- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠1الترغيب والترهيب المنذري
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أعظم عطاء تناله على الإطلاق أن يعفو الله عنك و أن تستحق دخول الجنة:
أيها الأخوة الكرام: قال النبي عليه الصلاة والسلام عن نفسه:
(( أوتيت جوامع الكلم ))
أوتي جوامع الكلم وهو معصوم، ويوحى إليه، وهذه أدعيته:
(( لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح اللهم إني أسألك العافية ))
أي العافية شيء ثمين جداً لا يقدر بثمن، رفعه النبي إلى مستوى العفو، أن يعفو الله عنك نلت الجنة، أي أعظم عطاء تناله على الإطلاق أن يعفو الله عنك , وأن تستحق دخول الجنة , وفي الدنيا نعمة عظمى لا تعدلها نعمة أن تصبح وتمسي و أنت في عافية.
فلذلك الذين يتمتعون بصحة جيدة , و أعضاء سليمة , و أجهزة جيدة، حينما تأتيهم بعض المشكلات يتأففون، ما حال هذا الإنسان لو كان مضطراً أن يغسل كليتيه في كل أسبوع مرتين ؟ ما حال هذا الإنسان لو كان مضطراً أن يغير بعض أعضائه في بلد بعيد , ويضطر أن يبيع بيته من أجل صحته ؟.
فالإنسان غني جداً حينما يكون معافى في جسمه، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام ذكر ثلاث نعم من أدركها ما فاته شيء من الدنيا، نعمة الإيمان , أو أمن الإيمان , و سلامة الجسم , وتوفر قوت اليوم.
(( إذا أصبح أحدكم آمن في سربه ))
هذا أمن الإيمان , أي لو أن ملك الموت جاءه، له عند الله شيء، له عمل ابتغى به وجه الله، له طاعة يدخرها ليوم الحساب , له صدقة , له دعوة , له ولد صالح , له علم ينتفع به , له جهد مقل , له شيء يعرضه على الله يوم القيامة، هذه نعمة كبيرة جداً.
البارحة كنا في تعزية امرأة توفيت ـ رحمها الله زوجها ـ منذُ أن ولد حتى الآن ما استقبل قبلة , ولا يعرف عن الدين شيئاً , و هو في السبعينات، هذه مصيبة، هذه من أكبر المصائب أن يشرد الإنسان عن الله , أن يشرد عنه شرود البعير، فلهذا عليه الصلاة والسلام يقول:
(( اللهم إني أسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة ))
عدم التقليل من قيمة الدعاء:
من أجمع أدعية النبي عليه الصلاة والسلام , ومن أكثر الأدعية التي كان يدعي بها صباحاً مساء.
(( اللهم إني أسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة ))
ثم أيها الأخ الكريم لا تقلل من قيمة الدعاء، أنت حينما تسأله بقلب مخلص، وبقلب خاشع , وبتضرع شديد فالله جلّ جلاله لا يخيب ظنك أبداً.
(( اللهم إني أسألك العفو والعافية )) أي في ديني، ودنيايٍ، وأهلي، ومالي، الإنسان في خير إذا كان أهله في خير , في خير إذا كان أولاده في خير، لا يوجد إنسان يسعد و ابنه مصاب، ابنه في مشكلة كبيرة.
أيضاً الدعاء لك، ولأهلك , و لأولادك، في ديني ودنياي وأهلي ومالي.
الله عز وجل ستير يظهر الجميل و يخفي القبيح و يحفظ الإنسان:
(( اللَّهمَّ استُر عَوْرَاتي وآمِنْ رَوْعَاتي ))
ليس هناك إنسان لا يوجد عنده نقاط ضعف، ربنا عز وجل ستير يسبل عليه ستره، يظهر للناس كل جميل، ويخفي عنهم كل قبيح , وهذا من كمال الله عز وجل، الناس بالعكس يكون الإنسان له مليون فضيلة يغلط غلطة واحدة يشيعون هذا الخطأ , و يكبرون هذا الخطأ، ويتعامون عن كل فضل، ربنا عز وجل ستير يظهر الجميل , و يخفي القبيح.
(( اللَّهمَّ استُر عَوْرَاتي وآمِنْ رَوْعَاتي ))
هناك مليون باب يملأ قلب الإنسان خوفاً ؛ على صحته، على سلامة أولاده، على أهله، على تجارته، على دخله، على وظيفته، على ماله.
(( اللَّهمَّ احفظني من بَينِ يَدَيَّ ومِن خَلْفي وَعن يَميني وعن شِمالي ومِن فَوقي وأعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحتي ))
الإنسان أحياناً غلطة بسيطة مشى فوق لغم انتهى , والمكان آمن لكنه مزروع بالألغام.
(( احفظني من بَينِ يَدَيَّ ومِن خَلْفي وَعن يَميني وعن شِمالي ومِن فَوقي وأعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحتي ))
هذه أدعية جامعة مانعة، أدعية النبي عليه الصلاة والسلام.
يا حيّ يا قيوم برحمتك أستغيث دعاء جامع مانع:
كما قال رسول عليه الصلاة والسلام لفاطمة:
(( يا فاطمة ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث ))
وهذا دعاء جامع مانع،
(( يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث ))
﴿ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾
يملك ثلاثة آلاف مليون و لا يصلي، غارق في ملذاته إلى قمة رأسه، قال لسائق: يجب أن تكون في الشام خلال ساعة و نصف، من اللاذقية إلى الشام، بعد ربع ساعة كان قطعتين في سيارته، فكيف حال الإنسان إذا لم يسبل الله عز وجل عليه ستره، أو لم يسبل عليه الصحة، أو السلامة، أو الحفظ ؟
(( برحمتك أستغيث ))
﴿ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾
ترك ثلاثة آلاف مليون، ترك أربعة آلاف مليون، هناك واحد ثالث بعد لم يتركهم في أمريكا يملك ثلاثين مليار دولار , معه ثروات طائلة , بثانية يخسرها جميعاً، تتحول إلى غيره ما الذي يبقى ؟ رحمة الله، أي أنا أرى أن أسعد إنسان الذي له عند الله حظوة، الذي له عمل صالح، هذا الذي بقى، هذا الذي يأخذه معه إلى قبره.
البارحة أخ من الأخوان له أعمال طيبة , فقلت له: والله الذين يعملون صالحاً هم الأذكياء , والعقلاء , هم الذين فهموا على الله عز وجل سرّ وجودهم , و غاية وجودهم.
(( برحمتك أستغيث ))
رحمة الله واسعة تشمل كل شيء:
رحمة الله فيها كل شيء , فيها طمأنينة , فيها سعادة , فيها أمن , فيها شعور بالفوز , شعر بالثقة بالمستقبل , لا يوجد شيء يخوفه لأنه مع الله، إذا كان الله معك فمن عليك ؟ و إذا كان عليك فمن معك ؟ يضاف إليها التجلي، السكينة , يضاف إليها التوفيق في أعمالك , يضاف إليها المكانة في أسرته , هناك إنسان بعد وقت معين يفقد مكانته في البيت ولا يسألوه , و لا يهتموا به , و لا يراعوا له حظاً إطلاقاً، تغيب عنه زوجته خمسة أشهر لأن خلقها ضاق منه، تدعه لوحده , هناك أشخاص مكانتهم في البيت ضعيفة جداً، هذا كأنه نوع من أنواع التأديب الإلهي , أما إذا الإنسان حفظ الله عز وجل في صغره يحفظ الله له مكانته في كبره.
(( برحمتك أستغيث ))
رحمة الله واسعة، رحمة الله زواج ناجح , رحمة الله أولاد أبرار , رحمة الله دخل يكفيك , لست بحاجة لإنسان.
سمعت مرة من أخ دعاء يسأل الله عز وجل من خلاله ألا يحتاج لأولاده، هناك أشخاص في التسعين يعطون أولادهم كل شيء، و أحياناً الأولاد أمام أبيهم في غاية الأدب , و عندما يضعف الأب يتحكم ابنه في كل شيء، يفرض عليه شيئاً معيناً، فإذا كان سألت الله فرحمة الله واسعة جداً، كل شيء يسرك من رحمة الله , و كل شيء يخوفك من نقص رحمة الله عز وجل.
﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ﴾
(( يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ))
قال له: كن لي كما أريد , و لا تعلمني بما يصلحك، لا تكلف نفسك أن تسألني ما أنت محتاج إليه أنا أعرف ما تحتاجه، كن لي كما أريد و لا تعلمني بما يصلحك.
(( ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ))
لا تقل أنا عندي خبرات واسعة , أنا حصّلت هذا المال بجهد كبير , و بذكاء، لا تقل أنا إطلاقاً، قل: الله , و أنت بهذا لست متواضعاً لكنك موضوعي، هذه الحقيقة.
سلامة الإنسان بيد الله عز وجل:
الإنسان أحياناً يكون قد بذل جهوداً جبارة , و هيأ بيتاً لأولاده , وأثاثاً فخماً , و مستقبلاً زاهراً، تأتي نقطة دم في مكان ما في الدماغ فيجن , أولاده أقرب الناس له، يبذلون المستحيل ليضعوه في مستشفى الأمراض العقلية، فالإنسان سلامته بيد الله عز وجل.
(( يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ))
وعن الحسن رحمه الله: قال سمرة بن جندب:
(( ألا أحدثك حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم مراراً، ومن أبي بكر مراراً ومن عمر مراراً قلت بلى قال من قال إذا أصبح وإذا أمسى اللهم أنت خلقتني وأنت تهديني وأنت تطعمني وأنت تسقيني وأنت تميتني وأنت تحييني لم يسل الله شيئاً إلا أعطاه إياه قال فلقيت عبد الله بن سلام فقلت ألا أحدثك حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم مراراً ومن أبي بكر مراراً ومن عمر مراراً قال بلى فحدثته بهذا الحديث فقال بأبي وأمي رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الكلمات كان الله عز وجل قد أعطاهن موسى عليه السلام فكان يدعو بهن في كل يوم سبع مراراً فلا يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه ))
(( أنت خلقتني وأنت تهديني وأنت تطعمني وأنت تسقيني وأنت تميتني وأنت تحييني لم يسل الله شيئاً إلا أعطاه إياه ))
الخير كله عند الله فما شاء الله كان و ما لم يشأ لم يكن:
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( من صلى علي حين يصبح عشراً وحين يمسي عشراً أدركته شفاعتي يوم القيامة ))
وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( علمه وأمره أن يتعاهد أهله في كل صباح لبيك اللهم لبيك وسعديك والخير في يديك ومنك وإليك ))
أي لبيك وسعديك أنا ألبي دعوتك يا رب. الله عز وجل قال:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾
(( لبيك وسعديك والخير في يديك ))
الخير كله عند الله , والمشركون يتوهمون أن الخير عند أشخاص أقوياء.
(( والخير في يديك ومنك وإليك ))
و هناك دعاء:
(( أنَا بِكَ وإِليكَ ))
كل شيء أملكه منك، وكل شيء أملكه في سبيلك، منك وإليك.
(( اللهم ما قلت من قول أو حلفت من حلف أو نذرت من نذر فمشيئتك بين يدي ذلك كله، ما شئت كان وما لم تشأ لا يكون ولا حول ولا قوة إلا بك إنك على كل شيء قدير ))
كلام جيد.
(( ما شاءَ اللهُ كانَ وما لم يشأْ لم يكن ))
التغى الندم، التغى التأوه، التغت الحرقة، التغت كلمة لو، لم يعد هناك كلمة لو في حياة المؤمن.
(( ما شاءَ اللهُ كانَ وما لم يشأْ لم يكن ))
الذي كان شاءه الله , و الذي لم يكن لم يشأه الله , ولا راد لمشيئته.
(( ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن لا حول ولا قوة إلا بالله إنك على كل شيء قدير ))
(( اللهم توفني مسلماً وألحقني بالصالحين اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء وبرد العيش بعد الموت ولذة النظر إلى وجهك وشوقا إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة وأعوذ بك أن أَظلم أو أُظلم أو أعتدي أو يعتدى علي أو أكسب خطيئة أو ذنبا لا تغفر اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة ذا الجلال والإكرام فإني أعهد إليك في هذه الدنيا وأشهدك وكفى بك شهيداً إني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك لك الملك ولك الحمد وأنت على كل شيء قدير وأشهد أن محمداً عبدك ورسولك وأشهد أن وعدك حق ولقاءك حق والساعة آتية لا ريب فيها وإنك تبعث من في القبور وأنك أن تكلني إلى نفسي تكلني إلى ضعف وعورة وذنب وخطيئة وأني لا أثق إلا برحمتك فاغفر لي ذنوبي كلها إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت وتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم ))
الدعاء حالة من حالات القرب من الله عز وجل:
أيها الأخوة، الدعاء هو العبادة كما قال عليه الصلاة والسلام , و الدعاء قمة العبادة , وأنت حينما تدعُو الله عز وجل تكون في أعلى درجات الاتصال بالله عز وجل، والدعاء حالة من حالات القرب من الله عز وجل , و لعل الله سبحانه وتعالى حينما يسوق للإنسان بعض المشكلات من أجل أن يدعوه بل حينما قال:
﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ﴾
أي أعلى شيء بعبادتك أن تدعُو الله عز وجل، أن تكون معه دائماً , والدعاء لا يحتاج إلى وضوء , لا يحتاج إلى مسجد , لا يحتاج إلى مسبحة , لا يحتاج إلى شيء، في أي زمان , في أي حالة، أنت راكب , في الطريق , في البيت , و أنت مع أناس , و أنت في لقاءات , ولك أن تدعوه سراً.
سيدنا ذكريا كيف دعاه ؟
﴿ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً ﴾
أحياناً الإنسان يكون بظرف حرج , لا يستطيع أن يفتح فمه بإمكانك أن تدعُو الله في قلبك يا رب استرني , يا رب أنقذني , يا رب نجني , يا رب وفقني , يا رب احفظني , يا رب ارزقني رزقاً طيباً حلالاً , وهكذا.
فالإنسان حجمه عند الله بحجم اتصاله به , و بحجم سؤاله إياه، لا تسأل غير الله.
قل لمن بات لي حاسـداً أتدري على من أسأت الأدب
أسأت علـى الله في فعله إذا لم ترضَ لي مــا وهبا
* * *