وضع داكن
24-12-2024
Logo
العقيدة والإعجاز - مقومات التكليف - الدرس : 04 - تمهيد
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

مقدمة تذكيرية:

أيها الإخوة الكرام، مع الدرس الرابع من دروس العقيدة والإعجاز، وقد أنهينا في الدرس الماضي مفهوم العبادة الواسع، وكيف أن العبادة طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية أساسها معرفة يقينية تفضي إلى سعادة أبدية، وكيف أن العبادة تدور مع الإنسان في كل شؤون حياته، وفي كل أوقاته، وفي كل أماكنه، وفي كل حركاته وسكناته، وبينت أن هناك عبادة شعائرية كالصلاة والصوم والحج، وأن هناك عبادة تعاملية كالصدق والأمانة والعفة، ثم بينا عبادة الهوية، الغني له عبادة متميزة، والعالم له عبادة متميزة، والحاكم له عبادة متميزة، والمرأة لها عبادة متميزة، وأن هناك عبادة الظرف، عندك ضيف، عندك قريب، عندك مريض، عندك ابن على مشارف الامتحان، وهناك عبادة العصر، إن أراد الطرف الآخر إفقارنا فالعبادة استخراج الثروات، واستصلاح الأراضي، وتأمين المشاريع، كي نكفي الأمة عن أن تستجدي من جهات لا ترضي الله، وبينت أيضاً كيف أن العبادة عبادة العصر والظرف والهوية، وهذه عبادات هي منهج تفصيلي يبدأ من العلاقات الزوجية، وينتهي بالعلاقات الدولية.

مقومات وثوابت التكليف:

الآن ننتقل إلى موضوع جديد، ألا وهو أن الله عز وجل حينما كلفنا أن نعبده أعطانا مقومات التكليف، ما مقومات التكليف ؟ بماذا أعبده ؟ قلت في لقاء سابق: نحن بالكون نعرفه، وبالشرع نعبده، المقوم الأول من مقومات التكليف، وسوف نمضي بها إن شاء الله دروساً كثيرة، لكن في هذا الدرس سوف أجمع كل المقومات كموجز، والتفصيلات تأتي في دروس قادمة.

المقوم الأوّل: الكون:

الشيء الذي لا يختلف عليه اثنان في الأرض هو هذا الكون، الشمس شمس، القمر قمر، الليل ليل، النهار نهار، الجبال، البحار، البحيرات، الأنهار، الأسماك، الأطيار، النباتات، الجمادات، المعادن، أشباه المعادن، المخلوقات، هذا الكون هو الثابت الأول ينطق بوجود الله ووحدانيته وكماله، هذا الكون قرآن صامت، هذا الكون يمكن أن يقرأ فيه أي إنسان، عربيًا كان أو غير عربي، هذا الكون لا يختلف عليه اثنان، هذا الكون ينتفع به كل إنسان، لذلك يعد الكون أكبر ثابت من ثوابت الإيمان، الكون يدل على الله، ففي الكون حكمة تدل على الحكيم، وفي الكون رحمة تدل على الرحيم، وفي الكون تسيير يدل على المسير، وفي الكون مخلوقات تدل على الخالق، وفي الكون لطف يدل على اللطيف، وفي الكون جمال يدل على الجميل، كأن هذا الكون مظهر لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى، وهذا الكون ثابت متفق عليه، والكل يخضع له، لذلك في عصور الاضطرابات العقدية، في عصور الفتن والضلالات يبقى الكون هو الثابت الأول، مهما يكن الإنسان معانداً أو عنيداً أو مستكبراً كيف لا يخضع لآيات تأخذ بالألباب ؟ كيف لا يخضع لمجرة تبعد عنا عشرين مليار سنة ضوئية ؟ وأن الضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلو متر، كم يقطع في الدقيقة ؟ كم يقطع في الساعة ؟ كم يقطع في اليوم ؟ كم يقطع في الشهر ؟ في السنة ؟ في العشرين مليار سنة، قال تعالى: 

﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) ﴾

[ سورة الذاريات ]

المــاء:

في هذا الماء خاصة لولاها لما كان هذا الدرس، لما كانت هذه المدينة، لما كان هذا البلد، لما كان إنسان على وجه الأرض، الماء شأنه كشأن أي عنصر، بالتسخين يتمدد، وبالتبريد ينكمش، لو بردناه ينكمش، وينكمش إلى درجة زائد أربع، فتنعكس الآية بآلية مذهلة، فيزداد حجمه، فإذا ازداد حجمه قلّت كثافته، فإذا قلّت كثافته طفا على سطح الماء، وامتنعت البحار أن تتجمد، لكن لو أنه تابع انكماشه لزادت كثافته، فغاص في أعماق البحر، ولتجمدت البحار، ولانعدمت الأمطار، ولمات النبات، ولمات الحيوان، ولمات الإنسان، هذه خاصة في الماء.
أيها الإخوة، والله الذي لا إله إلا هو يمكن أن نمضي كل أعمارنا في التفكر في خلق السماوات والأرض، هذا الإله العظيم يعصى ؟ ألا يخطب وده ؟ ألا ترجى جنته ؟ ألا تخشى ناره ؟ لذلك الكون شيء ثابت.
هذه الجبال مَن نصبها ؟ من جعل في قمم الجبال ينابيع ماء ؟ ما معنى ينبوع ماء في قمة الجبل، لا بد أن تكون هناك تمديدات لجبل أعلى من أجل الوعول التي تعيش في قمم الجبال.
في بعض البلاد إندونيسيا سبعة عشر ألف جزيرة، في كل جزيرة نبع ماء يتناسب مع مساحتها، وأمطار الجزيرة لا تكفي لإمداد هذا النبع، فيأتي هذا الماء من اليابسة من منطقة واسعة جداً فيها أمطار غزيرة، مَن مدّد هذه التمديدات ؟

والله أيها الإخوة، نحن إذا تفكرنا في خلق السماوات والأرض نوضع أمام عظمة الله، الكون كله ينطق بوجوده، وبوحدانيته، وبكماله، وحينما يتيه الإنسان في القيل والقال، يتيه الإنسان في التمزقات العقدية، في الضلالات، في اختلافات لا تنتهي، يكون الكون هو الثابت الأول، الذي خلق الأكوان إله عظيم، كامل كمالاً مطلقاً، الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن، قال تعالى:

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) ﴾

[ سورة الواقعة ]

التفكُر في الكون عبادةٌ:

لذلك ما من عبادة أعظم من عبادة التفكر، التفكر هو السبيل إلى الله، بل إن التفكر في آيات الله الكونية، وآياته التكوينية، وآياته القرآنية هو الباب الوحيد إلى الله، ومعظم السور المكية تبدأ بآيات كونية، قال تعالى:

﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) ﴾

[ سورة الشمس ]

﴿ وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5) ﴾

[ سورة الفجر ]

آيات كثيرة تدعونا بأمر واضح صارخ، قال تعالى:

 

﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (101) ﴾

[ سورة يونس ]

﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) ﴾

[ سورة الطارق ]

﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) ﴾

[ سورة عبس ]

آيات كثيرة تبدأ بـ ( أولم يرَ ).
أيها الإخوة الكرام، آيات الكون في القرآن الكريم منهج لنا، رؤوس موضوعات للتفكر، هذا الماء من يخزنه لك في الجبال ؟ قال تعالى: 

﴿ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) ﴾

[ سورة الحجر ]

لنا وقفة متأنية عند الكون، ولكن في هذا الدرس نسير على مقومات التكليف سيراً سريعاً.
الكون الثابت الأول، الكون لا يختلف عليه اثنان، الكون أهل الأرض قاطبة معجبون بعظمة خالقه، لذلك هذا الكون سخر للإنسان يوم حمل الإنسان الأمانة، قال تعالى:

 

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ (72) ﴾

[ سورة الأحزاب ]

يوم قَبِل الإنسان حمْلَ الأمانة سخر له ربه ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه، لأنك من بني البشر، أنت المخلوق المكرّم، الأول رتبة، فمَن عرف نفسه عرف ربه، لأنك من بني البشر، لأنك إنسان أنت سيد البشر، أنت المخلوق المكرّم، ولكن هذا المخلوق الأول إما أن يكون فوق الملائكة، وإما أن يكون دون الحيوان، فقد رُكِّب الملَك من عقل بلا شهوة، ركِّب الحيوان من شهوة بلا عقل، ركِّب الإنسان من كليهما، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، قال تعالى: 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) ﴾

[ سورة البينة ]

خير ما برأ الله.

أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
***

أتعلم أنك إن عرفت ربك كنتَ فوق الملائكة ؟!
أيها الإخوة، الله عز وجل له آيات كونية ينبغي أن نتفكر بها، وله آيات تكوينية، وهي أفعاله ينبغي أن ننظر إليها، الآية الكريمة تؤكد هذا المعنى:

 

﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11) ﴾

[ سورة الأنعام ]

لا أملَ إلا في الإسلام:

الذين وقفوا في خندق مُعادٍ لرسول الله وأصحابه أين هم ؟ في مزبلة التاريخ، الّذين وقفوا معه أين هم ؟ في أعلى عليين، هؤلاء الذين أرادوا إلغاء الإسلام أين هم ؟ آلاف الطغاة الذين أرادوا إلغاء الإسلام، ماتوا والإسلام باق، حتى قال بعض العلماء الأجانب: " أنا لا أصدق أن يستطيع العالم الإسلامي اليوم اللحاق بالغرب على الأقل في المدى المنظور، لاتساع الهوة بينهما، ولكنني مؤمن أشد الإيمان أن العالم كله سيركع أمام أقدام المسلمين، لا لأنهم أقوياء، ولكن لأن خلاص العالم في الإسلام ".
كل النظم الوضعية أصبحت في الوحل، ولم يبقَ على ساحة المبادئ والقيم إلا الإسلام ملاذ الجميع.
أيها الإخوة، بالكون تتفكر، وبأفعال الله تنظر، تصوروا حالات حادة جداً، فرعون الجبار الطاغية، الحاقد القوي، معه جيش عرمرم بأسلحة فتاكة، حقد دفين، يتبع شرذمة من أتباع سيدنا موسى، فإذا بهم أمام البحر فهل مِن أمل ؟ إطلاقاً الأمل صفر، قال تعالى:

﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) ﴾

[ سورة الشعراء ]

والله أيها الإخوة، كلمة لا أرتوي من تردادها، إذا كان الله معك فمن عليك ؟ من يستطيع في الكون أن ينال منك ؟ وإذا كان الله عليك فمن معك ؟ شيء يصعب تصوره لذلك:

كن مع الله تر الله معك واترك الكل وحاذر طمعك
وإذا أعطاك من يمنعه ثم من يعطي إذا ما منع

***

﴿ وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي (12) ﴾

[ سورة المائدة ]

إذاً: سيدنا موسى ضرب البحر، فأصبح طريقاً يبساً، هذه القصة لمن ؟ له أم لنا ؟ لنا، القرآن نزل بعد سيدنا موسى، هي لنا، إياك أن تيئس، إياك أن تتطامن، إياك أن تحس بالإحباط، قال تعالى:

 

﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) ﴾

[ سورة آل عمران ]

الموقف الصحيح من الآيات الكونية والتكوينية والقرآنية:

إذاً: في آياته الكونية نتفكر، وفي آياته التكوينية ننظر، وفي آياته القرآنية نتدبر، تفكر، وانظر، وتدبر تعرف الله، إن عرفته عرفت كل شيء، إن وصلت إليه وصلت إلى كل شيء، إن نلت رضاه نلت كل شيء، لذلك أقول دائماً كلمة مؤثرة: يا رب ماذا فقدَ من وجدك ؟ ما فقد شيئاً، وماذا وجد من فقدك ؟ لم يجد شيئاً، أموال لا تأكلها النيران، بيوت، مركبات منوطة بدقات القلب، فإذا توقف القلب فقد كل شيء، وخسر كل شيء، قال تعالى:

 

﴿ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (15) ﴾

[ سورة الزمر ]

إذاً: في الآيات الكونية نتفكر في الآيات التكوينية، ننظر في الآيات القرآنية، نتدبر طريق معرفة الله، طريق آياته الكونية والتكوينية والقرآنية، وأصل الدين معرفته، وفي الأثر:

(( ابن آدم، اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء))

الكون ثابت، ألف وثلاثمئة آية في القرآن الكريم تتحدث عن الكون، سدس القرآن الكريم يتحدث عن الكون، من أجل أن تتفكر في خلق السماوات والأرض، الآية الأصل في هذا الباب:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) ﴾

[ سورة آل عمران ]

المقوم الأول هو الكون، وهو الثابت الأول، ولا خلاف عليه إطلاقاً بين شعوب الأرض، وبإمكان أي إنسان في الأرض أن يقرأ في الكون، قال تعالى:

 

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) ﴾

[ سورة العلق ]

المقوم الثاني: العقل:

لقد أعطانا الله عز وجل العقل، قال تعالى:

 

﴿ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) ﴾

[ سورة الرحمن ]

للتقريب: إنسان لا يملك من الدنيا إلا بيتاً، لكنه غالٍ جداً، وباعه بعملة صعبة، ومعه في جيبه الأول جهاز يكشف له العملة المزورة، ومعه في الجيب الثاني أوراق فيها أرقام العملة المزورة، وباع البيت بعملة صعبة، ولم يستخدم الجهاز فإذا بالعملة مزورة، هو خاسر خسارة كبيرة جداً، لكنه هو السبب لم يستخدم جهاز كشف العملة المزورة، كما أنه لم يقرأ أرقام العملة المزورة، الأرقام هو الشرع، والجهاز هو العقل، فلذلك العقل ثاني أكبر مقوم من مقومات التكليف العقل، وهو مناط التكليف.

مبادئ العقل: السببية والغائية وعدم التناقض:

والعقل جهاز بالغ التعقيد مبني على مبادئ ثلاثة: مبني على مبدأ السببية، ومبدأ الغائية، ومبدأ عدم التناقض، أي أنك أيها الإنسان من خلال عقلك لا يمكن أن تفهم شيئاً من دون سبب، ومن خلال عقلك لا يمكن أن تفهم شيئاً من دون غاية، ومن خلال عقلك لا يمكن أن تفهم شيئاً متناقضاً، إنسان حاضر وغائب في وقت واحد في دمشق وحلب، هذا مستحيل في العقل، لكن الشيء الدقيق أن نظام الكون نظام سببي، وفي عالم الكون لا شيء يحدث بلا سبب، ولا شيء يحدث بلا غاية، وليس في الكون تناقض، وعقلك فيه مبدأ السببية، والغائية، وعدم التناقض، إذاً: العقل هو المقوم الثاني. 

دورُ العقل في معرفة الله:

 

مهمةُ العقلِ التأكُّدُ من صحة النقل ثمّ فهمُه:

ولكن ما دور العقل في معرفة الله ؟ العقل له مهمتان: أصل الدين هو النقل، الوحي المتلو، القرآن الكريم ، والوحي غير المتلو السنة، أصل الدين معرفة الله، العقل قبل النقل، مهمته التأكد من صحة النقل، وبعد النقل مهمته فهم النقل، لكن الأصل في الدين النقل، ولن يكون العقل حكَماً على النقل، والعقل قبل خمسين سنة لا يصدق أن قرصاً فيه سبعة آلاف كتاب، وكل عنوان بأربعين جزءا، وكل جزء فيه أربعمئة صفحة، وكل صفحة فيها ثمانين سطرا، في كل سطر خمس وثلاثين كلمة، وكل كلمة فيها خمسة حروف، وكل حرف مشكّل، هذا قرص واحد فيه سبعة آلاف عنوان، العقل مرتبط بالواقع، أما الوحي فمرتبط بالخالق، فلذلك الأصل هو الوحي، والعقل للتأكد من صحة النقل أولاً، ولفهم النقل ثانياً.

العقل متطابق مع قوانين الكون:

أروع ما في الموضوع أن العقل متطابق تماماً مع قوانين الكون، ولولا هذا التطابق لم يكن قيمة للعقل إطلاقاً.
في الكون لكل شيء سبب، ولكل شيء غاية، ليس في الكون تناقض، وعقلك لا يفهم شيئاً بلا سبب.
للتقريب: سافرت إلى اللاذقية، أطفأت الأنوار، أرتجت الباب، ليس مع أحد مفتاح هذا البيت إطلاقاً، عدت بعد أسبوع، فرأيت المصابيح متألقة، لماذا ترتعد فرائصك ؟
مثلاً: لو دار حوار غير ذكي بين الزوج وزوجته، قال لها: المصابيح متألقة، قالت له أطفئها، ليس الموضوع في إطفائها، ولكن مَن دخل البيت في غيابي ؟ لا يمكن أن تصدق أن المصابيح تألقت بذاتها هكذا العقل، والعقل مناط التكليف، والعقل أداة معرفة الله، ومبادئ العقل متناسقة مع مبادئ الكون لذلك قال تعالى:

 

﴿ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68) ﴾

﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ (17) ﴾

[ سورة الغاشية ]

﴿ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69) ﴾

[ سورة غافر ]

﴿ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) ﴾

[ سورة الصافات ]

لكن العقل ـ الآن دققوا ـ بالضبط كهذه العين، هذه العين لو أنها ترى بأعلى درجة، اثنتي عشرة على عشر، وليس هناك ضوء فلا قيمة لهذه العين، والعقل من دون وحي لا قيمة لهذا العقل، العين والضوء يتكاملان، والعقل والوحي يتكاملان، الوحي للعقل كالضوء للعين، لذلك العقل من دون وحي لا يصلح، قال تعالى:

 

﴿ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) ﴾

[ سورة المدثر ]

العقل يحتاج إلى وحي، وأي شيء عجز العقل عن إدراكه أخبرك الله به، إذاً: العقل مناط التكليف، والعقل أداة معرفة الله، والعقل مهمته قبل النقل التأكد من صحة النقل، وبعد النقل لفهم النقل، ولن يكون العقل حكماً على النقل.
المقوم الثالث: الفطرة:
لك فطرة، قال تعالى:

 

﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا (30) ﴾

[ سورة الروم ]

الفطرة متوافقة مع منهج الله:

بنيتك النفسية متوافقة توافقاً تاماً مع منهج الله، وأي أمر أمرك الله به ترتاح نفسك إذا طبقته، تماماً كمركبة من أغلى الأنواع، لكنها مصممة للطريق المعبد، فإذا سرت بها في طريق وعر تكسرت، ولم تلبِ حاجتك، لأنها مصممة لطريق معبد، أنت مصمم لمنهج الله، فإذا طبقت منهج الله شعرت بسعادة لا توصف، الله أمرك أن تكون صادقاً، فإذا صدقت تحس براحة كبيرة جداً، أمرك أن تكون أميناً، فإذا كنت أميناً أحسست براحة عجيبة، أمرك أن تكون رحيماً، فإذا رحمت من حولك أحسست براحة عجيبة لذلك:
 

﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا (30) ﴾

[ سورة الروم ]

هذه الخصيصة النفسية الفطرة، الإسلام دين الفطرة، كل شيء أمر الله عز وجل به ترتاح فطرتك له، بل إن الله جل جلاله سمى الشيء الذي تنكره نفسك منكراً، وسمى الشيء الذي تعرفه نفسك أنه عمل طيب معروفاً، فالأشياء التي تنكرها بأصل فطرتك هي المنكرات، والأشياء التي تعرفها بأصل فطرتك هي المعروف، كلمة معروف ومنكر تؤكد تطابق الفطرة مع الشرع، لذلك قال الله عز وجل:

 

﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)﴾

[ سورة الشمس ]

أنت لست بحاجة إلى من يلفت نظرك حينما تفعل فعلاً جيداً تعرف أنك أصبت، وإن لم تفعل فعلاً جيداً تعرف أنك أخطأت، بل هذه الفطرة وأستسمحكم عذراً بالحيوانات أيضاً، فالقطة حينما تخطف قطعة لحم تأكلها بعيداً عنك، أما إذا أطعمتها هذه القطعة فتأكلها أمامك، لأنها بفطرتها أحست أنها أخطأت حينما أخذت قطعة لحم عنوة أو سرقة، مع أنها غير مكلفة طبعاً.
الكون، العقل، الفطرة.

المقوم الرابع: الشهوةُ:

أهمية الشهوة مقوماً للتكليف:

الله عز وجل أودع فينا الشهوات، وميلاً إلى المرأة، إلى المال، إلى الجمال، إلى الراحة، إلى البيت المريح، إلى المركبة الفارهة، الإنسان يحب الكمال والجمال والنوال، يحب النوال العطاء، والكمال والجمال، هذه شهوة، وما أودع الله فينا الشهوات إلا لنرقى بها تارة شاكرين، وتارة صابرين، فالشهوة كالمحرك، والعقل كالمقود، والشرع كالطريق، فحركتك في الحياة بدافع الشهوات، ولو لم يكن هناك شهوات ما رأيت على وجه الأرض شيئاً، لا بيتًا، ولا جسرًا، ولا طريقًا، ولا معملًا، ولا مدرسة، ولا مستشفى، إذا لم يكن هناك حاجة للطعام والشراب، ولا حاجة للمرأة، مثل هذه الطاولة تتركها مليون سنة مثلما هي، لا تتزوج، ولا تأكل، ولا تشرب، وكان من الممكن أن يكون الإنسان كالجماد، لا يتحرك، لا يفعل شيئاً، لكن أودع فيك الشهوات، تمشي في الأسواق، تبحث عن عمل، تبحث عن دخل من أجل أن تتزوج، تأتي الزوجة، تبحث عن دخل آخر من أجل تربية الأولاد، إذاً حينما وصف الله أنبياءه بأنهم بشر قال تعالى: 

﴿يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ (7)﴾

[ سورة الفرقان ]

هم مفتقرون في وجودهم إلى تناول الطعام، ومفتقرون في ثمن الطعام إلى المشي في الأسواق، هذا شأننا جميعاً، تبحث عن عمل من أجل أن تشتري بيتاً، تستأجر بيتاً، كي تتزوج، كي تنجب، إذاً: الشهوات أودعها الله فينا قال تعالى عنها:

﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (14) ﴾

[ سورة آل عمران ]

كل شهوة لها قناة شرعية نظيفة تسري من خلالها:

دققوا في هذا الكلام الدقيق: ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل له قناة نظيفة تسري خلالها، ليس هناك حرمان، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، أودع فيك حب المال، وأبواب الكسب المشروع على مصارعه، وهناك كسب غير مشروع، الشهوة تمثل مئة وثمانين درجة، يمكن بدافع الشهوة أن تتحرك بزاوية مفتوحة تساوي مئة وثمانين درجة، لكن الكسب المشروع تسعون درجة، وغير المشروع تسعون درجة، فالمؤمن يحصر نشاطه في كسب المال في التسعين درجة الأولى، وغير المؤمن له عمل، ويسرق، ويغش، ويدلس، ويحتال، ويغتصب، فلذلك الشهوة مفتوحة مئة وثمانين درجة، المؤمن يتقيد بالحيز المسموح به من قبل الله، وهذا معنى قوله تعالى: 

﴿بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ (86) ﴾

[ سورة هود ]

المرأة:

عندك زوجة، ولك أخوات بنات، تجلس معهم، الوالدة، الأخوات، العمات، الخالات، الأخت، بنت الأخ، ابنة الأخت، هذه المحارم، لكن امرأة لا تحل لك ممنوع أن تقيم علاقة معها في حيز الإيمان، هذه الشهوات.

المال:

هناك تجارة، ووظيفة، وهبة، وعمل حر، وزراعة، وتجارة، و صناعة، لكن لا سرقة، ولا اغتصاب، ولا غش، ولا احتكار، كل أنواع المعاصي في كسب المال محرمة.

العلو في الأرض:

أيضاً العلو في الأرض، شهوة ثالثة، أن تكون شيئاً مذكورا، أن يشار إليك بالبنان، اطلب العلم، تعلم العلم، اعمل أعمالاً صالحة ليشار لك بالبنان.
مرة عالم من علماء بلد إسلامي كبير سافر إلى لبريطانية لإجراء عملية، يقولون، أكثر من مئة ألف اتصال ورسالة جاءت من أنحاء العالم الإسلامي للاستفسار عن صحته، فإذاعة لندن استغربت، شيء غير طبيعي، أجرت معه مقابلة، قالت له: ما هذه المكانة التي حباك الله بها ؟ ماذا يجيب ؟ أجاب إجابة رائعة قال: لأنني محسوب على الله، وأنت كمؤمن محسوب على الله.

إذاً: العلو في الأرض قد يكون في طاعة الله، قد يكون بخدمة الخلق، قد يكون بنشر العلم، قد يكون بالأعمال الصالحة، وقد يكون بالأذى، وقد يكون بكسب غير مشروع، ينتهي ببيت فخم، ومركبة فارهة، وعلاقات وولائم، وفنادق وسفر وسياحة.
أنت عندك حاجة أساسية للطعام للحفاظ على وجودك، وعندك حاجة أساسية للمرأة، للحفاظ على نوعك، وعندك حاجة أساسية إلى أن تكون ذا أهمية للحفاظ على ذكرك، فهذه كلها محققة ضمن منهج الله عز وجل، ومحققة بغير منهج الله، لذلك ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، اطمئن فلا حرمان، لذلك قال تعالى:

 

﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ (50) ﴾

[ سورة القصص ]

الذي يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه، يتزوج، ويوم العرس أطلقت أبواق المركبات، ألا يستحيون ؟ لا، لا يستحيون، هذا شيء شرعي، هذا الزواج شرعه الله، ما من خجل أبداً، هي زوجته.
أحيانا يعقد عقد على بنت يأتي الخطيب بعد العقد طبعاً فيبقى للساعة الثانية، لا أحد يتكلم ولا كلمة، هي زوجته، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها.
إذاً: الكون، والعقل، والفطرة، والشهوة.

المقوم الخامس: الحرية ( الاختيار ):

قال تعالى:

 

﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ (29) ﴾

[ سورة الكهف]

﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (3) ﴾

[ سورة الإنسان ]

﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا (148) ﴾ 

[ سورة البقرة]

﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148) ﴾

[ سورة الأنعام]

الإنسان من جهة التكليف مخيَّرٌ:

هذه مقولة المشركين، لو أن الله أجبرنا على الطاعة لبطل الثواب، ولو أجبرنا على المعصية لبطل العقاب، ولو تركنا هملاً لكان عجزاً في القدرة، إن الله أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلف يسيراً، ولم يكلف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً.
الإنسان مخير، وفي اللحظة التي يتوهم فيها الإنسان أنه مسير فقد أخطأ، هو مسير فيما لا يكلف، مسير في كونه ذكراً أو أنثى، هل أحد سألك: ماذا تحب، ضع إشارة ضرب في هذا المربع، أنت لست مخيرا في هذا، أنت في هذا مسير، هل أحد سألك: من تحب أن تكون أمك وأبوك، كلنا مسيرون في أمهاتنا وآبائنا، هل أحد سألك: أين تحب أن تولد، في شيكاغو، أو في دمشق، مكان ولادتك، زمن ولادتك، عصرك، كونك ذكرًا أو أنثى، أمك وأبوك، هذه قدر من الله، لكن العلماء أجمعوا على أن الذي سيرت فيه هو لمصلحتك، وليس في إمكانك أبدع مما أعطاك، ويوم القيامة حينما يكشف لك سر كونك ذكراً أو أنثى، أو من أي أب أنت، من أي أم، في أي بلد، في أي مكان، في أي زمان، قدراتك، شكلك، وسامتك، إلى آخره، يجب أن تذوب محبة لله على أنه اختار لك الأصلح، بهذا أنت مسير، أما فيما كلفت أنت مخير فقال لك: أقم الصلاة، فهل لا تصلي، قال لك: 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)﴾

[ سورة التوبة ]

أنت أتيت إلى المسجد، وهناك ملهى أيضاً، ومقهى إنترنت، مواقع إباحية، أمرك أن تكون مع الصادقين، أتيت إلى المسجد، أنت فيما كلفت به مخير، قال تعالى:

 

﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ (29)﴾

[ سورة الكهف]

وفي اللحظة التي تتوهم أنك لست مخيراً ألغي الثواب والعقاب، وألغي التكليف، وألغيت الأمانة، وألغيت الجنة والنار، وأصبحت الحياة الدنيا تمثيلية سمجة.
هل تصدق مسابقة لتعيين موظف يتقدم ثلاثة آلاف، وألفت لجان، وتم الفحص، فحص لغة، وفحص ثقافة عامة، وشهادات، وعلامات، والذي سوف يعين معروف قبل المسابقة ؟ مستحيل أن يكون هكذا، فلذلك في اللحظة الذي تتوهم فيها أنك أنت في كل شيء مسير فقد ألغيت الدين، ألغيت الجنة والنار، وألغيت الثواب والعقاب والتكليف، ألغيت كل شيء، لذلك سيدنا عمر لما جاءه شارب خمر قال: << أقيموا عليه الحد، قال: والله يا أمير المؤمنين، إن الله قدر علي ذلك ـ العوام يقولون: طاسات معدودة، بأماكن محدودة، هكذا ابتلاه الله، الله ما ابتلاه، هو اختار لنفسه ـ فقال سيدنا عمر: أقيموا عليه الحد مرتين، مرة لأنه شرب الخمر، ومرة لأنه افترى على الله، قال: ويحك يا هذا، إن قضاء الله لم يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار >>، لا تقل لي: الله قدر علي ذلك، قل: أنا أخطأت، الله أمرني بالخير، وأنا أخطأت.
لاختيار أحد مقومات التكليف، الشهوة أحد مقومات التكليف، والفطرة أحد مقومات التكليف، والعقل أحد مقومات التكليف، والكون أحد مقومات التكليف.

المقوِّم السادس: الشرعُ:

بقي الشرع، في البلد أوزان بكل محل، أوزان بكيلوين، نصف كيلو، ربع أوقية، نصف أوقية، لو أحضر رجلٌ نارا، وأذاب الرصاص الذي تحت الوزن، أنقصه مئة غرام، كيف نكشف الخطأ يكون عندنا في البلدية وزن نظامي، وزن معتمد، وزن هو المقياس، وزن هو الضابط، الشرع هو الضابط، الحسن ما حسنه الشرع، والقبيح ما قبحه الشرع، فإذا أرشدك فكرك إلى شيء أنكره الشرع، وأنت رأيته حسناً فعندك خلل كبير، يجب أن تتوافق موازينك مع موازين الشرع، الحرام حرام، الاختلاط ممنوع، الزنا حرام، ليس عملاً مقبولاً، لكن في عصور التفلت يصبح عملاً مقبول، كونه منتشراً في العالم، هذا لا يغير من تقييمه عند الله عز وجل.
إذًا: الشرع أيضاً من مقومات التكليف، المنهج، الشرع مقوم أساسي من مقومات التكليف، لذلك العقل قد يضل، والشرع ضابط.
أنا أعطيك مسألة، أقول لك حلها، لكن قبل أن تتعب نفسك هذا هو الجواب، فإن قادك الحل إلى هذا الجواب فالحل صحيح، فإذا قادك الحل إلى جواب آخر فاعلم أنك مخطئ، ولما تتوهم أن ثمة معصية ما فيها شيء في الدين، ماذا فعلنا ؟ والله ضرورية الآن، نحن في عصر جديد، هذا عصر العلم، عصر المرأة نصف المجتمع، لما تتوهم شيئًا خلاف الشرع فأنت مخطئ، المرأة نصف المجتمع، ومكرمة أشد التكريم، وما من دين، وما من منهج أعطى المرأة حقها، وكرمها كما كرّمها الإسلام.
لما فتح النبي الكريم عليه أتم الصلاة والتسليم مكة، ودعته بيوتاتها ليبيت عندهم، ثم نصب لواء النصر أمام قبرها، ليعلم العالم كله أن هذه المرأة التي في القبر شريكته في النصر، قال تعالى:

 

﴿وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ (6)﴾

[ سورة الطلاق]

الضابط عند ضلال العقل وانطماس الفطرة:

لكن الفساد مرفوض، التبذل مرفوض، إظهار المفاتن مرفوض الخلوة مرفوضة، إذاً: الشرع هو الحكَم، الحسن ما حسنه الشرع، و العقل قد يضل، والفطرة قد تنطمس، فما الضابط ؟ الشرع وزن مركزي في البلدية، فأي وزن شككنا فيه نأتي به إلى البلدية، ونعرضه على هذا الوزن الأساسي، هذا هو الشرع، والله عز وجل أعطانا فوق هذا الوقت وعاء عملنا، وأنت بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منك.
وفي درس قادم إن شاء الله نبدأ هذه المقومات بالتفصيل.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور