- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠1الترغيب والترهيب المنذري
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
ملعون عند الله من يؤذي المسلمين:
أيها الأخوة الكرام، في كتاب الطهارة وذكر أبوابها، الترهيب من التخلي في طرق الناس وظلهم، وغير ذلك من آداب الخلاء، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(( اتَّقُوا اللاَّعِنَيْنِ قيل وما اللاَّعِنانِ قال الذي يتَخَلَّى في طريق الناس أو ظِلِّهم ))
من هذا الحديث ننطلق من أن الذي يؤذي المسلمين ملعون عند الله، لا بد من وقفة متأنية عند قاعدة أصولية، وهي أن النبي حينما قال:
(( لا يقضي الحكم بين اثنين وهو غضبان ))
العلماء حملوا على الغضب ثلاثاً وثلاثين حالة، ما علة نهي النبي أن يقضي القاضي وهو غضبان ؟ العلة أن الحكم يأتي غير صحيح، لو أن ابنه مريض مرضاً شديداً ينبغي ألا يقضي، لو أنه واقع في مشكلة مالية ينبغي ألا يقضي، أي شيء يتحد مع الغضب فيجعل الحكم مضطرباً منهي عنه حكماً، هذا فهم في أصول الفقه.
القياس إذا حرم النبي شيئاً، أو إذا حرم الله شيئاً، مثلاً الخمر، أي شيء يتحد مع الخمر في الإسكار فهو محرم، لم يرد في القرآن الكريم تحريم المخدرات، هذه التي نسمع بها الآن، هي محرمة حكماً، بالقياس، ما دامت علة تحريم الخمر السِكر، فأي شيء آخر يفعل في الإنسان فعل الخمر تماماً فهو محرم، ما دام النبي نهى على أن يقضي القاضي وهو غضبان، أية حالة تلامس القاضي، أو تتحد معه، فتؤذي أو فتجعل الحكم مضطرباً منهي عنها حكماً.
أي شيء يؤذي المسلمين في أي مجال يستحق لعنة الله عز وجل و لعنة الناس:
مثل آخر: حينما قال النبي: تجب الزكاة في القمح والشعير والتمر والزبيب.
لو أخذت ظاهر الحديث كل الإنتاج الزراعي على وفرته وتنوعه، إن لم يكن قمحاً، أو شعرياً، أو زبيباً، أو تمراً، لا زكاة فيه، هذا شيء مستحيل، ما علة هذه المحاصيل ؟ أنها محاصيل أساسية، وتخزن، وهي قوت للناس، إذاً أي محصول آخر يلتقي مع هذه المحاصيل في أنها أساسية، الرز مثلاً، الرز عليه زكاة؟ الرز ما ورد في الأحاديث، فالعلماء قالوا: تجب الزكاة لا في عين هذه العناصر الأربعة بل تجب في علتها، علتها محصول أساسي يخزن وهو قوت للناس، العدس ؟ تجب فيه الزكاة الحمص ؟ تجب فيه الزكاة.
من هذه المقدمة نصل إلى هذا الحديث:
(( اتَّقُوا اللاَّعِنَيْنِ قيل وما اللاَّعِنانِ قال الذي يتَخَلَّى في طريق الناس أو ظِلِّهم ))
أي أحياناً يكون هناك مكان جميل، شجرة، وارفة الظلال، يأتي إنسان ويتخلّى تحت الشجرة في هذا الظل، صار أي إنسان آخر إذا جاء ليجلس هنا يهرب، لا يستطيع، هذا استحق لعنة الله، ولعنة الناس، هذا الذي عمل عملاً يستحق عليه اللعنة، فأنت إذا فهمت الحديث فهماً واسعاً بمعنى أي شيء يؤذي المسلمين في أي مجال، وفي أي مكان، وفي أي زمان، وفي أية طريقة، هذا الشيء يستحق لعنة الله عز وجل، لو أن المسلمين فهموا هذا الحديث فهماً عميقاً، وحرصوا حرصاً بالغاً على ألا يؤذوا أحداً، أحياناً إنسان يؤذي إنساناً بإلقاء القمامة أمام بيته، ممكن، هذا مما يؤذي المسلمين، من يضيق على المسلمين الطريق، هذا مما يؤذيهم، فأنت فكر أي شيء يؤذي هؤلاء الجيران، أو يؤذي هؤلاء المسلمين هذا مما يستوجب لعنة الله عز وجل، أحياناً إنسان يصدر أصواتاً تقلق راحة الناس، هذا ملعون أيضاً، هناك مريض، هناك عاجز، أحياناً يوجد احتفال و هناك أناس لا يستطيعون النوم لارتفاع الأصوات، إلى مسافة كيلو متر من كل الجهات، هناك مريض، هناك مشكلة، هناك مصاب.
الحياة لن تستقيم إن لم يكن هناك خوف من الله عز وجل:
هذا الحديث لا ينبغي أن نقف عند جزئياته فقط، كيف أننا تجاوزنا النص الدقيق:
(( لا يقضي الحكم بين اثنين وهو غضبان ))
تجاوزنا إلى ثلاث وثلاثين حالة تتحد مع الغضب في تشويش الحكم، كيف أننا تجاوزنا هذه المحاصيل الأربعة إلى أي إنتاج زراعي يعد محصولاً وقوتاً وذا قيمة، ففرضنا فيه الزكاة، أيضاً ينبغي أن نتجاوز هاتين الحالتين:
(( الذي يتَخَلَّى في طريق الناس أو ظِلِّهم ))
إذا إنسان فرضاً نزل إلى مسبح، وبال في المسبح، هذا يستحق لعنة الله عز وجل، أحياناً الإنسان يعمل في مطعم، لا يعتني بالنظافة، ولا أحد يراه إلا الله، هو لا يبالي بهذه المعصية، فالإنسان إذ لم يعتنِ بطعام الناس يلعنه الله عز وجل، فلو أردنا أن نطبق هذا الحديث بالمفهوم الواسع لوجدنا أن كل شيء يؤذي المسلمين يستحق صاحبه اللعنة.
هناك صناعات غذائية كثيرة، يوجد صرصور، يوجد حيوان، تموت فأرة، يباع المحصول، ويباع الزيت، يسوق هذا الطعام، أحياناً بالقمح يكون هناك قوارض يُطحن، لا يوجد أي ضمانة، إن لم يكن هناك دين فلا يوجد ضمانة.
سمعت عن بعض البلاد أن بعض العمال عجنوا العجين ببولهم، وأطعموا الناس هذا الخبز، فإن لم يكن هناك رادع داخلي، وازع داخلي، وخوف من الله الحياة لا تستقيم.
الدين استقامة:
الآن كلنا مستسلمون في بعض الأشياء التي نشتريها من السوق، أحياناً يضعون بالطحينة اسبيداج، مادة مؤذية جداً تبيض اللون، هذا عمل حرام، طبعاً إذا كان لونها فاتحاً فسعرها أغلى، فحتى نأخذ السعر الأعلى نضع في هذه المادة الغذائية مادة مسرطنة، أو سامة.
الدين ما هو الدين ؟ الدين أن تستقيم في عملك، عندئذٍ إذا صليت ارتقيت إلى الله عز وجل، الدين استقامة، فكل واحد من الأخوان الكرام فهم الدين ـ لا سمح الله ـ صلاة وصوماً، وحجاً، وزكاة، لم يفقه من الدين شيئاً، الدين يدخل إلى أدق التفاصيل في حياتك، يدخل إلى أدق التفاصيل في عملك، يدخل إلى التفاصيل في كسبك للمال، في إنفاقك للمال.
فإذا تخلى الإنسان في طرق الناس، أي قضى حاجته في الطريق، أو تخلى في ظلهم، الظل ثمين جداً، هذا الحديث قاله النبي وهو في الصحراء، الصحراء لاهبة محرقة، إذا فيها نخلة، هذه النخلة واحة تهيئ للمسافر مكاناً يستريح فيه من ضوء الشمس المحرقة، فهذا الإنسان إذا قضى حاجته في هذا المكان فقد عمل أذى كبيراً.
إيذاء الناس بأي شكل من الأشكال محرم عند الله عز وجل:
أنت إذا قرأت هذا الحديث عليك أن تقيس عليه كل شيء، أي شيء يؤذي المسلمين، أحياناً مدخنة لحمام سيء جداً، هذا الدخان يؤذي كل الجيران، أحياناً إنسان يغسل نوافذه وتحته طابق أرضي، يضع مواد غذائية، المسلم إنسان كالملك لا يؤذي الناس لا بماء تنظيفه، ولا بأصوات أجهزته، ولا بقمامته، أي شيء يؤذي المسلمين محرم، لو طبقنا نحن جميعاً هذا الحديث لما وجد شيء سيئ بحياتنا، وإلا أصحاب الطوابق العليا يؤذون أصحاب الطوابق السفلى، الذي عنده فرح يؤذي كل الجيران، أحياناً يكون هناك تفلتاً إذا كان للبيت شرفة، يتفلت الجار، يرتدي ثياباً داخلية أمام جيرانه، هناك فتيات، هناك شابات، فالإنسان كلما كان قريباً من الله صار كتلة خير، لا يؤذي أحداً، لا بصوته، ولا برائحة طعامه، النبي قال: " ولا تؤذه بقتار قدرك ".
مثلاً إنسان يركب سيارة يريد أن يأكل، هناك طفل صغير، هذا الرجل كان قد اشترى موزاً، وموالح، و فستقاً، هذا الطفل يشتهي، طفل صغير تأكل أمامه فاكهة طيبة، تأكل أمامه أشياء طيبة، يجب أن تضيف.
(( وإذا اشتريت فاكهة فأهدِ له منها، فإن لم تفعل فأدخلها سراً، ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده، ولا تؤذه بقتار قدرك ))
هناك طعام له رائحة، عمل لحمة مشوية، والجيران كلهم جالسون، وقد يكون في حي فقير، أو الجيران في حالة يرثى لها.
(( ولا تؤذه بقتار قدرك حتى تغرف له منها ))
المسلمون أسرة واحدة و لهم حقوق و عليهم واجبات:
أين حقوق الجيران ؟ حقوق المسلمين ؟ المسلمون أسرة واحدة، حتى تكون دقيقاً جداً، حتى يقاس هذا الحديث على إنسان يعطي ابنه عندما يذهب إلى المدرسة أنواعاً من الحلويات غالية جداً، هناك قطع ثمنها خمس وثلاثون ليرة، خمسون ليرة، ستون ليرة، أكثر الطلاب هذه الأشياء غير موجودة عندهم، فالطفل لا يملك إمكانية ليكون كاملاً، طفل يأكل هذه الحلويات الغالية المستوردة أمام أصدقائه الصغار، تُخلق مشكلة، هل تصدقون أن إنساناً يعطي ابنته بالحضانة خمسمئة ليرة لتصرفها ؟! طفلة عمرها أربع أو خمس سنوات يكون معها خمسمئة ليرة ! كيف تنفقها ؟ هذا نوع من الأذى، إذا أغدقت على ابنك شيئاً غير معقول أو فواكه نادرة جداً أو مبلغاً من المال كبير، صار هناك فتنة في المدرسة.
(( ولا تؤذه بقتار قدرك ))
إذا كنت تريد أن تفهم الحديث فهماً أصولياً ؛ أي شيء يؤدي إلى إيذاء المسلمين فهو محرم، نكون بحالتين في طرق الناس وتخلقهم، نصبح بالمذياع، هذا يؤذي المسلم بالأغاني، هذا يؤذي المسلم بالمدخنة، هذا يؤذي المسلم بتنظيف البيت، أي شيء يؤدي إلى إيذاء المسلم فهو محرم، فالمسلم ملك.
أحياناً الإنسان يلقي بعض الأشياء، يأكل فواكه، يلقي قشورها في الطريق راكب سيارة، إنسان يأكل موزة، يرميها، هذا إيذاء، يمكن أن يتزحلق بها إنسان ويقع فتكسر رجله، والإنسان إذا كان فوق الستين أو السبعين عنده هشاشة بعظامه، يكسر عظمه لأتفه سبب، فيمكن أن تسبب قشور بعض الفواكه كارثة، وإذا كسر العظم عند عنق الفخذ عمره سبعون سنة، هذا ضرر كبير، يضعون صفيحة، الصفيحة غير متقنة، تعمل إنتانات، تعمل التهابات، بعدها تصبح غرغرين، يمكن أن تقطع رجله من قشرة موزة ؟.
﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ﴾
الآثار.
من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم:
أيضاً قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(( من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم ))
أحياناً يريد أن يمد خط مياه من طرف إلى طرف آخر بالشارع، فيحفر الزفت و ينشئ حفرة، هذه الحفرة سببت إشكالاً في السير، أكثر المركبات تنطلق بسرعة، الحفرة كبيرة، حفر مدّ الخط وارتاح، حلّ مشكلته، ومشكلة هؤلاء الذي يقطعون الطريق بسرعة عالية كم دفعوا ثمن عطب في سيارتهم ؟ هذا آذى المسلمين، ديننا دين حياة وليس دين ممات، ليس دين معاملات، أحياناً حفرة قد يقع فيها إنسان، قد يقع فيها طفل، قد يقع فيها كبير في السن، أنت في حالة حفرت حفرة غير صحيحة، بمكان غير صحيح، هذه تسبب عشرات الحوادث.
قال لي إنسان: هناك تحويلة لطريق، المهندس غير متقن لعمله، فأربعة عشر إنساناً ماتوا في هذه التحويلة، أي عقب طريق مستقيم وطويل، والسرعة عالية، والتحويلة بعد منعطف، فلم يهيئ الإنسان نفسه للخروج من الطريق بهذه السرعة، فأنت إذا لم تضع إشارات عالية جداً، أنت آذيت المسلمين في طرقهم.
سيدنا عمر بن الخطاب قال: " لو تعثرت بغلة في العراق لحاسبني الله عنها، لِمَ لم تصلح لها الطريق يا عمر .
هناك أخطاء في تحويلات الطرق، وفي شق الطرق، يذهب ضحيتها مئات، لخطأ في عدم وضع الإشارة، أو عدم وضع لافتة.
أعرف طريقاً إلى بعض المحافظات الجنوبية فيه منعطف حاد، تسعون درجة عقب طريق مستقيم، والطريق ضيق، حدثوني أنه كل سنة هناك ما يقدر بعشرين أو ثلاثين حادثاً، صححوا الآن، و صار المنعطف مفتوحاً في زاوية منفرجة، كان بزاوية قائمة، أي خلال عشر سنوات مئات الحوادث، سيارات يختل توازنها أثناء السير في هذا الطريق، هذا يحاسب عنه الإنسان.
أحياناً بموضوع الكهرباء أيضاً أخطاء قاتلة، مثلاً قبل شهر تقريباً، أو ثلاثة أسابيع إنسان ركب صحناً، هناك موجة رياح شديدة فالصحن طار من مكانه، وقع فوق طفلة في عمر الورود، والطفلة بنت صديقي، فقتلها، بنت مصدر سعادة البيت كله، مهذبة جداً، تحفظ كتاب الله، فهذا الذي ركب الصحن وضع أربعة براغي من ثمانية، مستعجل، على أي سرعة رياح طار الصحن جاء فوق طفلة فقتلها، هذا البيت الذي فيه هذه الطفلة، التي هي مصدر سعادة والديها، تموت لسبب تافه ! ذهبت لتأتي بأخيها من المدرسة وهي في الطريق وقع الصحن فوقها، فأزهق روحها، طبعاً هذا آذى المسلمين، طبعاً محاسب صاحب البيت، والذي ركب الصحن، هذا غير موضوع معصية الصحن، تركيب الصحن وحده عليه مسؤولية،
﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ﴾
(( من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم ))
المنهج الإلهي وصل إلى أدق شيء في حياة الإنسان:
حديث آخر:
(( من لم يستقبل القبلة ولم يستدبرها في الغائط كتبت له حسنة ومحي عنه سيئة ))
ما هذا المنهج الإلهي ؟ يصل المنهج الإلهي إلى أدق شيء في حياة الإنسان، إن أراد أن يقضي حاجة ينبغي ألا يستقبل القبلة، وألا يستدبرها، الآن إذا إنسان أنشأ بيتاً، أو صمم بيتاً ولم يكن متعمقاً بالفقه قد يجعل المرحاض باتجاه القبلة، أو باتجاه عكس القبلة الشمالية، كلاهما لا يجوز، إذا إنسان قضى حاجة في هذا البيت، إما أنه يستقبل القبلة أو يستدبرها، وكلاهما لا يجوز، تعظيماً لهذه القبلة.
﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾
هذه شعائر الله عز وجل.
(( من لم يستقبل القبلة ولم يستدبرها في الغائط كتبت له حسنة ومحي عنه سيئة ))