وضع داكن
26-04-2024
Logo
الترغيب والترهيب - الدرس : 096 - كتاب البيوع وغيرها - الترهيب من الدين وترغيب المستدين والمتزوج أن ينويا الوفاء والمبادرة إلى قضاء دين الميت
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

المؤمن الصادق لا يستدين إلا بالقدر الذي يستطيع أن يؤديه:

 قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:

(( أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالدَّيْنِ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَعْدِلُ الدَّيْنَ بِالْكُفْرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ ))

[ النسائي عن أَبَي سَعِيدٍ رضي الله عنه ]

  الإنسان عندما يستدين مبلغاً كبيراً لا يستطيع أداءه يقع في حالة نفسية صعبة جداً، ينشغل بهذا الدين، وهو ذليل في النهار، مهموم في الليل، فالمؤمن الصادق لا يستدين إلا بالقدر الذي يستطيع أن يؤديه، ولا يستدين إلا لحاجات أساسية جداً، أما الذي يستدين لحاجات غير أساسية، أو يستدين ولا يفكر في تهيئة مبلغ يقابل هذا الدين، فقد وقع في كرب عظيم، لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام:

 

(( أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالدَّيْنِ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَعْدِلُ الدَّيْنَ بِالْكُفْرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ ))

 

[ النسائي عن أَبَي سَعِيدٍ رضي الله عنه ]

من كان صادقاً في أداء الدّين يسر الله له وفاء دينه:

 هناك حديث آخر:

(( مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ أَخَذَها يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ ))

[ البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]

  ماذا فعل الأول ؟ أراد أداءها فقط، صادق في أداء الدين، صادق في رد أموال الناس إليهم، صادق في أن يكون محترماً عند الدائن، ما دام صادقاً في أداء الدين ربنا جلّ جلاله ييسر له وفاء الدين.
 أنا أعرف أخاً من إخواننا استدان مليون ليرة، ثم قارب الإفلاس، بحسب المعطيات لا يمكن أن يفي هذا الدين، لكنني كنت أراه صادقاً في وفاء الدين، فربنا يسر له عملاً عجيباً، استطاع في ستة أشهر أن يفي هذا الدين، هذه القصة تركت في نفسي أثراً كبيراً، أن هذا الإنسان حينما يكون صادقاً في وفاء الدين ربنا معه ويصلح له القواعد وييسر له أمره.

 

(( مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ أَخَذَها يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ ))

 

[ البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]

  فلان معه لا يلزمه، يماطله، ليت المال الذي بين يديه تلف، لا أتلفه، الله عز وجل يعاقبه بأن يتلفه هو، أتلفه الله عز وجل.

 

إذا أغنيت الناس تغتني بغناهم وإذا أفقرتهم تفتقر معهم:

 

(( مَنْ حُمِّلَ مِنْ أُمَّتِي دَيْنًا ثُمَّ جَهِدَ فِي قَضَائِهِ فَمَاتَ وَلَمْ يَقْضِهِ فَأَنَا وَلِيُّهُ))

[ أحمدْ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها ]

  فالمواطن إذا اغتنى نحن جميعاً بخير، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: الإنسان إذا مات وعليه دين فدينه على النبي، لا على النبي بوصفه النبي، على النبي بوصفه ولي أمر المسلمين، أي بيت مال المسلمين إحدى أكبر مهماته أن يفي الدين عن المديون، يقويه، فإذا قواه تقوى الأمة، الأمة عبارة عن مواطنين، المواطنون إذا كانوا في بحبوحة فالدولة في بحبوحة تأخذ الضرائب، أما إذا افتقر الناس جميعاً تتوقف الضرائب، طبعاً ظاهر هذا الحديث أن المديون دينه على النبي عليه الصلاة والسلام بأبعاده العميقة، هذا الإنسان عنصر في المجتمع الإسلامي، فإذا أغنيته أخذت منه كل شيء، أما إذا أفقرته لم يعطك شيئاً، نظرية اقتصادية عميقة، إذا أغنيت الناس تغتني بغناهم، فإذا أفقرتهم تفتقر معهم.
 أحياناً الدول الغنية تعمل أساليب لترويج بضاعتها، تقدم مساعدات للدول الفقيرة، هذه المساعدات ماذا تفعل بها هذه الدول ؟ تشتري بها بضاعة من الدول الغنية، فكأن هذه الدول الغنية نشطت معاملها، وروجت سلعها، وانتعشت بهذه المساعدة، لو تعمقت حتى أداء الزكاة، أنا فيما أرى وأعتقد أن الذين يؤدون الزكاة قلة قليلة، أنت تعيش ضمن المؤمنين، كلهم يقدمون الزكاة، أما مجموع المؤمنين لمجموع الناس جميعاً قلة، الذين يؤدون الزكاة قلة، لو أن الزكاة أديت بالتمام والكمال، الفقير إذا أعطيته على العيد خمسة آلاف أو عشرة آلاف من زكاة مالك، ماذا سيفعل بها ؟ سيشتري طعاماً وشراباً ولباساً وأحذية، هكذا، الذي يروج السلع والتجارة وجود المال بين أيدي الناس، وجود سيولة بين أيدي الناس، فأداء الزكاة نفسها هو الذي يسهل ترويج السلع، نظرية اقتصادية، إذا غنيت الفقير اغتنيت منه، و إذا أفقرته افتقرت معه.

 

(( كَانَتْ مَيْمُونَةُ تَدَّانُ وَتُكْثِرُ فَقَالَ لَهَا أَهْلُهَا فِي ذَلِكَ وَلَامُوهَا وَوَجَدُوا عَلَيْهَا فَقَالَتْ لَا أَتْرُكُ الدَّيْنَ وَقَدْ سَمِعْتُ خَلِيلِي وَصَفِيِّي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا مِنْ أَحَدٍ يَدَّانُ دَيْنًا فَعَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ يُرِيدُ قَضَاءَهُ إِلَّا أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا ))

 

[ النسائي عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها ]

الله عز وجل شجع الدائن على أن يقرض وشجع المدين الصادق على أن الله معه:

 ربنا رب النيات:

(( إِنما الأعمال بالنيات))

[البخاري عن عمر بن الخطاب ]

 الإنسان إذا استدان وفي نيته موقف حاسم جازم أن يؤدي هذا الدين كان الله في عونه.

 

(( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الدَّائِنِ حَتَّى يُقْضَى دَيْنُهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِيمَا يَكْرَهُ اللَّهُ قَالَ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ يَقُولُ لِخَازِنِهِ اذْهَبْ فَخُذْ لِي بِدَيْنٍ فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَبِيتَ لَيْلَةً إِلَّا وَاللَّهُ مَعِي))

 

[ الدارمي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ]

  إذا الإنسان أقرض الناس، هنا أقرض، هذا الذي يحل مشاكل الناس، يلبي طلباتهم، يخفف عنهم، يريحهم، هذا الإنسان الله معه:

 

(( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الدَّائِنِ حَتَّى يُقْضَى دَيْنُهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِيمَا يَكْرَهُ اللَّهُ قَالَ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ يَقُولُ لِخَازِنِهِ اذْهَبْ فَخُذْ لِي بِدَيْنٍ فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَبِيتَ لَيْلَةً إِلَّا وَاللَّهُ مَعِي))

 

[ الدارمي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ]

 شجع الدائن على أن يقرض، وشجع المدين الصادق على أن الله معه، الله مع الاثنين، مع الدائن الذي يقرض لوجه الله، البديل القرض الربوي، الناس بحاجة إلى الدين حاجة أساسية ثابتة، فإما أن يكون القرض ربوياً فصار هناك إثم على الدائن والمدين، وإما أن يكون القرض حسناً فصار هناك خير عميم.

 

حقوق العباد مبنية على المشاححة وحقوق الله مبنية على المسامحة:

 

 إلا أن المشكلة الخطيرة أن الذي يستقرض ولا يؤدي هذا يعطل الخير في المجتمع، فآلاف الأشخاص يحلفون يميناً ألا يدينوا أحداً، لأنك تدينه أصبحت شحاداً عنده، الدائن إذا نوى وفاء الدين كان الله معه، والمدين إذا كان صادقاً في أداء الدين كان الله معه.
 فكان عليه الصلاة والسلام يسأل أصحابه: أعليه دين ؟ فإن قالوا: نعم، يقول: صلوا على صاحبكم ـ صحابي جليل مات في معركة ـ إن الله يغفر للشهيد كل شيء، ثم استرجع النبي عليه الصلاة والسلام، جاءه جبريل قال: إلا الدين ـ شهيد قدم حياته لله عز وجل لكن الدين لا بدّ من أن يؤدى ـ فقال أحد أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام:

(( عليّ دينه يا رسول الله فصلى عليه ))

[أحمد عن جابر ]

  كنت مرة في العمرة حضرت مجلس علم، الذي يلقي الدرس رجل جليل وعالم ذكر زيادة في هذا الحديث لا أعرفها:
 في اليوم التالي سأل هذا الذي تعهد الدين: أأديت الدين ؟ قال: لا، سأله في اليوم الثالث: أأديت الدين ؟ قال: لا، سأله في اليوم الرابع: أأديت الدين ؟ قال: نعم، قال النبي عليه الصلاة والسلام: الآن بردت عليه جلده.
  الميت لا يخفف عنه العذاب إذا تعهد أحد بأداء الدين، يخفف عنه العذاب حينما يؤدى الدين فعلاً.
 تصور إنساناً شهيداً مات في ساحة المعركة، جاد بنفسه، والجود بالنفس أقصى غاية الجود، ومع ذلك الدين لا يسامح به، لأن حقوق العباد مبنية على المشاححة، بينما حقوق الله مبنية على المسامحة، هذا الأصل.
 من استقرض مالاً و لم يترك شيئاً يغطي هذا الدين يموت آثماً:

 

 الإنسان إذا استقرض فمن حقه أن يستقرض ولكن إن لم يترك مالاً يغطي هذا الدين يموت آثماً، فالإنسان إذا تدين و مات، وكان بيته بالأجرة، ودخله توقف، و كل شيء انتهى، وعليه دين أربعة ملايين، و عنده أولاد أيتام ماذا يفعل ؟ كل إنسان يستقرض ولا يهيئ مبلغاً، أو عقاراً، أو دكاناً، أو بيتاً، يكافئ هذا الدين يموت آثماً، ولو كان شهيداً لا يعفى من الدين.

((كُنَّا جُلُوسًا بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ حَيْثُ تُوضَعُ الْجَنَائِزُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ بَيْنَ ظَهْرَيْنَا فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَصَرَهُ قِبَلَ السَّمَاءِ فَنَظَر ثُمَّ طَأْطَأَ بَصَرَهُ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا نَزَلَ مِنْ التَّشْدِيدِ قَالَ فَسَكَتْنَا يَوْمَنَا وَلَيْلَتَنَا فَلَمْ نَرَهَا خَيْرًا حَتَّى أَصْبَحْنَا قَالَ مُحَمَّدٌ: فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا التَّشْدِيدُ الَّذِي نَزَلَ قَالَ فِي الدَّيْنِ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ عَاشَ ثُمَّ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ عَاشَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مَا دَخَلَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَقْضِيَ دَيْنَهُ))

[أحمد عن مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ]

(( إِنَّ أَعْظَمَ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللَّهِ أَنْ يَلْقَاهُ بِهَا عَبْدٌ بَعْدَ الْكَبَائِرِ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنْهَا أَنْ يَمُوتَ رَجُلٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَدَعُ لَهُ قَضَاءً ))

[أحمد عن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ ]

(( نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ ))

[أحمد عن عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

الدّين ذلّ في النهار وهمّ في الليل:

 طبعاً اليوم كله عن الدين، الأحاديث صحيحة، وواضحة، وصريحة، والإنسان إذا استقرض وفي نيته القاطعة أن يؤدي الدين لا شيء عليه، أو إذا استقرض وعنده مال مجمد، عنده ذهب أو عقار يغطي هذا الدين لا شيء عليه، أما أنه يستقرض وليس عنده ما يؤدي هذا الدين، أو أن يستقرض لشيء ثانوي تافه، فالدين ذل في النهار وهم في الليل.
 آخر حديث:

(( كَانَ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ الْمَيِّتِ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَيَسْأَلُ هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ مِنْ قَضَاءٍ فَإِنْ حُدِّثَ أَنَّهُ تَرَكَ وَفَاءً صَلَّى عَلَيْهِ وَإِلَّا قَالَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْفُتُوحَ قَالَ أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَمَنْ تُوُفِّيَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ ))

[أحمد عن عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

على الإنسان أن يلقى الله عز وجل و ليس عليه ذمة لأحد:

 هذه الأحاديث التي ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام والمتعلقة بالدين، تبين حدود الدين المشروعة وحدوده غير المشروعة، ونرجو الله عز وجل أن يقضي عنا ديننا، وأن ييسر أمر المسلمين، وكلما ضاقت الحياة كثر الدين، والدين يسبب مشكلات، وخصومات، ولاسيما في زمان تبدل أسعار العملات.
 إنسان ديّن إنساناً مئة ألف من خمس سنوات، الآن لا يقابلها عشرة آلاف، التضخم النقدي بالسنة سبع عشرة بالمئة، و بعد خمس سنوات بقي المبلغ لا قيمة له، هنا أيضاً يوجد مشكلات كبيرة جداً، دين قديم، إنسان متأخر زوجته يقدر بمئتي ليرة أو ثمانمئة ليرة، حسبوها على فرق العملة فكانت ثمانمئة ألف، كل شيء يتبدل، فالإنسان عليه أن يلقى الله وليس عليه ذمة، وإلا فالصحابة الكرام الذين آمنوا برسول الله ودخلوا معه غزوات لا يدخلون الجنة حتى يؤدوا ما عليهم من دين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور