في هذا الدرس.
الحقيقة هناك تفسير لآيات الله عز وجل بحسب تسلسلها، وهناك تفسير لآيات الله عز وجل بحسب موضوع واحد، فيمكن أن يكون هذا الدرس من نوع تفسير آيات الله عز وجل، وأحاديث النبي الصحيحة ولكن التي تتمحور كلها حول محور واحد.
نحن الآن أمام مجموعة آيات ومجموعة أحاديث تتعلق كلها بالمحبة، إذاً: يمكن أن يكون هذا الدرسُ تفسيراً لكتاب الله ولسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولكن من زاوية موضوعٍ واحد.
شيء آخر؛ نظراً لأن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾
﴿إلا من أتى الله بقلبٍ سليم﴾ وأحد العارفين توفاه الله عزّ وجل، ورآه أحد تلامذته في الرؤيا، فقالَ: يا سيدي ما فعلَ الله بك؟ فأجابَ إجابةً تنخلعُ لها القلوب، قالَ: يا بني طاحت تلك العبارات، وذهبت تلك الإشارات، ولم يبق إلا ركيعات ركعناها في جوف الليل.
قد تؤلف، قد تدعو، قد يلمع اسمك، قد يعلو نجمك، ولكن الذي ينفعك في القبر هذه الركيعات، وهذا الاتصالُ باللهِ عزّ وجل، وهذا القلبُ السليم، وتلكَ المحبة الصادقة، وهذا الإخلاص الشديد.
لذلك انطلاقنا في هذا الدرس لا من ظواهر الدين، لا من عباداته المشروعة، لا من أعماله التي ألزمَ عباده بها، ولكن من هذا القلب الذي قالَ الله عنه: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ الحقيقة الدين له لُبّ، كلّ منكم يأكل الفاكهة، أطيبُ ما فيها لُبّها، وقشورها لها وظيفةٌ مهمةٌ جداً، ولكنك لا تأكلها، القِشر له وظيفة، واللبّ له وظيفة. تعهّدُ القلب، سلامة القلب، تزكية النفس، أن يمتلئَ القلب حباً، أن يمتلئَ إخلاصاً، أن يمتلئَ توكلاً، أن يمتلئَ استسلاماً، أن يمتلئَ رِضاً بقضاء الله وقدره، أن يمتلئَ طمأنينةً، أن يمتلئَ ثقةً بعدالة الله، هو القلب السليم، إذاً: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ ننطلق في هذا الدرس من قولِ اللهِ عزّ وجل:
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)﴾
أنا لا أحب أبداً أن أُحْدِثَ في الإسلامِ مصطلحاتٍ جديدة، لماذا؟ لأن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3)﴾

فالمنهج الإلهي من قرآنٍ وسُنةٍ صحيحة منهجٌ كاملٌ كمالاً مطلقاً، يوصلُ الإنسان إلى أعلى الدرجات، ولسنا بحاجةٍ إلى منهجٍ آخر، ولسنا بحاجةٍ إلى إضافاتٍ جديدة، ولكن أن تُحبَ الله عزّ وجل شيءٌ ثابت في الكتاب والسنة:
(( عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين. ))
لا يؤمنُ أحدُكم حتَّى يكونَ هواه تبعًا لما جئتُ به، الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة التي تتحدثُ عن الحب كثيرةٌ جداً وأساسيةٌ جداً.
شيء آخر؛ كما أن النبي عليه الصلاة والسلام ذكرَ في الحديث الصحيح عن الإسلام:
(( عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم , إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب , شديد سواد الشعر , لا يُرى عليه أثر السفر , ولا يعرفه منا أحد , حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم , فأسند ركبتيه إلى ركبتيه , ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد, أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله, وتقيم الصلاة, وتؤتي الزكاة, وتصوم رمضان, وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً، قال: صدقتَ, قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر , وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه, فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: فأخبرني عن الساعة؟ قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، قال: فأخبرني عن أمارتها؟ قال: أن تلد الأمة ربَّتها, وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاءَ الشاء يتطاولون في البنيان، قال: ثم انطلق, فلبثتُ ملِيَّا, ثم قال لي: يا عمر أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم. ))
وتحدثَ عن الإحسان، وهي مرتبةٌ فوق الإسلام وفوق الإيمان، ((فأخبرني عن الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه, فإن لم تكن تراه فإنه يراك)) هذا هو الإحسان، يمكن أن يكون هذا الدرس حديث عن الإحسان، عن مرتبةٍ فوقَ مرتبة الإسلام، الانصياع للهِ عزّ وجل، وفوق مرتبة الإيمان الإقبال على الله عزّ وجل، إنها مرتبة الإحسان، ((أن تعبد الله كأنك تراه, فإن لم تكن تراه فإنه يراك)) إذاً سمّ هذا الدرس إن شئت: حديث عن مرتبة الإحسان، سمّ هذا الدرس إن شئت: حديث عن تزكية النفس: ﴿قد أفلحَ من زكاها وقد خابَ من دساها﴾ سمّ هذا الدرس إن شئت: حديث عن القلبِ السليم، ﴿يومَ لا ينفعُ مالٌ ولا بنون﴾ سمّ هذا الدرس إن شئت: حديث عن لبّ الدين، عن جوهرِ الدين.
الآية الأولى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ:
يا أيها الإخوة الأكارم؛ الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)﴾
هذه الآية الأولى، ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ من دونه، من عباده، ﴿أَنْدَادًا﴾ يا تُرى هل هذا العبدُ الذي اتخذته نِداً للهِ عزّ وجل هو إلهٌ؟ لا، وما قال من اتخذه أنه إله، ما قالَ أحدٌ إن هناك إله آخر، أو ربّ آخر، أو خالقٌ آخر، ولكنك إذا اتّخذتَ من دونِ اللهِ جِهةً، شخصاً، إنساناً، كيف اتخذته نداً لله؟ بحبك له كحبّ الله؛ إذاً حينما تحب جهة أو شخصاً كحب الله، أي كما ينبغي أن يُحبّ الله عزّ وجل، كيف يُحبّ الله عز وجل؟ يُحبّ الله عز وجل بالذلِّ له، يُحبّ الله عز وجل بالتعظيم، يُحبّ الله عز وجل بالطاعة، يُحبّ الله عز وجل بالدعاء، إذا تذللت بينَ يديه، وعظمته وأطعته ودعوته فقد اتخذته إلهاً وأنتَ لا تدري، اتخذته محبوباً، اتخذته سنداً، اتخذته ، اتخذته مرجعاً، اتخذته وليّاً، ليس معنى هذا أن تدعو إلهاً آخرَ مع الله، لا، وأنتَ لكَ طابعٌ إسلامي، وأنتَ مسلمٌ فيما يعرفُ الناسُ عنك، وأنتَ لكَ زيٌّ ديني، وأنتَ لك صلاتك وصيامك وحجك وزكاتك، وأنتَ معدود بين المسلمين، ومع ذلك إذا اتّخذت جهة أو شخصاً أو جماعة نداً لله، أحببتها كحب الله بمعنى عظمتها، بمعنى أطعتها، بمعنى تذللت إليها، بمعنى دعوتها، فقد اتخذت هذه الجهة أو هذا الشخص أو هذا الند نداً من دون الله أحببته كما يُحَبّ الله، كما ينبغي أن تُحِبّ الله عز وجل، إذا شيء خطير، ﴿وَمِنَ النَّاسِ﴾ هذه من للتبعيض، ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً﴾ يتخذُ نِداً لله لا في الخلقِ، الكفار ماذا قالوا؟
﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)﴾
إبليس ماذا قال؟ ربي:
﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82)﴾
ما أنكرَ أن له رباً إبليس، ومع ذلك إبليس، وما أدراك ما إبليس؟! لم يقل: ليس لي رب، قال: ربي فبعزتك، إذاً ليسَ معنى ذلك أن تُنكر وجود الله، ولا أن تتخذَ إلهاً آخر تعبده من دون اللهِ، أما أن تُحبّ، أن تتذللَ، أن تُعظِّمَ، أن تدعوَ، أن تطيعَ غيرَ اللهِ، فقد اتّخذتَ هذا نِداً من دون الله، وأحببته كما ينبغي أن يُحبّ الخالق، كما ينبغي أن يُحبّ الإله، كما ينبغي أن يُحبّ الربّ، لكن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ﴾ الذين آمنوا أشدُ حباً للهِ من حبّ هؤلاءِ الذينَ اتخذوا من دون الله أنداداً، حبّ هؤلاء الذينَ اتخذوا من دونِ اللهِ أنداداً لأندادهم أقلُّ بكثير من حبِّ المؤمنين للهِ عزّ وجل.
شيء آخر:
﴿ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ(98)﴾

هذا موقفٌ عصيب في جهنم:
﴿تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ من لوازم العبودية التشريع، من لوازم الألوهية أن تعبده وحده، من لوازم خالق الخلق، من لوازم الربوبية التشريع، فإذا قَبِلتَ شرعاً غيرَ شرعَ اللهِ عزّ وجل، إذا أُعجبتَ بنظامٍ وضعي غيرِ نظام اللهِ عزّ وجل، إذا رأيتَ أنَ الإنسان قادرٌ على أن يُشرّع، على أن يضعَ نظاماً صحيحاً، جامعاً مانعاً، هذا الذي وضعَ النظام، وهذا الذي وضعَ التشريع، وهذا الذي وضعَ لكَ منهجاً تسير عليه من عنده، منهجٌ أرضي لا علاقةَ له بمنهج السماء، هذا كأنكَ اتخذته رباً مُشرّعاً،
﴿تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ .
شيء آخر؛ اليهود اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله، حتى رجال الدين لهم حجمهم، يجب ألا يكبر حجمهم عن الحجم الذي وضعهم الله فيه، ينقلون لك عن رسول الله سنته المطهرة، ينقلون لك ما في كتاب الله من أحكام، ومن توجيهات، ولا يستطيع واحدٌ كائناً من كان أن يُضيفَ شيئاً على منهج القرآن ومنهج النبي العدنان، هذا الحجم الحقيقي، إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام وهو سيد الخلق وحبيب الحق، إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام وهو سيد ولد آدم يقول:
﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ(15)﴾
﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)﴾
هذا حجم النبي، وهو سيد ولد آدم، فهل هناك إنسان آخر يعلم الغيب؟ هل هناك إنسان آخر يملك لك نفعاً وضراً؟ هل هناك إنسان آخر يملك لك أن يرفعك أو أن يخفضك؟
الآية الثانية: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي:
أيها الإخوة الأكارم؛ الآية الثانية التي تقصم الظهر:
كلٌ يدّعي وصلاً بليلى وليلى لا تقـــــر بذاكَا
كما قلت في الدرس الماضي: لما كَثُرَ مدّعو المحبة طولِبوا بالدليل، سؤالٌ مُحرج:
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ(31)﴾
هذه الآية محور هذا الدرس، لا تستطيع أن تدّعي أنك تُحبّ الله عزّ وجل، وأنتَ مخالفٌ لسنة النبي عليه الصلاة والسلام، لا تستطيع أن تدّعي أنك مُحبّ لله عزّ وجل، وفي بيتك، وفي تصرفاتك، وفي بيعك وشرائك، وفي تعاملك، وفي علاقاتك، وفي جِدّكَ، وفي لَهوكَ، وفي مرحكَ، وفي طعامك، وشرابك، ونزهاتك، وأفراحكَ، وأتراحكَ، شيءٌ مخالفٌ لسنّةِ النبي.
فهذه آية فيها علاقة ترابطية؛ إن كنتَ مُحباً لله عزّ وجل اتبعتَ سنّةَ النبي عليه الصلاة والسلام، وإن اتبعتَ سنّةَ النبي عليه الصلاة والسلام نقلتكَ إلى محبة الله، إن شئتَ أن تأخذَ هذه الآية صعوداً أو نزولاً، إن اتبعتَ سنّةَ النبي عليه الصلاة والسلام نقلتكَ إلى محبة الله، وإن أحببتَ الله فِعلاً كما تدّعي، من لوازم محبتك لله عزّ وجل أن تتبع سُنّة النبي عليه الصلاة والسلام، ولكن في الآية شيء آخر لم ننتبه إليه في الدرس الماضي ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي﴾ اتبعوا سُنّتي، جاء الجواب: ﴿فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾ معنى يحببكم جواب الطلب، ﴿فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ﴾ فيا تُرى ما المعَولُ عليه: أن تحبه أم أن يحبك؟ سؤال، الإنسان الظالم قد يحبّ قاضياً عادلاً، ولكن القاضي العادل لا يحبّ هذا الخصم الظالم، الإنسان الناقص قد يحب الكامل، ولكن هذا الكامل لا يحبّ الناقص، الإنسان البخيل قد يُعظّم الكريم، ولكن هذا الكريم لا يُحبّ البخيل، إذاً ليس المُعَولُ عليه أن تُحبّ الله عزّ وجل بقدر ما المُعَولُ عليه أن يحبك الله عزّ وجل، يجب أن يحبك، لذلك كما قلت قبل قليل: رحمة الله وإحسانه ليس دليلاً على حبه لك، قد يسعدك، وقد تتمتع بأعظم صحة، بصحة جيدة، وقد يأتيك دخل كبير، وقد تتمتع بمركز اجتماعي كبير، وقد تحوز أطراف الدنيا، وليس معنى هذا أن الله يحبك، المعول عليه أن يحبك الله لأنه إذا أحبك أسعدكَ إلى الأبد، أما إذا رحمك في الدنيا، وأحسنَ إليك، وانتهت الدنيا، وجدت المصير المشؤوم، لذلك دققوا في الآية: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ يجب أن تبحث عن حبّ الله لك:
﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)﴾

تتبع آيات الله، إذاً محبة الله عزّ وجل لها مفتاح، مفتاحها غُضّ بصرك، واستقم على أمر الله وكن صادقاً يحبك الله عز وجل.
العظماء لهم أبواب كثيرة للوصول إليهم، لكن غير العظماء الأبواب كلهم مغلقة دون ما حولهم، ولا تنسوا أيها الإخوة الأكارم أن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى استنبطَ استنباطاً ذكياً جداً من قول الله عزّ وجل:
﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ(18)﴾
ادعّاء، فكلّ يدّعي وصلاً بليلى، فأجابهم الله عزّ وجل: ﴿قل فلم يُعَذِّبكُم بذنوبكم﴾ المعنى المخالف لهذه الآية: لو أن الله عزّ وجل أقرّكم على حبكم له وحبه لكم لما عذّبكم، فاستنبطَ الإمام الشافعي رحمه الله تعالى أن الله لا يعذبُ أحبابه، فكيف بكم إذا عرفتم أن حُبّ اللهِ عزّ وجل يُنَجيكم من كلِّ عذاب؟ والبارحة في درس الأحد: ما حقُّ الله على عباده؟ أن يعبدوه، وما حقهم عليه؟ ألا يعذبهم، ألا تحب ضمانة من قِبل الخالق أن تعيش حياةً مباركةً، خيرّةً، ناعمةً، لكَ فيها عملٌ طيب، لكَ فيها إقبالك على الله، لكَ فيها استسلامكَ له؟
الآية الثالثة: مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ:
الآن آية ثالثة من آيات المحبة:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(54)﴾
أحياناً يمن إنسان على الله عز وجل، ها قد جئت إلى الدرس، صليت الفرض، دفعت زكاة مالي، كأنه أدى ما عليه، هكذا عملت، ربنا عز وجل قال:
﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(17)﴾
فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات:
﴿ مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44)﴾
لأنفسهم وحدهم، والكلام الشائع: يذهب الزاهد يأتي العاشق، أي أنت مللت من هذا الدين، مللت من طاعتك لله عز وجل، يأتي شخص غارق في محبة الله، ذائب في عشق الله عز وجل، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ﴾ الحقيقة الإنسان من السهل أن يُقبلَ على الدين، شيء جيد وطيب؛ لكنَ البطولة بالاستمرار، هناك فورات، الإنسان أحياناً يتوب إلى الله عزّ وجل، النقلّة المفاجئة من الكفر، من الضياع، من المعصية، من الشتات، من اللؤم، من الدنيا، من وحول الدنيا، من الأعمال السيئة، من المعاصي والآثام، النقلة المفاجئة إلى الطاعة، والطُهر، والعفاف، والاستقامة، نقلة مُسعدة جداً، ولكن هذه السعادة المتألقة، هذه السعادة لها وقتٌ، ثم يضعف تأثيرها لوجودها باستمرار، يضعف تأثيرها باستمرارها، هناك أناس يملّون، يسأمون، ينتكثون، يعودون إلى ما كانوا عليه، لذلك بعد قليل سيمر معنا حديث شؤيف.
من علامة الإيمان أن يكره المؤمن أن يعود في الكفر بعدئذ أنقذه الله منه كما يكره أن يُلقى في النار، البطولة بالثبات والاستمرار.
كما تعرفون جميعاً في معركة الخندق، لمّا اليهود نكثوا عهدهم مع رسول الله، والأحزاب جاءتهم من كلِ جانب، وأصبح الإسلام قضية ساعات ليسَ غير، الإسلام كله بقي قضية ساعات معدودات، قال بعضهم:
﴿ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً (12)﴾

أما المؤمنون الصادقون:
﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً(23)﴾
أنتَ تُعاهد خالق الكون، الذي أتمناه على كلِ مؤمن هذا العهد الغليظ.
﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً (21)﴾
في السرّاء، في الضرّاء، أثناء الامتحانات، بعد الامتحانات، في مواسم البيع والشراء، في الصحة، في المرض، في الغنى، في الفقر، في الطمأنينة، في الخوف، في ربيع العمر، في وسط العمر، في خريف العمر، عاهدتَ خالقَ الكون وبعته بيعاً قطعيّاً.
لذلك: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ) هذه الآية الثالثة في علامات الحب، إذا كنت تحب الله عز وجل وإذا كان الله يحبك فهذه صفتك: ﴿أذلةٌ على المؤمنين﴾ متواضع لهم، في خدمتهم، تعطف عليهم، تشفق عليهم، إذا عزَّ أخوك فهُن أنت؛ أما الحسد والضغينة، وتريد أن تُحطّم من نافسكَ، ومن فاقكَ، ومن وفقه الله في الدعوة إلى الله، هذا ليسَ من أخلاق المؤمنين: ﴿أذلةٍ على المؤمنين أعزةٍ على الكافرين﴾ .
السؤال اللطيف اللغوي: لماذا قالَ الله عزّ وجل: أذلةٍ على؟ باللغة لا يوجد أذلةٍ على!! في اللغة يوجد أذلةٍ لـ، فلان ذليل لفلان، أما ذليل على فلان ليست واردة إطلاقاً، هذا بحث في اللغة رائع اسمه التضمين، أي إذا عدينا فعلَ ذلَّ بـ على ضمناه معنى أشفقَ، فهذا الذليل للمؤمن أي يحبه، ويتواضع له، ويشفق عليه، لذلك:
(( عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ شرف كَبِيرِنَا. ))
[ أبو داود والترمذي في سننهما: صحيح ]
﴿أذلةٍ على المؤمنين﴾ قالَ بعض العلماء في تفسير هذه الآية: للمؤمنين كالولدِ لوالده، وكالعبدِ لسيده، وعلى الكافرين كالسبعِ على فريسته، عزيز، لا تأخذه في الله لومةُ لائم، الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ بالعكس والعياذُ بالله، قوي على المؤمن، يراه ضعيفاً، لا سندَ له، يقوى عليه، وأما الأقوياء يهابهم، ويخضع لهم، ويتذلل لهم، ويستخذي منهم، وينافق لهم، أما المؤمنون هو متأكد أنهم ضِعاف مستضعفون لذلك يقوى عليهم، إن كنتَ تقوى على المؤمنين، وتستعلي عليهم، وتخنع أمام الأقوياء فتأكد أنك لستَ محباً لله ورسوله، درسنا كله قرآن كريم، تفسير آيات المحبة، درس تفسير موضوعي حول موضوع واحد: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ .
العلامة الأولى: أن تكون مع المؤمنين كالولدِ للوالد، كالعبدِ للسيد؛ تذللاً، وخضوعاً، وشفقةً، وعطفاً، ومحبةً، ومعاونةً، ومؤاثرةً، هكذا، وأن تكون على أهلِ الإعراضِ والكفرِ قوياً.
العلامة الثانية: يجاهدون في سبيل الله بأنفسهم، بأموالهم، بأوقاتهم، بعضلاتهم، بخبراتهم، بكل ما يملكون، ومعنى يجاهدون أي يبذلون أقصى الجهد، تقديم شيء قليل يُجاهد، ربنا عزّ وجل قال:
﴿ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52)﴾
فَهْمُ كتاب الله، والغوص في معانيه، وتوضيحها للناس أحد أنواع الجهاد، ضبط النفسِ أحد أنواع الجهاد، المؤاثرةُ أحد أنواع الجهاد، جهاد العدو أحد أنواع الجهاد.
العلامة الثانية: يجاهدون في سبيل الله بالنفسِ واليدِ واللسان والمال، وهذا يؤكد حبَّهم لله عزّ وجل.
الثالثة: ولا يخافون في اللهِ لومةَ لائم، والله لم أعد آتي لأن أهلي لم يأذنوا لي، والله عندنا عمل، أناس أخافوني، لوم، شخص لامك فصرفكَ عن هذا المجلس، إنسان لامك صرفكَ عن هذه الطاعة، إنسان أخافكَ صرفكَ عن هذا العمل الصالح، إنسان حذّرك أخافك.
ثلاث علامات: أذلةٍ على المؤمنين أعزةٍ على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله، ولا يخافون في الله لومةَ لائم، هذه علامات صادقة ثلاثة على حبك للهِ وحبِّ اللهِ لك، كأنني أعطيكم في هذا الدرس مقاييس أصولية من كتاب الله حتى لا يدّعي أحد أنه يحب الله، أو أن الله يحبه وهو ليس كذلك.
معنى لا تأخذه في اللهِ لومة لائم، فسّرها العلماء: لا تأخذه عن الله، عن طريق حبِّ الله، عن طريق طاعة الله، عن طريق العلم، عن طريق البذلِ، عن طريق العطاء، عن طريق القربِ، عن طريق مجالس العلم، لا تُذهبه عن هذه الطاعات لومةُ لائم.
أمن تذكرُ الجيــران بذي سلـــــــمٍ مَزَجْتَ دَمْعاً جَرَى مِنْ مُقْلَةٍ بِدَمِ
يا لائمِي في الهوى العذري معذرة كفَّ الملامُ فلو أنصفتَ لم تُلَـــمِ
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28)﴾

هذا الذي يلومك ما ذاق الذي ذقته، هذا الذي يلومك ما ذاق طعمَ القرب، هذا الذي يلومك ما ذاق طعمَ الحب، هذا الذي يلومك ما ذاق طعمَ توفيق الله لك، هذا الذي يلومك ما ذاق طعم أنَّ الله نوّر قلبكَ بالإيمان، هذا الذي يلومك ما ذاق طعم طهارة القلب، ما ذاق طعم طهرِ النفس، ما ذاقَ شيئاً من هذا، مقاييسه كلها ماديّة بالدرهمِ والدينار، لذلك قالَ عليه الصلاة والسلام:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ، أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وعبدَ الدِّرْهَمِ، وَالْقَطِيفَةِ، وَالْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ. ))
ثلاث علامات: أذلةٍ على المؤمنين أعزةٍ على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله، ولا يخافون لومةَ لائم، إذا كانت فيك فأنتَ من أهل الحب، الله يحبك وأنتَ تحبه.
الآية الرابعة: أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة:
﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57)﴾

هؤلاء الذين عُبِدوا من دونِ الله؛ السيد المسيح، سيدنا العُزير:
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ .
هناكَ في الآية مقامات ثلاث؛ المقام الأول: الحبُّ يعني ابتغاء القرب، دققوا في شرح هذه الآية، من المعلوم قطعاً أنك لا تتنافس إلا في قربِ من تحبّ قُربه، شخص لا تحبه، لئيم، هل أنتَ حريص على زيارته؟ على أن تكونَ إلى جانبه؟ على أن تتنزه معه؟ على أن تسهرَ معه؟ مستحيل، من الثابتِ قطعاً إنك لا تحب قُربَ إلا من ترجو قُربه، من تُحبّ قُربه، وحبّ قُربه هو في الأصل حبّ لذاته، بل محبة ذاته أوجبت محبة القرب منه، إذ في محبة الله عزّ وجل حياة القلوب، ونعيم الأرواح، وبهجة النفوس، وقرّةُ العيون، وأعلى نعيم الدنيا والآخرة.
فهذا الذي قال: مساكين أهلُ الدنيا، واللهِ الذي لا إله إلا هو لو ذاقَ الإنسان طعمَ الحب، ورأى إنساناً يملك أموال الدنيا كلها وما عَرَفَ الله يقول: مسكين، جاء إلى الدنيا وخرجَ منها وما ذاقَ أجملَ ما فيها، إن أجملَ ما فيها أن تكون من اللهِ قريباً، لذلك: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾ يوجد وسائل كثيرة، أيُّ هذه الوسائل تقرّبه إلى الله أكثر يُبادر إليها، دقق في الآية: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ﴾ أي وسيلة تُقربهم إلى الله إنفاق المال؟ يبادر إلى إنفاق المال، حضور مجالس العلم؟ يبادر إلى حضور مجالس العلم، تعلّم القرآن؟ تعلّم القرآن، قراءة السنّة؟ قراءة السنّة، خدمة الضعفاء والمساكين؟ خدمة الضعفاء والمساكين: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ﴾ أي يتمنى أن يندفع إلى وسيلة فعّالة تقربه من الله ع ز وجل.
شيء آخر؛ ﴿وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ علامة هؤلاء الصادقين يرجون رحمة الله، يخافون عذابه، يبحثون عن وسيلة، يبتغون القربَ من الله عزّ وجل، هذه آية رابعة تتعلق بالحب.
الآية الخامسة: ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي:
آية خامسة:
﴿ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52)﴾
﴿ وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21)﴾
ليسَ في قلبه إلا همّ واحد، أن يكون الله راضياً عنه، إلهي أنتَ مقصودي ورِضاكَ مطلوبي، يا ربي ماذا فَقَدَ من وجدك؟ وماذا وَجَدَ من فقدك؟
الآية السادسة: وإن كنتن تردن الله ورسوله:
الآن يوجد عندنا آية سادسة دقيقة جداً موجهةٌ إلى نساء النبي عليه الصلاة والسلام:
﴿ وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا (29)﴾
معنى ذلك أن هناك إرادتان، ﴿وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ﴾ معناها إرادة الدار الآخرة ليست عينَ إرادة الله عزّ وجل، وإرادة الله عزّ وجل ليست عين الدار الآخرة، والدليل: العطف، والعطف يقتضي المفارقة والتغاير، أعطني قلماً ودفتراً، القلم غير الدفتر، أداة الواو، العطف يقتضي التغاير، ﴿وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ﴾ قال: هذا الذي يبتغي الدارَ الآخرة من أجل ما فيها من حورٍ عين، ومن عسلٍ مصفّى، ومن لبنٍ لم يتغير طعمه، ومن جناتٍ تجري من تحتها الأنهار، المؤمنون يبتغون وجهَ الله عزّ وجل، والدليل أن الإمام عليّ كرّمَ الله وجهه قال: العُبّاد ثلاثة؛ العبيد وهم يعبدونه خوفاً من ناره، والتجار يعبدونه طمعاً في جنته، والأحرار عَرفوا أن لهم ربّاً فأطاعوه:
فما مقصودهم جنات عـــدن ولا الحور الحسان و لا الخياما
سوى نظر الجليل وذا مناهم وهذا مقصــــد القــوم الكــراما
[ خلفان بن عبد الله المهيري ]
أي تقبل دعوة إنسان عظيم جداً، دعاك إلى تناول طعام الغداء، دخلت، تفضل، وجدت الطعام النفيس والطنافس، أينَ الداعي؟ والله مشغول، تفضل كُلْ، كُلْ:
فما مقصودهم جنات عـــدن ولا الحور الحسان و لا الخياما
سوى نظر الجليل وذا مناهم وهذا مقصــــد القـــوم الكـراما
[ خلفان بن عبد الله المهيري ]
إذاً: ﴿وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً﴾ إذاً يجب أن تبتغي وجه الله، لذلك أعظم ما في الجنة رؤية وجه الله، أعظم عقابٍ في النار حجبهم عن ربهم:
﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)﴾
﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)﴾
يرى المؤمن ربه كما يرى القمرَ في ليلة البدر، ويغيب من نظرة واحدة خمسين ألف عامٍ من نشوة النظر، إذاً: ﴿وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ﴾ .
للإيمان مرتبة تفوق الخوف من العقاب والسعي إلى الثواب:
للإيمان مرتبة تفوق الخوف من العقاب، والسعي إلى الثواب، هؤلاء عاملون أجراء، أما المحسنون مرتبة الإحسان، اسمعوا الآن:
﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)﴾

يوجد صنف آخر:
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135)﴾
هذه الواو استئنافية.
آخر شيء بالآية:
﴿ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136)﴾
هؤلاء عاملون بأجر وهؤلاء محسنون، وشتانَ بين الفريقين، مرتبة الإحسان شيء ومرتبة الإسلام والإيمان شيءٌ آخر.
جاء في الصحيح: أن النبيَّ عليه الصلاة والسلام –دققوا في هذا الدعاء-قال:
(( حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: صَلَّى بِنَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ صَلاةً فَأَوْجَزَ فِيهَا، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ: لَقَدْ خَفَّفْتَ أَوْ أَوْجَزْتَ الصَّلاةَ، فَقَالَ: أَمَّا عَلَى ذَلِكَ، فَقَدْ دَعَوْتُ فِيهَا بِدَعَوَاتٍ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَامَ تَبِعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ هُوَ أُبَيٌّ، غَيْرَ أَنَّهُ كَنَى عَنْ نَفْسِهِ، فَسَأَلَهُ عَنِ الدُّعَاءِ، ثُمَّ جَاءَ فَأَخْبَرَ بِهِ الْقَوْمَ: اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ، أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي ، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي، اللَّهُمَّ وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَأَسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لا يَنْفَدُ، وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لا تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ. ))
[ تخريج شرح الطحاوية: صحيح ]
الناس يخافون من الموت، المؤمن يقول له: يا رب، إذا كانت الحياة خيراً لي فأحيني، وإذا كان الموت خيراً لي فأمتني، دعاء رائع جداً: ((اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ، أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي، اللَّهُمَّ وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَأَسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لا يَنْفَدُ، وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لا تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ)) .
والله أحياناً ترى وجهاً مُقبلاً على الله، تقول له: كالبدر، تحارُ في جماله، تحارُ في نورانيته، تحار في تألقه، فكيف لو نظرتَ إلى وجه النبي عليه الصلاة والسلام؟ فكيف لو نظرَ المرء في الجنة إلى وجه الله عزّ وجل؟ ((وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ)) .
أحاديث تبين أن من أحبه الله ألقى حبه في قلب الخلق:
الآن بعض الأحاديث الصحيحة التي نختم بها الدرس:
(( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإيمَانِ؛ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ. ))
أكيد، أي أمر الله وسنّة النبي أن تكون أحبَّ إليك مما سواهما، أحياناً تجد نفسك بحفلة، يوجد تقاليد معينة، بروتوكولات، طقوس جديدة استحدثت، وسنّة النبي معطلة، لا، ((أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ)) لا مصلحة، ولا علاقة، ولا نسب، ولا قرابة، ولا شراكة ولا زبون أبداً، ((وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ)) .
ثلاث علامات؛ ((أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ)) .
وفي صحيح البخاري
(( عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: من عادى لي وَلِيّا فقد آذَنتُه بحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مِنْ أداءِ ما افترضتُ عليه، ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أُحِبَّهُ، فإذا أحببتُهُ؛ كُنتُ سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألَني أعْطَيتُه، وإن استَعَاذَ بي أعَذْتُه، وما تردَّدتُ عن شيء أنا فاعله، تردّدي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مَساءَتَه. ))
يقال: إن لحوم العلماء مسمومة، لا أحد يتحدث عن العلماء، هؤلاء مصابيح الدنيا وسرج الآخرة، فليس من شأنك أن تُقيّمهم، ولا أن تبحثَ في شأنهم، دعهم لربهم، عليك أن تُطبقَ سنّة النبي عليه الصلاة والسلام: ((من عادى لي وَلِيّا فقد آذَنتُه بحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مِنْ أداءِ ما افترضتُ عليه، ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أُحِبَّهُ)) بالصدقات، بقيام الليل، بصلاة الضحى، بخدمة الضعفاء والمساكين، بحلِّ مشكلات الناس، ببذلِ كل ما آتاه الله عزّ وجل من قوةٍ في سبيل مرضاته، ((ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أُحِبَّهُ، فإذا أحببتُهُ؛ كُنتُ سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألَني أعْطَيتُه، وإن استَعَاذَ بي أعَذْتُه)) وإذا أحبّ الله العبد دعا جبريل فقال: إني أحبُّ فلاناً فأحبه:
ينادى له في الكون أنا نحبه فيسمع من في الكون أمر محبنا
أي إذا أحبك الله ألقى حبك في قلب الخلق فأحبك أعداؤك، وإذا أبغضك الله عز وجل ألقى بغضك في قلب أقرب الناس إليك، إني أحبُّ فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء: إن الله يحبّ فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القَبول في الأرض.
والدعاء الشريف:
(( عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ دَاوُدَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَالْعَمَلَ الَّذِي يُبَلِّغُنِي حُبَّكَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ حُبَّكَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، وَأَهْلِي، وَمِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ. ))
اللهم ارزقني حبك وحبّ من ينفعني حبه عندك، اللهم ما رزقتني مما أحبّ –هذا الدعاء دقيق جداً ادعوه كثيراً- اللهم ما رزقتني مما أحبّ، تحبُّ المال أعطاك المال، تحب زوجة تروق لك، أعطاكَ إياها، تحب بيتاً واسعاً، ملككَ إياه، تحبّ منصباً رفيعاً، أعطاك إياه، ماذا ستفعل به؟ قال: اللهم ما رزقتني مما أحبّ فاجعله قوةً لي فيما تحب، يا ربي اجعلني أُسخّر هذا المال لمرضاتك، وأُسخّر هذا البيتَ للدعوة إليك، أّسخر هذه المركبة لخدمة عبادك، أُسخر هذا المنصب لنُصرة الضعفاء والمساكين، اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله عوناً لي فيما تحب، وما زويتَ عني ما أحب، الزوجة وسط، لو أنها أفضل من هذه لشغلَتكَ عن الله عزّ وجل، إذاً: وما زويتَ عني ما أحب فاجعله فراغاً لي فيما تُحب، الدخل محدود، نِعمة، معناها متفرغ لله عزّ وجل، لو أنه أعطاك كما تريد لضاقت أوقاتك عن حضور مجلس علم.
الملف مدقق