- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠2دروس جامع الاحمدي
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
انظر إلى هذه المقولة لعلي بن أبي طالب :
أيها الأخوة الكرام, الإمام علي -كرم الله وجهه- يقول: والله لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً.
يقينه قبل كشف الغطاء, كيقينه بعد كشف الغطاء, أما أكثر الناس إذا جاءهم ملك الموت, كُشفت لهم الحقائق التي كانت غائبة عنهم.
((الناس نيام, إذا ماتوا انتبهوا))
خيارك مع الإيمان خيار وقت :
قال تعالى:
﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾
وخيارنا مع الإيمان خيار وقت, خيار وقت, لا خيار قبول أو رفض, لأن كل بني البشر عند انتهاء أجلهم تُكشف لهم الحقائق, لكن هذا الإيمان لا ينفع إطلاقاً:
﴿لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً﴾
ما مبادرة هذه المقدمة؟ :
أيها الأخوة, قدمت هذه المقدمة, ومعها حديث آخر للإمام علي -كرم الله وجهه- يقول: والله لو علمت أن غداً أجلي, ما قدرت أن أزيد في عملي.
ينطلق بأعلى سرعة, ولو علم أن غداً أجله, لا يستطيع أن يزيد في عمله.
هذان القولان, قفزا إلى ذهني, بسبب أنني قبل أن أكون عندكم اليوم, جاءني اتصال هاتفي من ألمانيا, أخ كريم يقيم فترة هناك, وفترة في الشام, قال لي: أنا داخل إلى المستشفى لإجراء عملية في القلب, وقد لا أخرج منها حياً, فأرجو يعني أن أوصيك بابني خيراً, و ...... إلى آخره, وصية طويلة أملاها على الهاتف.
والبارحة كنت في زيارة أخ كريم, أيضاً: أصيب في قلبه, رأيته في حالة, يعني دمعته غزيرة, وعبرته وفيرة.
يعني: فكرت أن الإنسان حينما يأتيه الشيء الخطر يتذكر؛ ليت الإنسان يتذكر وهو في صحته, وهو في قوته, وهو في غناه, وهو في بحبوحة وقته المديد, لأن هذا حدث ينتظرنا جميعاً, هل يستطيع واحد منا وأنا معكم, أن ينجو من هذا الموقف؟ يعني: كل يوم يستيقظ كالذي سبقه إلى ما شاء الله؟ لا, لا بد من أن يفاجأ في أحد الأيام, أن هناك خلل في جسمه, هذا الخلل: إذا كان مرض الموت, يتفاقم إلى الموت.
حسناً: الإنسان إذا رأى نفسه سيغادر, ألا ينبغي أن يكون يقظاً وحذراً؟.
حديث خطير :
قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:
((بادروا بالأعمال الصالحة -فماذا ينتظر أحدكم من الدنيا؟ ماذا ينتظر؟- هل تنتظرون إلا فقراً منسياً -قد يأتي فقر ينسيك كل شيء, دون أن تتأهب له, كما أن الله سبحانه وتعالى يعطي فيدهش, يأخذ فيدهش- هل تنتظرون إلا فقراً منسياً, أو غنى مطغياً -الغنى الذي يحملك على معصية الله, مصيبة من أكبر المصائب, الغنى المطغي- أو مرضاً مفسداً -مرض يفسد عليه حياته- أو هرماً مفنّداً -شيخوخة, سميت في القرآن: أرذل العمر:
﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً﴾
أو موتاً مجهزاً, أو الدجال فشر غائب ينتظر, أو الساعة والساعة أدهى وأمر؟))
خطر لا ينتبه إليه كثير من الناس :
أيها الأخوة, فكلنا جميعاً وأنا معكم, لا بد من مغادرة الدنيا, فبدل أن نندم أشد الندم, ونحرص على عمل صالح قبيل الوفاة؛ ونحن أصحاء, ونحن أشداء, ونحن أغنياء, ونحن في بحبوحة, ينبغي أن نفكر في ساعة المغادرة, وأكبر خطر يتهدد الإنسان: هو أن يعيش لحظته, دون أن يفكر في المستقبل, المستقبل في لقاء مع الله عز وجل.
ومن نعمة الله على الإنسان: أن الأعراض التي تصيب جسمه من شيب, أو ضعف بصر, أو أسنان, أو مفاصل, أو كوليسترول, أو شحوم, أو بعض الآلام في الجهاز الهضمي, أو في ...... هذه إشارات من الله لطيفة: أن يا عبدي, قد قرب اللقاء, فهل أنت مستعد له؟.
كيف نستعد لهذا اللقاء؟ بالتوبة النصوح, بالعمل الصالح, بطلب العلم, بتعليم العلم, بإطعام الفقراء والمساكين, بالأمر بالمعروف, بالنهي عن المنكر.
هل فكرت في ساعة المغادرة من الدنيا؟ :
أيها الأخوة, فثلاثة لقاءات في هذه الليلة واليوم مع أخوان كرام, يعني أصيبوا بقلوبهم, وبكوا يعني دون أن يتمنوا أن يبكوا, لأنهم شعروا أن الأجل صار قريباً, صار في آفة بالقلب, القلب أخطر عضو بالإنسان, ويتمنى أن يعمل صالحاً.
أنا أتمنى وأنت صحيح القلب, أن تفكر في ساعة المغادرة, وأن تنفق مالك في سبيل الله, وأن تنفق وقتك في سبيل الله.
((بادروا بالأعمال الصالحة -يعني: تسابق إليها, اجعلها مبادرة, فماذا ينتظر أحدكم من الدنيا؟- هل تنتظرون إلا فقراً منسياً, أو غنى مطغياً, أو مرضاً مفسداً, أو هرماً مفنداً, أو موتاً مجهزاً, أو الدجال فشر غائب ينتظر, أو الساعة والساعة أدهى وأمر؟))
من هو الإنسان الخاسر؟ :
أيها الأخوة الكرام, من كرامة الإنسان عند الله عز وجل: أنه أعطاه عقلاً, والعقل أداة معرفة الحقائق؛ فالذي يعطل عقله, ويتحرك بمنطلق من غرائزه وأهوائه, إنسان خاسر, فهؤلاء الذين أرادوا الدنيا, واطمأنوا لها:
﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ﴾
هؤلاء يندمون أشد الندم عند مغادرة الدنيا.
رسالة تهنئة لكل مؤمن عرف الله وسار وفق منهجه :
أيها الأخوة, والله ما رأيت أعقل من المؤمن, لأنه عرف الله في الوقت المناسب, وعرف منهجه, وطبق منهجه, فالذي يعد عند الناس أكبر المصائب, هو يعد عنده عرس, وأسعد لحظات حياته: الذي يموت على الإيمان, هذه سعادة كبرى, لا تدانيها أية سعادة, لأن الله عز وجل خلق الإنسان ليسعده في جنة عرضها السموات والأرض, وأرسل به إلى الدنيا, ليهيىء نفسه بهذه السعادة, ليعمل عملاً صالحاً, يصلح للعرض على الله عز وجل, يصلح له ليدخل به الجنة:
﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾
اسأل نفسك هذا السؤال :
هذه فقرة من الدرس متعلقة بهذه الاتصالات الثلاثة, التي يعني كانت في هذا اليوم والليلة من أخوة كرام, يعني أصيبوا بأمراض.
قال لي: قد لا أخرج من المستشفى وبكى, والثاني كذلك, والأول كذلك, معنى ذلك: ونحن جميعاً على هذا الطريق.
لذلك الإنسان: ليسأل نفسه سؤالاً محرجاً, هل بقي بقدر ما مضى؟ هل بقي بقدر ما مضى؟ الذي تجاوز الأربعين.
يعني: إذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-:
((معترف المنايا بين الستين والسبعين))
فالذي تجاوز الأربعين, يجب أن يعلم أنه قد بقي أقل مما مضى, كيف مضى الذي مضى؟ مضى كلمح البصر, وإذا كان الذي بقي أقل من الذي أمضى, يمضي -أيضاً- كلمح البصر.
وما هي ﺇلا هي غمضة عين وانتباهتها فــإذا الإنسان تحت أطباق الثرى
نظرة فيها عبرة :
مرة وقفت في هذا السوق؛ سوق الحميدية, ونظرت إلى محلاته التجارية, قلت: سبحان الله! كل خمسين سنة في طقم جديد, أليس كذلك؟ البيوت كذلك.
وقف أمام شارع في بنايات, كل خمسين سنة في طقم جديد؛ يموت, يُباع البيت, يشتريه إنسان آخر, يجدده, يكبر في السن, يموت, يأتي أولاده يبيعونه, وهكذا ....... فالبيوت, والمحلات التجارية, يتجدد أصحابها كل خمسين عام تقريباً. الله عز وجل جعلنا خلائف في الأرض.
موقف عصيب ينبغي أن لا تنساه :
فمرة سألوا طالب وصل للدرجة الأولى على القطر في البكالوريا, أجروا معه مقابلة الصحيفة, فأنا قرأت المقابلة, يعني أعجبني شيء, فيه شيء رائع, يعني: ما سر نجاحك؟ ما سر التفوق الذي أنت فيه؟ قال: لأن لحظة الامتحان لم تغادر ذهني إطلاقاً.
وأنا أقول لكم: لحظة مغادرة الدنيا, ينبغي ألا تغادر أذهاننا إطلاقاً, إذا كانت أمامنا, إذاً: نحن ندخل حسابات الآخرة في أعمالنا اليومية؛ بكل موقف, بكل حركة, بكل نظرة, بكل سكنة, بالعطاء, بالمنع, ببيعك, بشرائك, ماذا سأجيب الله عز وجل؟ ما موقفي من الله عز وجل؟ لو أن الله سألني ماذا أجيبه؟ لم فعلت؟ لم أعطيت؟ لم منعت؟ لم وصلت؟ لم قطعت؟ لم غضبت؟ لم رضيت؟.
فالإنسان لما يهيىء نفسه للقاء الله عز وجل يأتي الموت, يعني يأتي بشكل مقبول.
من آيات الله :
الصالحون –دائماً- موتهم آية من آيات الله, الذي يقول الذي على فراش الموت لأولاده: يا بني, قم سلم على عمك, لا يوجد, أين عمو؟ لا يوجد أحد, جاءه ملك الموت بصفة أحب الناس إليه, يأتيه ملك الموت بصفة أحب الناس إليه, فالإنسان ينبغي أن يكون مستعداً للقاء الله عز وجل. قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾
يعني: لا يأتينكم الموت إلا وأنتم خاضعون لله عز وجل.
يعني: إذا كان سيأتي إنسان ليأخذك إلى مكان جيد, وأعطاك موعد بين الثانية والثانية , وأنت حريص جداً على أن تكون معه, ولا ينتظرك ولا ثانية, ماذا تفعل؟ تهيىء نفسك من الثانية الأولى, في أية ساعة طرق الباب, أنت جاهز.
رأي شخصي :
أنا أرى: أن المؤمن لا يسعد إلا إذا كان جاهزاً جاهزية تامة لمغادرة الدنيا, لأن القضية سهلة؛ أد الذي عليك, ابتعد عن كل مشكلة, أد واجباتك, أد ما عليك من حقوق, أد صلواتك, اضبط جوارحك, اضبط أعضاءك, اضبط بيتك, عملك, أنت عندئذ مستعد للقاء الله عز وجل.
من مزايا الشام :
وفي أخ آخر, يعني سألني أن أعطيه بعض الانطباعات عن سفرتي الماضية, قلت له: هذا الإسلام العظيم, أولاً: كل شخص يعيش في بلد فيها سلبيات, وفيها إيجابيات؛ إيجابيات بلاد الشام -أدامها الله لنا- لا يعرفها إلا من ترك هذه البلاد.
يعني: نحن نتمتع بأشياء ثمينة جداً, يفتقدها معظم الناس في البلاد الأخرى, نتمتع بهذا المنهج القويم الذي, لا أقول جميع الناس, لكن معظم الناس يسيرون عليه.
يعني: أكثر الأسر تستمر إلى نهاية الحياة, أما هناك التفلت الشديد من منهج الله, الحرية البهيمية, جعلت الأسر تنتهي بعد سنة أو سنتين, فالنساء يعشن وحدهن, والرجال يعشن وحدهن, والإنسان حر إلى درجة تدعو إلى القرف والتقزز, يعني الشذوذ هناك كبير جداً, وعالي النسب, والمخدرات, وتفكك الأسرة, يعني بالعين الظاهرة بلاد جميلة جداً, وغنية جداً, والأمور ميسرة جداً, أما النفوس شقية جداً, لأن الله عز وجل يقول:
﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً﴾
هذه آية قرآنية, وهذا كلام خالق الكون, ولا يمكن, ولا يمكن لإنسان على وجه الأرض في القارات الخمس, أن يسعد وهو بعيد عن الله, مستحيل, لذلك: ما دام ذكر الله منعدماً, السعادة منعدمة.
وليس للخبز وحده يحيا الإنسان.
هذا كلام السيد المسيح: ليس للخبز وحده يحيا الإنسان.
كل شيء ميسر, لكن لا يوجد سعادة, وقد تجد في بلاد أخرى كل شيء صعب, وفي سعادة؛ حينما تشعر أنك في طاعة الله, وأنك مطيع لله, وأن هذا المنهج القويم مطبق له, فهذه سعادة كبرى, لا يعرفها إلا من فقدها, لأنه يوجد ثلاثون حديث صحيح في الترغيب والترهيب, تحض على السكنى في الشام.
قال عليه الصلاة والسلام:
((رأيت عمود الإسلام قد احتمل من تحت رأسي, فأتبعته بصري, فإذا هو في الشام, فعليكم بالشام في آخر الزمان))
تلك هي الأمة الغربية :
الحقيقة الدقيقة: أن الإنسان إذا كان حصل المال هناك, وفقد أثمن شيء يملكه, وهو الأولاد, الابن أغلب الظن لا ينتمي لا إلى هذه الأمة, ولا إلى هذا الدين, لأنه نشأ في بلاد؛ التعليم فيها على منهج غريب, القيم غريبة, المبادىء غريبة, العقلية غريبة, الأهداف غريبة, اللغة غريبة, فإذا ابنك نشأ على هذه النشأة, وانسلخ عن أمته, وعن دينه, وعن لغته, وهو ابنك, وامتدادك, وبضعة منك, وفلذة كبدك, فيشقى الأب بشقاء ابنه.
ولا يوجد أسرة أقامت هناك, إلا وفقدت أثمن ما تملك وهو أولادها, طبعاً: ما فقدت وجودهم, هم عندها؛ لكن فقدت انتماءهم, وفقدت اتصالهم, وفقدت دينهم, وفقدت يعني انتماءهم لأمتهم, فلذلك ......
دعوة للمغترب المسلم بالعودة إلى وطنه :
أحياناً الإنسان: يقرأ حديثاً, يفهمه, يتلوه على الناس, يشرحه, لكن لا يعيشه, أحياناً يعيش الحديث.
أنا حديث أقرؤه في جامع الصغير, أقرؤه مراراً:
((من أقام مع المشركين, برئت منه ذمة الله))
في هذه السفرة, تذوقت هذا الحديث, يعني أغلى شيء عليك ابنك, ابنك ليس عربياً, ولا مسلماً, انسلخ من أمته, ومن إسلامه, ومن لغته, فالإنسان حينما يفقد أولاده, يفقد انتماءهم , ماذا حصَّل؟ لم يحصل شيئاً.
لذلك: ما رأيت أعقل من الذين ذهبوا وعادوا, ولو عاشوا حياة دون التي كانوا يعلمونها, لكن حصلوا شيئاً ثميناً, وهو أنهم كسبوا أولادهم.
اعرف قيمة بلدك :
وقال لي أخ كريم, قال لي: حينما تقيم هناك, تضحي بأثمن ما تملك وهم أولادك, ولو أن الآباء نجوا, نجوا من فساد عريض, أما الأبناء لا ينجون, ففي مشكلة, هذه المشكلة .....
يعني: أنا أدعوكم إلى أن تعرفوا قيمة بلدكم؛ قيمة مجلس علم, قيمة أذان, قيمة أن في البلدة يوجد أخوك, وأخوك الثاني, وأختك, وابن عمك, وابن خالتك, وفي زيارات, وفي علاقات, وفي شيء اسمه حياء, عيب, في شيء اسمه عيب, في شيء اسمه مخجول, هناك حرية بهيمية, هذه الحرية: تجعل الإنسان لا يطاق ولا يحتمل.
إحصائيات :
مرة كنت في درس من دروس الأحد بالنابلسي, فأما في إحصاء عن حالات الطلاق في أمريكا, خمس وستون بالمئة من الزواج ينتهي إلى الطلاق, بأقل من عامين, وفي بلد آخر بأوروبا, سبعة وثلاثون بالمئة, وكان يحضر الدرس أحد أخواننا قضاة الشرع, القاضي الأول, فسألته أمام أخواني: كم النسبة عندنا؟ قال لي: ثمانية بالألف بفضل الإسلام.
يعني: أكثر الحالات يستمر الزواج, تجد الإنسان يعيش مع زوجته أربعين, خمسين سنة, له أولاد, له أصهار, وله ...... وفي مودة, وفي محبة .....
فهذه نعم لا يعرفها إلا من فقدها, والمؤمن يعني يعرف النعم بوجودها لا بفقدها, أشخاص كثر لا يعرفون النعمة إلا بفقدها, حينما تُفقد يعرفونها, لا, ينبغي أن تعرفها وهي موجودة.
من أقام مع المشركين برئت منه ذمة الله :
فالإنسان لا ينسى الإيجابيات في بلده, لا ينسى أنها هذه بلاد مسلمين؛ أكثر الأكل حلال, هناك أكثر الأكل حرام, و تحتار ماذا تأكل, هذه مذبوحة بشكل غير ...... مصعوق صعق, وهذا لحم غير مزكَّى, وهذه الحلويات فيها دهون حيوانية, وهذه معجونة بلحم الخنزير, كل العلاقات ربوية, وكل الأكل فيها خنزير, ومشتقاته, فالإنسان يحتار.
((من أقام مع المشركين برئت منه ذمة الله))
يعني: أنا أعيذكم, وأعيذ أبناءكم: أن يعني يطمحوا إلى هذه التي يسمونها جنة الدنيا, هي والله بهذه العين جنة, أما بالإدراك العميق والله ليست جنة, والله بلادنا جنة, لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- هكذا قال:
((رأيت عمود الإسلام قد احتمل من تحت رأسي, فأتبعته بصري, فإذا هو في الشام, فعليكم بالشام في آخر الزمان))
والدنيا فانية.
ليت الإنسان يدرك هذه الحقيقة :
مررت على مقبرة هناك, قلت: هذه مقبرة, كان هؤلاء هنا, فماتوا ودفنوا, وانتهى نعيمهم المزعوم, وبقيت مسؤولية أعمالهم, والموت ينهي كل شيء؛ ينهي غنى الغني, وفقر الفقير, وقوة القوي, وضعف الضعيف, وينهي متعة الذي استمتع بالدنيا إلى أقصى درجة, وينهي الذي يتعذب في الدنيا حتى توفاه الله عز وجل.
لذلك المؤمن: حينما يلقى الله عز وجل, يرى مقامه في الجنة, يقول: لم أر شراً قط, وأهل الدنيا حينما يأتيهم ملك الموت, يرون مكانهم في النار, فيصيحون صيحة, لو سمعها أهل الأرض لصعقوا, يقولون: لم نر خيراً قط.
فالله عز وجل يجعلنا من المقبولين.
يعني: البطولة أن ترى الحقيقة.
ما الذي ينبغي أن نأخذه من بلاد أعدائنا وما الذي ينبغي أن نتركه؟ :
أحياناً: الإنسان يبهر؛ يبهر بأبنية شامخة, بحدائق, بسيارات رخيصة جداً كلها حديثة, بمحلات تجارية فيها شيء يحار العقل فيه, هذا انبهار شكلي, أما حقيقة الدنيا: هي السعادة التي تأتي من معرفة الله, هذه مفقودة هناك, لذلك: هم يحتاجون إلى ألف عام مجازاً, كي يكونوا في مستوى حياتنا الروحية, وعلاقاتنا الدينية, وأداء صلواتنا, وعباداتنا, وهذه الألفة بيننا, ونحتاج إلى سنوات طويلة كي نكون مثلهم في نظامهم, ودقتهم, وتنظيم حياتهم, ما الذي يمنع أن نقتبس من أعدائنا مثلاً: الأشياء الجيدة؛ التنظيم, والدقة, وتوفير الوقت, والإنتاج القوي, وتطبيق العمل, والكفاية, والقانون على الجميع؟.
هذه الأشياء إيجابية عندهم, ينبغي أن نأخذ بها, أما سلبياتهم: انهيار الأسرة, والأسرة إذا انهارت, انهار كل شيء, المجتمع أساس الأسرة, فإذا انهارت, انتهى المجتمع.
أربعة أخطار تهدد العالم الغربي :
وقد يقول بعضهم: أن هؤلاء في هذه البلاد, يعيشون على أدمغة الأمم الأخرى, لا على أدمغة شعبهم, هم ضاعوا.
وأنا سمعت تصريحاً لريئس سابقاً: يعني: ينتظر أمريكا أربعة أخطار, بينما قال المذيع هذه الأخطار, قفز إلى ذهني: ما الأخطار؟ يعني الصين؟ يا ترى أوروبا؟ اليابان؟ لا, قال: تفكك الأسرة, وشيوع الجريمة, وانتشار المخدرات, ومرض الإيدز.
هذه أربعة أخطار تهدد العالم الغربي, والعالم الإسلامي, سموه: الحزام الأخضر, هو المنطقة الخضراء الآمنة من هذه الأخطار, بفضل ليس الدين, بقية الدين, الدين بقي منه بقية فقط, بقية قليلة, في تفلت هنا, لكن بقية الدين, جعلت -أيضاً- هذه البلاد حزاماً أخضر, فكيف لو كان الدين الحقيقي؟ لكنا في حال غير هذه الحال.
دعاء الختام :
أرجو الله سبحانه وتعالى أن يرينا الحق حقاً والباطل باطلاً, أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه, وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علما, والحمد لله رب العالمين الفاتحة.