- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠1الترغيب والترهيب المنذري
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
الدين ليس بالصلاة والصيام والحج والزكاة فقط ولكن الدين بإنجاز الوعد وحفظ العهد:
(( ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته رجل أعطى بي ثم غدر ))
أي حلف بالله أيماناً مغلظة أن يفعل كذا أو ألا يفعل كذا ثم نقض عهده.
وفي حديث آخر:
(( ألا لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له ))
الذي ليس له عهد ليس له دين، نفى عنه الدين إطلاقاً، وهذه لا نافية للجنس، تنفي الجنس، ونفي الجنس أبلغ من نفي المفرد، قال لك إنسان: عندك رغيف خبز ؟ قلت له: لا خبز عندي، أي كل أنواع الخبر ؛ اليابس، والطري، والغالي، والرخيص، والطازج، والقديم، كل أنواع الخبر، إذا قلنا: لا طالب في الصف بل طالبة، نفينا جنس الذكور، أما إذا قلنا: لا طالب في الصف بل طالبان هذه لا الحجازية نفينا المفرد، هناك لا تنفي المفرد، و لا تنفي الجنس، و قول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( ألا لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له ))
نفي أصل الدين، جنس الدين، إذا إنسان عاهد ثم نقض العهد هذا خرج من الدين، معنى هذا أن الدين ليس بالصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، ولكن الدين بإنجاز الوعد، وحفظ العهد، فهذا الرجل الذي أعطى موثقاً، وعهداً، وأيماناً مغلظة، ثم نقض عهده، قال: هذا خصمه الله يوم القيامة:
(( ومن كنت خصمه خصمته ))
(( ورجل باع حراً فأكل ثمنه ))
قبل ذلك الإنسان الآن النموذج الموجود يقول لك: ألف قلبة ولا غلبة، ينقض عهده مئة مرة، ويعطي وعداً، ويخالف عهداً، وينقض العهد، وهو يظن أنه يحسن صنعاً، حينما نقض عهده خرج من دينه، وغضب الله عليه، وكان خصمه:
(( ومن كنت خصمه خصمته ))
المصداقية أثمن شيء في حياة الإنسان:
لذلك: وعد الحر دين، لست مكلفاً أن توعد باستمرار، اقتصد بالعهود، أما إذا عاهدت يجب أن تنفذ وإلا فقدت أثمن شيء في حياة الإنسان وهي المصداقية، حتى مع طفلك الصغير، الطفل أساساً ينشأ على نقض العهد حينما يرى العهد ينقض:
(( ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حراً فأكل ثمنه ))
إنسان حر باعه كعبد وأكل ثمنه هذه تعد جريمة:
(( ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه، ولم يوفه أجره ))
سأشرح هذا الحديث مع الحديث الثاني معاً:
(( أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ ))
لو أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: أعطوا الأجير أجراً، لكان أي أجر، لكن قال: (( أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ )) أي الأجر المكافئ لعمله، الأجر الذي يتناسب مع حاجته، الأجر الذي يحقق له كرامته، أحياناً الإنسان يستطيع أن يعطي الأجير ربع أجره وهو ساكت مقهور، لأنه لا يوجد عمل، يعطيه خمسة آلاف، ثلاثة آلاف، الآن يمكن طبيب معه دكتوراه وبمستشفى يعطونه ألفي ليرة بالشهر، أما إنسان يبيع شطائر يحصل ما يقدر بثلاثين ألفاً في الشهر، طبيب متفوق أخذ علامات عالية، دخل الطب وتخرج يقول: طبعاً إذا لم يكن هناك طلب ينزل الأجر، فالإنسان إذا استطاع أن يتحكم يستغل كثرة العرض وقلة الطلب فينزل الأجر.
قال لي إنسان: أقسم بالله يعطيه صاحب العمل بالشهر ألفي ليرة، قال لي: و مصروفه في اليوم أربعة آلاف أو خمسة كل يوم عن طريقه، يعطيه قوائم حاجات، يمكن أن تعطي إنساناً ألفين وتنفق أنت باليوم خمسة آلاف ؟ فكل إنسان يعطي الأجير أقل من أجره أمامه حساب شديد، ومعنى ذلك أن ربحك ليس فيه رفع الفائض النقدي، ربحك لإعطاء الناس حقوقها لو بقي لك مبلغ أقل مما تتوقع، أنت حينما تؤدي للناس حقوقهم أنت عند الله مرضي، لا تعدها شطارة أنني أنا أقدر طالما هناك عرض كثير أريد أن أدفع ألفين بالشهر أو ثلاثة آلاف، إنسان عنده زوجة وأولاد ماذا تفعل هذه الثلاثة آلاف ؟ تريد أن تحمله على السرقة، تحمله على خيانتك.
كلما اقترب الإنسان من الشرع الإسلامي حقق نجاحاً كبيراً:
لذلك هناك نقطة دقيقة ؛ أنا قرأت أكثر من مئة مقالة عن تجربة اليابان في النمو الاقتصادي، أنا أرجع السبب أن العامل عندهم معزز مكرم، يعطى حقه وزيادة، و هناك ضمان له، إذا كان في كساد، المعمل لا يستغني عن عماله، يغير الصناعة، إذاً يوجد في المعامل مرونة بالغة، يغير صناعة المعمل ولا يستغني عن عماله، والضمان الصحي مؤمن، والمواصلات مؤمنة، والطبابة مؤمنة، ويعطونه ما يساوي طعامه وشرابه وزيادة، أكثر العمال لهم نصيب من الربح، ونسب على المبيعات، لذلك السلعة اليابانية متقنة جداً ومع إتقانها رائجة جداً، تنافس أعرق الدول بالصناعة، لأنها اقتربت من الحديث.
الشيء الذي يلفت النظر الآن عالم الكفر بالمنطق، والتجربة، والدراسة العلمية، يجد أنه كلما اقترب من الشرع الإسلامي حقق نجاحاً كبيراً.
الآن يقولون: ماليزيا حققت مئة مليار دولار فائض نقدي، يقول المخططون الاقتصاديون لهذا البلد: إن السبب هو تخفيض الفوائد إلى درجة واحد بالمئة، ولو كان صفر بالمئة لكان النجاح أكبر.
أخ من أخواننا حدثني عن طريقة إدارة المعمل، العامل عنده مكرم جداً، و هناك تعويضات على الأعياد، ودائماً الرواتب عنده تبدأ بعشرة آلاف ـ معمل جرابات ـ تجد ولاء العمال، وإتقان العمل، صناعته رقم واحد في البلد، أول سلعة يقدمها متقنة كأنها أوربية، الإتقان سببه أن هذا العامل مرتاح، يأخذ حقه.
أنا أضرب لكم مثلاً عن ماكينات تطريز، حيث اطلعت مرة عليها عن طريق والد صديقي، الذي يملك معملاً، فيه آلة صنع سويسرا، تنتج في الشهر مثلاً في الشام أثواباً عدة ـ القصة قديمة ـ ثمن الثوب كان بمئتين وخمسين ليرة، الثوب نفسه إنتاج نفس الآلة في سويسرا ثمن المتر خمسمئة ليرة، الآلة هي هي، لكن الثلاثة عشر متراً في الشام ثمنهم مئتين وخمسين ليرة، والمتر الواحد صنع الآلة نفسها لكن في سويسرا خمسمئة ليرة، الفرق في الإتقان، تجد عندنا مئة غلطة في التوب، والآلة هي نفسها، والعامل مهمل.
رواج الصناعة بإتقانها وإتقانها بإعطاء الأجير أجره قبل أن يجف عرقه:
العامل إذا أخذ حقه، أمنته، أمنت له مستقبله، وسكنه، وضمانه الصحي، ومواصلاته، وكرامته، ويدرس أولاده، يعطيك كل شيء، وعندنا في الشام تجارب متواضعة جداً تلفت النظر، العامل شريك في المعمل، له نسبة، فإن اشتغل عشرة قمصان مقابل أجره، و القميص الحادي عشر الأجرة تتضاعف، كل عامل شريك بهذا المعمل، وجبة طعام صباحاً، ووجبة في الظهر، هناك مدرسة في المعمل لأولاده، و طبيب عام، وداخلي، ونسائي، مرة زرت هذا المعمل وجدت فيه شيء غير معقول، العامل كل حاجاته حتى هناك مؤسسة استهلاكية لتأمين مؤونته الشهرية، روضة أطفال، وطبابة، ومسبح، فعندما أنت تؤمن للإنسان حاجاته يعطيك كل طاقته.
إتقان العمل هو سبب رواج التجارة، الإتقان يحتاج إلى عامل يشعر أن هذا المعمل معمله.
ذكر مرة التقينا بمندوب شركة بفندق أول لقمة يأكلها ترك الطعام، أنت جئت من اليابان، لماذا لم تقل لنا انتظروا ربع ساعة حتى آكل ؟ كأن المعمل له، هو موظف، يبدو أن ولاءه للمعمل كبير جداً، أنا أذكر أشياء تفصيلية ما معنى:
(( أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ ))
عندما تستغل كثرة العرض وقلة الطلب ينزل الأجر للربع، للعشر، فإذا أعطيت الإنسان أجراً لا يتناسب مع حاجته، ولا مع تحقيق كرامته، لا يعطيك شيئاً، أخطاء كبيرة، صناعة غير متقنة، لا تنافس، لا تنافس إلا الصناعة المتقنة، المتقنة تحتاج إلى عامل له ولاء وإتقان، وهناك تجارب كثيرة في المعامل أساسها تنفيذ هذا الحديث، يمكن أن أقول لك: إن رواج الصناعة بإتقانها، وإتقانها بإعطاء الأجير أجره قبل أن يجف عرقه.
الربح الحقيقي أن تعمل وأن تعطي من حولك حقه وحاجاته:
أولاً: هناك نقطتان الكم، والزمن، تعطيه أجره المكافئ، وتعطيه الأجر بالوقت، بالمقابل أعرف رجلاً صاحب معمل فلس مرتين، مرة طلب مني موظفاً، اخترت له موظفاً ذهب لعنده، المعاش غير معقول إطلاقاً، والجهد غير معقول، جهد كبير جداً، متابعة شديدة، والأجر أقل من أربعة آلاف ليرة، قال لي: يوم العيد هرب صاحب المعمل لا يوجد عيديات، قبل العيد بيوم غادر المعمل حتى لا يدفع للعمال عيدية، هناك قانون، فهذا الحديث الذي ذكره النبي عليه الصلاة والسلام أساس الاقتصاد كله، أساس رواج التجارة، أساس رواج الصناعة، أساس التكافل الاجتماعي، أساس استقرار المجتمع، أساس قلة الجريمة، قلة الدعارة، أنا أذكر أن باحثة اجتماعية زارت السجون فوجدت أن أكثر المومسات عن حاجة لا عن فساد، بالمئة خمسة عن فساد أما بالمئة تسعون عن حاجة، فإذا المجتمع افتقر صار في جريمة، دعارة، و صار أشياء مخيفة، أساسها:
(( أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ ))
الربح أن تعمل، وأن تعطي من حولك حقه وحاجاته، هذا الربح الحقيقي، لا تظن الربح كم المال الذي يزيد عن الكلفة، الربح عندما يكون حولك أناس يعيشون حياة كريمة مقبولة وولاءهم لك هذا الربح الحقيقي، لو كان دخلك قليلاً، العبرة أن تؤدي لكل ذي حق حقه، هذا الذي ينقذ الإنسان من عذاب الله عز وجل، والله بالمرصاد، فالإنسان عندما يقنن تقنيناً مزرياً، ويستغل العرض الكثير والطلب القليل، ويخفض الأجور، ويتوهم أنه بهذه الطريقة حقق ما يريد فقد خسر.
أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ ؛ هذا الحديث أساس رواج الاقتصاد:
أحياناً تجد شخصاً إنفاقه لا يتناسب مع ما يأخذ، إذا كان موظفاً أعطاه فضلة يؤيدها عليه، حساب مع الموظفين عسير وإنفاقه الشخصي بالملايين، هذا إنفاق تبذيري، يضيق على الموظفين وعلى العمال إلى درجة أنه يخرجهم من جلدهم، ثم ينفق على أولاده، وعلى بيته، وعلى انحرافاته الملايين المملينة هذه الحالة المرضية، المؤمن غير ذلك، المؤمن يكرم من حوله.
عندنا أخ عنده معمل، يعمل في هذا المعمل ثمانون عاملاً، قال لي: والله مثل أخوتي، كل يومين ثلاثة عزيمة، يجب أن يقدم لهم غداء من أرقى المطاعم، يعطيهم على العيد عيديات مجزية، على الشتاء ألبسة معينة، همه العمال، العمال لهم ولاء له عجيب، وبضاعته الآن بهذا الكساد، قال له: والله لو عندي ثلاثة معامل بثلاث ورديات لا ألحق بيع، عمله متقن جداً، إتقانه من ولاء عماله.
أنا عندي هذا الشيء واضح جداً، هذا الحديث أساس الاقتصاد:
(( أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ ))
أعطِه الأجر المكافئ حتى يكون له ولاء شديد لك، وكثير الآن بإدارة الأعمال هناك حقائق ؛ أن أعطِ مندوب المبيعات نسبة أرباح ليشعر أنه شريك، لم يعد يحاسبك بالوقت، اشتغل اثنتي عشرة ساعة، أحياناً يعمل عشرين ساعة، إدارة الأعمال كمنهج علمي يتوافق مع منهج النبي عليه الصلاة والسلام، ادرس إدارة أعمال بأرقى دولة في العالم، وأحضر الحقائق تجدها متوافقة مع الأحاديث الشريفة، لأن العمل الذكي يتوافق مع العمل الأخلاقي، يتوافق معه في النتائج ويختلف معه في البواعث، البواعث عبادة، وهذه سلوك ذكي، فلو دققت تجد أن كل المناهج الذكية في العالم تتوافق مع الشرع، والشيء المؤسف أن الأجانب الذي لا يوجد فيهم دين، الفسقة، الزناة، الفجرة، بذكائهم فقط كشفوا حقائق الإسلام، وطبقوها، وقطفوا ثمارها، لكن بالآخرة ليس لهم أجر، قضية مصلحة، والمسلمون الذين معهم الحق، والله اصطفاهم وجعلهم أمة وسطاً، هم يخالفون مبادئ دينهم.
منهج النبي عليه الصلاة والسلام يتوافق مع أرقى المناهج العلمية في إدارة الأعمال:
هذا الحديث يجب أن يكون عند كل أخ عنده عمل، موظفين، عمال، ولو عامل واحد، أعطه حقه.
مرة قال لي شخص ـ عنده عمل صناعي تجاري حقق أرباحاً طائلة ـ قال لي كلمة ـ توفي رحمه الله: إذا عندك موظف خبير وأمين فقدر ما أعطيته أنت رابح وليس هو، و هو إنسان من أنجح ما يكون في عمله.
جمع بين الخبرة والأمانة:
﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ(26)﴾
كل أصحاب المعامل إذا ألهمهم الله أن يعطوا الموظف حقه، و أن يؤمنوا له كرامته، و يؤمنوا له بيتاً، لا يوجد مانع، سيحققون ما يريدون، أدعو الله عز وجل أن يلهمنا الصواب لأن هذا منهج النبي عليه الصلاة والسلام، لأنه يتوافق مع أرقى المناهج العلمية في إدارة الأعمال:
(( أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ ))