وضع داكن
26-04-2024
Logo
دروس جامع الأحمدي - الدرس : 004 - الزكاة في الحديث النبوي
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

هذه هي الشريعة الإسلامية :

أيها الأخوة الكرام, يقول بعض العلماء:

((الشريعة رحمة كلها, عدل كلها, مصلحة كلها))

فأية قضية, خرجت من الرحمة إلى القسوة, من المصلحة إلى المفسدة, ومن العدل إلى الجور, فليست من الشريعة, ولو أُدخلت عليها بألف تأويل وتأويل, فرق بين العبادات وبين الطقوس؛ الديانات الوثنية, والوضعية, لها طقوس, حركات, وإيماءات, وكلام بلا معنى, لكن العبادة التي شرعها الله عز وجل: معللة بمصالح الخلق, العبادات معللة, لأنها أمر خالق السموات والأرض, شرف الأمر من شرف الآمر.

ما المراد بهذا الحديث؟ :

فالله سبحانه وتعالى قال:

﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾

[سورة التوبة الآية:103]

عبادة الزكاة عبادة مالية.
تحدثنا في الجلسة الماضية عن حكمها, بقي أن نتابع بعض الحكم, لا من خلال الآية الكريمة, بل من خلال السنة المطهرة, وأن نقف عند بعض الأحكام.
فهناك حديث شريف, له مدلول اقتصادي كبير جداً.
يقول عليه الصلاة والسلام:

((اتجروا في أموال اليتامى, لا تأكلها الزكاة))

[أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط]

المال الذي لا يستثمر يأكله التضخم والزكاة
لو أن المال كُنز وخزن, وكان صاحبه مسلماً, وعليه أن يؤدي زكاته, أكلته الزكاة.
فالله سبحانه وتعالى: حينما فرض على الأموال النامية الزكاة, شيء طبيعي, أما حينما فرض الزكاة على النقدين, والنقدان أموال ليست نامية, بالعكس متدهورة, طبيعة العصر الحديث فيها تضخم نقدي, معنى التضخم: الدول المتخلفة أو النامية, تضخمها كبير, في العام الواحد التضخم سبعة عشر بالمئة, يعني المئة ألف, لو أبقيتها في البيت, وكنزتها, وخفت عليها, قيمتها بعد عام: ثلاثة وثمانون ألفاً, فإذا أديت زكاتها, فالمال الذي لا يُستثمر, هذا تأكله الزكاة, يأكله التضخم, وتأكله الزكاة, فالزكاة على المال المكنوز سيف مسلط؛ فإما أن تنفع به المسلمين, إما أن تنشىء به مشروع زراعي, تجاري, صناعي, إما أن توظفه مع أولي الخبرة مع الصادقين المؤمنين, أو يأكله التضخم, وتأكله الزكاة.
فهذه إشارة: إلى أن المال في خدمة الإنسان, وليس هو في خدمته, يمكن أن نرسم خط عمودي مدرج, بين هذه الدرجات درجة حمراء, دون هذه الدرجة الحمراء, المال في خدمتك, فوق هذه الدرجة الحمراء, أنت في خدمته, لذلك قال عليه الصلاة والسلام:

((أندم الناس من عاش فقيراً, ليموت غنياً))

((أندم الناس رجل دخل ورثته بماله الجنة, ودخل هو بماله النار))

–نعم-.

((اتجروا في أموال اليتامى, لا تأكلها الزكاة))

معناها: أن الله جل جلاله, أراد أن تأكل الزكاة المال المكنز, الذي لا يوضع في مصالح الخلق نعم.

لم فرضت الزكاة؟ :

حق الفقير رهن بإتلاف المال
أيها الأخوة, يقول النبي عليه الصلاة والسلام:

((إن الله لم يفرض الزكاة, إلا ليطيب بها ما بقي من أموالكم))

[أخرجه الحاكم في مستدركه]

قال تعالى:

﴿بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ﴾

[سورة هود الآية:86]

يعني: أنت لك مال, جزء من هذا المال من حق الفقير, فإذا أديت الزكاة, ذهب عنك شر هذا المال, هذا المال في لغم حق الفقير, لغم في المال, قنبلة موقوتة, متى يتلف؟ لا نعرف, متى يصادر؟ متى يحترق؟.

((حق الفقير رهن بإتلاف المال, فمن أدى زكاة ماله, ذهب عنه شر المال))

يقول عليه الصلاة والسلام:

((إن الله تعالى لم يفرض الزكاة, إلا ليطيب بها ما بقي من أموالكم))

كيف نوفق بين هذه الآية وبين ما ورد عن رسول الله من سنته الفعلية وعن أصحابه الكرام بما فيهم عمر؟

أيها الأخوة, كلما تحدثنا عن الزكاة, يسوقنا الحديث إلى الوقت, الوقت له زكاة, حضور هذا المجلس؛ أن تقتطع من وقتك الثمين وقتاً لسماع العلم هذا زكاة الوقت, أن تصلي التراويح في المسجد هذا من زكاة الوقت, أن تدعو إلى الله هذا من زكاة الوقت, أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر هذا من زكاة الوقت, لذلك: الله عز وجل قال -ودققوا في هذه الآية-:

﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً﴾

[سورة الفرقان الآية:63]

لكنه ورد عن سيدنا عمر:

((أنه كان إذا سار أسرع, وإذا أطعم أشبع, وإذا قال أسمع, وإذا ضرب أوجع))

ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم:

((أنه كان إذا سار لم يلتفت))

فكيف نوفق بين الآية الكريمة:

﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً﴾

[سورة الفرقان الآية:63]

ببطء, بتمهد, بتؤدة, وبين ما ورد عن رسول الله من سنته الفعلية, وعن أصحابه الكرام, وفيهم عملاق الإسلام عمر؟ .
الحقيقة: العلماء قالوا:

((يمشون هوناً: لا بمعنى أنهم يبطشون في سيرهم))

لا, المؤمن إذا سار لا يلتفت, إذا سار أسرع, لأن هدفه كبير, وقته ثمين, لا يوجد عنده وقت للسير الهوينى, لكن الآية الكريمة:

﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً﴾

[سورة الفرقان الآية:63]

أي لا يسمحون للدنيا أن تستهلكهم, لا يسمحون لمشكلات الدنيا أن تسحقهم, لا يسمحون لكسب المال أن يستحوذ عليهم, لا يسمحون لتجارتهم أن تقبرهم.
أحياناً: إنسان ينتهي بمشكلة؛ مشكلة تستحويه, وتستهلكه, وتنهيه, مشكلة واحدة, أنت مخلوق لمعرفة الله.
إذاً: يمشون هوناً؛ أي يقتطعون من وقتهم وقتاً لمعرفة الله, يقتطعون من وقتهم وقتاً لتربية أولاد, يقتطعون من وقتهم وقتاً لطلب العلم, يقتطعون من وقتهم وقتاً للدعوة إلى الله, يقتطعون من وقتهم وقتاً لخدمة الخلق, لا يسمح لحرفته أن تستهلكه.

هذه هي البطولة :

أيها الأخوة, أحياناً: إنسان وهو لا يشعر يجر إلى الدنيا بالتدريج؛ ليله ونهاره, وإقامته وسفره, في تجارته, إذا صلى, يكشف فرق الصندوق بالصلاة, حيثما توجه مشكلته, صفقاته, ديونه, حساباته, علاقته مع شريكه, شراء البضاعة, شحن البضاعة, قبض ثمن البضاعة, محاسبة الزبائن, هذا شغله الشاغل, ماذا حل بهذا الإنسان؟ تجارته استهلكته, أو كانت قبراً له, قبر بها, والدليل:

﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾

[سورة الروم الآية:52]

﴿وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾

[سورة فاطر الآية:22]

معنى:

﴿يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً﴾

يعني: لا يسمح لتجارته أن تستهلكه, لا يسمح لعمله أن يلغي وجوده الإيماني, لا يسمح لمشكلة أن تسحقه, هو جاء إلى الدنيا ليعرف الله, فوقته منظم.
أخطر شيء: الإنسان يكون حركاته اليومية ردود فعل, كل فعل له رد فعل, أما البطولة: أن تبدأ أنت بالفعل, لا أن يكون عملك رد فعل .

ما ورد عن النبي بحق أداء الزكاة ومنعها :

أيها الأخوة,

((من أدى زكاة ماله ......))

[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير, والطبراني في المعجم الأوسط, والإمام أحمد في مسنده, وابن خزيمة في صحيحه]

((إن الله تعالى لم يفرض الزكاة, إلا ليطيب بها ما بقي من أموالكم))

فما لم أديت زكاته, الآن: أطيب المال محفوظ, محصن من التلف, من الضياع, من المصادرة, من السرقة.

((حصنوا أموالكم بالزكاة))

[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير, والطبراني في المعجم الأوسط]

((ما تلف مال في بر أو بحر, إلا بحبس الزكاة))

اعلم هذا :

أيها الأخوة, الوقت إذا أديت زكاة وقتك بحضور مجلس علم, بطلب علم, بأداء الصلوات, بالجلوس مع الأهل للتوجيه والتربية, لخدمة الخلق, ما الذي يحصل؟ بارك الله لك في بقية وقتك, بقية الوقت معنى: بارك الله لك, أي بوقت قليل, فعلت أعمالاً عظيمة.
أحياناً: الإنسان يرسم خطة, مجموعة مشكلات في قائمة, ليحلها في أحد الأيام, أول شخص ما وجده, الثاني الآن ذهب للمحل, الثالث مسافر, الرابع سوء تفاهم بالعنوان, ما عرف العنوان, يقول لك: لم تحل معي ولا مشكلة, الله قادر يتلف المال, وقادر يستهلكك الوقت استهلاكاً سخيفاً.
أحياناً: ارتفاع حرارة, على الطبيب, نحتاج تحليل, نحتاج صورة تصوير طبقي, نخشى وجود شيء بالدماغ, أضاع ثلاثين ساعة؛ من طبيب, لمحلل, لمصور, وضع عشرة آلاف, بعد ذلك: لم يطلع في شيء.
المؤمن يخصص جزءاً من وقته لله
الله قادر يستهلك لك وقتك الثمين بلا طائل, مع الانزعاج, فإذا ضننت على الله بربع ساعة, تحضر بها مجلس علم, بارك الله لك بقية وقتك.
قال:

((هم في مساجدهم والله في حوائجهم))

((هم في مساجدهم والله في حوائجهم))

((عبدي كن لي كما أريد, أكن لك كما تريد))

في رواية أخرى:

((عبدي كن لي كما أريد, ولا تعلمني بما يصلحك))

لا تكلف نفسك أن تقول لي: ماذا تحتاج؟ أنا أعرف ما يصلحك.

((عبدي خلقت لك السموات والأرض, ولم أعي بخلقهن, أفيعييني رغيف خبز أسوقه لك كل حين؟ لي عليك فريضة, ولك علي رزق, فإذا خالفتني في فريضتي, لم أخالفك في رزقك, وعزتي وجلالي إن لم ترض بما قسمته لك, فلأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحش في البرية, ثم لا ينالك منها إلا ما قسمته لك ولا أبالي, وكنت عندي مذموماً, أنت تريد, وأنا أريد, فإذا سلمتني فيما أريد, أتعبتك فيما تريد, ثم لا يكون إلا ما أريد))

لذلك قالوا:

((الدنيا تغر وتضر وتمر))

((أوحى ربك إلى الدنيا: أنه من خدمني فاخدميه, ومن خدمك فاستخدميه))

الإنسان: لما ينظم وقته, يطلب العلم, ويبحث عن منهج الله, ويتقصى الحكم الشرعي, ويقرأ القرآن, ويتعرف إلى سنة النبي العدنان, ويقيم الإسلام في بيته, وفي عمله, ويضبط جوارحه, ودخله, وإنفاقه, الله سبحانه وتعالى أراه من آياته الدالة على وجوده وكماله, الشيء الكثير.

من هم المبرؤون من الشح كما ورد في الحديث؟ :

من أدى زكاة ماله برئ من الشح
يقول عليه الصلاة والسلام:

((برىء من الشح, من أدى زكاة ماله, -يعني: إذا أنت وصفت إنساناً أنه شحيح, وقد أدى زكاة ماله, وقعت في الإثم, لا يسمى شحيحاً من أدى زكاة ماله-.
برىء من الشح من أقرى الضيف, -يعني: أكرم الضيف-, وبرىء من الشح من أعطى على النائبة))

إنسان مصاب بمصيبة, أعطيت على النائبة, أو أكرمت الضيف, أو أديت زكاة مالك, فأنت لست بشحيح.
 

حديث مخيف :

قال عليه الصلاة والسلام:

((خمس بخمس, ما نقض قوم العهد -عهد ربهم-, إلا سُلِّط عليهم عدو, يأخذ ما في أيديهم.
-ألم يقع هذا؟ سبعمئة وخمسون مليار, انتقلت من الخليج إلى بلاد الغرب, عقب حرب الخليج-.
وما حكموا بغير ما أنزل الله, إلا فشا فيهم الفقر, وظهرت فيهم الفاحشة, إلا فشا فيهم الموت, -يعني: الأمراض الوبيلة-, ولا طففوا المكيال, إلا منعوا البنات والقطر من السماء, ولا منعوا الزكاة, إلا منعوا القطر خمس بخمس))

لأن ربنا عز وجل يقول:

﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً﴾

[سورة مريم الآية:59]

تجب الزكاة في....:

تجب الزكاة على القمح لأنه محصول زراعي أساسي
أخواننا الكرام, الحديث الشهير:

((تجب الزكاة في الحنطة, والشعير, والزبيب, والتمر))

التفاح لم يرد, والفريز لم يرد, الكرز لم يرد, والإجَّاص لم يرد, والعدس لم يرد, والكيوي لم يرد, لم يرد هنا, لا يوجد عليها زكاة.
العلماء قالوا:

((الزكاة تجب في علتها, لا في عينها))

ما علة الشعير؟ محصول زراعي أساسي, أي محصول زراعي, في عليه زكاة, ما علة التمر؟ أنه مادة أساسية في حياة الإنسان, التفاح كذلك, فتجب الزكاة في كل ما أنتجته الأرض, ولكن النبي عليه الصلاة والسلام ترفق بأصحابه, فخاطبهم بمحاصيل يعرفونها, فلو ذكر محاصيل لا يعرفونها, كان كلامه مبهماً نعم.
إذاً: تجب الزكاة في القمح, والشعير, والزبيب, والتمر.

دعاء عند دفع الزكاة :

أيها الأخوة, يقول عليه الصلاة والسلام:

((إذا أعطيتم الزكاة, فلا تنسوا ثوابها أن تقولوا: اللهم اجعلها مغنماً ولا تجعلها مغرماً))

[أخرجه ابن ماجه في سننه]

لأن المؤمن إذا أنفق ماله, يرى هذا الإنفاق مغنم, أما المنافق إذا أنفق ماله, يرى هذا الإنفاق مغرماً, يتألم أشد الألم, حينما يقتطع من ماله مال الزكاة.

ما سمعته بأذني :

والله سمعتها بأذني, أناس كثيرون, إذا قال لك: أنا معي خمسة, ستة ملايين, على كل مليون خمسة وعشرون ألف, معقول أدفع مئة ألف زكاة؟ معقول ونصف, هذا حق الفقير.

((الأغنياء أوصيائي, والفقراء عيالي, فمن منع مالي عيالي, أذقته عذابي ولا أبالي))

أخواننا الكرام, غلطة في الجسم, خلل بأحد الأعضاء, تصبح الحياة قطعة من الجحيم, فشل كلوي, تشمع كبد, ورم خبيث في الدماغ, صمام قلب معطل, أقل عملية تحتاج إلى مليون, يقول لك: نجاحها بالمئة خمسين, بالمئة ثلاثين, بالمئة ستين؛ فلو أن الإنسان أدى زكاة ماله, وحفظ الله له صحته.

حق لك على الله إذا أديت ما عليك :

قلت لكم: كل شيء بقضاء من الله وقدر, فالإنسان حينما يؤدي ما عليه, له أن يطالب الله بماله.
قال له:

((يا معاذ بن جبل, ما حق الله على عباده؟ قال: الله ورسوله أعلم, سكت النبي, قال: يا معاذ بن جبل, ما حق الله على عباده؟ قال: الله ورسوله أعلم, سكت النبي للمرة الثالثة, قال: يا معاذ بن جبل, ما حق الله على عباده؟ قال: الله ورسوله أعلم, قال: حق الله على عباده: أن يوحدوه, وألا يشركوا به شيئاً, وأن يعبدوه -أن يوحدوه-, ثم قال: يا معاذ بن جبل, ما حق العباد على الله, إذا هم عبدوه وأطاعوه؟ -صار لك حقاً-, قال: الله ورسوله أعلم, قال: يا معاذ بن جبل -مرة ثانية-, ما حق العباد على الله إذا هم أطاعوه؟ قال: الله ورسوله أعلم, للمرة الثالثة قال: حق العباد على الله إذا هم وحدوه وأطاعوه: ألا يعذبهم))

اقرأ هذا الاستنباط للشافعي :

الإمام الشافعي له استنباط رائع:

﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾

[سورة المائدة الآية:18]

هكذا ادعوا, رد الله عليهم. قال:

﴿قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ﴾

[سورة المائدة الآية:18]

الاستنباط الدقيق: لو أن الله أقرهم على دعواهم, من أنهم أبناء الله وأحباؤه, لما عذبهم, ما دام قد عذبهم, إذاً: هم كاذبون في دعواهم.
الإمام الشافعي استنبط:

((أن الله لا يعذب أحبابه))

إذا أحبك الله لا يعذبك, الآن: إذا عبدته ووحدته, حق لك عليه ألا يعذبك.

دقق :

أدق آية في هذا الموضوع:

﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ﴾

[سورة النساء الآية:147]

ماذا يفعل الله بعذابنا إن شكرنا وآمنا؟ .
في إنسان بالأرض لا يتمنى السعادة والسلامة, يتمنى البحبوحة, الصحة, زوجة طائعة, أولاد أبرار, رزقه في بلده, منزل واسع, مركبة هنيئة؟ هذه مطالب أساسية.
النبي الكريم قال:

((من سعادة المرء في الدنيا, -أعطاه مقياس دنيوي محض-, قال: أن تكون زوجته صالحة, وأولاده أبراراً, ورزقه في بلده, ومنزله واسعاً, ومركبه وطيئاً))

ماذا بقي؟ .......
مرة ملك سأل وزيره -والملك جبار-, قال:

((من الملك؟ -الوزير انخلع قلبه, ما هذا السؤال!؟ ملك يقول: من الملك!؟-, قال له: أنت الملك, قال له: لا, لا, الملك رجل لا نعرفه ولا يعرفنا, له زوجة ترضيه, وبيت يؤويه, ورزق يكفيه, إنه إن عرفنا, جهد في استرضائنا, وإن عرفناه, جهدنا في إزلاله))

((لا نعرفه ولا يعرفنا؛ له زوجة ترضيه, وبيت يؤويه, ورزق يكفيه))

فقال عليه الصلاة والسلام:

((إذا أصبح أحدكم آمناً في سربه, معافى في جسمه, عنده قوت يومه, فكأنما ملك الدنيا بحذافيرها))

يجب أن تضع يدك على جوهر السعادة, السعادة مطلب كل واحد منكم, السلامة والسعادة مطلب كل واحد, وإذا انطلقت من حرصك على ذاتك, وحبك لذاتك, إذا انطلقت من فرط حبك لذاتك, تستقيم على أمر الله, والله عز وجل له منهج دقيق.
الآن: يظهر قانون يسير في الأرض, لا يوجد عقوبات معه, لو ألغينا العقوبات, انتهى القانون, ومن يخالف –مثلاً- تسحب إجازته, وتحجز المركبة أسبوعين, ممكن يكون مادة في قانون السير بدون عقوبات؟ مستحيل, وكذلك منهج الله عز وجل, له مؤيدات قانونية. ف:

﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾

[سورة طه الآية:124]

لما أمرك بالعفة, وما انصاع الناس, ساوى ﺇيدز, كل عشر ثوان يموت إنسان في أمريكا, كل عشر ثوان, الله عنده ردع, عنده يسمونه في القانون مؤيد قانوني, افعل, فإن لم تفعل, الله كبير, كل أمرك بيده:

﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾

[سورة هود الآية:123]

أخواننا الكرام, كلما كبر عقل الإنسان, ازداد خوفه من الله, أبداً, كلما كبر عقل الإنسان, ازداد خوفه من الله.
وقد قال عليه الصلاة والسلام:

((رأس الحكمة مخافة الله))

فأن تخاف الله وحده, أنت حكيم, وفي الإسلام لا يوجد حرمان.

((ما ترك شيئاً لله, إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه))

توضيح لمعنى الحديث:

يقول عليه الصلاة والسلام:

((مانع الزكاة يوم القيامة في النار))

[أخرجه الطبراني في المعجم الصغير]

فقط أحتاج أن أوضح هذا الحديث:

((من منع الزكاة, وأنكر فرضيتها, من لم ينكر فرضيتها, ومنعها, هذا اسمه عاص, يتلف الله ماله, لكن لا يخلد في النار, أما الذي يمنع الزكاة, وينكر فرضيتها, هذا خالد مخلد في النار))

الحديث الأخير للزكاة نختم به الدرس :

آخر حديث:

((اعبد الله, لا تشرك به شيئاً, وأقم الصلاة المكتوبة, وأد الزكاة المفروضة, وحج واعتمر, وصم رمضان –معروفة-, وانظر ما تحب الناس أن يأتوه إليك فافعله بهم))

[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير]

يوجد معك قاعدة ذهبية رائعة جداً: في كل تعاملك اليومي مع الناس, ضع نفسك مكان الطرف الآخر, أنت بائع, ضع نفسك مكان المشتري, أتحب أن يغشك؟ أتحب أن يوهمك؟ أن يدلس عليك؟ أن يخفي عليك عيب البضاعة؟ إذا كنت لا تحب, فعامل الناس كما تحب أن يعاملوك, والحمد لله رب العالمين.
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
اللهم أعطنا ولا تحرمنا, أكرمنا ولا تهنا, آثرنا ولا تؤثر علينا, أرضنا وارض عنا. وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم الفاتحة.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور