وضع داكن
22-02-2025
Logo
الترغيب والترهيب - الدرس : 077 - كتاب الذكر والدعاء - الترغيب في آيات وأذكار بعد الصلوات المكتوبات
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين.، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

الله عز وجل جعل الدين مبنياً على المحبة لا على الإجبار و القسر:

 أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد معاذ بن جبل يوماً ثم قال:

((يا معاذ والله إني لأحبك والله إني لأحبك فقال أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لاَ تَدَعَنَّ في دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ تَقُولُ اللهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ وأوصى بهذا معاذ من حوله ))

[ أبو داود عن معاذ بن جبل]

  أولاً أيها الأخوة.، كلمة إني أحبك من رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه شهادة لا تعادلها شهادة.، لأن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق على أساس المحبوبية.، ما معنى المحبوبية ؟ لو أن الله جلّ جلاله أراد أن نطيعه قسراً لحملنا على طاعته قسراً.، ولكن ما أرادنا إلا أن نطيعه عن محبة.، أي قضية الطاعة يمكن بمليون أسلوب أن يطيعه العباد جميعاً من دون استثناء.، ما أرادهم أن يطيعوه قسراً.، جعل هذا الدين مبنياً على المحبة قال:

 

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾

 

( سورة البقرة الآية: 256 )

لا يليق بالمؤمن أن يحب غير الله:

 لذلك الإنسان مخير.، العمل لا يقبل منه إلا إذا أتاه عن قناعة.، وعن محبة .، وعن شوق.، وعن إقبال , فقال الله تعالى:

﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾

 

( سورة المائدة الآية 54 )

 

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ﴾

( سورة البقرة الآية: 165 )

  فالإنسان يمتحن نفسه بهذا الموضوع.، طاعته عن محبة ؟ هل هو يحب الله و رسوله ؟ لا يليق بالمؤمن أو بالإنسان أن يحب غير الله , إن أحب غير الله كان أخسر الخاسرين.، لأنه إن تعلق بغير الله كل ما سوى الله مصيره إلى الفناء , أما إذا تعلقت بالله عز وجل فأنت مع الباقي.، إن تعلقت بغير الله فأنت مع الفاني , والذي يتعلق بغير الله سيصاب بخيبة أمل مرة.

الإنسان حينما يخيب ظنه بما سوى الله فهذا تأديب من الله عز وجل:

 هل أكثر الناس يحبون ؟ بعضهم يحب زوجاتهم , في مقتبل الحياة الزوجية لكن الله جلّ جلاله حينما يرى عبداً متعلقاً بمن دونه.، هذا الذي تعلقت به قد يخيب ظنك , و في الأعم الأغلب يخيب ظنك.، يصاب الذي أحبه بخيبة أمل.، ماذا قال عليه الصلاة والسلام ؟

(( لو كنت متخذاً من العباد خليلاً لكان أبو بكر خليلي و لكن أخ و صاحب بالله ))

[ابن إسحاق عن بعض آل أبي سعيد بن المعلى]

  أي ليس هناك جهة تستحق أن تمنحها حبك إلا الله , هو أهل التقوى , وأهل المغفرة , أهل أن تحبه , وأهل أن تتقي معصيته , لكن ما سوى ذلك الإنسان إذا أحببته أول شيء هو فانٍ وليس باقياً , الشيء الثاني قد لا يقدر محبتك له , قد لا يقدر عملك له , قد يقابلك على المعروف بالإساءة.، الإنسان حينما يخيب ظنه بما سوى الله فهذا تأديب من الله عز وجل.، لذلك:

 

(( ما من مخلوق يعتصم بي من دون خلقي أعرف ذلك من نيته فتكيده أهل السماوات والأرض. إلا جعلت له من بين ذلك مخرجاً وما من مخلوق يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا جعلت الأرض هوياً تحت قدميه وقطعت أسباب السماء بين يديه ))

 

[ ورد في الأثر ]

لن تقطف ثمار هذا الدين إلا بالحب:

  أيها الأخوة قضية الحب قضية أساسية في الدين , ورد في الأثر:

 

(( ألا لا إيمان لمن لا محبة له ))

  أي يوجد الإسلام منهج , يوجد بالإسلام عقيدة , يوجد بالإسلام تصور , يوجد بالإسلام دقائق في التشريع , يوجد بالإسلام أمر و نهي.، هذا كله موجود.، لكن إذا فقد المسلم محبته إلى الله عز وجل أدى هذه العبادات أداء شكلياً , و قلبه متصحر.، لا يستطيع أن يقطف ثمار هذا الدين.، لا تقطف ثمار هذا الدين إلا بالحب , والحب أساسه أن ترى , الإنسان من يحب ؟ الجمال , والكمال , والنوال , يحب الذي يعطيه , ويحب الإنسان الكامل في ذاته.، ويحب الشيء الجميل , وهذه الأشياء الثلاثة لا تجتمع إلا بالله جلّ جلاله.، كمال مطلق.، وجمال مطلق , وعطاء مطلق , منحك نعمة الوجود , ومنحك نعمة الإمداد , ومنحك نعمة الهدى والرشاد , وهو كامل في ذاته , وهو المسعد الذي إذا أقبلت عليه استغنيت به عمن سواه.، لذلك يعاب على الإنسان أن يتجه لغير الله , هو خُلق لله عز وجل.
 قالوا: الماء للتراب.، والتراب للنبات , و النبات للحيوان , و الحيوان للإنسان .، والإنسان لمن ؟ لله عز وجل.
 أي حينما تُجير لغير الله تكون قد بخست نفسك , واحتقرتها.، أنت لله عز وجل.

 

عندما تخطب ود الله عز وجل بطاعة أو بعمل صالح يلقي في قلبك أنه يحبك:

 أنا أرى أن هذه الكلمة من رسول الله لسيدنا معاذ:

(( والله يا معاذ إني لأحبك ))

 أنت عندما تخطب ود الله عز وجل بطاعة , بعمل صالح , ببذل , بعطاء.، حينما تخطب ود الله يلقي الله في قلبك.، يلقي في روعك أنه يحبك , وقد تشعر بهذا من بعض الكرامات إن صحّ التعبير , أو من بعض خرق العادات.، من التوفيق , من تيسير الأمور.، من محبة الناس إليك.، إن أحب الله عبداً ألقى حبه في الخلق , وإذا كره عبداً ألقى كراهيته في الخلق , فأن يحبك الناس , هذه علامة أن الله عز وجل يحبك , و الدليل:

 

﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ﴾

 

( سورة طه الآية: 39 )

  فرعون رأى في منامه أن طفلاً من بني إسرائيل سيقضي على ملكه , فأمر بذبح أبناء بني إسرائيل قاطبة , والولادة التي لا تخبر عن طفل ولِد تُقتل مكانه , وانتهى الأمر أما هذا الطفل الذي سيقضي على ملك فرعون رباه في قصره.

﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ﴾

﴿ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾

( سورة القصص )

  هذه نقطة مهمة جداً.، إذا الله عز وجل أحبك ألقى حبك في قلوب الخلق.، حتى ألد أعدائك يخدمونك , وإذا غضب الله على عبد ألقى بغضه في قلوب الخلق , أقرب الناس إليه يتخلى عنه , أقرب الناس إليه يتنكر له.

إرضاء رسول الله عين إرضاء الله و إرضاء الله عين إرضاء رسول الله:

 الحقيقة أن نضيف لطاعتنا لله هذا الحب , والحب حينما تتأمل عظمة الله عز وجل.، قال عليه الصلاة والسلام:

(( أحِبُّوا الله لما يَغْذوكم من نعمه وأحِبُّوني لحُبِّ الله وأحِبُّوا أهلَ بيتي لحُبِّي ))

[ أخرجه الترمذي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما]

(( يا معاذ والله إني لأُحبك ))

  رسول الله لا يعبر عن ذاته.، أي مثلاً لو صورنا إنساناً يشبه لوحاً من البلور الصافي.، يشف عما وراءه , فحقيقة النبوة أنها تشف عن كمالات الله عز وجل.، لذلك عندما يقول نبي كريم لإنسان: إني أحبك معنى ذلك أن الله سبحانه وتعالى يحبه.، ألا ترون قوله تعالى:

 

﴿ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ﴾

 

( سورة التوبة الآية: 62 )

  لما لم يقل أن يرضوهما بالمثنى ؟ لأن إرضاء رسول الله عين إرضاء الله.، و إرضاء الله عين إرضاء رسول الله.، لا يوجد تفرقة.، فإذا قال النبي لإنسان: والله إني أُحبك، معنى ذلك أن الله يحبه , و إذا كان الله يحب إنساناً فهذا الإنسان نجا , و سعد إلى أبد الآبدين.
مرة كنت في جامع العثمان ألقي درساً أمامي كتاب كهذا الكتاب.، خطر في بالي لو وضعنا هنا واحداً , وأصفاراً على طول الكتاب ـ قدرت طول الكتاب بخمسة وعشرين سنتيمتر ـ إذا عملنا على كل ميلي صفراً , فعندنا مئتين وخمسين صفراً كم هذا الرقم ؟ واحد مع ستة أصفار مليون.، و الستة الثانية مليون مليون.، والثالثة مليون مليون مليون.، مئتان و خمسون صفراً كم هذا الرقم ؟ أمامي باب العثمان قلت: لو أن الواحد هنا و كل ميلي صفر حتى الباب كم هذا الرقم ؟ أنا أرى من الباب ساحة شمدين.، لو أن الأصفار إلى ساحة شمدين كم هذا الرقم ؟ لو أنها إلى حمص , لو أنها إلى حلب , إلى أنقرة.، إلى موسكو , إلى القطب الشمالي , عدنا إلى الجهة الثانية , في المحيط الهادي , إلى القطب الجنوبي , عدنا إلى الشام، أي واحد أمامه أربعين ألف كم أصفار , و كل ميلي صفر.، ما هذا الرقم ؟ ـ أربعون ألف كم محيط الأرض ـ هذا الرقم وضعناه صورة , و تحته خط المخرج لا نهاية.، فهذا الرقم قيمته بالرياضيات صفر.، كل رقم نسب إلى اللانهاية صفر , فإذا إنسان عاش هذا الرقم بالدنيا , و مات لجهنم ما عاش إطلاقاً.، هو أخسر الخاسرين.، كيف إذا عاش عشر سنوات.، أو عشرين سنة.، أو عشر سنوات بعد الأربعين.، فأي رقم مهما كان كبيراً إذا نسب إلى اللانهاية , فهو صفر.

من تعلق بالله فهو الرابح الوحيد و من أحبّ غير الله فهو الخاسر الأكبر:

 إذاً كل إنسان يتعلق بهذا الدار الفانية أحمق وغبي.، وضع البيض كله في سلة واحدة.، كل مكتسباته المادية وضعها في بيت , وهذا البيت مثوى مؤقت , ولم ينتبه إلى المثوى الأخير.، كل هذه الدنيا لا تزيد عن لقمة تأكلها , و سرير تأوي إليه , وثياب تقي جسمك الحر و القر.، مهما كنت غنياً.، القدرة على الاستمتاع بالحياة محدودة.
 فلذلك الإنسان إذا أحب غير الله هو أكبر الخاسرين.، أما إذا تعلق بالله عز وجل هو الرابح الوحيد.
 ذكرت هذا كله من أجل أن نعلم أن الحب أساس الدين.، فالإنسان إن لم يخفق قلبه بمحبة الله , ومحبة رسول الله , ومحبة المؤمنين , ومحبة أي عمل صالح يقرب إلى الله عز وجل فقد ابتعد عن سرّ وجوده وغاية وجوده.

(( والله يا معاذ إني لأُحبك فقال معاذ بأبي أنت وأُمي يا رسول الله ))

التعبير عن الحب تجاه الآخرين يمتن العلاقة بينهم ويقويها:

 شيء ثانٍ في الموضوع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مع أصحابه يعبر عن مشاعره تجاههم.، هذا شيء مهم جداً , هناك إنسان يضن بكلمة حب.، دائماً صارم مع أولاده، يجب أن تعبر عن محبتك إلى الآخرين.
 مرّ النبي الكريم مع أصحابه على إنسان.، فواحد من هؤلاء الأصحاب قال: والله إني لأحب هذا الإنسان.، فقال له النبي الكريم: هل أعلمته ؟ قال له: لا.، قال: قم فأعلمه.
 هذا توجيه نبوي.، أنت عندما تعبر عن محبتك.، عن تقديرك.، عن امتنانك.، تمتن العلاقات بين الناس.
 فالنبي الكريم على علو قدره قال لسيدنا أبو عبيدة: أنت أمين هذه الأمة.، أنت حبر هذه الأمة , وأنت سيف من سيوف الله , و قال: أبو بكر مني.، وعمر بمثابة السمع والبصر , وأبو بكر ما ساءني قط فعرفوا له ذلك , ولو كان بعدي نبي لكان عمر.
 وقال لمعاذ: إني أحبك يا معاذ.

(( سعد ارم فداك أبي وأمي ))

[أخرجه الطبراني عن سعد ]

  أحد أخواننا الدعاة ألف كتاباً ذكر فيه ماذا قال النبي عن أصحابه واحداً واحدا.، معنى ذلك أيضاً من السنة أن تبين قدر الآخرين.، تعبر عن محبتك لهم.، تعبر عن تقديرك لعملهم.، هذا يمتن العلاقات.

من أتقن عبادته و ضبط معاملاته و ذكر الله كثيراً فقد حقق المطلوب من وجوده:

 إذاً عندنا نقطتين قضية الحب , وقضية التعبير عن الحب.

(( يا معاذ والله إني لأحبك والله إني لأحبك فقال أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لاَ تَدَعَنَّ في دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ تَقُولُ اللهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ ))

[ أبو داود عن معاذ بن جبل]

  هذه الأدعية التي كان النبي يدعو بها عقب الصلاة.، الأصل:

 

﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾

 

( سورة الفاتحة )

  فأنت حينما تستعين بالله على طاعته , وعلى ذكره , وعلى عبادته.، تستعين بمن يعين.، حتى عبادة الله عز وجل من دون معونة إلهية قد لا يؤدى , و قد تؤدى وفيها خدش.، أما حينما تستعين بالله عز وجل تؤدى وأنت في راحة كبيرة.

 

(( أعنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ))

  هناك عبادة ليست حسنة.، هناك إنسان يصلي.، قال له:

 

 

(( فارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ ))

 

[أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي عن رفاعة بن رافع ]

  فالإنسان إذا أتقن عباداته , وضبط معاملاته , وذكر الله كثيراً , وشكره على نعمه.، فقد حقق المطلوب من وجوده , بدعاء قصير.، إذا الإنسان بعدما صلى قال:

 

(( اللهم أعني على ذكرك و شكرك وحسن عبادتك ))

  أحياناً الإنسان يستغفر الله بعد الصلاة.، لماذا يستغفر ؟ لعله شرد.، لعله لم يستوعب هذه الآية.، لعل ركوعه لم يكن كما يريد , فكل خلل بالصلاة يغطيه الاستغفار بعد الصلاة.، فالإنسان إذا استغفر الله عز وجل عدة مرات بعد الصلاة.، ثم دعا بهذا الدعاء.، فقد حقق المراد من صلاته.

 

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور