وضع داكن
27-04-2024
Logo
الدرس : 1 - سورة النازعات - تفسير الآيات 1-13
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

عظمة خلق الله تدلّ على عدالته وعلى دقة المعايير:

 أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الأول من سورة النازعات، ونبدأ بقوله تعالى:

﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً*وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً*وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً*فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً*فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً ﴾

 هذه "الواو" أعربها بعضُهم واو القَسَم، وإذا جاء القسم في القرآن الكريم؛ فبالنسبة إلينا فشيءٌ عظيم، أما بالنسبة إلى الله جل جلاله فشيءٌ قليل، فإذا أردت أن تَنْسِب هذه الآية إلى الله فالواو تلفت نظرنا إلى هذه الآية، وإن أردت أن تنسب هذه الآية إلى قدرات الإنسان الضعيفة، فالواو واو القسم. على كلٍ ففي أكثر سوَر الجزء الثلاثين تبدأ السور بمجموعةٍ من الآيات الكونية، التي تدل على اليوم الآخر، وقد مرّ بنا هذا في سورة عَمَّ..

﴿ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ*عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ ﴾

 معنى ذلك أن الإيمان بالله من دون إيمانٍ باليوم الآخر لا قيمة له، لأن أساس الاستقامة أْن تؤمن بأن هناك يوماً تسوّى فيه الحسابات، وأن هناك يوماً يؤخذ الحقُّ من القويّ ويُعطى للضعيف، وأن كل خللٍ في الأرض يسوّى يوم القيامة، فلذلك ربنا عز وجل يشير إلى عظمة خَلْقِهِ، لأن عظمة خلقه تدلّ على عدالته، وعظمة الخلق تدل على دقة المعايير، وكمال الخَلق يدل على كمال التصرُّف، وهذا شيءٌ مهمٌ جداً في السوَر التي تأتي في الجزء الثلاثين.

 

كواكب الكون ونجومَه تسير في مساراتٍ مغلقة :

 أيها الأخوة، اختلف علماء التفسير في هذه النازعات، أهُم الملائكة تَنْزِعُ أرواح الكفار، فيغرقون في نار جهنم؟

﴿ وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً ﴾

 أي تَنْشَط إلى نزع أرواح الكفار، وهم يسبحون في السماوات والأرض، يعرجون إلى الله عز وجل في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنة، أم شيءٌ آخر؟ الحقيقة من أوجه تفسيرات هذه الآيات أن النازعات غرقاً هي الكواكب، تُنْزَع عن مسارها يوم القيامة، لأن الله عز وجل يقول:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾

[ سورة فاطر: 41 ]

 كل الكون هو كواكب تدور في مساراتٍ مُغْلَقَة، وانتظام الكون في انتظام هذه المسارات، ولأضرب لكم مثلاً بسيطاً: إنّ الأرض تدور حول الشمس في مسار مُغْلَق، ومعنى "مسار مغلق" أنها ترجع إلى مكان انطلاقها النِسْبِيّ، كيف أن الإنسان يجري حول ملعب، هذا المَجْرى مُغلق، دائرة مغلقة، يجري خمس مرات، سبع مرات، عشر مرات، نقول: المسار مغلق، إذاً الكون كله يمكن أن تنتظمه حقيقة واحدة، أن كل كواكبه ونجومَه تسير في مساراتٍ مغلقة، وهذا معنى قول الله عز وجل:

﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ﴾

[سورة الطارق: 11]

 أي أنها ترجع إلى مكان انطلاقها، وأن الكون كلَّه مُتَحَرِّك لو أن الكواكب لا تدور حول بعضها بعضاً في مساراتٍ مغلقة، ماذا حدث؟ طُبِّقَ مبدأ الجاذبية، فأصبح الكون كله كتلةً واحدة، لأن كل نجمٍ أكبر يجذب الأصغر، لكن مع هذه الحركة، ينشأ عن الحركة قوى نبذ تكافئ قوى الجذب، والمثل البسيط: املأ وعاءً من الماء وأدره في الهواء، تجد أن الماء لا يسقط، إذا كان هذا الوعاء في الأعلى، وفي الجهة السُفلى فراغ، فالماء لا يسقط، ما الذي يمنعه من أن يسقط؟ أنه في أثناء الدوران نشأت قوة نبذ نحو الطرف الآخر لمركز الدوران.

 

الكون متوازن توازناً حركياً :

 أكثر الآلات التي تتولى تجفيف الملابس، على أي مبدأ تكون؟ دوران سريع، فماذا ينشأ من هذا الدوران السريع؟ قوة نبذ، فالماء يخرج من الثياب عن طريق قوة النبذ.
 فربنا عز وجل جعل هذا الكون كله يدور في مسارات مغلقة، هذه المسارات ينشأ من خلال هذا الدوران السريع قوة نبذ، تكافئ قوة الجذب، فالكون متوازن، هذا يسمونه أعلى نوع من الميكانيك: التوازن الحركي، أي حركة مع توازن، كل متحرِّك والمحصلة استقرار.

﴿ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً ﴾

[ سورة النمل: 61 ]

 لنضرب على هذا مثلاً، هذه الأرض تسير في مسار مغلق حول الشمس، وهذا المسار ليس دائرياً، بل هو إهليلجيّ أيْ بيضوي، والشكل البيضوي له قطران، قطرٌ أعظمي، وقطر أصغري، فالأرض إذا وصلت إلى القطر الأصغر، هناك خطر أن تنجذب إلى الشمس، لأن المسافة قلَّت بينها وبين الشمس، صغرت، حينما تقل المسافة بين الأرض والشمس تتغلب قوة جذب الأكبر، والشمس يزيد حجمها عن حجم الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة، إذاً من السهل جداً أن تنجذب الأرض إلى الشمس، وتتبخر في ثانيةٍ واحدة، بثانية واحدة تصبح الأرض بخاراً، لأن أشعة الشمس تبلغ ستة آلاف درجة على سطحها، وعشرين مليون درجة في نواتها، في مركزها، فماذا ينشأ؟
 تزيد الأرض سرعتها، مِن هذه الزيادة ينشأ قوة نابذة زائدة تكافئ القوة الجاذبة، فتبقي في مسارها، فلو وصلت إلى البعد الأعظمي، الشكل بيضوي، القطر الأطول، هنا تواجهنا مشكلة ثانية، لعل هذه السرعة العالية تجعلها تتفلَّت من مسارها حول الشمس، وإذا تفلَّتت غرقت في ظلامٍ دامس، وغرقت في بردٍ شديد يصل إلى درجة الصفر المطلقة، مئتين وسبعين تحت الصفر، وكان الموت، فلا بد لتبقى على مسارها أن تتباطأ سرعتها، تباطؤاً تدريجياً كي تبقى مرتبطة بالشمس، فمن أعطى الأرض سرعةً إضافيةً كي تتفلَّت من انجذابها للشمس، ومن أعطى الأرض سرعةً متباطئةً كي تنجو من تفلُّتها من مسارها حول الشمس؟ الله جل جلاله.

 

حينما يأتي اليوم الآخر ينتهي نظام الكون الرائع :

 لكن هذه السرعة الزائدة، وذاك التباطؤ الزائد، يكون بشكلٍ تدريجيٍ سماه علماء الرياضيات "التسارع"، تسارع الأرض في سرعتها بطيء، وتباطؤها بطيء، من أجل هذا تبقى الأبنية على حالها، ولو أن الأرض رفعت سرعتها فجأةً لتهدم كلُّ ما عليها، وهذا معنى قوله تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾

[ سورة فاطر: 41 ]

 أيْ أن تنحرف من مسارها، وتُنزع مِن مسارها، فلو نُزِعَت الأرض من مسارها لانتهت الحياة مِن على سطحها، وهناك عالم بعيد جداً عن أن يؤمن بالله، ومع ذلك قال: لو أن الأرض تفلَّتت مِن مسارها حول الشمس، وأردنا أن نعيدها إلى مسارها المُغْلَق، لاحتجنا إلى مليون ملْيون حبل فولاذي، وقطر كل حبلٍ خمسة أمتار، وهذا الحبل الفولاذي المضفور يتحمل قوى من الشد تزيد عن مليوني طن. أي أن الأرض مربوطة بالشمس، بقوة جذب تساوي مليونين ضرب مليون ملْيون طن، لو أردنا أن نزرع هذه الحبال على سطح الأرض المقابل للشمس، لفوجئنا أن بين كل حبلين مسافة حبل واحد فارغ، فنحن إذاً أمام غابة من الحبال الفولاذية، ولتعطَّلت الزراعة عندئذٍ، وتعطل البناء، والمواصلات، والضوء، أمام غابة، بين كل حبلين مسافة حبل فارغ، وهذا معنى قوله تعالى:

﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾

[ سورة الرعد: 2 ]

 رفعها بعمدٍ لا ترونها، الآن، ما معنى:

 

﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً ﴾

 أي أن الله عز وجل حينما يأتي اليوم الآخر، حينما تنتهي الحياة من على سطح الأرض، الشمس كوّرت، والنجوم انكدرت، والنجوم كيف تنكدر؟ تُنْزَع من مسارها حول بعضها بعضاً، اختل نظام الكون، أو أن الله سبحانه وتعالى أنهى نظام الكون، فحينما تُنْزَع الكواكب من مساراتها حول بعضها بعضاً، تنتهي هذه الكواكب وتتناثر وتتفَجَّر، وينتهي نظام الكون الرائع.

 

إعجاز الله تعالى في الكون :

 قال تعالى:

﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً ﴾

 إذاً هذه النجوم حينما تنزع من مسارها حول بعضها بعضاً وتنتهي..

﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ*وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ ﴾

[ سورة التكوير: 1-2]

 أي انطفأت..

﴿ وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً ﴾

 أي أن هذه السُرعات الهائلة للنجوم هل فكرنا فيها؟ أكثر المجرَّات البعيدة سرعتها تزيد عن مئتين وأربعين ألف كيلو متر في الثانية، بل إن سرعتها تقترب من سرعة الضوء وبنشاط دقيق بالغ، أي أن أدق ساعة في العالم تضبط كل عامٍ على مسير نجمٍ، على زاوية رصد نجم، فقد تقصِّر هذه الساعة بضع ثوانٍ، وقد تقدِّم بضع ثوانٍ، والنجم لا يقدِّم ولا يؤخِّر، إذاً هي سرعةٌ عالية مع دقةٍ بالغة:

﴿ وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً ﴾

 الأرض كما تعلمون تنطلق في رحلتها حول الشمس بسرعة ثلاثين كيلو متراً في الثانية، فمنذ أن أذَّن المغرب حتى الآن قطعنا مئات آلاف الكيلومترات، وهذه حقيقة بديهية ثابتة، مقطوع بها، فسرعة الأرض حول الشمس ثلاثين كيلومتراً في الثانية.

 

أقرب نجم مُلْتَهِب إلى الأرض بُعدُه عنا أربعُ سنوات ضوئية :

 قال تعالى:

﴿ وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً* وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً ﴾

 أيْ أنك لا تستطيع أن تجعل بعض الأحجار تتحرَّك في الهواء، فهذا فوق طاقة البشر، وقبل أن أنتقل من قوله تعالى:

﴿ وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً ﴾

 أُذَكِّركم بقوله تعالى:

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾

[سورة الواقعة: 75-76]

 هذا النجم الذي يبعد عنا عشرين مليار سنة ضوئية، فالبُعدُ رقمٌ خياليٌّ، علماً بأنّ أقرب نجم مُلْتَهِب إلى الأرض بُعدُه عنا أربعُ سنوات ضوئية، والضوء يقطع في الثانية ثلاثمئة ألف كيلو متر، في الدقيقة ضرب ستين، في الساعة ضرب ستين، في اليوم ضرب أربعة وعشرين، في العام ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين، في أربعة، هذا الرقم الكبير هو بُعدُ هذا النجم الذي هو أقرب نجمٍ على الإطلاق إلى الأرض ملتهب، فهذه المسافة لو قسمناها على مئة كيلو متر سرعة سيارة، لعرفنا كم ساعة تكفي كي نصل لهذا النجم بسيارتنا، ولو قسمنا على أربعة وعشرين، كم يوماً؟ على ثلاثمئة وخمسة وستين، كم سنة؟ نحتاج إلى خمسين مليون سنة كي نصل بمركبةٍ أرضيةٍ إلى أقرب نجمٍ ملتهب للأرض.

 

النجوم والمجرات والكواكب من آيات الله الدالة على عظمته :

 القفزة الواحدة، نجم القطب أربعة آلاف سنة، اليوم ذكرت في الخطبة: أن مرصداً عملاقاً اسمه مرصد "هابل" في أمريكا رصد سديماً اسمه عين القِط، وفي هذا السديم نجم تفجَّر، يبعد عن هذا النجم ثلاثة آلاف سنة ضوئية، وقد رُصِدَ هذا النجم، والتقطت صورته، قال تعالى:

﴿ فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ* فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾

[ سورة الرحمن: 37-38 ]

 وهي صورةٌ حقيقيةٌ مأخوذةٌ من مِرْصَدٍ عملاق في أمريكا، وقد سُجِّلت هذه الصورة في الصفحة العالمية للكمبيوتر " الإنترنت "، والتقطها أحد الأخوة الكرام، واليوم تحدثت عنها في الخطبة ملياً، وأكثر من عشرين أخ حمل هذه الصورة، واطَّلع الأخوة المُصَلّون عليها، وردة بكل معاني هذه الكلمة، وردة جورية، وريقات حمراء اللون، وحولها وريقات خضراء، وفي الوسط الكأس..

﴿ فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ* فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾

[ سورة الرحمن: 37-38 ]

 هذا النجم بُعدُه عنا ثلاثة آلاف سنة ضوئية، أربع سنوات ضوئية نحتاج إلى خمسين مليون سنة كي نصل إليه، فكم تساوي ثلاثة آلاف سنة ضوئية؟ المرأة المسلسلة مليوني سنة ضوئية تبعد عنا، المرأة المسلسلة حجمها يزيد عن حجم مجرتنا بثمانٍ وعشرين مرة، مجرَّتنا إحدى مجرَّات الكون، فيها ما يقرُب من مئة ألف مليون نجم، وفي الكون ما يقرُب من مئة ألف مليون مجرَّة، وفي كل مجرة ما يقرب من مئة ألف مليون نجم، المرأة المسلسلة مجرة، حجمها يزيد عن حجم مجرَّتنا بثمانية وعشرين ضعفاً، وتبدو نجماً واحداً من عندنا، وقد تجدون في السماء نجماً متألقاً يومض، فالذي يومض هو مجرة، وبُعدُه عنا مليونا سنة ضوئية، وأحدث رقم لمجرة تبعُد عنا عشرين مليار سنة ضوئية إن أرسلت ضَوْءَها إلينا، فهذا الضوء يبقى يسير في الفضاء الخارجي عشرين مليار سنة كي يصل إلينا، فإذا وصل إلينا فأين هو الآن؟ لا يعلم مكانه إلا الله، ولكنه كان في هذا المكان قبل عشرين مليار سنة.

 

الله عز وجل لم يقسم بِالنُّجُومِ بل أقسم بمواقعها :

 ربنا عز وجل قال:

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾

[سورة الواقعة: 75-76]

 لم يقسم بِالنُّجُومِ بل أقسم بمواقعها، هذا موقع نجم، أما هو فيمشي بسرعةٍ عالية، هذا على معنى:

﴿ وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً ﴾

 أما على قوله تعالى:

﴿ وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً ﴾

 فأنت يمكن أن تأتي بسطح ثقيل، لوح بلور، وتأتي بكتلتين مغناطيسيتين بحجمٍ واحد، وأنت عالم كبير في الفيزياء، نعطيك كرة ثقيلة، ونقول لك: هل بالإمكان أن تضع هذه الكرة في مركز متوسط بين الكتلتين حيث لا تنجذب لا إلى هنا، ولا إلى هنا؟ أغلب الظن أن هذا فوق طاقة البشر، أن يضع كرةً حديديةً بين كتلتين مغنطيسيتين بحجمٍ واحد، وقوة شحنٍ واحدة، فلو جعلنا كل كتلةٍ بحجم معيّن، لاحتاجت إلى حسابات رياضية معقدة جداً، لأن قوة الجذب تتناسب مع الحجم، مع مربع المسافة، فلو أعطيناه ثلاث كُتَل متفرقة، كل كتلة بحجم، فهذا أشدُّ صعوبة، فكيف ولو أعطيناه أربع كتل، أما كتلتان على سطح وكتلتان في الفراغ، فهذا أصعب وأصعب، ولو أعطيناه كتلاً عديدةً مختلفة الحجم وهي تتحرَّك في فضاء، ووضع هذه الكرة في مكانٍ متوسط حيث لا تنجذب لا إلى هنا ولا إلى هنا، فهذا فوق طاقة البشر، وهذا هو الكون، الكون مئة ألف مليون مجرة مع مئة ألف مليون نجم، كلها أحجام كبيرة، وصغيرة، ومتفاوتة، وكثافات متفاوتة، وهي كلها متحرِّكة، والمحصلة: نظام مستقر، توازن حركي، هذا معنى قوله تعالى:

﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً*وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً*وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً*فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً*فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً ﴾

عدة تفاسير وردت حول هذه الآيات :

 نظام الليل والنهار أساسه دورة الأرض حول نفسها، ونظام الفصول أساسه دورة الأرض حول الشمس مع محورٍ مائل، فتدبير أمر الفصول، وأمر الليل والنهار، وأمر الأمطار، هذه تجدها في قوله تعالى:

﴿ فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً ﴾

 هذا أحد التفاسير التي وردت حول هذه الآيات، هناك تفسيرٌ آخر يقول: النازعات هم الملائكة، تنشط إلى قبض أرواح الكُفَّار، وتسبح تعرِّج إلى الله عز وجل في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنة..

﴿ فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً* فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً ﴾

 تدبر أمر الخلائق بما تتلقّى من أوامر من الله عز وجل، القرآن حمَّال أوجه، أنا وجدت أن أول تفسير هو أقرب إلى الانسجام مِن بين التفاسير، هذه النجوم التي في السماء، لو أنها نزعت من مسارها لانتهت، من أجل أن تعرف ماذا يعني أن يبقى النجم في مساره؟ إن الله يمسك، إنه إلهٌ عظيم..

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ ﴾

[ سورة فاطر: 41]

 انتهت الحياة من على سطح الأرض، فلو أن الأرض خرجت عن مسارها، كما لو أن القطار خرج عن سكته لهوى في الوادي.

 

وصف دقيق ليوم الدين كما ورد في القرآن الكريم :

 هذا القسم فأين جوابه؟

﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً*وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً*وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً*فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً*فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً* يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ ﴾

 هذا اليوم العصيب، هذا يوم الدين، هذا يوم الراجِفَة، هذا يوم الواقعة، هذا يوم الحاقَّة، هذا يوم الطامة الكبرى، هذا يوم الفَصْلِ، هذا يوم الدين، هذا يوم الدينونة، هذا يوم الجزاء.

﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ ﴾

 الراجفة الأرض:

﴿ إِذَا زُلْزِلَتْ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا*وَأَخْرَجَتْ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا*وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا*يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا*بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا*يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ*فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه*وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه ﴾

[ سورة الزلزلة:1-8]

الزلزلة الكبرى والزلزلة الصغرى :

 ربنا عز وجل قال:

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ﴾

[سورة الواقعة: 75]

﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ ﴾

[سورة المزمل: 14]

 الأرض تهتز، هذه الزلزلة الكُبرى، وهناك زلزلة صُغْرَى، زلزال في تركيا استمر ثوانيَ معدودة، وكانت شدته سبع درجات على سُلّم (رختر)، فخلّف وراءه خمسين ألف إنسان، مئتا ألف بلا مأوى، وخمسين ألف قتيل، في دقيقة وزيادة.

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ*يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾

[سورة الحج: 1-2]

الأرض سوف تتحدث يوم القيامة لله عز وجل عما فعله هذا الإنسان :

 أيها الأخوة، في هذا اليوم تُزَلْزَل الأرض زلزالها، وتخرج أثقالها، أيْ الإنسان، وقد دُفِن فيها من قبْلُ، ويقول هذا الإنسان: مالها، ما الذي حدث؟

﴿ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ﴾

[سورة الزلزلة: 4]

 تحدّث عما فعل فيها الإنسان، أقام حروباً، انتهك أعراضاً، شرَّد أُناساً، لا لسببٍ وجيه بل لسببٍ عِرْقِيّ، يقول: حرب تطهير عرقية، هذه الأرض سوف تتحدث لله عز وجل عما فعله هذا الإنسان، هذا المخلوق الأول..

﴿ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً*وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً*وَبَنِينَ شُهُوداً*وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً*ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ*كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيداً*سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً*إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ*فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ*ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ*ثُمَّ نَظَرَ*ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ*ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ*فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ*إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ*سَأُصْلِيهِ سَقَرَ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ*لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ*لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ*عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾

[سورة المدثر: 11-30]

في اليوم الآخر الأرض تُزَلْزَل والنجوم تَنْكَدِر والشمس تتكوّر:

 أيها الأخوة، في هذا اليوم يوم تهتز الأرض وتخرج هذا الإنسان الذي طغى وبغى ونسي المبتدى والمنتهى، تخرج هذا الإنسان الذي بنى مَجْدَهُ على أنقاض الآخرين، وبنى غِناه على إفقار الآخرين، وبنى أمنه على خوف الآخرين، وبنى حياته على موت الآخرين، هذا الإنسان الذي خَلَقَهُ الله ليسعد في الآخرة، خان الأمانة، ونسي مهمته، وفعل ما فعل..

﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ* تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ﴾

 الأرض تُزَلْزَل، والنجوم تَنْكَدِر، والشمس تتكوّر، وكل شيءٍ قد انتهى، أول كلمة هي الراجفة، والرادفة تتبعها هي السماء:

﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ*وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ*وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ*وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ﴾

[ سورة التكوير: 1-4]

﴿ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ*أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ ﴾

البطولة أن تنجو في اليوم الآخر لا في الدنيا :

 الإنسان أحياناً حتى في الدنيا يتجاوز حدوده، فينتهك حُرْمة القانون، ويتبجَّح، ويتعاظم، ويتغطْرَس فإذا وقع في يد العدالة لم يستطع أن ينظر إلى آلة التصوير حين يُصوَّر:

﴿ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ* أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ ﴾

 البطولة أن تنجو في هذا اليوم، لا أن تتيه على الناس بمالك، ولا بعلمك، ولا بسلطانك، ولا بمكانتك، ولا بقدرتك على الأذى، البطولة أن تنجو في هذا اليوم..

﴿ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ*أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ ﴾

 ساكنة سكون الخَوْف، والقلب مضطرب اضطراب الفزع والجزع.

﴿ يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ ﴾

 أي نحن سوف نرد إلى الدنيا؟ فما الذي حصل؟ هم في رعب، وهم في دهشة..

﴿ أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً نَخِرَةً ﴾

 طبعاً الإنسان قد يبقى عظاماً نخرةً فقط، أي عظماً هَشّاً، عظماً مَنْخوراً، قال: لا، أنتم حينما رَجَفَت الأرض، وتبعتها السماء، وأنتم تخافون، والأبصار خاشعة، لن تردوا إلى الدنيا.

﴿ يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ ﴾

الإنسان حينما يوضع في الحساب يندم أشد الندم :

 العرب تقول: رُدَّ في حافرته، أي عاد من حيث أتى، توهّموا أن هناك عودةً إلى الدنيا، قال: لا، الذهاب إلى الآخرة، إلى يوم الجزاء، إلى يوم الحساب، إلى يوم الدين، عندئذٍ يقولون:

﴿ قَالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ ﴾

 الإنسان حينما يُلْغِي إنسانيَّته، ويتَّبع شهوته، قد يستمتع إلى حين، وقد ينغمس في لذَّاتٍ محرَّمة، ولكن حينما يوضع في الحساب يندم أشد الندم.
 والآن نحن في الدنيا أيها الأخوة، لك أن تفعل ما تشاء فأنت مخيَّر، لك أن تصدق ولك أن تكذب، لك أن تستقيم ولك أن تنحرف، لك أن تُخْلِص ولك أن تخون، لك أن ترعى ولك أن تُضَيِّع، لك أن تفعل ما تشاء، ولكن اعتقد اعتقاداً جازماً أن كل شيءٍ تفعله مُسَطَّرٌ في صحيفتك وسوف تنشر هذه الصحيفة، وسوف تحاسب عن كل كلمةٍ، وعن كل حركةٍ وسكنةٍ قمت بها في الحياة الدنيا.
 هؤلاء الذين دفنوا في باطن الأرض، حينما رجفت الأرض، وأخرجتهم للحساب توهَّموا، وكانت قلوبهم مضطربة من شدة الخوف، وأبصارهم خاشعةً من شدَّة الخَجَل، توهموا أنهم مردودون إلى الأرض، إلى الحياة الدنيا مرةً ثانية، فلمّا علموا أنهم ذاهبون إلى الحساب، إلى الجزاء، حينما يكتشف الإنسان أنه ذاهبٌ ليُحاسب، ذاهبٌ ليحاسب حساباً دقيقاً عسيراً، ما شعوره؟

﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾

[سورة الغاشية:25ـ 26]

 إلى أين الذهاب؟ إلى الدنيا مرةً ثانية؟! لا، إلى يوم الدين، إلى الدار الآخرة، إلى الحساب.

 

الذي يؤمن باليوم الآخر لا يستطيع أن يعتدي على أحد :

 أحدهم اضطر إلى أن يقترض مبلغ ثلاثمئة ألف ليرة، بحث في جهاتٍ عديدة، فلم تُنْجِدْهُ، عرض مزرعةً اشتراها وهي غالية الثمن، عرض أن يجعلها باسم من يقرضه هذا المبلغ، على أن يردَّها إليه بعد تسديد المبلغ، وقَبِلها أحدُهم فأعطاه المبلغ ثلاثمئة ألف، وسجّل المَدين هذه المزرعة باسم الدائن، وبعد سنواتٍ عدة تمكن المدين من تأمين المبلغ، فذهب إليه ونقده الثمن، وقال: يرجى أن ترجع لي مزرعتي، قال له: كل واحد حقه وصل له. المزرعة ثمنها مليون، فلما رأى أن هذه المزرعة قد ذهبت وضاعت منه، تألَّم أشد الألم، فطغى عليه الألمُ حتى أصابته أزمةٌ قلبيةٌ حادّةٌ، جعلته على شفير الموت، فجاء بابنه وأملى وصية عليه، قال فيها: حينما أموت، وحينما أوضع في النعش، اذهب بجنازتي إلى محل الذي اغتصب مني هذه المزرعة، وأوقف هذه الجنازة، وادخُلْ إلى محله، وقدِّم له هذه الرسالة، فماذا في الرسالة؟
يقول له: لقد اغتصبتَ مزرعتي ظلماً، وأنا ذاهبٌ إلى دار الحق، فإن كنت بطلاً فلا تلحقْني، يُروى أنه ردَّ لهم المزرعة بعد فوات الأوان.
 هناك يوم حساب، فافعل ما تشاء، لكن الجاهل يعدُّ نفسه ذكياً حينما يأخذ ما ليس له، ويعدُّ نفسه ذكيّاً إذا اغتصب مالاً، أو عقاراً، أو دكاناً، أو شركةً، أو وكالةً، أو طَلَّقَ امرأةً ظلماً وعدواناً، وقد أخذ كل ما عندها، هناك من يقول لزوجته: إن لم تكتبي لي هذا البيت طلقتُك، تكتبه له، وبعد هذا يطلّقها، أما هذا الذي يؤمن باليوم الآخر فلا يستطيع أن يعتدي على نملة، ولا أقلّ من نملة، ولا يستطيع أن يأكل درهماً واحداً حراماً، هذا هو الذي يؤمن باليوم الآخر، أما إذا كان الإيمان فيه ضعف، ويعد نفسه ذكيّاً، ويفعل العمل السيئ، فمن أقرَّه على عمله كان شريكه في الإثم كذلك.
 ثم يقول الله عز وجل حينما يعلمون أنهم ذاهبون إلى يوم الدين، ليوم الجزاء:

﴿ قَالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ ﴾

 مشكلة كبيرة جداً، أن نحاسَب على كل مالٍ اقترفناه، فالميّت حينما يوضع في نَعشِهِ ترفرف روحه فوق النعش، تقول: يا أهلي يا ولدي، لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي، جمعت المال مما حل وحرم، فأنفقته في حِلِّه وغير حله، فالهناء لكم والتبعة عليَّ.

 

فسر بعض المفسرين الراجفة والرادفة بأنهما الصعقة الأولى والصعقة الثانية :

 إنّ أندم الناس رجلٌ دخل ورثته بماله الجنة ـ ورثوه حلالاً ـ ودخل هو بماله النار، وأندم الناس عالمٌ دخل الناسُ بعلمه الجنة ودخل هو بعلمه النار، وأندم الناس رجلٌ باع آخرته بدنيا غيره..

﴿ أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً نَخِرَةً* قَالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ* فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ ﴾

 فاتني أن أقول لكم:

﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ* تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ﴾

 بعض علماء التفسير فسر هاتين الكلمتين (الراجفة والرادفة) بأنهما الصعقة الأولى، والصعقة الثانية، اللتان وردتا في سورة الزُمَر، النفخة الأولى والنفخة الأخرى..

﴿ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ ﴾

 هذه الصعقة الثانية:

﴿ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ﴾

[سورة الزمر:68]

 أول صعقة يصعق بها كل الخلائق، والصعقة الثانية عندما يوقفون ليوم الحساب.

﴿ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ*فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ ﴾

 الساهرة، مكان الحشر، ساحة كبيرة جداً، فليست هناك كتل، ومحاور، وتجمعات، هذا من جماعتنا اتركوه، فليس هناك شيء من هذا.

﴿ فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ ﴾

﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمْ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُمْ مَا كُنتُمْ تَزْعُمُون﴾

[سورة الأنعام:94]

أحاديث شريفة تؤكد أن الإنسان يحاسب على كل شيء يوم القيامةً:

 المشكلة أن الإنسان يحاسب على كل شيء، ولا نصير له أبداً..

(( لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشاً فَاجْتَمَعُوا فَعَمَّ وَخَصَّ فَقَالَ يَا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ يَا بَنِي مُرَّةَ بنِ كَعْبٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ يَا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ يَا بَنِي هَاشِمٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ النَّارِ يَا فَاطِمَةُ أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنْ النَّارِ فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِماً سَأَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا ))

[مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

(( أتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ؟ قالوا: المفْلسُ فينا من لا درهم له ولا متاع قال: إن المفْلسَ مَنْ يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شَتَمَ هذا، وقذفَ هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فَنيَتْ حَسَناتُهُ قبل أن يُقْضى ما عليه أُخِذَ من خطاياهم فطُرِحَتْ عليه، ثم يُطْرَحُ في النار ))

[مسلم والترمذي عن أبي هريرة ]

(( قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا قَالَ هِيَ فِي النَّارِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنْ الْأَقِطِ وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا قَالَ هِيَ فِي الْجَنَّةِ ))

[أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

((عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلَا سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ ))

[متفق عليه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ]

﴿ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ ﴾

 هذه الصعقة الثانية:

﴿ فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ ﴾

 في ساحة الحَشْر.

 

الإيمان بالله من دون إيمانٍ باليوم الآخر لا ينفعنا إطلاقاً :

 أيها الأخوة، سورة النازعات من سوَر الجُزء الثلاثين، وهي تُرَكِّز على اليوم الآخر، والإيمان باليوم الآخر أساسيٌ جداً، بل إن الإيمان بالله من دون إيمانٍ باليوم الآخر لا ينفعنا إطلاقاً.
 وفي الدرس القادم إن شاء الله يحدثنا الله عز وجل عن أحد رؤوس الكفر، فرعون، كيف كان في الدنيا حيث قال:

﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾

[ سورة النازعات: 24]

﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾

[ سورة القصص: 38 ]

 وكيف أصبح مصيره في الآخرة، ولذلك سُمِّيَ يومُ القيامة الواقعة، قال تعالى:

﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ*لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ*خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ ﴾

[سورة الواقعة: 1-3 ]

 فمن كان في الدنيا بمقياس البشر غنياً، أو قوياً، ولم يكن مستقيماً، كان في الآخرة في أسفل سافلين.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور