وضع داكن
29-03-2024
Logo
تركيا - ديناً قيماً 2 - الحلقة : 26 - التوبة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور راتب :
  بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 نحن سعداء جداً بصحبة الشيخ الجليل والداعية الكبير الدكتور عمر عبد الكافي، وأنا سعيد جداً بهذا اللقاء، على كل الموضوع الذي نتمنى أن نبحثه اليوم هو التوبة، لولا التوبة لهلك الناس، لكن هذه التوبة هي رحمة الله، الإنسان حينما يوقن أن الله سيغفر له بعد الندم والإقلاع والعزم، في ثلاثة أركان، الندم التوبة، والإقلاع الفوري، والعزيمة على ألا أعود لهذا الذنب.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 وإعادة الحقوق إلى أصحابها..

الحقوق نوعان؛ حقوق الله و حقوق البشر :

الدكتور راتب :
 هذه إذا مع البشر طبعاً، هناك حقوق الله عز وجل، وحقوق مع البشر، يبدو أن حقوق البشر مخيفة جداً، النبي صلى الله عليه وسلم دعي إلى صلاة على صحابي جليل: 

(( أعليه دين؟ قالوا: نعم، قال: صلوا على صاحبكم، ولم يصلّ عليه، إلى أن قال أحدهم: عليّ دينه يا رسول الله، فصلى عليه، في اليوم التالي سأل هذا الذي تعهد الدين: أأديت الدين؟ قال: لا، سأله في اليوم الثالث: أأديت الدين؟ قال: لا، سأله في اليوم الرابع: أأديت الدين؟ قال: نعم، قال: الآن بردت عليه جلده )) 

[أحمد عن جابر ]

 سيدي عندنا حقوق مع الله عز وجل هذه تغفر، والصلحة بلمحة، ما كان بينك وبين الله المغفرة سهلة، أما ما كان بينك وبين الناس فهذه لا تغفر إلا بإحدى الحالتين، بالأداء أو المسامحة، أما الشرك بالله فلا يغفر، لماذا؟ إذا إنسان مريض، ويحتاج إلى عمل جراحي في قلبه فوراً، وأخذناه إلى طريق فيه سياحة، يموت، إذا إنسان اتجه إلى غير الله هذا هو الشرك، طبعاً عندنا شرك أصغر وشرك أكبر، الأكبر أن يعبد غير الله، أما الشرك الأصغر:

(( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي، أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً، ولكن شهوة خفية، وأعمال لغير الله ))

[ورد في الأثر]

معاصي الجوارح أهون بكثير من معاصي القلوب :

الدكتور عمر عبد الكافي:
فضيلة الشيخ الناس تظن أن التوبة هي من معاصي الجوارح فقط، ومعاصي الجوارح أهون بكثير من معاصي القلوب، أي أنا أتوب مثلاً من أخذ مال لا يحل لي، إما أن أعيده إلى أصحابه، أو نتخلص بطريقة شرعية، لكن القضية كيف يتوب الناس من الحسد؟ من الغل؟ من الحقد؟ من الضغائن؟ من عدم محبة الخير للناس؟ سبحان الله! ينظرون إلى الناس بنظرة جزار قصاب، والناس أمامهم شياه، فهناك فرق بين إظهار الحق وتجريح الخلق، يريد أن ينصح إنساناً يفضحه على الفضائيات، أو يكتب كلاماً يشوه صورته، وصورة أسرته وعائلته، التوبة من هذه الذنوب وهي كبائر موجودة في القلب كيف؟ القلب إذا امتلأ بهذه ما فائدة الدعاء وما فائدة العبادة؟

 

توزيع الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء و في الآخرة توزيع جزاء :

الدكتور راتب :
 أنا أستأذنكم أن أذكر بهذه الحقيقة، أمراض الجسد مهما عظمت، ورم خبيث، خثرة بالدماغ، مهما عظمت تنتهي عند الموت، ولكن أمراض النفس تبدأ بعد الموت، وإلى الأبد، لذلك هذه الحظوظ، الذكاء حظ، الوسامة حظ، العقل حظ، 

الصحة حظ، الزواج الناجح حظ، الأولاد المتفوقون حظ

هذه الحظوظ موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء، وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء، لو جئنا لشخصين؛ الأول عاش ستين عاماً وكان فقيراً، مادة امتحانه مع الله الفقر، صبر واحتسب وتعفف، والثاني كان غنياً كبيراً، مادة امتحانه مع الله الغنى، فاستعلى على عباد الله، ما أنفق من ماله شيئاً، الفقير نجح بامتحان الفقر، والغني فرضاً لم ينجح بامتحان الغنى، وعاشا ستين عاماً، الآن الغني الذي تمتع بالمليارات سوف يغادر هذه الدنيا، أذكر كلمة قالها جوبس مالك آبل، هذا يملك أكبر ثروة في الأرض، سبعمئة مليار، وهو على فراش الموت ماذا قال؟ هذه الثروة لا تعنيني إطلاقاً، تعنيني علاقة إنسانية، وأساساً أول جسر في استانبول بين القارتين صممه مهندس ياباني، أثناء افتتاحه وقص الشريط الحريري ومعه رئيس الجمهورية ألقى بنفسه في البوسفور، ذهبوا إلى غرفته في الشيراتون، فرؤوا ورقة مكتوب فيها: ذقت كل شيءٍ في الحياة فلم أجد لها طعماً، فأردت أن أذوق طعم الموت.
سيدي مؤمن بسيط، شاب صغير على معرفة متواضعة بالله أسعد منه مليون مرة.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 الذي يمشي وراء الجاموسة في بلدنا وعنده يقين بالله عز وجل، تفوح منه رائحة الفقر، وقلبه مليء بالرضا..
الدكتور راتب :
 البطولة أن نعتمد مقاييس الآخرة، والخطأ الكبير أن نعتمد مقاييس الدنيا.

التوبة يجب أن تكون على عجل :

الدكتور عمر عبد الكافي:
 إذاً لماذا إذا ذهب الإنسان إلى أخيه، أو زوجه، أو جاره، أو صديقه، يا فلان متى تتوب؟ يرد فوراً: أتوب من ماذا؟ لماذا؟ لأنه متنفخ الأوداج، فيرى أنه لم يصنع شيئاً، قال تعالى:

﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾

[ سورة الكهف: 103-104]

بعض الناس ينطبق عليه، قوله تعالى:

﴿ أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ﴾

[ سورة فاطر:8 ]

 ويا بشرى عبد إذا مات ماتت معه ذنوبه، ويا بؤس عبد إذا مات لم تمت معه ذنوبه، لأن فضيلة الشيخ الناس الصالحين يعملون صدقات جارية، ويوجد أناس آخرون يعملون سيئات جارية، السيئة تجري بعد موته سبحان الله:

(( مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كَانَ لَهُ أَجْرُهُ وَمِثْلُ أُجُورِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً .. ))

[ ابن ماجه عن أبي جحيفة ]

 القضية قضية متى أتوب، التوبة بالذات يجب أن تكون على عجل.
الدكتور راتب :
 سيدي رجل أعرفه بقطر عربي، كان يدير دار قمار، وهو على فراش الموت معه مبلغ فلكي صعب على الإنسان أن يصدقه، فجاؤوا له بداعية، الداعية قال الحق، قال له: لو أنفقت المال كله لن تنجو. فالبطولة سيدي بوقت معين في الشباب أنت مرتاح في بيتك، مع زوجتك، مع أولادك، عندك حاجة إلى الله عز وجل، نحن عندما نكتفي بالدنيا هذه غلطة كبيرة جداً.

 

أفضل الصدقة من يتصدق و هو صحيح شحيح :

الدكتور عمر عبد الكافي:

(( أَيُّ الصدقة خير أو أفضل؟ قال: أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تأمُل الغِنى وتخشَى الفقر، ولا تُمهِلْ حتى إِذا بلغتِ الحُلْقومَ، قلت: لفلان كذا ولفلان كذا ))

[البخاري عن أبي هريرة ]

 القضية أنا لا أريد أن أقول: الكارثة بيننا توبة الكذابين، الذي يتوب وهو مقيم على الذنب، يتوب وهو مصر أن يفعله مرة أخرى.
الدكتور راتب :
 سيدي أنا من منظوري المتواضع يوجد بالإنسان فراغ للإيمان، مهما كان قوياً، ومهما كان غنياً، ومهما كان متسلطاً، هذا الفراغ إن لم يملأ بالإيمان فهناك شقاء، تجد شخصاً لا يسعد في دنياه مع أن عنده كل شيء، تجد عنده حالة، عنده قرف وهو مقرف، وضع صعب جداً، المؤمن تجده سعادته بربه، الدنيا تأتي بالدرجة الثانية، هو مستقيم قام بواجباته، أخذ حقوقه فقط ما أخذ أكثر.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 ولذلك أغنى الناس من أمسى آمناً في سربه:

(( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا ))

[ البخاري عن عبد الله بن محصن ]

 من الله على قريش أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف، أي سبحان الله.

رغيف خبز وظل ذاك النعيم الأجل  كفرت نعمة ربي إن قلت إنه مقل
***

ثلاثة أشياء من حصّلها ما فاته من الدنيا شيء :

الدكتور راتب :
يوجد ثلاثة أشياء إذا حصلها الإنسان ما فاته من الدنيا شيء، النعمة الأولى الهداية، يعرف أنه يوجد إله، وآخرة وموت، وجنة وحلال وحرام، نعمة الهدى، الثانية الصحة، لا يوجد عنده فشل كلوي، لا يوجد عنده خثرة بالدماغ، الله عز وجل عافاه بصحته، والثالثة الكفاية..الدكتور عمر عبد الكافي:
 وإن كان عنده يصبر ويحتسب.
الدكتور راتب :
 فمن كان مهتدياً وذا صحة جيدة وعنده قوت يومه ما فاته من الدنيا شيء.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 وجب على العبد أن يتوب من غفلته وهذه توبة واجبة.

 

الغفلة أكبر ذنب :

الدكتور راتب :
 سيدي أنا أكاد أقول: الغفلة أكبر ذنب، غافل عن الله، غافل عن مصيره، غافل عن الجنة، ما اهتم بموضوع النار.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 التوبة هل هي صعبة على الناس بهذا الشكل أم أن الناس تستمرئ المعصية؟

حاجة كل إنسان إلى حاضنة إيمانية :

الدكتور راتب :
 أنا لي رأي بهذا الموضوع، إذا الإنسان أحاط نفسه بحاضنة إيمانية التوبة سهلة عليه، قال تعالى:

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ﴾

[ سورة الكهف: 28 ]

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة: 119 ]

 نحن نريد حاضنة إيمانية، صديق مؤمن، تسهر مع مؤمنين، إذا كان يسهر مع الطرف الآخر صعب أن يتوب.

 

خاتمة و توديع :

الدكتور عمر عبد الكافي:
 إن كان غافلاً ذكره، وإن رآه ذاكراً أعانه، نحن نحتاج إلى هذا، الله يرضى عليك، أكرمك الله، شكر الله لك.

إخفاء الصور