وضع داكن
26-04-2024
Logo
الدرس : 4 - سورة النازعات - تفسير الآيات 34-46
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين. اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الطَّامة هي اسمٌ من أسماء يوم القيامة التي لا بدّ أن تأتي :

 أيها الأخوة المؤمنون، مع الدرس الرابع من سورة النازعات، ومع الآية الرابعة والثلاثين، وهي قوله تعالى:

﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى ﴾

 قال علماء اللغة: " إذا " الشرطية تفيد تحقق الوقوع، بينما " إن " الشرطية تفيد احتمال الوقوع أي:

﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾

[ سورة النصر:1 ]

 لا بد أن يأتي.

﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى ﴾

 لا بد أن تأتي.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ﴾

[ سورة الحجرات: 6]

 قد يأتي وربما لا يأتي، لأنّ " إن " تفيد احتمال الوقوع، بينما " إذا " تفيد تحقق الوقوع، فهذه الطَّامة التي هي اسمٌ من أسماء يوم القيامة التي لا بد أن تأتي، وهذه الطامة تلغي كل شيء، الإنسان يسكن في بيت، يحتاج إلى إصلاح نوافذه، وإلى إصلاح بلاطه، وإلى إصلاح الكهرباء، فجاءت زلزلةٌ جعلته أنقاضاً، وانتهى كل شيء، وانتهت قوائم التصليحات، وانتهت هموم الترميمات، وانتهى كل شيء، وأصبح البيت أنقاضاً، فخبر الزلزال يلغي كل شيء، وهذا تقريب للمعنى.

 

حينما يدرك الإنسان أنه ضيَّع الأبد فقد خسر خسارةً لا تقدَّر بثمن :

 هذه الطامة تنسي الإنسان كل هموم الدنيا، وتوقعه أمام مشكلةٍ لا نهاية لها، وتجعله في مكانٍ كما ورد في بعض الآثار النبوية:

(( إن العار ليلزم المرء يوم القيامة حتى يقول يا رب لإرسالك بى إلى النار أيسر على مما ألقى وإنه ليعلم ما فيها من شدة العذاب .))

[الحاكم عن جابر بن عبد الله]

 حينما يدرك الإنسان أنه ضيَّع الأبد، فقد خسر خسارةً لا تقدَّر بثمن، خسر جنةً عرضها السماوات والأرض، خسر الحياة الأبدية، خسر الجنة التي خُلِقَ مِن أجلها، خسر النعيم المقيم وهو في أسفل سافلين، في جهنم وبئس المصير، هذه هي المصيبة، يا بني ما خيرٌ بعده النار بخير، وما شرٌ بعده الجنة بشر، وكل نعيمٍ دون الجنة محقور، وكل بلاءٍ دون النار عافية.

﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى ﴾

 الشيء العجيب أيها الأخوة، أن هؤلاء المسلمين الذين يرتادون أحياناً بيوت الله، يصلون الصلوات، ويصلون صلاة الجمعة في المساجد، حينما تتعامل معهم بالدرهم والدينار، وكأنَّهم لن يصيروا إلى الدار الآخرة، وقد يأكلون المال الحرام، وقد يعتدون على بعضهم بعضاً، ولو أن الإنسان آمن أنه لا بد أن يقف بين يدي الله عز وجل ليحاسب عن كل شيء لتغيَّر سلوكه مئة وثمانين درجة.

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة الحجر: 92-93]

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه*وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه ﴾

[سورة الزلزلة: 7-8]

يوم التغابن يشعر الإنسان أنه قد غُبِن أي تعلق بدنيا زائلة وضيَّع الآخرة الباقية:

 ما دام الإنسان يحاسَب عن كل أعماله،فكيف يقترف المنكرات؟ وكيف يتطاول على إنسان؟ وكيف يبتزُّ مال إنسان؟ وكيف يعتدي على عرض إنسان؟ وكيف يتفلَّت من منهج الواحد الديان؟ كيف؟

﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى ﴾

 حدثني أخ من مصر، حينما ضرب الزلزال القاهرة، زوجته مِن شدَّة الهلع أمسكت حذاءً وظنته ابنها، وضمَّته إلى صدرها وولَّت هاربةً. قال عز وجل:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ* يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾

[ سورة الحج: 1-2 ]

 أيها الأخوة الكرام، هذا اليوم، يوم الدين، الحاقة، الواقعة، الطامة، يوم الفصل، القارعة، هذا يوم لا بد أنْ يأتِيَ، وفي هذا اليوم يُسوَّى الحساب، وفي هذا اليوم يأخذ الضعيف حقَّه من القوي، ويأخذ الفقير حقه من الغني، وفي هذا اليوم يأخذ كل ذي حقٍ حقَّه، وهنيئاً لمن حاسب نفسه في الدنيا حساباً شديداً، ليكون حسابه يوم القيامة يسيراً، والويل لمَن حاسب نفسه في الدنيا حساباً يسيراً، فكان حسابه يوم القيامة عسيراً، هذا اليوم يوم عظيم، يومٌ شديد، يوم التغابن، يشعر أنه قد غُبِن، أي تعلق بدنيا زائلة وضيَّع الآخرة الباقية:

﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً*الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً*أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً ﴾

[ سورة الكهف: 103-105 ]

البطولة كل البطولة أن تدخل اليوم الآخر في حساباتك اليومية :

 أيها الأخوة، الذكاء كل الذكاء، والعقل كل العقل، والفِطْنة كل الفطنة، والتوفيق كل التوفيق، والتفوّق كل التفوّق، والبطولة كل البطولة أن تدخل هذا اليوم في حساباتك اليومية، في بيعك وشرائك، في أفراحك وأتراحك، في إقامتك وترحالك، في أخذك وعطائك، في زواجك، في كل ما تتحرَّك به وتتحرك لأجله..

﴿ وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾

[ سورة البقرة: 281 ]

 اتق الله، سيدنا عمر بن عبد العزيز عيَّن أحد كبار المستشارين اسمه عمر بن مزاحم، قال له: كن معي، وراقبني، فإذا رأيتني ضللت فأمسكني من تلابيبي، وهزني هزاً شديداً، وقل لي: اتقِ الله يا عمر فإنك ستموت.
 سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان في جولةٍ تفقديةٍ مع أحد أصحابه، عبد الرحمن بن عوف، فرأيا قافلةً قد خيَّمت في ظاهر المدينة فقال: تعال نحرس هذه القافلة بعد أن جلسا لحراستها، فإذا طفلٌ رضيعٌ يبكي، فقام عمر إلى أمه وقال: أرضعيه، أرضعته ثم بكى، فقام إليها في الثانية: فقال: أرضعيه، فأرضعته ثم بكى، فقام إليها في الثالثة وغضب، قال: أرضعيه، فغضبت وقالت له: ما شأنك بنا؟ ما دخلك بنا إنني أفطمه، قال لها: ولمَ تفطمينه؟ قالت: لأن عمر لا يعطينا العطاء إلا بعد الفطام ـ التعويض العائلي لا يستحقه الغلام إلا بعد الفطام، فأنا أفطمه كي آخذ العطاء ـ يروي كُتَّاب السيرة أنه ضرب جبهته وقال: ويحك يا عمر، لقد أهلكت نفسك، كم قتلت من أطفال المسلمين؟
توزيع التعويض العائلي عند الفطام عذابٌ لهؤلاء الصغار، ويحك يا بن الخطاب كم قتلت من أطفال المسلمين؟ وصلى صلاة الفجر وهو يبكي، ولم يفهم أصحابه إطلاقاً قراءته في الصلاة من البكاء، ثم قال: رب هل قبلت توبتي فأهنِّئ نفسي، أم رددتها فأعزيها؟

 

المؤمن يخاف مِن هذا اليوم فلا يهمل عباداته ولا يعتدي على أحد :

 المؤمن يخاف مِن هذا اليوم، يخاف أن يُسْأَل عن ماله مِن أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ يخاف أن يسأل عن شبابه فيمَ أبلاه؟ يخاف أن يسأل عن عمره فيم أفناه؟ يخاف أن يسأل عن علمه ماذا عمل به؟ يخاف أن يعتدي على نملة:

((مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرَةٍ مَسْقُوطَةٍ فَقَالَ: لَوْلَا أَنْ تَكُونَ مِنْ صَدَقَةٍ لَأَكَلْتُهَا))

[متفق عليه عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ]

 تمرة..

((دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْض))

[متفق عليه عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا]

 ما بال المسلمين يتوسعون في علاقاتهم ويأخذون ما ليس لهم، ويهملون عباداتهم، إذا كان سيدنا عبد الله بن رواحة، وهو صحابي جليل، عيَّنه النبي قائداً ثالثاً في مُؤْتة، وعين القائد الأول سيدنا زيداً، والثاني جعفراً، والثالث عبد الله بن رواحة، سيدنا زيد أمسك بالراية فقاتل بها حتى قتل، ثم أخذها سيدنا جعفر، فقاتل بها حتى قُتل، جاء دور ابن رواحة، تردد ثلاثين ثانيةً، ثلاثون ثانية تقابل ترديد بيتين مِن الشعر، فقد كان شاعراً، قال:

يا نفسُ إلا تـقـتلي تموتِي  هذا حمام الموت قد صليتِ
إن تفعلي فعلهما رضيــت  وإن تـوليتِ فـقـد شقيتِ
* * *

 فلما وصل الخبر إلى النبي قال:

((أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيداً، ثم أخذها جعفر فقاتل بها حتى قتل شهيداً، ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيداً، لقد رفعوا لي في الجنة فيما يرى النائم على سرر من ذهب فرأيت في سرير عبد الله بن رواحة ازوراراً عن سرير صاحبيه فقلت: بم هذا؟ فقيل لي: مضيا وتردد عبد الله بن رواحة بعض التردد ومضى))

[الطبراني عن رجل من الصحابة من بني مرة بن عوف]

 درجته هبطت لأنه تردد في بذل نفسه ثلاثين ثانية، فهذا الذي يتردد في صلاته، يتردد في أداء الحقوق، يلفُّ ويدور، ويحتال ويختال، ويأخذ ما ليس له، يقيم دعوى كيديّة، فهذا أين مكانه؟!!

 

الإنسان إذا شارف الخطر يُعْرَض عليه شريط حياته عملاً عَملاً فيراه في ثوانٍ معدودات:

 أيها الأخوة الكرام:

﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى ﴾

 في هذا اليوم، قال تعالى:

﴿ يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى ﴾

 شيء ثابت الآن علمياً أنّ الإنسان إذا شارف الخطر، يُعْرَض عليه شريط حياته عملاً عملاً، فيراه في ثوانٍ معدودات، كل واحد منا له عمل، قد يكون عمله إحساناً، قد يكون إساءة، وقد يكون أخذ بغير حق، كشخصٍ ركب مركبته، وعلى إشارة المرور ألمَّت به أزمةٌ قلبية، فانكب على مقود السيارة، وكانت زوجته إلى جانبه، ومِن غرائب الصدف أن صديقه كان في مركبته خلفه، فصرخت، فنزل صديقه وحمله إلى مركبته وأخذه إلى أحد المستشفيات، وهو في العناية المشددة، قال: ائتوني بمسجلةٍ وشريط، فقال وهو يتوهَّم أنه يوشك أن يفارق الدنيا: المحل الفلاني ليس لي، هو لفلان، أنا اغتصبته اغتصاباً، والشركة الفلانية ليست لي، والأرض الفلانية ليست لي، يبدو أنه كان الأخ الأكبر، وقد أكل أموال أبيه كلّها، وحرم أخوته فكانوا فقراء، ولعله عاد إلى الله وهو في هذه الأزمة الصعبة، وبعد أيامٍ لعل هذا الدم المتجمد وقد أخذ مميعات عاد سائلاً، وعاد طبيعياً كما كان قبل هذه الأزمة فقال: أين الشريط؟ أخذه وكسَّره وعاد إلى ما كان عليه، وبعد ثمانية أشهر جاءته الأزمة القاضية، وكانت الأزمة الأولى إنذاراً مُبَكِّراً، وكل واحد منا له إنذارات مبكِّرة.

 

العقلاء والأذكياء من المؤمنين يفكِّرون في هذه الساعة التي لا بد منها :

 يا أيها الأخوة الكرام، هذه الطَّامة، العقلاء والأذكياء من المؤمنين يفكِّرون في هذه الساعة التي لا بد منها، قال عز وجل:

﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ*وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ*وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ*لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾

(( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً - من دون تطهير، أي من دون إزالة القلفة عن الحشفة - قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ! فَقَالَ: الْأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يُهِمَّهُمْ ذَاكِ ))

[متفق عليه عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا]

 إذا سيق إنسان إلى المشنقة، وهو في السيارة أطلَّ من نافذتها فرأى امرأةً ترتدي ثياباً فاضحة، فهل يبالي بهذا المنظر؟ مستحيل، ذاهبٌ إلى المشنقة، الأمر أفظع من أن يعنيه منظر هذه المرأة.
 ورد أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن أماً رأت ابنها يوم القيامة فوقعت عينها على عينه قالت: يا بني ألم يكن لك صدري سقاءً، وبطني وعاءً، وحضني وطاءً، هل مِن حسنةٍ يعود عليَّ خيرها اليوم؟ قال: يا أماه ليتني أستطيع ذلك إنما أشكو مما أنت منه تشكين "، وبكى عليه الصلاة والسلام.
 هذا اليوم العظيم، يوم الطامة، وقد تأتي مصيبة ويكون لديك هموم كثيرة، فتصاب في صحتك، فتنسى كل هذه الهموم، فكيف بيوم القيامة؟ في جهنم إلى أبد الآبدين، وقد خسرت جنة رب العالمين؟ هذه هي المصيبة:

(( اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقّ تَمْرَةٍ ))

[ أخرجه البخاري ومسلم عن عديّ بن حاتم رضي اللّه عنه ]

 مر النبي عليه الصلاة والسلام بقبرٍ، فقال لأصحابه:

(( ركعتان خفيفتان مما تحقرون وتنقلون يزيدهما هذا في عمله أحب إليه من بقية دنياكم))

[كنز العمال عن أبي هريرة ]

 فما هي الدنيا؟ هناك شركات أرباحها السنوية تبلغ أربعمئة مليار دولار، وشركات أرباحها تفوق ميزانياتها ميزانيات مجموعة دول، فلو أن هذه الشركات لك، وكل هذه الأرباح لك، وكان يوم القيامة فلن تقدِّم ولن تؤخِّر شيئاً، قال تعالى:

﴿ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ ﴾

[ سورة المعارج: 11]

يستطيع الإنسان أن يخدع كل الناس إلا رب العالمين :

 أيها الأخوة الكرام:

﴿ يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى ﴾

 الإنسان في الدنيا يدجِّل، ويكذب، وينافق، ويدَّعي ما ليس له، ويلقي على نفسه صفات الكمال، والنزاهة، وكل إنسان يتكلَّم بالفضائل والحكم، ويبيع وطنيّات للآخرين، ويزاود على الناس، ويقول: أنا لا أحد باستقامتي..

﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ*وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾

[سورة القيامة: 14-15]

 لك أن تخدع كل الناس لبعض الوقت، ولك أن تخدع بعضهم لكل الوقت، أما أن تخدع كل الناس لكل الوقت، هذا مستحيل، أما أن تخدع الله عز وجل..

﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ﴾

[سورة النساء: 142]

 أما أن تخدع نفسك فلن تستطيع..

﴿ يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى ﴾

الجحيم يراها الكفار فهي مصيرهم ويراها المؤمنون لتتضاعف سعادتهم في الجنة :

 ممكن بحسب القوانين النافذة لو تبرَّعت بأرضٍ لبناء مسجد أن تنظَّم هذه الأراضي وأن يرتفع سعرها، فأنت قد تقول: أنا تبرَّعت بأرض مساحتها خمس دونمات لمسجد، وقد يثني الناس عليك، ويرفعونك إلى أعلى عليين، وأحياناً يتبرَّكون بك، وأنت في نيَّتك أن التبرع بهذه الأرض للمسجد قد يرفع أسعار الأراضي التي حوله، فأنت أوَّل الرابحين، هذا يخفى على الناس، ولكن لا يخفى على الله عز وجل، فهو الذي سيحاسبك ويعلم السر وأخفى، وهو الذي سيحاسبك ويعلم النوايا، والبواعث الخفية، ويعلم كل شيءٍ عنك..

﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ﴾

[ سورة الحاقة: 18 ]

 يا رب تعَلَّمت القرآن في سبيلك، قال: كذبت تعلمت القرآن ليقال عنك عالم وقد قيل، خذوه إلى النار، يا رب جاهدت في سبيلك؟ قال: كذبت، جاهدت ليقال كذا وكذا، وقد قيل كذا وكذا فخذوه إلى النار، أهل النار يرون إنساناً له مكانةٌ كبيرة جداً في الدنيا، ألست فلاناً؟ يقول: نعم، ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟! يقول: بلى، كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه، ابن آدم عظ نفسك فإن وعظتها فعظ غيرك وإلا فاستحْيِ مني.

﴿ يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى*وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى ﴾

 الإنسان قد يكون ممَّن سرق من البيوت، فحينما يلقى القبض عليه، ويوضع في السجن، ويرى مَن سبقه من السارقين، وقد يُحْكَم بثلاثين عاماً، عندئذٍ يعرف كم كان أحمقاً حينما اعتدى على أموال الآخرين، هذا في الدنيا.

﴿ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى ﴾

 قال علماء التفسير: هذه (الجحيم) يراها الكفار والمؤمنون، يراها الكفار فهي مصيرهم، ويراها المؤمنون لتتضاعف سعادتهم في الجنة، فلو أن شريكين أراد أحدهما أن يعمل في تجارةٍ محرمةٍ قانوناً، ورفض الثاني، فَفُكَّت الشركة، وسار الأول بمخططه، بعد حين ألقي القبض عليه، وأودع في السجن، فذهب شريكه ليزوره في السجن، فبماذا يشعر وهو يراه قابعاً في السجن؟ يشعر براحةٍ شديدة، قراره الحكيم أبعده عن السجن.

 

دخول النار شيء وورودها شيءٌ آخر :

 المؤمن حينما يرى النار، دخول النار شيء، وورودها شيءٌ آخر، وإن منكم إلا واردها، المؤمن يرِد النار، ولا يتأثر بوهجها، ولكن يرى مكانه فيها لو لم يكن مؤمناً، فتتضاعف سعادته في الجنة:

﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى*يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى*وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى ﴾

 فالناس فريقان:

﴿ فَأَمَّا مَنْ طَغَى ﴾

 تجاوز الحد، أخذ ما ليس له، غَشَّ في بيعه، نظر إلى مَن لا تحل له، طغى، اعتدى على أعراض الناس، أو على أموالهم، أو على حياتهم، خرج عن منهج الله عز وجل، وتجاوز الحد الذي سمح الله به، وباع بربح فاحش، وحلف يميناً كاذبة، اعتدى على إنسان.

 

مصير من طغى وبغى نار جهنم :

 قال تعالى:

﴿ فَأَمَّا مَنْ طَغَى ﴾

 لماذا طغى؟ لأنه:

﴿ وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾

 فطغى، وخرج عن منهج الله عز وجل، فما مصيره؟ قال:

﴿ فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾

 وبعد، فما مصير إنسان أسرف على نفسه في بعض المحرَّمات، فاستحق دخول السجون أو المستشفيات؟ نقول: هذا مكان مناسب لهذا الإنسان.

﴿ فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾

 إنسان مريض، يتلوّى مِن الألم، أين المكان المناسب له؟ المستشفى، خذ إنساناً إلى نزهةٍ رائعة، وهو مصاب بالتهاب زائدة، وهو يصيح من الألم، هل يتأثر بجمال المناظر؟ هل يأكل طعاماً فيرتاح له؟ مستحيل، الإنسان الذي يعاني من التهاب زائدة حادٍّ مكانه الطبيعي المستشفى، وأنسب غرفة في المستشفى غرفة العمليات، وأفضل شيء يعالج به جسمه، ليس ملعقةً يأكل بها، بل مشرطاً يفتح بطنه به، فالذي معه أمراض يحتاج إلى عمليات جراحية..

﴿ فَأَمَّا مَنْ طَغَى*وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا*فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾

 مأواه النار.

 

على الإنسان أن يحسب حساب الساعة التي سيقف فيها بين يدي ربه :

 بالمقابل:

﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ﴾

 هذه الساعة التي يقف فيها العبد بين يدي ربه، يقول الله سبحانه لهذا العبد: لمَ فعلت كذا؟ لمَ اعتديت على عرض هذه المرأة، فجعلتها امرأةً بغيّاً وكانت امرأةً شريفة؟ لمَ اعتديت على مال هؤلاء الأيتام فنشؤوا فقراء، فقد كاد الفقر أن يكون كفراً؟ لمَ ظلمت زيداً وأكلت مال عُبيدٍ؟ لمَ أهملت أولادك فشبوا على معصية الله؟

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة الحجر: 92-93]

﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ﴾

 خاف مِن فظاعة الوقوف بين يدي الله، وأن يسأله الله عن أعماله كلها، قال: تقف الفتاة يوم القيامة تقول: يا رب لا أدخل النار حتى أدخل أبي قبلي، لأنه كان سبب انهياري.
 تروي القصص أن إنساناً نشأ شارداً وله أم جاهلة، جاء ببيضةٍ قد سرقها، فأثنت عليه، فسار في طريق السرقة، إلى أن حُكِمَ عليه، طبعاً السرقات تطوَّرت إلى قتل، وحُكِم عليه بالشنق، فلما جاءه مَن يطلب منه أن يتمنى شيئاً قبل أن يشنق قال له: أريد أن أرى أمي، فجاؤوا له بأمه فقال: مدي لسانكِ كي أقبله، فمدت لسانها فقضمه بأسنانه فقطعه، وقال: لو لم يكن هذا اللسان مشجعاً لي على الجرائم لما فقدت حياتي.
 الإنسان بعد أن يتزوج تصبح له مسؤولية كبيرة جداً، مسؤولية تربية أولاده، وحينما يتحرَّك ينبغي أن يتحرك وفق أمر الله، ووفق سُنَّة رسول الله، ووفق منهج الله، أما هذا الذي يتحرك وفق هوى نفسه كالدَّابة المتفلِّتة فمآله وخيم، مصيره الجحيم.

 

الإيمان هو أن تخاف مقام ربك :

 قال تعالى:

﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ﴾

 بإمكانه أن يأخذ هذا المال، أقسم لي أحد بورقةٍ كتبها لي: أعدت لورثةٍ عشرين مليون ليرة لا يعلمون عنها شيئاً، لماذا أرجعها؟ خاف مقام ربه، لماذا سيدنا يوسف قال:

﴿ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾

[ سورة يوسف: 23]

 كم من إنسان تعرض له فتاةٌ، وبإمكانه أن يفعل معها الفاحشة فيقول: معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي، وكم من إنسان ترفَّع عن مالٍ حرام، وهو في أمس الحاجة إليه، حدثني أخ من أخواننا، عنده معمل ويعمل لديه مهندس، وقد وجد في أحد شوارع دمشق ثمانمئة ألف ليرة، وما زال يبحث عن صاحبها حتى وجده ونقده إيَّاها، لماذا ردَّها إلى صاحبها؟ لأنه خاف مقام ربه؟ هذا هو الإيمان، الإيمان قيد الفتك ولا يفتك مؤمن، لماذا تغض بصرك عن محارم الله؟ لأنك تخاف مقام ربك، لماذا ترحم زوجتك؟ لأنك تخاف مقام ربك، لماذا تربي أولادك؟ لأنك تخاف مقام ربك، لماذا تعدل في الوَلَد؟ لأنك تخاف مقام ربك، " إن أحدكم ليعبد الله ستين عاماً، ثم يضارُّ في الوصية فتجب له النار "، نحن في هذه البلدة الطيبة، وهو بلد إسلامي، مئات الأسر عقيدتهم ألا يعطوا البنات شيئاً، بل يعطون الذكور فقط، فكم من إنسان يسيء في هبته ماله لأولاده، يعطي ابن الزوجة الجديدة ويدع أولاد الزوجة القديمة تملُّقاً لأمهم.

 

ثمن الجنة :

 أيها الأخوة:

﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ﴾

 فالنفس تميل..

﴿ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾

 ما ثمن الجنة؟ حدثني أخ فقال: أنا والله لي دخل فلكي، فلدي مطعم فخم جداً يبيع الخمر، تاب إلى الله عز وجل، قال لي: فَقَلَّ الدخل للعشر، وأقل من العشر، لماذا ترك بيع الخمر؟ لأنه خاف مقام ربه، فكم مِن إنسان ترك مالاً وفيراً، ولذةً عريضةً، وجاهاً كبيراً لأنه خاف مقام ربه:

﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ﴾

 أي خاف هذه الوقفة التي سوف يقفها بين يدي ربه، لمَ فعلت كذا؟! يُروى في الحرب العالمية الثانية أن ضابطاً خان أُمَّته، ولهذا البلد تقليد خاص، فلما جيء به للمحاكمة وقيل له: لمَ فعلت كذا وكذا؟ فأخذ مسدساً وأطلق على رأسه فمات، هذا جوابه، إنه موقف عصيب، خيانة عظمى..

 

﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾

 إلى أبد الآبدين، لذلك فالإنسان حينما يرى مكانه في الجنة، مقامه في الجنة، يقول: لم أرَ شراً قط، كل ما في الدنيا مِن متاعب ينساها.

﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ﴾

 متى مرساها؟ السفينة أيان مرساها؟ أي متى تقف؟ أي متى الساعة؟!

 

علم الساعة عند الله وحده :

 قال تعالى:

﴿ فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا ﴾

 أنت لا تعرف ذلك، أحد الأئمة الكبار رأى ملك الموت فسأله: كم بقي لي من عمري؟ فأشار له بخمسة أصابع، فهذا تشوَّش، يا ترى خمس سنوات، أم خمسة شهور، أم خمسة أيام، أم خمسُ ساعات، أم خمس دقائق؟ فسأل أحد العلماء الذين اشتهروا بتفسير المنامات، فقال: يقول لك ملك الموت إن هذا السؤال أحدُ خمسة أشياء لا يعلمها إلا الله.

﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا ﴾

 أنت لا تعرف متى:

﴿ إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا ﴾

 لا يُجَلِّيها لوقتها إلا هو، ولا يعلم متى الساعة إلا هو؟ لكن تجد سؤالاً فيه ترف، كما سأل أحدُ الأعراب النبيَّ عليه الصلاة والسلام قال:

((أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَتَى السَّاعَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ وَلَا صَدَقَةٍ وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَالَ: أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ))

[متفق عليه َعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ]

 بدل أن تسأل متى الساعة، اسأل نفسك ماذا أعددت لها؟

﴿ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا ﴾

 هؤلاء:

﴿ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً ﴾

[سورة البقرة:10]

﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾

[سورة البقرة:171]

الدنيا ساعة وأمر الله لا بد وأن يأتي كلمح البصر :

 قال تعالى:

﴿ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا* كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ﴾

 كل واحد منكم وأنا معكم، كيف مضى عمره؟ والله كلمح البصر، يقول لك: البارحة كنا في الابتدائي نلبس ما يُعرف بالصدرية، الآن عنده ثمانية أولاد، فكيف مضى هذا العمر الطويل؟ مضى كلمح البصر، الدنيا ساعة:

﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ﴾

 لذلك فإذا جاءت الطَّامة، ولا بد أن تأتي، والزمن المتبقي لمجيئها ينقضي كلمح البصر، هذا معنى قوله تعالى:

﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ ﴾

[سورة النحل: 1]

 أتى وانتهى، ثم يقول الله عز وجل:

﴿ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾

[سورة النحل: 1]

 معناها لم يأتِ، فما معنى هذه الآية؟ ربنا عز وجل لحكمةٍ يريدها يعبِّر عن المستقبل بصيغة الماضي، لأن هذا اليوم لا بد أن يأتي، وكأنه أتى، فإذا ركب شخصٌ مركبة - لا سمح الله ولا قدَّر - والطريق شديد الانحدار، وينتهي بمنعطفٍ حاد، ثم اكتشف أن مكابح السيارة لا تعمل، ماذا يقول: هلكنا، متنا، لم يمت بعد، بقيت دقيقتان، لا، فالمصير محتوم بالمئة مليون، فكل إنسان حينما يوقن أنّه إلى هلاك يستعمل الفعل الماضي، فلذلك:

﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾

[سورة النحل: 1]

 لا بد أن يأتي، وقد يأتي كلمح البصر.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور