وضع داكن
18-04-2024
Logo
العقيدة والإعجاز - مقومات التكليف - الدرس : 20 - الشهوة -6- الشهوات والقدرات والحظوظ حيادية
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

الشهوة:

1 ـ ليس من طبيعة النفس الشرُّ:

أيها الإخوة الكرام، مع الدرس العشرين من دروس العقيدة والإعجاز، ولا زلنا في موضوع الشهوة، ولكن موضوعنا اليوم، وإن كانت الشهوة تظله، لكنه موضوع فرعي من فروع موضوعات الشهوة، إلا أن المنطلق لهذا الموضوع هو أن حسن الظن بالله ثمن الجنة، ولبعض الأئمة العظام كلمة رائعة، وهي أن العوام لئن يرتكبوا الكبائر أفضل من أن يقولوا على الله ما لا يعلمون.

﴿الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ (6)﴾

(سورة الفتح )

إنّ الإنسان يتوهم أحياناً أن الشر من طبيعة النفوس، بل إن شعراء الجاهلية قال:

الظُلمُ مِن شِيَمِ النُفوسِ فَإِن تَجِد ذا عِفَّــةٍ فَـلِعِلَّةٍ لا يَظلِـــمُ
***

وهناك كلمات يرددها معظم الناس: الإنسان لئيم، الإنسان مادي، والحقيقة أن خَلْقَ الله كاملٌ.

 

﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ﴾

( سورة الروم: 30)

النبي عليه الصلاة والسلام يخاطب ربه ويقول:

(( وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ ))

[ مسلم عن علي ]

2 ـ الشهوة حيادية:

هذا التقديم من أجل أن أؤكد لكم أن هذه الشهوات الذي أودعها الله فينا هي حيادية، يمكن أن تكون سلّماً نرقى بها، أو دركات نهوي بها، الشهوات حيادية لأن الإنسان في الأصل مخير، لكن قد يقول بعضهم مثلاً: الحسد من خصائص الإنسان، والحسد صفة ذميمة، وهي من خصائص الإنسان، الآن الجواب الدقيق الحقيقي المنسجم مع كمال الله الذي تؤكده آيات القرآن الكريم أن الإنسان فطر فطرة عالية، وأن منهج الله عز وجل يتوافق مع هذه الفطرة توافقاً تاماً، وأن الشهوات التي أودعها فيه ما أودعها فيع إلا ليرقى بها إلى رب الأرض والسماوات، وقد يهوي بها لأنها حيادية، ولأنه مخير.

3 ـ الحظوظ حيادية:

وأن الحظوظ ؛ حظ المال قد يرقى بالإنسان إلى أعلى عليين، وقد يهوي به إلى أسفل سافلين، حظ الذكاء قد يرقى بك الذكاء إلى أعلى عليين، وقد يهوي بالإنسان إلى أسفل سافلين، حظ الوسامة، قد تكون الوسامة من نعم الله الكبرى، فإذا سخرت الوسامة لارتكاب الموبقات وانتهاك الحرمات كانت سبيلاً إلى النار.
إذاً: كما أن الشهوات حيادية:

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ (14) ﴾

( سورة آل عمران)

هذه الشهوات حيادية، وذكرت لكم أن الإنسان أحياناً يتزوج امرأة صالحة فينجب منها أولاداً أبراراً، يأتيه أصهار مؤمنون، تصبح لديه أسرة من عشرين أو ثلاثين أو أربعين إنسانا من نسل هذا الأب، ومن نسل هذا الجد، أسرة منضبطة بالمبادئ والمثل والأخلاق، أكثرهم أطباء ومهندسون، ودعاة إلى الله، ومتخصصون، ونساءهم محجبات، والبيت فيه رحمة ومودة وتعاطف، كل هذا الجمع الغفير أساسه علاقة جنسية، وكل دور الدعارة مبنية على علاقة جنسية تخرج الساقطات والساقطين، والمنحرفات والمنحرفين.
الشهوة حيادية يمكن أن ترقى بك إلى أعلى عليين، ويمكن أن تهوي بك إلى أسفل سافلين، لأنك مخير، الشهوات حيادية.
ولأنك مخير فالحظوظ حيادية، هناك إنسان قوي جداً، وإنسان وسيم جداً، وإنسان ذكي جداً، وإنسان بليغ طليق اللسان، هذه حظوظ، وهي غير شهوات، طلاقة اللسان، القدرة على الإقناع، فصاحة اللسان، الذكاء، سرعة الفهم، القوة أحياناً، الصحة، صحة متينة جداً، فالصحة، والذكاء، والوسامة، والقوة يسميها علماء النفس القدرات العامة، وهناك قدرات خاصة، مثلاً من القدرات الخاصة أن هناك أناساً يستطيعون أن يظهروا أمام مَن حولهم بحجم أكبر من حجمهم، لا يكذب، يعطيك أوصافا لحياته حتى تتوهم أنه إنسان كبير، مع أنه ما كذب، كإنسان ساكن بأحد أحياء دمشق المتواضعة، سألوه: أين ساكن ؟ قال لهم: بلاك استون سيتي، أي في منطقة الحجر الأسود، ما كذب، هو يسكن في منطقة الحجر الأسود، لما أعطى اسم هذا الحي باللغة الإنكليزية توهمت أنه حي راقٍ جداً من أحياء مدينة في أمريكا، فهناك قدرات عامة وقدرات خاصة، فالذكاء والطلاقة والوسامة والقوة والصحة والجسم الرياضي، هذه حظوظ أيضاً حيادية، كما أن الشهوات حيادية الحظوظ حيادية، سلم ترقى بها، أو دركات تهوي بها. 

4 ـ القدرات حيادية:

أحياناً يقال لك: فلان بياع عجيب، عنده أسلوب يقنع الزبون، يقنعه تماماً، هذه قدرة خاصة، عنده قدرة إن دخل إلى المحل عشرون شخصًا يشتري منهم خمسة عشر، هذه قدرة، العلماء عددوا أنواع منوعة من القدرات.
هناك إنسان اجتماعي يرفض لك طلبك فتخرج مسرورا، يرفضه ويعتذر منك، ما بيده حيلة، هناك تعليمات مشددة، يقول لك: إن شاء الله في وقت آخر أخدمك، هذا الإنسان يصلح للعلاقات العامة، وهناك إنسان يربي أعداءً كل دقيقة، كلامه قاسٍ، عنده جفاء، عنده عنف، فهناك ذكاء اجتماعي، وذكاء تحصيلي إذا درس دائماً.
مرة إينشتاين هذا العالم الفيزيائي الكبير الذي جاء بالنظرية النسبية التي قلبت مفاهيم الفيزياء طاف في ولايات أمريكا يلقي ملخص نظريته في جامعات أمريكا، معه سائق ذكي جداً، لكن ما تعلم، هنا تعليق الآن مهم جداً: لو تصورنا الآن إينشتاين نفسه ولد راعياً ابن راعٍ بدولة متخلفة، إينشتاين نفسه الذي يحار العلماء في قدرة دماغه، ماذا سيفعل إذا كان ابن راعٍ من رعاة الأغنام في بلد متخلف ؟ يبقى راعيًا، لكنه يعرف كم غنمة عنده بالضبط، وكل غنمة وضعها، لكن لا يزيد على أنه راعٍ، ما الذي جعله أينشتاين ؟ دراسته، فالإنسان لما يدرس كل قدراته الكامنة تتفجر، ولو ما درس مهما يكن ذكاءه عالياً لن يكون شيئًا.
هذا سائق إينشتاين كان ذكيا جداً، لكن ما أتيح له أن يدرس، سمع المحاضرة خمس عشرة مرةً فحفظها، وكان إينشتاين ذا دعابة، فطلب منه في آخر جامعة أن يلقيها عنه، وأن يقدمه للجامعة على أنه إينشتاين، لم يكن يومئذٍ فضائيات، ولا تواصل، وما كان شكله معروفًا، سمح له بإلقاء محاضرة، دخلوا آخر جامعة فقدم سائقه على أنه إينشتاين، صعد المنصة، وألقى المحاضرة التي حفظها غيباً، هناك سؤال عويص سأله أستاذ في الجامعة، لم يكن في الإمكان أن يجيب، فلما سئل قال: أنا سوف أكلف السائق أن يجيبك عنه.
هذا يتمتع بذكاء فطري، وليس بذكاء تحصيلي، فالذكاء قدرة، وحسن التخلص قدرة، وروح الدعابة قدرة، وقوة الإقناع قدرة، والخطابة قدرة، ومواجهة الجمهور قدرة.
هناك شخصيات عظيمة جداً في الاستديو لا يستطيع أن يتكلم كلمة، فقَد قدراته، ما عنده إمكان أن يواجه جمهور، فالقدرة على البيع قدرة على الإقناع، وهذا موضوع طويل درسناه في علم النفس.
القدرات حيادية، يمكن أن توظف هذه القدرات كسلم ترقى بها إلى الجنة، ويمكن أن توظف هذه القدرات كطريق إلى النار، اللصوص أذكياء جداً، والذين يأخذون أموال الناس بالباطل أذكياء جداً، وفي المجتمع قمم في الذكاء، تبني دخلها على الكذب والدجل والإيهام.
الذكاء مع طلاقة اللسان، مع قوة الإقناع، مع الوسامة، مع القوة العضلية، هذه حظوظ، هذه الحظوظ موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء، يعني أنت لك مادة امتحان مع الله جعلك وسيم، هل هذه الوسامة تشكر الله عليها، وتكون عفيفاً بها، ولا تستخدمها لما لا يرضي الله ؟ أم تستخدم هذه القدرات العامة والخاصة في المعاصي والآثام ؟ هي حيادية لأنك مخير.

5 ـ الخصائص حيادية:

بقيت الخصائص، الخصائص تمني ما عند الآخرين، هذه خصيصة، يسميها الناس أحياناً الغيرة، أو الغيرة، إذا اتجهت إلى الدنيا تسمى حسداً، وإذا اتجهت إلى الآخرة تسمى غبطةً.
أنا أذكر في بعض السنوات السابقة أنهم كانوا يجمعون أغنياء البلد في حفل، أو في طعام إفطار في رمضان، يدعى بعض العلماء لإلقاء كلمات تشجيعية على جمع تبرعات للأيتام لميتم معين، ميتم كبير جداً في دمشق، أنا أذكر أنني ألقي كلمة، في عشر دقائق جمع مبلغ كبير جداً، لأن التبرع علني، فلان مئة ألف، شريكه مئة ألف، هناك محل منافس لهم دفع مئتين، يجمع مبلغ كبير جداً، لكن مرة ارتأى القائمون على هذا الحفل أن يكون التبرع مكتوبا، أذكر أن المبلغ الأول ستة ملايين، لكن في المرة الثانية أعطوه إيصالا فكتب مبلغَ خمسة وعشرين ألفا، لعدم المنافسة، هذا عشرة آلاف، هذا خمسة آلاف، أما أمام الناس والأنداد فيعطي أحدُهم مئة ألف، والآخر مئتي ألف، ماذا قال الله عز وجل ؟

﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) ﴾

( سورة البقرة)

الحكم الكامل أن هذه الصدقة إذا اتجهت إلى مشروع فلتكن علانية، أما إذا اتجهت إلى إنسان فلتكن سراً، هذه الغيرة حيادية، لا تقل: الإنسان حسود في الأصل، الإنسان جيل على خصيصة الغيرة يتمنى ما يكون ما عند الآخرين، بربك لو رأيت شاباً مؤمناً تقياً حافظاً لكتاب الله له وجه كالشمس صادق أمين الأول في صفه قدراته عالية جداً ألا تتمنى أيها الشاب الآخر أن تكون مثله ؟ هذه الغيرة الله عز وجل خلقها عامة حيادية، يمكن أن تكون هذه الغيرة سبباً لتكون في أعلى عليين، ويمكن أن تكون سبباً ليكون الإنسان في أسفل سافلين.
أنا أريد في هذا اللقاء الطيب أن أقنعكم أن شهوات الإنسان حيادية، وأن حظوظه حيادية، وأن خصائصه حيادية، وكل هذه الأشياء الثلاثة شهوات وحظوظ وخصائص إما أنها سلم ترقى بالإنسان إلى أعلى عليين، أو أنها دركات تهوي به إلى أسفل سافلين، لأنك مخير فكل شيء خصك الله به حيادي، إذاً: ليس هناك شر، هل يمكن أن تقول: السكِّين شر ؟ هي أداة أساسية جداً في البيت، وبها يذبح الإنسان، هي حيادية، فإما أنها أداة لتأمين حاجات الإنسان من الطعام، تقطع بها الخضار والفواكه واللحوم، أو بها يذبح الإنسان، وهي أداة واحدة، الكأس شر أم خير ؟ هذه الكأس إذا كان فيها خمر فهي شر، وإذا فيها ماء أو عصير فهي خير.

 

6 ـ الإنسان فُطِر فطرةً سليمةً:

أنا أريد أن أصل معكم إلى أن أي وهم يتوهمه الإنسان أن الله خلق إنسانا شريرا، إنسانا حقودا، إنسانا أسود رأس، إنسانا لئيما هو وهم خطأ، لأن الإنسان فطر فطرة سليمة، فأيّ إنسان في الأرض يحب الخير، لكن أن يحب الخير شيء، وأن يكون خيّراً شيء آخر، هذا عالجناه في الدرس قبل الماضي بالتفصيل، الفطرة والصبغة، الفطرة جبلة، حتى الذين يسرقون يقتسمون المال المسروق بالعدل، يقولون له: اقسم بالعدل، الفطرة غير الصبغة، الصبغة أن تكون كاملاً، أن تكون رحيماً، الفطرة أن تحب الرحمة.

إذاً: أن تقول: إنسان شرير، إنسان لئيم، إنسان 

حسود، هذا كلام غير صحيح، الإنسان فطر فطرة سليمة، الإنسان فطر فطرة عالية الإنسان، فُطِر على حب الخير، لأن صنع الله كله خير، لكن كل شيء خلقه الله يسيره إلى عدلٌ رحيم الله يسير كل مخلوقاته إلا نوعين من المخلوقات الإنس والجن، أودع فيهما الشهوات، ثم أعطاهم الحرية، أعطاهم منهجا وشهوة.
القطار ما فيه مقود، لأن انعطافه ليس إلى يمين أو يسار، بل يسير على السكة، المخلوقات كلها كالقطار، لكن الإنسان كسيارة فيها مقود حر، الطريق هو الشرع، وفي الطريق وادٍ هو المعصية، وللسيارة محرك هو الشهوة، السيارة تندفع بقوة المحرك، والمقود يوجه السيارة، والشرع هو الطريق المعبد، من هو الذكي والعاقل ؟ الذي يبقي المركبة على الطريق عن طريق المقود بقوة المحرك، المحرك يندفع، والطريق معبد، وقائد المركبة عن طريق المقود يبقي المركبة على الطريق، هذه القصة كلها.

7 ـ الحظوظ الدنيوية موزَّعة توزيع ابتلاء:

أيها الإخوة الكرام، إلا أن الحظوظ قد وزعت في الدنيا توزيع ابتلاء، هناك غني وفقير، مادة امتحان الغني الغنى، ومادة امتحان الفقير الفقر، قد ينجح الغني، وقد يرسب، والفقير قد ينجح وقد يرسب، وقد ينجح الفقير في امتحان الفقر، وقد يرسب الغني في امتحان الغنى، الفقير ينجح إذا صبر، ينجح إذا تعفف، ينجح إذا رضي عن الله، ينجح إذا قال: اللهم لا عيش إلاّ عيش الآخرة، وكما يقال: ما أروع إحسان الأغنياء للفقراء، والأروع منه تعفف الفقراء عن مال الأغنياء.

الناس أمام امتحان الغنى والفقر بين راسب وناجحٍ:

والله أيها الإخوة، طبيب من إخوانا الكرام جراح قلب، جاءته حالة طفل يحتاج إلى عملية، كُلفتها أربعمئة ألف ليرة، والده فقير، عنده ورشة متواضعة جداً في الجبل لصنع مَحافظ النساء، هذا الطبيب حدث عن هذه الحالة أحد المحسنين، قال له: علي العملية، بلّغه، ظن نفسه أن معه خبرا سارا جداً لهذا الأب، اتصل به، قال له: أعتذر، قال: لماذا ؟ قال: أنا عندي ورشة قيمتها أربعمئة ألف، أنا سوف أبيعها، وأجري عملية لابني، أما هذا المحسن الكبير فدع مالَه لغيري، يقول لي الطبيب: في حياتي ما صغرت أما إنسان كهذا، عرضنا عليك أربعمئة ألف، والعملية مجانية، والطبيب رقم واحد، قال: لا، أنا عندي ورشة قيمتها أربعمئة ألف، أبيعها، وأعود صانعا، ودع هذا المبلغ لرجلٍ ابنه مريض، لكن ما عنده شيء يبيعه، هو أولى مني، هذا الفقير نجح في امتحان الفقر.
والفقير الثاني الذي يعمل حاجبا في مدرسة عنده ثمانية أولاد، ودخْله أربعة آلاف، وتحت الخط الأحمر بمسافة كبيرة جداً، ويسكن في غرفة واحدة، ورث أرضا في منطقة الميدان، هذه الأرض مربعة مناسبة جداً، فجاء محسن كبير من محسني هذه البلدة، وأراد إنشاء مسجد في هذا الحي، والأرض مناسبة جداً، أرسل أحد إخواننا الكرام لشرائها، نهاية المفاوضات بثلاثة ملايين ونصف مليون، جاء المحسن ليرى الأرض، أعجبته، مربعة مناسبة، سعرها معقول، فتح دفتر الشيكات كتب مليوني ليرة، أعطى صاحب الأرض الذي يعمل حاجبا في مدرسة وعنده ثمان أولاد، ودخله أربعة آلاف، لا تكفيه ثمن خبز، ويسكن في غرفة واحدة، قال: أين الباقي ؟ قال: عند التنازل، قال: أي تنازل ؟ قال: تذهب إلى الأوقاف، وتتنازل عن هذه الأرض لتكون مسجداً، وعندها نقدم لك بقية المبلغ، قال: أنا أبيع أرضا لتصبح مسجدا ؟ والله أستحي من الله، أنا أولى أن أقدمها لله، والآن عليها جامع فيه أطول مئذنة في المنطقة، هذا فقير، لكن نحج في امتحان الفقر، يأتي إنسان غني كبير مسافر إلى أمريكا عن طريق ألمانيا بشركة طيران ألمانية، ابنته في ألمانيا، يتخلف عن الطائرة، يقدم أعذارا واهية، ينام في الفندق فتأتي إليه ابنته، وتراه يلتقي مع ابنته بفندق على حساب الشركة، محفظته لا يضع فيها شيئًا، يمزق بطاقتها، يدّعي أن المحفظة ضاعت، يعطونه ستمئة دولار، وهو غني، قدم تصريحا كاذبا، واحتال وهو غني، هذا رسب في امتحان الغنى.
بطولتك أن تنجح في امتحانك، غني أو فقير، ذكي أو غير ذكي، بطولتك أن تنجح في امتحانك، وكل واحد منا له امتحان، هناك إنسان ما أعطاه الله عز وجل جسما قويا، وإنسان ما أعطاه وسامة زائدة، وإنسان ما أعطاه طلاقة لسان.
إنّ أحدَ أخوانا ما تعلم إطلاقاً، وتمنى أن يكون داعية من أعماق أعماقه، لكن لا يحسن إلقاء الكلام، اشترى مئة شريط، وزعها بالتسلسل على أقربائه، يعيرها، يقول لأحدهم: سمعته، هاته لأعطيك غيره، خلال شهرين حوالي ثلاثين رجلا داوموا عندنا في المسجد من أقربائه، هذا نحج في امتحان، مع أنه ليس متعلمًا.
أريد أن أقول لكم: كل واحد منا ممتحن، إما بشهادة عليا، أو عدم نيله الشهادة، أو له زوجة رائعة جداً، أو زوجة من الدرجة العاشرة، لكن رضي بها، يا رب، هذا اختيارك، وأنا راض عنك، فالبطولة أن تنجح في أي امتحان، في زوجة صالحة، وفي زوجة سيئة، والابن الصالح وفي الابن السيئ، في الصحة الطيبة وفي الصحة السقيمة، وفي الوسامة وفي الدمامة، وفي الذكاء وفي عدم الذكاء، وفي الغنى والفقر، والقوة والضعف، لذلك البطولة ليس أن تنجو من المصائب، ولكن البطولة أن تقف الموقف الكامل من المصائب.

8 ـ الحظوظ الدنيوية موزَّعة في الآخرة توزيع جزاء:

الآن الحظوظ موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء، الآن دققوا، الحظوظ الإيجابية والسلبية ما أعطِيتَه وما زوي عنك، موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء، وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء.

﴿ انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾

( سورة الإسراء ).

بربكم طبيب جراح قلب، كل عملية له منها مئة ألف، عنده في الأسبوع خمس عمليات، نصف مليون ليرة، في الشهر مليونان، والعملية في ساعتين أو ثلاث، لكن بين الدارس والممرض فرقا ومسافة كبيرة، أستاذ في الجامعة ومعلم ابتدائي في قرية مسافة كبيرة كثير، رئيس غرفة تجارة، وبائع صحون في الشارع، مجند في خط المجابهة الأول في الشتاء والبرد ورئيس الأركان بينهما مسافة كبيرة، غني كبير وإنسان فقير يمل على آلة كاتبة أو حاجبا.

 

﴿ انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾

( سورة الإسراء )

والله الذي لا إله إلا هو قد يكون هذا الفقير الذي في الدرجة الدنيا من المجتمع إذا كان مستقيماً قلامة ظفره تساوي عند الله ألف إنسان ممن أوتوا المال.

(( كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ))

[ الترمذي عن أنس بن مالك ]

إذاً: الحظوظ موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء .وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء.

 

﴿ انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾

( سورة الإسراء ).

بصراحة قد يخرج إنسان في نعش من بيت ثمنه مئة وثمانون مليونا، مَن صمّم كسوة هذا البيت ؟ الذي في النعش، من اشترى الرخام ؟ مَن جاء بالمهندس وزين السقف بالجبس ؟ الذي في النعش، من اشترى هذه المناظر الطبيعية ؟ الذي في النعش، من اشترى الثريات ؟ الذي بالنعش، أين هو الآن ؟ في القبر، انتهت الدنيا، وقد يخرج إنسان من بيت عادي جداً من ستين مترا تحت الأرض، لكن له عمل صالح، قبره جنة، وموته قرب من الله عز وجل، موته عرس وتحفة، وا كربتاه يا أبت، قال: لا كرب على أبيك بعد اليوم، غداً نلقى الأحبة، محمداً وصحبه.
أيها الإخوة الكرام، الأمور بخواتيمها، فنحن كل بطولتنا أن ننجح في كل امتحان، قوي امتحانك قوة، ضعيف امتحانك ضعف، وسيم امتحانك وسامة، لا سمح الله أقلّ وسامة امتحانك أقلّ وسامة، ذكي جداً امتحانك ذكاء، أقل من هذا الذكاء امتحانك أقلّ، غني، فقير، ذاكرتك قوية جداً، وهناك إنسان ذاكرته قوية جداً لا ينسى شيئًا، وهناك إنسان ذاكرته ضعيفة، الذي ذاكرته قوية عنده اسم ثلاثة وثلاثين بنتا يكلمهنّ ليلا ونهارا، مثلاً، ما قولك في هذه الذاكرة ؟ هي سبب معاصيه وآثامه، وهناك إنسان ذاكرته قوية يحفظ كتاب الله، الاثنان معهم ذاكرة قوية.

 

الخلاصة الموجزة:

ملخص هذا اللقاء الطيب أن كل شيء تملكه، كل خصيصة من خصائصك، كل شهوة أودعها الله فيك، كل حظ من حظوظك حيادي، إما أن تستخدمه سلماً ترقى به، أو دركات تهوي بها، وما من شر في الكون أبداً، الشر جاء مثلاً من إنسان ركب مركبة، وكان مخمورا، ونزل في الوادي، السيارة تحطمت، جاء إنسان ساذج وقال: هذه السيارة مَن صنعها بهذا الشكل ؟ هذه لا تحتاج إلى معمل، تحتاج إلى سائق مخمور، أما المصنع فجعل خطوطها جيدة جداً، الطلاء لامع، الفراش وثير، أما هذا الوضع الأخير للسيارة فلا يحتاج إلى معمل، لا تقل: مَن خالق الشر، الشر ما له خالق، الشر ناتج من سوء الاستخدام، والشر ليس إليك، حسن الظن بالله ثمن الجنة، أنا عند حسن ظن عبدي بي فليظن بي ما يشاء.
يروى أن النبي عليه الصلاة والسلام أعطى توجيها لأصحابه قبيل معركة بدر، أن لا تقتلوا عمي العباس، لكن رجلاً فكّر، فما استوعبها، لماذا منعنا عن قتل عمه ؟ عمه مشرك عند أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، مقيم في مكة، وجاء مع قريش ليحارب النبي، تألم، وأساء الظن برسول الله، قال: أحدنا يقتل أباه وأخاه، وينهانا عن قتل عمه ؟ رآها تعصباً، ثم اكتشف بعد حين أن العباس كان مسلماً، وكان عين النبي في مكة، والنبي قيادته ذكية جداً، كان يعرف كل ما يجري في مكة عن طريق عمه، عمه لا أحد يعلم أنه مسلم، وكان من وجهاء قريش كلما اتخذوا قرارا ضد سيدنا محمد يبلغه العباسُ هذا القرار، تصور لو قال: عمي أسلم، لكشفه، تصور عمه ما شارك في القتال، لماذا ؟ أنت مسلم، كشف حاله، تصور النبي سكت، يقتله صحابة النبي، النبي عليه الصلاة والسلام مضطر أن يقول فقط: لا تقتلوا عمي العباس، لا يستطيع أن يقول: إنه مسلم، ولا يستطيع عمه ألاّ يشارك، ولا يستطيع أن يسكت، هذا الصحابي كشف الأمر بعد حين، يقول: ظللت أتصدق عشر سنين رجاء أن يغفر الله لي سوء ظني برسول الله.
لا تقل: الإنسان شرير، الإنسان أسود الرأس لئيم، بخيل، الله فطره فطرة عالية، أعطاه شهوات، وأعطاه اختيارا، إما أنه باختياره يرقى بهذه الحظوظ، وتلك الخصائص، وهذه الشهوات إلى أعلى عليين، وإما أن يسقط بهذه الشهوات، وهذه الحظوظ، وهذه الخصائص إلى أسفل سافلين.
أيها الإخوة الكرام، هذا الدرس من دروس العقيدة محوره حسن الظن بالله، محوره أن كل خصائص الإنسان، وأن كل شهواته حيادية، يمكن أن تستغل في الصعود إلى الجنة، أو يمكن أن تكون سبباً في الهبوط إلى النار، ونحن نرجو الله عز وجل أن نحسن الظن بالله عز وجل، أما الإنسان المخير إذا تحرك بقوة المحرك، الشهوة على طريق معبد، والشرع، وما استخدم المقود وقع في الوادي، لا نقول: الوادي شر، الوادي موجود، وأنت معك مقود، لمَ لمْ تستخدم المقود ؟ إذاً: والشر ليس إليك.

من الإعجاز العلمي:

مقدمة: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق

وننتقل إلى موضوع في الإعجاز.
أيها الإخوة الكرام، حينما قال في أول كلمة، وفي أول آية، وفي أول سورة:

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) ﴾

( سورة العلق )

نحن في دروس سابقة بينا أن هناك قراءة بحث وإيمان:

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾

معنى اقرأ أي: تعلم، لأن الإنسان أودع الله فيه قوة إدراكية، أودع فيه حاجة عليا، أعطاه عقلاً، أعطاه سمعاً وبصراً، أعطاه محاكمة، أعطاه استنتاجاً، أعطاه استقراءً، أعطاه كوناً ينطق بوجود الله ووحدانيته وكماله، وقال له: اقرأ، وما لم تبحث عن الحقيقة تهبط عن مستوى إنسانيتك.
أيها الإخوة الكرام، اقرأ من أجل أن تؤمن أن العلم في الإسلام مقيد بالإيمان، فالعلم إن لم يَقُدْك إلى الإيمان فهو حجة عليك.

 

﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) ﴾

(سورة المدثر)

جسم الإنسان إبداعُ الخالق:

الآن أرجو أن تنتبهوا إلي هذه العين الباصرة، إن كانت سليمة مئة بالمئة هل يمكن أن ترى الأشياء من دون ضوء ؟
أدخل إنسانا إلى غرفة مظلمة ظلاما دامسا هل تنفعه عينه ؟ هل ينفع الضوء بلا عين ؟ أدخل إنسانا كفيفا البصر إلى غرفة مضاءة هل ينتفع بعينه ؟ لا، هل ينتفع بالضوء ؟ لا، النقطة الدقيقة أن العين ترى الأشياء عن طريق الضوء، فالضوء والعين شرطان، كل من الشرطين لازم غير كاف للرؤية.
نقلة أخرى الآن، هناك عقل، والعقل لا يمكن أن يصل إلى الحقيقة إلا عن طريق الوحي، الوحي للعقل كالضوء للعين، لذلك:

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) ﴾

أقرب آية إليك هي جسمك، ما الذي يمنع أيها الأخ الكريم أن تتفكر في خلق السماوات والأرض، أقرب شيء الشعر، العين، الأنف، الفم، الأسنان، اللسان، الأذن، لسان المزمار، المريء، المعدة، البنكرياس، الأمعاء، الرئتان، القلب، العضلات، الأعصاب، الأوعية، الشرايين، الكليتان، جسمك الذي هو أنت، الذي هو أقرب شيء إليك، عوّد نفسك أن تفكر فيه، كلما تفكرت في شيء ارتقيت إلى الله، لماذا هناك عينان ؟ ألا تكفي عين واحدة ؟ الجواب: لا، بعين واحدة ترى السطح فقط، الطول والعرض، بالعينين ترى البعد الثالث. 

﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ 88 ﴾

(سورة النمل: 88)

بعين واحدة ترى الطول والعرض، بالعينين ترى الطول والعرض والعمق، وهناك أجهزة يقول لك: هي ثلاثية الأبعاد، في الكومبيوتر برنامج يرسم أشياء ثلاثية الأبعاد، لماذا هناك أذنان ؟ من أجل أن تعرف جهة الصوت، لكن بأذن واحدة لا تعرف هذا، لو استمعت إلى بوق مركبة من خلفك بأذن واحدة تأتي أمامها، لكن مادام لك أذنان، والمركبة هنا، يأتي الصوت إلى هذه الأذن قبل هذه، لأن جهازا في الدماغ يحسب تفاضل وصول الصوتين إلى الأذنين، والتفاضل واحد على ألف وستمئة وعشرين جزءا من الثانية، هذا الجهاز في الدماغ يدرك أن المركبة على اليمين، فالدماغ يعطي أمر للأرجل بالتحرك نحو اليسار، هل هذا النظام حدَث وحده ؟ فهل يمكن أن تصدق أن طائرة من أحدث الطائرات وضعت قنبلة في معمل الحديد، فالنتيجة كانت طائرة، وأحدث طائرة فيها ثمانمئة راكب ؟ هل يمكن أن تقبل إذا وضعت عشر أوراق في كيس، مرقمة من واحد إلى عشرة، كم حالة من عدد الحالات يمكن أن تستخرج الأوراق بالتسلسل ؟ واحد إلى عشرة، عشرة أصفار، الستة مليون وأربعة عشرة آلاف مليون حالة واحدة من عشرة آلاف مليون حالة يمكن أن تستخرج الأوراق بالتسلسل، ذرة واحدة من حمض أميني لا تكفي ذرات الكون أن تصنعها صدفة.
الشعر ليس فيه أعصاب حس، لو كان فيه أعصاب حس فإنك تحتاج إلى عملية في المستشفى للحلاقة، لأنك لا تتحمل، لكن الله ما جعل في الشعر أعصاب حس، ولا جعل في الأظافر أعصاب حس، وجعل العين بمحجر، والدماغ في الصندوق العظمي، والنخاع الشوكي في العمود الفقري، والقلب في القفص الصدري، والرحم في عظم الحوض، ومعامل كريات الحمراء في نقي العظام، ما هذه الحكمة ؟ والأوردة خارجية، الدم ضعيف فيها، والشريان داخلي.
حدثني طبيب جراح قال لي: مرة انفتح معي شريان، أقسم بالله الدم وصل إلى السقف، الله عز وجل جعل الشرايين داخلية عميقة، والسطحية أوردة، هذه يد مَن ؟ الله عز وجل جعل هذه الأجهزة الخطيرة في حصون، هذه يد من ؟ جعل في الأنف أشعارا، الأنف فيه سطوح متداخلة، وأوعية معها عضلات، في البرد الشديد تتوسع العضلات، فتأتي كمية دم إضافية، فتجد الإنسان في الشتاء في البرد الشديد أنفه أحمر، معنى ذلك أن الدم ارتفع مستواه، والدم حرارته سبع وثلاثون، دخل الهواء، فيمشي عشرة أضعاف المسافة كمستقيم، تكون الحرارة صفرا فتصبح هنا سبعا وثلاثين، لا يكفي، هناك تداخل ودم كثيف وعضلات للأوعية هنا، هناك مادة لزجة إذا كان الغبار في الطريق، هذه المادة اللزجة تستقطب الغبار، وإذا كان في المكان دخان تستقطب هذه المادة اللزجة الدخان، ولما ينظف الإنسان أنفه يجد الغبار والدخان، لو فرضنا أن ذرة غبار استطاعت أن تسير في الفراغ فقط، هذه حالة مستحيلة، مَن يلقطها ؟ الأشعار، وهي سطوح متداخلة، وساخنة تدفئ الهواء، وتلتقط المواد الغريبة والأشعار، والإنسان يأخذ الهواء بدرجة صفر، عند الحنجرة يصبح سبعا وثلاثين، هذا صنع مَن ؟ إنه صنع الله عز وجل، فحاولْ كلَّ يوم أن تفكر في شيء.
هذا المفصل، لو لم يكن لدينا مفصل، تريد أن تأكل فتأكل مثل الهرة، تنبطح وتلحس بلسانك الصحن، لكن هنا مفصل كروي تدور، لولا هذه اليد وهذه الأصابع لما كان هناك صناعات.
فكر في اليد، فكر في مفصل الرجل، هو خارجي، اليد داخلي، هل انتبه أحد لهذا ؟ ما هذا التصميم التخطيط والحكمة ؟
أيها الإخوة الكرام، الآية الدقيقة:

﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)﴾

( سورة الذرايات )

1 – تقديم وترحيب

أرجو الله عز وجل أن نتدرب على التفكر، هناك أذنان لاتجاه الصوت، وعينان للبعد الثالث، والشعر ما فيه أعصاب حس، والأسنان فيها أعصاب حس في لبِّ العظم، حتى إذا حدثَ نخر تسارع إلى الطبيب فيحفظ أسنانك، يمكن أن تخصص كل يوم خمس إلى عشر دقائق لتفكر في جسمك، لتتجه إلى الله عز وجل، وهذا التفكر يضعك أمام عظمة الله، هذا التفكر هو أوسع باب تدخل منه على الله، وأقصر طريق بينك وبين الله.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور