وضع داكن
23-11-2024
Logo
تركيا - ديناً قيماً 2 - الحلقة : 01 - الرضا.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الدكتور عمر عبد الكافي:
  نحمد الله رب العالمين حمد عباده الشاكرين الذاكرين، وأصلي وأسلم على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما بعد؛
 أحبتي في الله أينما كنتم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد؛ هذا بإذن الله عز وجل الجزء الثاني من برنامج: " ديناً قيماً "، يسعدني كما أنني موقن بسعادتكم أن نكون في معية شيخنا الجليل، وعالمنا الرباني فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي عمره الله في طاعته، ونفعنا الله بعلمه، الجلوس بجواره والجلوس أيضاً أمام الشاشة لنشاهده، فنحن نشاهد نفحة من سلفنا الصالح فمرحباً به، ومرحباً بكم في أول حلقة من الجزء الثاني من برنامج: " ديناً قيماً "، دعوني بالنيابة عنكم أرحب بشيخنا الجليل، السلام عليكم ورحمة الله..
الدكتور راتب :
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، نحن في معيتكم والله، تواضعكم غير معقول..
الدكتور عمر عبد الكافي:
 دكتور محمد الناس في حالة من القلق، ومن التوتر، ومن الارتكاس إلى الدنيا وما فيها، ولا يخفى على أحد أن مشاكل الناس كثيرة، والعالم اليوم قد ملئ بصورة أو صور من صور الشر، حتى ما عاد للعالم اليوم خيار ككفار قريش، نريد أن نعيش ونحيا مع أبنائنا وبناتنا على الشاشة في الحديث عن موضوع الرضا، كيف يرضى إنسان وله أناس يناكدونه ويؤذونه ولا يجد كثيراً ممن يشجعه على عمل الخير أو على مسألة الاستقرار النفسي؟ وقضية الحياة قد لا يستشعر كثير منا هذه النعمة الكبيرة فيتبخر الرضا من قلب كثير منا، كيف دكتور محمد نعيد إلى أنفسنا ثم إلى المحبين على الشاشة عبق الرضا؟ رائحة الرضا؟ لتدلف بنا إلى بوابة الرضا رضي الله عنك.

تعلق إرادة الله بالحكمة المطلقة :

الدكتور راتب :
 أستغفر الله، بارك الله بكم، ونفع بكم، وأعلى قدركم.
 الحقيقة أنه من جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله الهموم كلها، النقطة الدقيقة جداً في مقولة توحيدية تحل بها مشكلاتنا: كل شيء وقع في القارات الخمس من آدم إلى يوم القيامة أراده الله، أراده لا تعني أنه أمر به، ولا تعني أنه رضي، ولكن سمح به، تماماً كأب طبيب تزوج ولم ينجب إلا بعد عشر سنوات، ثم جاءه ولد آية في الجمال، فإذا الطبيب الأب يكتشف أن ابنه مصاب بالتهاب الزائدة، هذا الأب يسمح بفتح بطن ابنه بعد التخدير، و استئصال الزائدة، كل شيء وقع في القارات الخمس من آدم إلى يوم القيامة أراده الله، معكوسة وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، فالذي وقع لو لم يقع لكان الله ملوماً، والذي وقع لو لم يقع لكان نقصاً في حكمة الله، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق، والخير المطلق ينقض وجود شر مطلق، لا يوجد شر مطلق بالكون لأنه يتناقض مع وجود الله.
 فكل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق..
الدكتور عمر عبد الكافي:
 سواء أنا فهمت الحكمة أم لم أفهمها..
الدكتور راتب :
 المؤمن لو لم يفهمها يستسلم لله عز وجل.

الدكتور عمر عبد الكافي:
 هذا للمؤمن، الله يحبه هذه المحبة حيث كل ما يحدث للمؤمن مما ذكرته في هذا الحديث القدسي أن هذا تطهير للعبد حتى يقف على باب الرضا.
الدكتور راتب :
 لو فرضنا زار طبيباً مريضان؛ الأول معه التهاب معدة حاد، والثاني معه ورم خبيث منتشر، الأول سأل الطبيب: ماذا آكل؟ قال له: حمية قاسية جداً على الحليب لستة أشهر، والشفاء بعدها تام، سأله الثاني، قال له: كُلْ ما شئت، أيهما أفضل؟ أن نخضع لحمية قد تكون صعبة لكن هذه الحمية تنتهي بالفوز، الذي فاز بالجنة ما فاته شيء.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 هل توتر العبد وقلقه من الغد وخوفه على أولاده هذا ينافي الرضا أم أن الرضا أمر آخر؟

 

الضّعف أحد أسباب الإقبال على الله عز وجل :

الدكتور راتب :
والله أنا لا أرى أن الإنسان خلق ضعيفاً، لماذا خلق ضعيفاً؟ ليفتقر في ضعفه فيسعد بافتقاره، ولو خلق قوياً لاستغنى بقوته فشقي باستغنائه، فالضعف أحد أسباب الإقبال على الله عز وجل، أي إنسان حينما يرى خطراً يلجأ إلى الله عز وجل، فإذا لجأ إليه سلم وسعد في الدنيا والآخرة.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 ولذلك كما تعلمنا- بارك الله بأمثالكم- اللهم أعزنا بالافتقار إليك، وأغننا بالافتقار إليك، ولا تفقرنا بالاستغناء عنك.
الدكتور راتب :
 قمم البشر الصحابة الكرام، في بدر افتقروا فانتصروا، هم هم وفيهم سيد البشر في حنين اعتدوا بعددهم فلم ينتصروا، قال تعالى:

﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ ﴾

[ سورة التوبة: 25]

 وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد..
الدكتور عمر عبد الكافي:
 أنا عندي مثلاً أسرة وجيران محبون يريدون الدكتور محمد راتب النابلسي بطريقته المبسطة للحقائق الكبيرة، يريدون جرعة، لا أريد أن أقول جرعة بل وجبة، لأن قليل منك يكفينا ولكن قليلك لا يقال له قليل..
الدكتور راتب :
 هذا شيء يخجلني..
الدكتور عمر عبد الكافي:
 نريد جرعة بسيطة كيف أرضى؟

 

من عفا و أصلح فأجره على الله :

الدكتور راتب :
 قال تعالى:

﴿ وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثلُها ﴾

[ سورة الشورى: ٤٠]

 الآن :

﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ ﴾

[ سورة الشورى: ٤٠]

إذا غلب على ظنه أن عفوه عن أخيه يرضي الله عز وجل ويصلحه، قال تعالى:

﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾

[ سورة الشورى: ٤٠]

الدكتور عمر عبد الكافي:
 إذاً لما ذهب إلى المحكمة حتى يقاضي أخاه هو لم يقترب من بستان الرضا..
الدكتور راتب :
 نعم أبداً، ودائماً وأبداً الإنسان إذا عفا ارتقى عند الله وعند الناس في وقت واحد:

﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ ﴾

[ سورة الشورى: ٤٠]

 لكن بشرط لو أن شاباً طائشاً يقود مركبة والده، قد يرتكب حوادث كثيرة، هذا ينبغي ألا نعفو عنه، بل أن نؤدبه، أن نعطيه خبرة مؤلمة حتى يرتدع، أما إنسان لم يقصر في مشكلة لم يكن هو سبباً فيها، قال تعالى:

﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾

[ سورة الشورى: ٤٠]

 أضرب مثلاً بسيطاً: إذا ملك كلف مدرساً ليعطي ابنه دروساً، وبعد فترة قال المدرس: أين الأجرة؟ قال له: كم تريد أستاذ؟ قال له: كل درس بألف، كم درس؟ عشرة، هذه عشرة آلاف، كان الملك ينوي أن يعطيه بيتاً وسيارة، فالإنسان عندما يترك أمره إلى الله قد يأخذ أشياء تفوق حدّ الخيال.
الدكتور عمر عبد الكافي:

رب العباد إذا وهـــب  لا تسألن عن السبب
الله يعطـي من يشاء  فقف على حـدِّ الأدب
***

الدكتور راتب :
 يوجد أبيات لطيفة جداً. والإنسان حينما يتأكد من رحمة الله عز وجل تغدو هذه المصيبة ذات رحمة، الصحابة الكرام ذاقوا السراء والضراء، وفي كل أحوالهم كانوا بسعادة كبيرة.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 الآن العبد فهم أن كل عمل صالح وأوله العفو يورث الرضا، هو صعب عنده العفو، لم يتعود ذلك، هل العفو فضيلة الشيخ ملكة أم أنه خلق يتخلق الإنسان به؟

 

العفو ملكة و خلق يتخلق الإنسان به :

الدكتور راتب :
كلاهما، يا رب هل أنت راضٍ عني؟ قال وقع في كيانه في خاطره أن يا عبدي هل أنت راضٍ عني حتى أرضى عنك؟ قال: يا رب كيف أرضى عنك وأنا أتمنى رضاك؟ قال له: إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله.
الدكتور عمر عبد الكافي:
 درجة عالية فضيلة الشيخ، أي يسر بالنقمة كما يسر بالنعمة؟
الدكتور راتب :
 لا، يسر أنه صبر عليها، الألم لا ينفي الصبر أبداً، ولكن بين أن يقول: يا رب أنا راض بحكمك، ارتقى، أما الألم فهو ألم، هذا الشيء عندما تكلمنا بعكسه لم يعد كلاماً علمياً، الألم ألم، لكن بين أن تراه من يد رحيمة، مثلاً لو أن إنساناً تلقى ضربة بعصا فحقد على العصا يكون أحمق، ينبغي أن يعاتب من بيده العصا، فإذا كان الأمر بيد الله عز وجل يجب أن يكون في برد وسلام.

 

خاتمة و توديع :

الدكتور عمر عبد الكافي:
 والله الكلام عن الرضا يرضينا بهذه الجلسة، جزاك الله خيراً معالي الدكتور، أحبتي في الله مر فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي مرور الكرام على عناوين قوية وكبيرة في مسألة الرضا، لعل كل واحد منا لاحظ، لعل كل واحد منا تبين له كيف أن بستان الرضا هذا بستان ينفح بشذى صدق التوكل على الله، وصدق الاستجابة لما أراد رب العباد سواء فهمنا الحكمة أم لم نفهمها.
 شكر الله لكم، وجعلنا وإياكم ممن رضي الله عنهم، ورضوا عنه، لا تنسونا من صالح دعائكم، نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور