- ندوات تلفزيونية / ٠04برنامج ديناً قيماً
- /
- ٠2ديناً قيماً 2 - تركيا
مقدمة :
الدكتور عمر عبد الكافي:
أحمد الله رب العالمين حمد عباده الشاكرين الذاكرين، وأصلي وأسلم على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما بعد؛ أحبتي في الله أينما كنتم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وما زلنا مع حلقات: " ديناً قيماً "، ومع أستاذنا الجليل ومربينا الفاضل الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، دعوني أرحب به حتى نرى نور وجهه فتشع الحلقة نوراً وبهاءً وعلماً..
الدكتور راتب :
هذا من حسن ظنكم، بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم.
الدكتور عمر عبد الكافي:
فضيلة الشيخ الأرحام صارت مهلهلة، كلمة مقطعة، أصبح الناس يستهينون بمسألة صلة الرحم، وأصبحت مسألة الأدوات التي تسميها فضيلتكم: التقاطع الاجتماعي، التي تسمى في وسائل الإعلام بالتواصل الاجتماعي، وسيلة لتمزيق الأرحام، وأصبح السؤال عن الأم عن طريق ابتسامة، وبر الأب عن طريق يشارك معه في كذا وكذا، فصارت العواطف مجمدة، وصارت الأرحام منسية، وللأسف الشديد لا ندرك حجم قلة البركة من تقطيع الأرحام، الأخ مخاصم لأخيه، الأخت توصي بناتها بألا تحضر أختها غسلها عندما تموت، نريد أن نحرك القلوب بأبوتكم وحنانكم وصلتكم لأرحامنا جميعاً، نحن رحم معكم في رحم الإسلام الكبير ورحم العلم، بارك الله بك، أفض علينا.
صلة الأرحام :
الدكتور راتب :
بالمصطلح الحديث، هناك ما يسمى بالتكافل الاجتماعي، يقابله في هذا الدين العظيم صلة الأرحام، الأرحام مطلق الأقارب، هناك من حددها بأقارب الأب أو الأم، أنا أقول مطلق الأقارب، هذا القريب إذا وصلته نمت عاطفة المحبة في قلبه، دائماً الاجتماعات تحدد الطاقات، أنا عندما أتصل بكل أقاربي هناك تعاطف، وهناك تعاون، أي القوي يعين الضعيف، والغني يعين الفقير.
الدكتور عمر عبد الكافي:
أي يكفي المظهرية فقط أم يكون نابعاً من نية صادقة؟
الدكتور راتب :
والله كما تفضلت قبل قليل مسخت هذه الفضيلة بوضع بطاقة زيارة في الباب، يدور في العيد على أقربائه فإن لم يجده فرح، وضع له البطاقة، أدى الذي عليه، ولم يحقق الهدف من هذه الصلة، الصلة تواصل، الصلة تعاطف، الصلة تراحم، الصلة تعاون، عندنا قوي وضعيف، بهذه الصلة القوي يعين الضعيف، عندنا عالم وغير عالم، العالم يقنع أخاه أن يعلم أولاده حتى يصلوا لدرجة عالية من العلم، وعندنا فقير وغني، وقوي وضعيف، هذه التفاوت الطبقي في المجتمع موجود بهذه الصلة، المسافات الحادة يصغرها، يضيقها، أذكر إنساناً سمع درس صلة الرحم، له أخ لم يزره من سنوات، زاره وجده في بيت تحت الأرض، وهناك رطوبة عالية، ومع أولاده أمراض عدة، هو غني كبير اشترى له بيتاً في الطابق الثالث، وأشعة الشمس تملأ أرجاء الغرف، فأنا أرى أن هذه الصلة لها مفهوم عملي.
الدكتور عمر عبد الكافي:
فرضنا جدلاً أن فلاناً يصل رحمه، ولكن هذا الرحم أولاً يحقد عليه، يحسده، يغتابه ولا يحفظ غيبته، وسبحان الله يتمنى له الشر، تتولد عند واصل الرحم معان سيئة وردود أفعال يشجعها الشيطان والهوى، كما قال الصديق: إني ابتليت بأربعة؛ ما سلطوا إلا لجلب مشقتي وعنائي، إبليس والدنيا ونفسي والهوى، كيف الخلاص وكلهم أعدائي؟ وهذا صدّيق الأمة، فهذا الواصِل أو الوصُول للرحم يقابل من أهله وعشيرته و أقاربه ورحمه بهذا الجحود، وهذا النكران، كأنهم يقولون: هل من مزيد، هو عنده ملايين لم لا يعطيني؟ عنده الجاه والمنصب لم لا يخدمني؟ كيف نعالج هذا؟
انتظار الجزاء دائماً من الله عز وجل :
الدكتور راتب :
أنا أقول: أدّ الذي عليك واطلب من الله الذي لك، أنا أرى مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن يرى الله عبده يصل رحمه ثم لا يكافئه في الدنيا قبل الآخرة، المكافأة من الله.
الدكتور عمر عبد الكافي:
أي ينتظر الجزاء من الله، ولا يضن على رحمه أنه يزورهم، أو أنه يصلهم، أو أنه يعطيهم.
الدكتور راتب :
سيدي التوحيد يقول: إذا أراد ربك إظهار فضله عليك خلق الفضل ونسبه إليك، أنا عليّ أن أنفذ هذه التعليمات، تعليمات من؟ الصانع، تعليمات الخالق، تعليمات الإله، تعليمات الخبير، قال تعالى:
﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾
الدكتور عمر عبد الكافي:
ولذلك عندما قال أحدهم لأبي هريرة عندما شكا نفس الشكوى: أصلهم ويقطعوني، سبحان الله قال أبو هريرة: كن على ما أنت عليه، فكأنما تسفّهم المل، سبحان الله كأن صناعة الخير وفعل الخير يقتضي مجاهدة النفس، وإن لم أجاهد نفسي أخذتني.
يقول الله عز وجل:
﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾
فإذا دفع بالتي هي أحسن ولم يجد أن الذي بينه وبينه عداوة إذاً الدفع ليس بالتي هي أحسن، ليست النية صادقة، المعادلة ربانية.
الدكتور راتب :
زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، مادام الإنسان وصل رحمه له من الله مكافأة في الدنيا قبل الآخرة.
عظمة الإسلام أنه جمع المسلمين على غير أرحام بينهم :
الدكتور عمر عبد الكافي:
يوجد ملمح آخر قد يغيب عن بعض الناس وهو أن هذه العمة، وهذا ابن العم، وهذا الخال، وهذه بنت الخال، هم امتداد لبر الأب والأم، أي لو كان أبي موجوداً وعلم أنني سألت عن ابنة أخيه أكيد سيفرح، وعن ابن أخته أكيد سوف يفرح، هذا من البر، قال حارس معاوية أو بوابه: يا أمير المؤمنين أخوك في الباب، قال: زياد، قال: لا، زياد أنا أعرفه، قال: أدخله، فنظر سيدنا معاوية في الرجل فلم يعرفه، هل من الممكن أن يكون أبو سفيان متزوج من وراء هند زواجاً عرفياً، أم شيء آخر، قال: أنت أخي؟ قال: نعم، قال: من لدن من؟ قال: من لدن آدم، فطرق معاوية على جبهته وقال: آه، رحم مقطوعة، سأصلها الآن إن شاء الله، فاعتبر الرجل أن هذا رحم، عظمة الإسلام أنه جمع الناس المسلمين على غير أرحام بينهم، فرب أخ لك لم تلده أمك.
كلما ارتقى الإنسان اتسعت رؤيته و إحسانه :
الدكتور راتب :
لو إنسان ركب طائرة، وارتفعت به عشرة آلاف قدم، يرى مسافة خمسمئة كيلو متر، فكنت أقول: كلما ارتقى الإنسان اتسعت دائرة رؤيته، ومعها اتسعت دائرة عاطفته، فالأنبياء إنسانيون، وكلما ارتقى الإنسان عند الله تتسع دائرة إحسانه.
الدكتور عمر عبد الكافي:
نجد بعض الناس كالصخرة، لا تهزه عاطفة، جامد، نحركه فلا يتحرك، نسترضيه فلا يرضى، من استرضي ولم يرض فهو شيطان، ومن استغضب ولم يغضب فهو حمار، فقضية هذا الإنسان الصخرة لا يلين قلبه إلا بصلة الرحم، لأنه يرى صوراً عجيبة من أقاربه المحرومين، والذين لا يجدون كفافهم، ولا يجدون ربما دواء لأولادهم، أو ملابس لبناتهم، هذا الذي يجب أن يحرك قلوب هؤلاء.
استيعاب المؤمن جميع الفوارق بين الناس :
الدكتور راتب :
تفسيراً لما تفضلت به هناك علم بدأ يظهر، علم الطباع، غير الأخلاق:
(( يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب ))
هناك إنسان طبعه انعزالي، الثاني طبعه اجتماعي، أنا أرى أن هناك فوراق، والمؤمن يستوعب هذه الفوارق، مثلاً يوجد تقاطع أرحام، يوجد مناسبة وحيدة أو اثنتان في العيد يجمع كل أقاربه، أنا سمعت عن أناس يجمعون الأقارب في مكان عام، ويتداولون شؤونهم، من بحاجة إلى قسط لابنه، من بحاجة إلى مساعدة، من بحاجة إلى منزل يستأجرون.
ضرورة اجتماع الأقارب دائماً و تداول شؤونهم :
الدكتور عمر عبد الكافي:
ممكن أن نأخذ من كلامك الجميل، ونأخذ منه خيطاً ذهبياً، ونقول: ما رأيكم أيها المشاهدون والمشاهدات أن كل أسرة لا أقول كل عائلة لأن العائلة من العيلة، كل أسرة كبيرة أو عشيرة يكون عندها صندوق الأزمات، بحيث أن أثرياء القوم من هذه الأسرة تضع في هذا الصندوق دون أن يدري أحد هذا وضع كم، وهذا وضع كم، فإذا حزبت أحدهم حاجة، عندئذ يأخذ من هذا الصندوق، وليس لأحد منة عليه، أنا أعرف أسراً في بعض البلاد العربية و الإسلامية فيهم هذه العادة الطيبة، لا يعرف ولا يدرك من الذي أعطاه، وهذا وضع كم، وهذا وضع كم، سبحان الله العظيم! هذا العمل مخفي حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه.
الدكتور راتب :
الشيء بالشيء يذكر؛ سمعت عن بلد فيه مصرف للقروض الحسنة من دون فوائد إطلاقاً، بعض المحسنين يدفعون المصاريف، فكل واحد معه مليون لا يحتاجه الآن يضعه في المصرف، هو له في النهاية، يقرض من يحتاج بوثائق، بأشياء دقيقة جداً، وحلت مشاكل كثيرة جداً.
الدكتور عمر عبد الكافي:
يا مَـــنْ تُضايقُه الفِعال مِنَ الّتي ومِــنَ الّذي
ادفعْ فديتُك بالّتــــــــــــــي حتى ترى فإذا الّذي
***
إذاً هو دفع بنية خالصة، وبعد ذلك كل غني في الأسرة يتولى أمر ولد أو ولدين من أبناء عمومته، أو أقاربه، بحيث يكون هناك ولاء وانتماء ومحبة، والله ربما هؤلاء يكونون عنده في الكبر أقرب من أبنائه وبناته من الود الذي يرونه.
وجوب ابتغاء مرضاة الله في كل عمل :
الدكتور راتب :
سيدي وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، الإنسان إذا وحد وجعل علاقته مع الله لا ينتظر مكافأة، لا ينتظر الشكر، هو يفعل هذا ابتغاء مرضاة الله.
الدكتور عمر عبد الكافي:
إذا صنع المعروف مع الناس يجب أن ينساه، وإذا صنع أحد فيه معروفاً يجب ألا ينساه.
الدكتور راتب :
أحدهم كان في الحج واشترى هدياً، قال لي: أنا لأول مرة في حياتي أمزق الوصل، هذا لله، الله لا يحتاج إلى وصل، مادام الله يعلم هذا شيء دقيق جداً، الفرق بين الله يعلم علاقتك مع الله، تنتظر منه المكافأة، منه التوفيق، طبعاً أنا مفروض أن أشكر من أعطاني خدمة، أما لو أنا لم أشكره وفعلها لله يتقاضى من الله أجره.
الدكتور عمر عبد الكافي:
بل بالعكس يا ليته لا يشكر حتى تكون النية كلها لله تعالى، نسأل الله عز وجل أن ننتفع بكلامكم، وأن نستفيد من هذا..
الدكتور راتب :
أنا استفدت.
خاتمة و توديع :
الدكتور عمر عبد الكافي:
جزاكم الله كل خير، أحبتي في الله صلوا أرحامكم يبارك الله في أعماركم، وفي أموالكم، وفي أولادكم، تقتلع المشاكل من البيوت، ويطرد الشيطان من البيوت بصلة الرحم، الله يجعلنا وإياكم موصولين بالرحم حتى نصل رحم الإسلام وننصره، إن الله على نصرنا لقدير، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، لا تنسونا من صالح دعائكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.