وضع داكن
28-03-2024
Logo
الحج - الدرس : 16 - الحج عن الغير
  • الفقه الإسلامي / ٠5العبادات الشعائرية
  • /
  • ٠5الحج
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الحج عن الغير:

أيها الأخوة الكرام

لازلنا في أيام الحج، واخترت لكم من موضوعات الحج موضوعاً يتصل بأكثر المسلمين والمؤمنين، وهو الحج عن الغير، وله موضوعات دقيقة تغيب عن معظم الناس، والعلماء قالوا: " من وجب عليه الحج وحضره الموت يجب عليه أن يوصي أنْ يُحَجَّ عنه "، لأن الحج فريضة، قال تعالى:

﴿ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)﴾

( سورة آل عمران )

وقال العلماء:

((من استطاع أن يحج ولم يحج فقد كفر، ومن وجب عليه الحج وحضره الموت وجب عليه أن يوصي بأنْ يُحجَّ عنه، فإذا فعل برأت ذمته قصراً، فالدين يسر، فإنْ كان صحيحاً وغنياً، ومستطيعاً والطريق سالك، وكل شيء ميسر ولم يحجَّ، وقد دنا أجله والحج فريضة، نقول له: أوصِ أن يحج عنك الغير، وبهذا تبرأ ذمتك))

معنى هذا إذا كان الإنسان مستطيعاً وأَلمَّ به مرض، أو عجز، أو لم يُسمَح له، ومن لوازم الاستطاعة سلامة البدن، وتوفر الزاد والراحلة، ونفقة الأهل، وأمن الطريق، وموافقة السلطان التي هي جزء من الاستطاعة فقدَّم طلباً ولم يوافقوا عليه، وهو على مشارف الموت، فماذا يفعل ؟ نقول له: أوصِ أن يُحجَّ عنك الغير، وبهذا تبرأ ذمتك.

الحديثان الصحيحان التاليان أصل ودليل في الحج عن الغير:

من استوفى شروط الحج من نفسه، ولم يحج حتى عجز عن الأداء بنفسه، لِكَبر سن أو مرض لا يرجى برؤه، أو ذهاب البصر، أو عدم أمن الطريق، أو عدم وجود المحرم بالنسبة للمرأة، وجب عليه أن يوصي بأنْ يُحجَّ عنه "، لأنّ الحج صار فريضة، وإذا لم يتمكن الإنسان أن يحج عن نفسه وجب أن يوصي من يحج عنه، فالأصل في هذا الحكم - والفقه مؤصل - ما معنى أنه مؤصل ؟ أي له أصول في القرآن والسنة:

(( جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَهَلْ يَقْضِي عَنْهُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ قَالَ: نَعَمْ ))

[البخاري عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا ُ]

هذا الحديث أصل في الحج عن الغير.

((أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا، قَالَ: نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَةً اقْضُوا اللَّهَ فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ ))

[البخاري عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا ُ]

فهذان الحديثان الصحيحان أخرجهما البخاري، أصل ودليل في الحج عن الغير، وهناك خلاف بين المذاهب.

 

شروط الحج عن الغير:

1 ـ أن يأمر الأصيل بالحج عنه:

أقول لكم: الأشياء الأساسية في هذا الموضوع "شروط الحج عن الغير" يشترط لصحة حجة النائب عن الفريضة الواجبة عن المحجوج عنه ما يلي:
يوجد عندنا قاعدة أن تنوب عن إنسان في حجة الفرض، أو أن تنوب عنه في حجة النافلة، فحجة النافلة قضية سهلة، وشروطها قليلة، أما أهم شيء حجة الفرض، الشروط التي تتوجب على النائب في حجه عن الغير حجة الفريضة.
أولاً يشترط أن يأمر الأصيل بالحج عنه، انطلاقاً من قوله تعالى:

﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) ﴾

( سورة النجم )

فإذا أمر الأصيل فهذا من سعيه، وأمره، ووصيته، وإنفاقه على من يحج عنه من ماله و سعيه.

حكم الحج عن الغير عند:

1 ـ الحنفية والمالكية:

لذلك عند السادة الحنفية يشترط أن يأمر الأصيل بالحج عنه، فلا يجوز الحج عن الحي دون إذنه، أن يكون أحدهم حيًّاً يرزق ولكنه مريض، وقد يكون مشلولاً، ثم يأتي إنسان يحج عنه دون أن يعلِمَه، فهذه ليست واردة إطلاقاً.
وأما الميت فلابد من أن يوصي بالحج عنه عند الحنفية والمالكية، والأحناف استثنوا الوارث، من هو الوارث ؟ هو الابن، وهو أقرب الناس للميت، فالوارث إذا حج عنه من غير أن يوصي صحَّ حجُّه، لأن الوارث من كسب المتوفى، فرجل ترك ابنًا ولم يوصِه عن جهل وتقصير، فجاء ابنه فحج عن أبيه، فهذا الوارث لأنه من كسب الميت يصحُّ أن يحج عنه، فعند الأحناف لا يقبل أن يحج عن أحد إلا إذا وصى فإن لم يوصِ يقبل من الوارث، وفي الأعم الأغلب الوارث ابن، فإذا حج عن مورثه بغير إذنه فإنه يجزئه، وتبرأ ذمة الميت إن شاء الله تعالى، وعند الأحناف لابد أن يوصي، فلو جاء ابنه أو وارثه فحج عنه من دون إذنه أجزأه ذلك، وسقط الحج عن الميت إن شاء الله تعالى.
من أين جاؤوا بهذا الحكم ؟ من حديث الخثعمية:

(( جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَهَلْ يَقْضِي عَنْهُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ قَالَ: نَعَمْ ))

[البخاري عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا ُ]

2 ـ الشافعية والحنابلة:

أما الشافعية والحنابلة ـ فأول حكم الحنفية والمالكية، والثاني الشافعية والحنابلةـ إذْ ذهبوا إلى أنه من مات وعليه حج وجب أن يُحجَّ عنه، سواء أوصى أم لم يوصِ، وهذا دَين يجب الوفاء به، فكما تقضى عنه ديونه سواء أوصى أم لم يوصِ، كرجل مات وعليه دين، إن وصى أو لم يوصِ فالدين يُقضى قبل توزيع التركة، قال تعالى:

﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11)﴾

( سورة النساء )

والدين مقدم.

حجة الفرض دين على الميت عند الشافعية والحنابلة

إذاً: الشافعية والحنابلة عدوا حجة الفرض ديناً على الميت، فإذا مات وعليه حج وجب أن يحج عنه من تركته، أوصى بذلك أو لم يوصِ، فإن لم يكن له تركة استحب لوارثه أن يحج عنه، ولكنه غير ملزم، وأغلب الظن من هو وارثه ؟ الابن من صلبه وكسبه، لقول النبي عليه الصلاة والسلام:

(( إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ وَإِنَّ وَلَدَ الرَّجُلِ مِنْ كَسْبِهِ ))

[النسائي عن عائشة رَضِي اللَّهُ عنها]

فاستحب لوارثه أن يحج عنه، واللغة العربية دقيقة، فإن حج عنه بنفسه أو أرسل من يحج عنه سقط الحج عنه، وهناك حالة ثالثة، لو يوصِ، وما ترك تركة، فعلى الوارث أن يحج عن أبيه أو يرسل من يحج عنه، وعندئذ تبرأ ذمة الميت من هذه الفريضة، حتى عند السادة الشافعية والحنابلة لو حج عنه أجنبي جاز، كصهره، وإن لم يأذن له الوارث فيصح أن يحج عنه أجنبي، والحجة صحيحة، وتبرأ ذمة الميت كما يقضي دينه بغير إذن الوارث، ولو كان لرجل عم أي والد زوجته، وعليه دين، والورثة جاهلون فذهب ودفع الدين عن عمه، هل هذا مقبول ؟ نعم مقبول، والسادة الشافعية والحنابلة مأخذهم هذا الحكم من تشبيه النبي الحج بالدين، فما دام النبي شبه الحج بالدين يقضى عنه من أجنبي إن أذن الوارث أو لم يأذن، وإن ترك تركة أو لم يترك، وإن وصى أو لم يوصِ، فلذلك الإنسان الحريص على سلامة والده من المؤاخذة بعد الموت أن يحج عليه تبرعاً.

 

2 ـ أن تكون نفقة الحج من مال الآمر كلها:

والشرط الثاني أن تكون نفقة الحج من مال الآمر كلها، والآمر بالحج قد يكون وارثًا، وقد يكون الحاج نفسه وصيًّاً، كمشلول أوصى في حياته، فحج عنه إنسان في حياته، هذا اسمه الآمر، والآمر إما الإنسان نفسه المكلف بالحج، ولم يحج لمرض مزمن أصابه، أو الوصي، أو الوارث عن والده، فأَن تكون نفقة الحج من مال الآمر كلها أو أكثره عند الحنفية، سوى دم التمتع والقران، فهما على الحاج عندهم، أي هو كلفك أن تحج عنه، ولم يكلفك أن تتمتع تدخل بعمرة وتتحلل، وتعيش أنت عشرة أيام تغتسل وتتطيب، بل كلفك بحجة الفرض إفراداً لذلك دم التمتع الخمسة آلاف على الحاج، لا على الآمر بالحج، إلا الوارث إذا تبرع بالحج عن ميته، تبرأ ذمة الميت إذا لم يوص بالحج عنه.
ولو أخذنا أوسع حكم عند الشافعية، أوصى أو لم يوصِ، ترك مالاً أو لم يترك، أذن الوارث أو لم يأذن، فهي ست حالات، وارثه أو أجنبي عنه، هذا أوسع حكم عند السادة الشافعية والحنابلة.
وعند الأحناف يجب أن يوصي، انطلاقاً من قوله تعالى: 

﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) ﴾ 

( سورة النجم )

أو الوارث لأنه من كسب الميت، فيجوز أن يحج عنه، أما الشافعية والحنابلة فقد أجازوا أن يتبرع بالحج عن الغير مطلقاً، كما يجوز أن يتبرع بقضاء دينه من أي شخص كان، وتبرأ ذمته.
ومرة قلت لكم: النبي عليه الصلاة و السلام مات أحد أصحابه فقبل أن يصلي عليه سأل أعليه دين ؟ قالوا: نعم، قال: صلوا على صاحبكم ـ لم يصلِ عليه ـ قال أحدهم: عليّ دينه، سأله في اليوم التالي أدفعت الدين ؟ قال: لا، سأله في اليوم الثالث أدفعت الدين ؟ قال: لا، سأله في اليوم الرابع أدفعت الدين ؟ قال: نعم، قال: الآن ابترد جلد صاحبك، ابترد جلده لا بالتعهد، بل بأداء الدين، لأن الشهيد الذي قدم نفسه في سبيل الله يغفر له كل ذنب إلا الدين.

3 ـ أن يحج عنه من وطنه إذا اتسع ثلث التركة:

ويشترط أن يحج عنه من وطنه، فهو من سكان دمشق يجب أن يحج عنه رجل من سكان دمشق، أما سوف نكلف رجلاً من مكة نعطيه ثلاثة آلاف يحج حجًّاً مختصراً، يحرم يوم عرفة، ويصعد إلى عرفة، ويجلس ربع ساعة وينزل، أو إنسان وكّل بالرمي، وانتهت العملية، وهذه ثلاثة آلاف، فهذا غير مقبول.
يشترط أن يحج عنه من وطنه إذا اتسع ثلث التركة، فإنْ ترك مئتي ألف، فثلث التركة ستون ألفًا، تكفي حجة إنسان من وطنه دمشق مثلاً، فيشترط أن يحج عنه من وطنه إذا اتسع ثلث التركة، وإن لم يتسع يحج عنه حيث يبلغ عند الحنفية والمالكية، فترك مئة ألف تكفيه ثلاثون ألفًا من عمان، فرجل له قريب من عمان، أو رجل من تبوك، بهذه الثلاثين من أين تكفي من دمشق أم من عمان أم من تبوك ؟ هذا عند الحنفية، أما عند الشافعية والحنابلة فيعتبر اتساع جميع مال الميت، لأنه دين واجب، فإذا كلَّفتْ الحجة مئة ألف نأخذها كلها إلى الحج، وهذا عند الشافعية.
ويوجد رأي معتدل يجب أن يحج عنه من الميقات، باتجاه دمشق الميقات هو رابغ، قبل جدة بمئتي كيلو متر، وهذا هو الميقات، أما الحنابلة فيصرون على أن ينوب عنه من بلده، فصار الحج من بلدك، أو الميقات، أو من أي مكان يسمح لك المبلغ بالحج عنه.

حكم المأمور بالحج عن الغير:

 

الموصي أو الوارث أعطى توجيهاً لشخص بذاته، فلا يقبل الحج إلا من هذا الشخص، فيجب أن يحج المأمور بنفسه، هكذا نص الحنفية والشافعية والمالكية.
فلو مرض المأمور، أو حبس، فدفع المال إلى غيره بغير إذن المحجوج عنه، لا يقع الحج على الميت، فرجل له ثقة بشخص، والثاني دينه رقيق، ولقد سمعت عن حج يحجُّه بعض الأخوة المقيمين في السعودية، فيصلي العصر في جدة يوم عرفات، ثم يركب سيارته، ويرى الطريق إلى مكة سالكًا، ولا يوجد أحد ولا سيارة، فيدخل إلى الحرم بمكة، والكعبة فارغة، لأنّ الكل في عرفات، فيطوف حول الكعبة في ثلث ساعة، ويسعى في ثلث ساعة ثانية، والطريق إلى عرفات سالك، ثم يصل إلى عرفات ويجلس، ثم تغيب الشمس ويرى الطريق سالكاً فيرجع ويرمي جمرة العقبة، ويوكل في الرميِ، وانتهى الحج، أنا لي ثقة برجل ورع أعرفه، يؤدي الحج بشكل متقن، وسيبقى عشرة أيام أو عشرين يوماً، وهذا حج في ثلاث ساعات.
إذا أناب الموكل بالحج رجلاً ليحجَّ عن الميت لم يصح، ولو مرض المأمور، أو حبس، ودفع المال إلى غيره بغير إذن المحجوج عنه لا يقع الحج على الميت، والحاج الأول والثاني ضامنان نفقة الحج، يدفع الخمسين ألفاً، لأن شرط الموصي أن يحج فلان، إلا إذا قال الآمر: أنا وكلتك أن تحج عني وهذا المبلغ وأنت اصنع ما تشاء، فإذا لم تستطع ووكلتَ إنساناً صالحاً جاز، لإطلاق اليد، فيجوز للذي يحج عن الميت أن يوكل غيره بهذا الإطلاق، أما إذا وُجِد تقييد فلا يجوز.

4 ـ أن يحرم من الميقات بالحج والعمرة عن الشخص الذي يحج عنه ويذكر اسمه:

ومن شروط الحج عن الغير: أن يحرم من الميقات بالحج والعمرة عن الشخص الذي يحج عنه، ويذكر اسمه كما أمر به من غير مخالفة، لبيك حجةً عن فلان، أو لبيك حجة عن فلانة، اللهم تقبلها مني ويسرها لي، لبيك اللهم لبيك، وفي أثناء الإحرام يذكر اسم الذي يحج عنه، ولو أمره أن يحج مفرداً فقرن أو تمتع فهو مخالف وضامن لنفقة القران والتمتع.

5 ـ على المأمور أن يكون مسلماً بالغاً عاقلاً:

وتُشترك أهلية المأمور بصحة الحج أن يكون مسلماً بالغاً عاقلاً.

6 ـ لا يشترط أن يكون المأمور قد حجّ حجة الإسلام عند الحنفية و العكس عند الشافعية:

ولا يشترط أن يكون المأمور قد حجّ حجة الإسلام عند الحنفية، بل تصح هذه الحجة البدليّة، وتبرأ ذمة الميت مع الكراهة التحريمية، فالشخص الذي لا يعرف ولم يحج، وحج عن الغير نقول: هذا الحج فيه كراهة تحريمية، ولكن الحج سقط عن الميت، وإن كان قد ارتكب الكراهة التحريمية، من أين جاؤوا بهذا الحكم ؟ لأن الخثعمية ما سألها النبي، بل قال لها: حجي عن أبيك، فلو أن إنساناً حج عن الغير، برأتْ ذمة الميت، سواء أكان حاجاً أو غير حاج، وإذا لم يحج وقع فيما يسمى بالكراهة التحريمية، إلا أن الشافعية والأحناف اشترطوا أن يكون الحاج عن الغير قد حج عن نفسه، والدليل استدلوا:

(( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلاً يَقُولُ لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ، قَالَ: مَنْ شُبْرُمَةُ، قَالَ: أَخٌ لِي أَوْ قَرِيبٌ لِي، قَالَ: حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ، قَالَ: لا، قَالَ: حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ ))

[ أبو داود وابن ماجة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا ُ]

فهذا الحديث يبين أنه ينبغي أن تحج عن نفسك أولاً.
أمّا حج النفل عن الغير، فمرة أخت كريمة سألتني عبر الهاتف أنها حجَّت الفرض، وقالت: إني مشتاقة للحج، وسوف أكتب عقد زواج صوري على رجل، وسأذهب معه إلى الحج لأنني مشتاقة إلى الكعبة، قلت لها: إنّ أقدس عقد في الأرض يُلعب به من أجل حجة نافلة ؟ أنت حججت حجة الفرض، فلا يجوز أن تستخدمي هذا الأسلوب في حجة نافلة.
هذه الشروط للحج الفرض، أما الحج النفل فلا يشترط فيها شيء ؛ إلا الإسلام، والعقل، والتمييز، والنية، وذلك لاتساع باب النفل، فإنه يتسامح في النفل ما لا يتسامح في الفرض، وهذا مذهب الإمام أحمد وأبي حنيفة، وأجازه المالكية مع الكراهة.

الحج فرض على كل مسلم:

ملخص هذا الموضوع المختصر أن الحج فرض، قال تعالى:

﴿ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97) ﴾

( سورة آل عمران )

فمن مكنه الله بصحته وماله أن يحج ولم يحج فهو في كفر جزئي ؛ أي كفر بهذه الفريضة، ومن استطاع أن يحج ولم يحج، فإن شاء مات غير مسلم فلا عليه ذلك، لأنه كفر وأوسع حكم شرعي أنّ الميت أوصى أو لم يوصِ، ترك تركة أم لم يترك، أذن الوارث أم لم يأذن، كان الحاج عنه وارثاً أو أجنبياً، فإنها تبرأ ذمته بحج الغير عنه، وهذا أوسع حكم شرعي، والأحناف قالوا: ينبغي أن يوصي أو يجزئه أن يحج عنه ابنه، أو وارثه، من ماله الشخصي، والحج أكمل من بلد الموصي، كرجل مقيم بالقاهرة فمن القاهرة، ومقيم بدمشق فمن دمشق، إلا إذا كان المبلغ قليلاً فالحج حينئذ من الميقات.

 

أحاديث عن الحج:

ثمَّة بعض الأحاديث عن الحج نختم بها الدرس، ونعود إن شاء الله تعالى إلى موضوعاتنا المتسلسلة، بعد الحج، ويكون الدرس القادم إن شاء الله تعالى بعد المغرب.

(( سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الأعْمَالِ أَفْضَلُ، قَالَ: إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، قِيلَ ثُمَّ مَاذَا، قَالَ: جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قِيلَ ثُمَّ مَاذَا، قَالَ: حَجٌّ مَبْرُورٌ ))

[البخاري عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ ]

(( مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ))

[البخاري عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ ]

(( الْحَجَّةُ الْمَبْرُورَةُ لَيْسَ لَهَا جَزَاءٌ إِلا الْجَنَّةُ، وَالْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا ))

[النسائي عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ ]

(( يَا رَسُولَ اللَّهِ نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ أَفَلا نُجَاهِدُ، قَالَ: لا لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ ))

[البخاري عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِي اللَّهُ عَنْهَا ]

(( مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلائِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلاءِ ))

[مسلم عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ]

يوم عرفة يوم العتق من النار، " اشهدوا يا ملائكتي أن عبادي جاؤوني شعساً غبراً، اشهدوا أني غفرت لهم، يغفر لهم ويلقي في روعهم أنه غفر لهم "، وكأن النبي عليه الصلاة والسلام استشرف المستقبل، سوف يكون ملايين مملينة، وازدحام شديد:

(( فقال عليه الصلاة والسلام بحكمة بالغة لاِمْرَأَةٍ مِنَ الأنْصَارِ يُقَالُ لَهَا أُمُّ سِنَانٍ: مَا مَنَعَكِ أَنْ تَكُونِي حَجَجْتِ مَعَنَا ؟ قَالَتْ: نَاضِحَانِ كَانَا لأبِي فُلانٍ زَوْجِهَا حَجَّ هُوَ وَابْنُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَكَانَ الآخَرُ يَسْقِي عَلَيْهِ غُلامُنَا، قَالَ: فَعُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً أَوْ حَجَّةً مَعِي ))

[البخاري عَنْ ابن عباس رَضِي اللَّهُ عَنْهَما ]

من حج الفرض الأولى أن يكثر من العمرة ليفسح المجال للآخرين:

إذاً إذا حجَّ الإنسان فليفسح المجال لمن لم يحج، لأنه كما قلت لكم سابقاً: سجادة تتسع لخمسين مصلياً، يوجد عندنا ثلاثمئة إنسان، خمسون منهم لم يصلِّ الفرض، فإذا الإنسان حج الفرض مرة أو مرتين، فالأولى أن يكثر من العمرة، وهي على مدار السنة، وسمعت في مكة المكرمة أنهم جاؤوا بالخبراء من أمريكا لتنظيم الحج، فدرسوا الوضع فوجدوا أربعة ملايين في كل سنة، فأعطوا خطة رائعة !!! أن يكون الحج كل شهرين في دورة، أي على ست دورات، هكذا خرجوا هذا الرأي !!!.

(( فَعُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً أَوْ حَجَّةً مَعِي ))

[البخاري عَنْ ابن عباس رَضِي اللَّهُ عَنْهَما ]

((كَانَتْ عُكَاظُ وَمَجَنَّةُ وَذُو الْمَجَازِ أَسْوَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَتَأَثَّمُوا أَنْ يَتَّجِرُوا فِي الْمَوَاسِمِ فَنَزَلَتْ ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ ) فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ ))

[البخاري عَنْ ابن عباس رَضِي اللَّهُ عَنْهَما ]

فَتَأَثَّمُوا أي شعروا بحرج، وشعروا أنهم آثمون، فإذا كانت للإنسان تجارة معينة، وبعد أن انتهى الحج بحث عن مواد وشحنها، فلا يوجد مشكلة.
هذا الموضوع أنا اخترته، فإذا أحب إنسان أن يحج عن غيره، فليراجع نفسه إذا كان هناك أقارب، والد، والدة ما حجت، وما أوصت بالحج، فيجوز للابن أن يحج عن والدته، تركت أو لم تترك، أذنت أو لم تأذن، أوصت أو لم توصِ، أذن وارثها أو لم يأذن، فلابد من أن يحج عن الغير، وهذا هو الحكم الشرعي الواسع عند الشافعية والحنابلة، أما الأحناف فيجب أن يكون موصى، أو أن يحج ابنه عنه من دون إذن ولا وصية. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور