وضع داكن
20-10-2024
Logo
الدرس : 1 - سورة النازعات - تفسير الآيات 1-13 الإيمان بالله واليوم الآخر متلازمان
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

  عظمة خلق الله تدلّ على عدالته وعلى دقة المعايير:


أيها الإخوة الكرام؛ مع الدرس الأول من سورة النازعات، وتبدأ بقوله تعالى:

﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5)﴾

[ سورة النازعات  ]

هذه "الواو" أعربها بعضُهم واو القَسَم، وإذا جاء القسم في القرآن الكريم فبالنسبة إلينا شيءٌ عظيم، أما بالنسبة إلى الله جل جلاله فشيءٌ قليل، فإذا أردت أن تَنْسِب هذه الآية إلى الله فالواو تلفت نظرنا إلى هذه الآية، وإن أردت أن تنسب هذه الآية إلى قدرات الإنسان الضعيفة، فالواو واو القسم. 
على كلّ في أكثر سوَر الجزء الثلاثين تبدأ السور بمجموعةٍ من الآيات الكونية التي تدل على اليوم الآخر:

﴿ عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2)﴾

[ سورة النبأ  ]

معنى ذلك أن الإيمان بالله من دون إيمانٍ باليوم الآخر لا قيمة له، لأن أساس الاستقامة أن تؤمن أن هناك يوماً تسوّى فيه الحسابات، وأن هناك يوماً يؤخذ الحقُّ من القويّ ويُعطى للضعيف، وأنّ كل خللٍ في الأرض يسوّى يوم القيامة، فلذلك ربنا عز وجل يشير إلى عظمة خَلْقِهِ، إن عظمة خلقه تدلّ على عدالته، إن عظمة الخلق تدل على دقة المعايير، أو إنّ كمال الخَلق يدل على كمال التصرُّف، وهذا شيءٌ مهمٌ جداً في السوَر التي تأتي في الجزء الثلاثين.
 

كواكب الكون ونجومه تسير في مساراتٍ مغلقة:


أيها الإخوة؛ اختلف علماء التفسير في هذه النازعات، أهُنّ الملائكة تَنْزِعُ أرواح الكفار فيغرقون في نار جهنم ﴿وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً﴾ أي تَنْشَط إلى نزع أرواح الكفار، وهم يسبحون في السماوات والأرض، يعرجون إلى الله عز وجل في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنة أم شيءٌ آخر؟ الحقيقة من أوجه تفسيرات هذه الآيات أن النازعات غرقاً هي الكواكب، تُنْزَع عن مسارها يوم القيامة، لأن الله عز وجل يقول:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41)﴾

[ سورة فاطر ]

كل الكون هو كواكب تدور في مساراتٍ مُغْلَقَة، وأن انتظام الكون في انتظام هذه المسارات، ولأضرب لكم مثلاً بسيطاً: الأرض تدور حول الشمس في مسار مُغْلَق، معنى مسار مغلق أنها ترجع إلى مكان انطلاقها النسْبِيّ، كيف أن الإنسان يجري حول ملعب، هذا المَجْرى مُغلق، دائرة مغلقة، يجري خمس مرات، سبع مرات، عشر مرات، نقول: المسار مغلق، إذاً الكون كله يمكن أن تنتظمه حقيقة واحدة، أن كل كواكبه ونجومه تسير في مساراتٍ مغلقة، وهذا معنى قول الله عز وجل:

﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11)﴾

[ سورة الطارق ]

أي أنها ترجع إلى مكان انطلاقها، وأن الكون كلّه مُتَحَرِّك، لو أن الكواكب لا تدور حول بعضها بعضاً في مساراتٍ مغلقة ماذا حدث؟ طُبِّقَ مبدأ الجاذبية فأصبح الكون كله كتلةً واحدة، لأن كل نجمٍ أكبر يجذب الأصغر، لكن مع هذه الحركة ينشأ عن الحركة قوى نبذ تكافئ قوى الجذب، والمثل البسيط: املأ وعاءً من الماء وأدره هكذا، تجد أن الماء لا يسقط، إذا كان هذا الوعاء في الأعلى، وفي الجهة السفلى فراغ، فالماء لا يسقط، ما الذي يمنعه من أن يسقط؟ أنه في أثناء الدوران نشأت قوة نبذ نحو الطرف الآخر لمركز الدوران.
 

الكون متوازن توازناً حركياً:


أكثر الآلات التي تتولى تجفيف الملابس على أي مبدأ تكون؟ دوران سريع، ماذا ينشأ من الدوران السريع؟ قوة نبذ، فالماء يخرج من الثياب عن طريق قوة النبذ.
فربنا عز وجل جعل هذا الكون كله يدور في مسارات مغلقة، هذه المسارات ينشأ من خلال هذا الدوران السريع قوة نبذ تكافئ قوة الجذب، فالكون متوازن، هذا يسمونه أعلى نوع بالميكانيك: التوازن الحركي، أي حركة مع توازن، كله متحرِّك والمحصلة استقرار.

﴿ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61)﴾

[ سورة النمل ]

لنضرب على هذا مثل الأرض، الأرض تسير في مسار مغلق حول الشمس، هذا المسار ليس دائرياً، بل هو إهليلجيّ أيْ بيضوي، والشكل البيضوي له قطران، قطرٌ أعظمي، وقطر أصغري، فالأرض إذا وصلت إلى القطر الأصغر، هناك خطر أن تنجذب إلى الشمس، لأن المسافة قلَّت بينها وبين الشمس، صغُرت، حينما تقلّ المسافة بين الأرض والشمس تتغلب قوة جذب الأكبر، والشمس يزيد حجمها عن حجم الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة، من السهل جداً أن تنجذب الأرض إلى الشمس، وتتبخر في ثانيةٍ واحدة، بثانية واحدة تصبح الأرض بخاراً، لأن أشعة الشمس ستة آلاف درجة على سطحها، وعشرون مليون درجة في نواتها، في مركزها، ماذا ينشأ؟ تزيد الأرض سرعتها، مِن هذه الزيادة ينشأ قوة نابذة زائدة تكافئ القوة الجاذبة فتبقى في مسارها، فلو وصلت إلى البعد الأعظمي، الشكل بيضوي، القطر الأطول، هنا تواجهنا مشكلة ثانية، لعل هذه السرعة العالية تجعلها تتفلَّت من مسارها حول الشمس، وإذا تفلَّتت غرقت في ظلامٍ دامس، وغرقت في بردٍ شديد يصل إلى درجة الصفر المطلقة، مئتان وسبعون تحت الصفر، وكان الموت، فلابدّ من أجل أن تبقى على مسارها أن تتباطأ سرعتها تباطؤاً تدريجياً كي تبقى مرتبطة بالشمس، فمن أعطى الأرض سرعةً إضافيةً كي تتفلَّت من انجذابها للشمس؟ ومن أعطى الأرض سرعةً متباطئةً كي تنجو من تفلُّتها من مسارها حول الشمس؟ الله جلّ جلاله.
 

حينما يأتي اليوم الآخر ينتهي نظام الكون الرائع:


لكن هذه السرعة الزائدة، وذاك التباطؤ الزائد، يكون بشكلٍ تدريجيٍ سماه علماء الرياضيات: التسارع، تسارع الأرض في سرعتها بطيء، وتباطؤها بطيء، من أجل هذا تبقى الأبنية على حالها، لو أن الأرض رفعت سرعتها فجأةً لانهدم كلُّ ما عليها، وهذا معنى قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا﴾ أيْ أن تنحرف من مسارها، أي أن تُنزع مِن مسارها، لو نُزِعَت الأرض من مسارها لانتهت الحياة مِن على سطحها، هناك عالم بعيد جداً عن أن يؤمن بالله، ومع ذلك قال: لو أن الأرض تفلَّتت مِن مسارها حول الشمس، وأردنا أن نعيدها إلى مسارها المُغْلَق لاحتجنا إلى مليون ملْيون حبل فولاذي، قطر كل حبلٍ خمسة أمتار، وهذا الحبل الفولاذي المضفور يتحمل قوى من الشد تزيد عن مليوني طن، أي الأرض مربوطة بالشمس بقوة جذب تساوي مليونين ضرب مليون ملْيون طن، لو أردنا أن نزرع هذه الحبال على سطح الأرض المقابل للشمس لفوجئنا أن بين كل حبلين مسافة حبل واحد فارغ، نحن أمام غابة من الحبال الفولاذية، الزراعة تعطلت، والبناء تعطل، والمواصلات تعطلت، والضوء تعطل، أمام غابة، بين كل حبلين مسافة حبل فارغ، وهذا معنى قوله تعالى:

﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2)﴾

[ سورة الرعد ]

رفعها بعمدٍ لا ترونها، الآن ما معنى: ﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً﴾؟ أي أن الله عز وجل حينما يأتي اليوم الآخر، حينما تنتهي الحياة من على سطح الأرض، الشمس كوّرت، والنجوم انكدرت، والنجوم كيف تنكدر؟ تُنْزَع من مسارها حول بعضها بعضاً، اختل نظام الكون، أو أن الله سبحانه وتعالى أنهى نظام الكون، فحينما تُنْزَع الكواكب من مساراتها حول بعضها بعضاً تنتهي هذه الكواكب وتتناثر وتتفَجَّر، وينتهي نظام الكون الرائع.
 

إعجاز الله تعالى في الكون:


﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً﴾ إذاً هذه النجوم حينما تُنزع من مسارها حول بعضها بعضاً وتنتهي.

﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2)﴾

[ سورة التكوير ]

أي انطفأت:

﴿ وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2)﴾

[ سورة النازعات ]

 أي هذه السُرعات الهائلة للنجوم هل فكرنا فيها؟ أكثر المجرَّات البعيدة سرعتها تزيد عن مئتين وأربعين ألف كيلو متر في الثانية، بل إن سرعاتها تقترب من سرعة الضوء، ونشاط بدقة بالغة، أي أن أدق ساعة في العالم تُضبط كل عامٍ على مسير نجمٍ، على زاوية رصد نجم، فقد تقصِّر هذه الساعة بضع ثوانٍ، وقد تقدِّم بضع ثوانٍ، والنجم لا يقدِّم ولا يؤخِّر، إذاً سرعةٌ عالية مع دقةٍ بالغة: ﴿وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً﴾ ، والأرض كما تعلمون تنطلق في رحلتها حول الشمس بسرعة ثلاثين كيلو متراً في الثانية، وهذه حقيقة بديهية ثابتة، مقطوع بها، سرعة الأرض حول الشمس ثلاثون كيلومتراً في الثانية.
 

أقرب نجم مُلْتَهِب إلى الأرض بُعدُه عنا أربعُ سنوات ضوئية:


﴿ وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3)﴾

[ سورة النازعات ]

 أيْ أنت لا تستطيع أن تجعل بعض الأحجار تتحرَّك في الهواء، فوق طاقة البشر، وقبل أن أنتقل من قوله تعالى: ﴿وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً﴾ أُذَكِّركم بقوله تعالى:

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)﴾

[ سورة الواقعة ]

هذا النجم الذي يبعد عنا عشرين مليار سنة ضوئية، أقرب نجم مُلْتَهِب إلى الأرض بُعدُه عنا أربعُ سنوات ضوئية، الضوء يقطع في الثانية ثلاثمئة ألف كيلو متر، في الدقيقة ضرب ستين، في الساعة ضرب ستين، في اليوم ضرب أربع وعشرين، في العام ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين، في أربع، هذا الرقم الكبير هو بُعدُ هذا النجم الذي هو أقرب نجمٍ على الإطلاق إلى الأرض ملتهب، هذه المسافة لو قسمناها على مئة كيلو متر سرعة سيارة، لعرفنا كم ساعة تكفي كي نصل لهذا النجم بسيارتنا، لو قسمنا على أربع وعشرين، كم يوماً؟ على ثلاثمئة وخمسة وستين، كم سنة؟ نحتاج إلى خمسين مليون سنة كي نصل بمركبةٍ أرضيةٍ إلى أقرب نجمٍ ملتهب للأرض.
 

النجوم والمجرات والكواكب من آيات الله الدالة على عظمته:


القفزة الواحدة، نجم القطب أربعة آلاف سنة، مرصد "هابل" في أمريكا رصد سديماً اسمه: عين القِط، وفي هذا السديم نجم تفجَّر، يبعد عنا هذا النجم ثلاثة آلاف سنة ضوئية، وقد رُصِدَ هذا النجم، وهذه صورته، قال تعالى:

﴿ فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37)﴾

[  سورة الرحمن ]

هذه صورةٌ حقيقيةٌ مأخوذةٌ من مِرْصَدٍ عملاق في أمريكا، وقد سُجِّلت هذه الصورة في الصفحة العالمية للكمبيوتر "الإنترنت"، والتقطها أحد الإخوة الكرام، وردة بكل معاني هذه الكلمة، وردة جورية، وريقات حمراء اللون، وحولها وريقات خضراء، وفي الوسط الكأس، ﴿فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ﴾ هذا النجم بُعدُه عنا ثلاثة آلاف سنة ضوئية، أربع سنوات ضوئية نحتاج إلى خمسين مليون سنة كي نصل إليه، ثلاثة آلاف سنة ضوئية، المرأة المسلسلة تبعد عنا مليوني سنة ضوئية، المرأة المسلسلة حجمها يزيد عن حجم مجرتنا بثمانٍ وعشرين مرة، مجرَّتنا إحدى مجرَّات الكون، فيها ما يقترب من مئة ألف مليون نجم، في الكون ما يقترب من مئة ألف مليون مجرَّة، وفي كل مجرة ما يقترب من مئة ألف مليون نجم، المرأة المسلسلة مجرة، حجمها يزيد عن حجم مجرَّتنا بثمانية وعشرين ضعفاً، تبدو نجماً واحداً من عندنا، قد تجدون في السماء نجماً متألقاً يومض، الذي يومض هو مجرة، وبُعدُه عنا مليونا سنة ضوئية، أحدث رقم لمجرة تبعُد عنا عشرين مليار سنة ضوئية، إن أرسلت ضَوْءَها إلينا هذا الضوء ينبغي أن يبقى يسير في الفضاء الخارجي عشرين مليار سنة كي يصل إلينا، فإذا وصل إلينا أين هو الآن؟ لا يعلم مكانه إلا الله، لكنه كان في هذا المكان قبل عشرين مليار سنة. 

الله عز وجل لم يقسم بِالنُّجُومِ بل أقسم بمواقعها:


ربنا عز وجل قال: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾ لم يقل: بِالنُّجُومِ، بمواقعها، هذا موقع نجم، أما هو فيمشي بسرعةٍ عالية، هذا على معنى: ﴿وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً﴾ ، أما: ﴿وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً﴾ أنت مكن أن تأتي بسطح ثقيل، لوح بلور، وتأتي بكتلتين مغناطيسيتين بحجمٍ واحد، وأنت عالم كبير في الفيزياء، نعطيك كرة ثقيلة، نقول لك: هل بالإمكان أن تضع هذه الكرة في مركز متوسط بين الكتلتين بحيث لا تنجذب لا إلى هنا ولا إلى هنا؟ أغلب الظن أن هذا فوق طاقة البشر، أن يضع كرةً حديديةً بين كتلتين مغناطيسيتين بحجمٍ واحد، وقوة شحنٍ واحدة، لا يستطيع، لو جعلنا كل كتلةٍ بحجم معيّن لاحتاجت إلى حسابات رياضية معقدة جداً، لأن قوة الجذب تتناسب مع الحجم، مع مربع المسافة، لو أعطيناه ثلاث كُتَل متفرقة، كل كتلة بحجم، أصعب وأصعب، لو أعطيناه أربع كتل، أما كتلتان على سطح وكتلتان في الفراغ فأصعب وأصعب، لو أعطيناه كتلاً عديدةً مختلفة الحجم وهي تتحرَّك في فضاء، وضع هذه الكرة في مكانٍ متوسط بحيث لا تنجذب لا إلى هنا ولا إلى هنا، هذا فوق طاقة البشر، وهذا هو الكون، الكون مئة ألف مليون مجرة مع مئة ألف مليون نجم، كلها بأحجام كبيرة، وصغيرة، ومتفاوتة، وكثافات متفاوتة، وهي كلها متحرِّكة، والمحصلة نظام مستقر، توازن حركي، هذا معنى قوله تعالى: ﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً*وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً*وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً﴾.
 

عدة تفاسير وردت حول الآيات التالية:


﴿ فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5)﴾

[ سورة النازعات ]

نظام الليل والنهار أساسه دورة الأرض حول نفسها، ونظام الفصول أساسه دورة الأرض حول الشمس مع محورٍ مائل، تدبير أمر الفصول، وأمر الليل والنهار، وأمر الأمطار، هذه: ﴿فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً﴾ هذا من التفاسير التي وردت حول هذه الآيات.
هناك تفسيرٌ آخر يقول: النازعات هم الملائكة، تنشط إلى قبض أرواح الكُفَّار، وتسبح إلى الله عز وجل في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنة، ﴿فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً* فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً﴾ تدبر أمر الخلائق بما تتلقّى من أوامر من الله عز وجل، القرآن حمَّال أوجه، أنا وجدت أن أول تفسير هو أقرب إلى الانسجام فيما بين الآيات، هذه النجوم التي في السماء، لو أنها نزعت من مسارها لانتهت، من أجل أن تعرف ماذا يعني أن يبقى النجم في مساره؟ أي ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ﴾ إلهٌ عظيم ﴿يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ﴾ انتهت الحياة من على سطح الأرض لو أن الأرض خرجت عن مسارها، كما أن القطار لو خرج عن سكته لهوى في الوادي.
 

وصف دقيق ليوم الدين كما ورد في القرآن الكريم:


هذا القسم ما جوابه؟

﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1) وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2) وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3) فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4) فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6)﴾

[ سورة النازعات  ]

هذا اليوم العصيب، هذا يوم الدين، هذا يوم الراجِفَة، هذا يوم الواقعة، هذا يوم الحاقَّة، هذا يوم الطامة الكبرى، هذا يوم الفَصْلِ، هذا يوم الدين، هذا يوم الدينونة، هذا يوم الجزاء، ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ﴾ الراجفة الأرض:

﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)﴾

[  سورة الزلزلة ]

 

الزلزلة الكبرى والزلزلة الصغرى:


ربنا عز وجل قال: ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ﴾ الأرض تهتز، هذه الزلزلة الكُبرى، عندنا زلازل صُغْرَى، زلزال في تركيا استمر ثوانيَ معدودة، دقائق وثوان وكانت شدته سبع درجات على سُلّم (رختر)، خمسون ألف إنسان، مئتا ألف بلا مأوى، وخمسون ألف قتيل، في دقيقة وزيادة.

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)﴾

[ سورة الحج ]

 

إخبار الأرض يوم القيامة الله عز وجل عما فعله الإنسان:


أيها الإخوة؛ في هذا اليوم تُزَلْزَل الأرض زلزالها، وتخرج أثقالها، أيْ الإنسان، ويقول هذا الإنسان: مالها، ما الذي حدث؟ ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾ تحدّث عما فعل فيها الإنسان، أقام حروباً، انتهك أعراضاً، شرَّد أُناساً، لا لسببٍ وجيه لسببٍ عِرْقِيّ، يقول لك: حرب تطهير عرقية، هذه الأرض سوف تتحدث لله عز وجل عما فعله هذا الإنسان، هذا المخلوق الأول.

﴿ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12)وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28) لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30)﴾

[ سورة المدثر ]

 

في اليوم الآخر الأرض تُزَلْزَل والنجوم تَنْكَدِر والشمس تتكوّر:


أيها الإخوة؛ في هذا اليوم يوم تهتز الأرض، وتُخْرج هذا الإنسان الذي طغى وبغى ونسي المبتدى والمنتهى، تُخرج هذا الإنسان الذي بنى مَجْدَهُ على أنقاض الآخرين، وبنى غِناه على إفقار الآخرين، وبنى أمنه على خوف الآخرين، وبنى حياته على موت الآخرين، هذا الإنسان الذي خَلَقَهُ الله ليسعد في الآخرة خان الأمانة، ونسي مهمته، وفعل ما فعل:

﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7)﴾

[ سورة النازعات  ]

الأرض تُزَلْزَل، والنجوم تَنْكَدِر، والشمس تتكوّر، وكل شيءٍ قد انتهى، أول كلمة الأرض هي الراجفة، والرادفة تتبعها هي السماء:

﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4)﴾

[ سورة التكوير ]


البطولة أن تنجو في اليوم الآخر لا في الدنيا:


﴿ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9)﴾

[ سورة النازعات  ]

الإنسان أحياناً حتى في الدنيا يتجاوز حدوده، ينتهك حُرْمة القانون، يتبجَّح، يتعاظم، يتغطْرَس، فإذا وقع في يد العدالة لا يستطيع أن ينظر إلى آلة التصوير حينما يُصوَّر: ﴿قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ*أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ﴾ البطولة أن تنجو في هذا اليوم، لا أن تتيه على الناس بمالك، ولا بعلمك، ولا بسلطانك، ولا بمكانتك، ولا بقدرتك على الأذى، البطولة أن تنجو في هذا اليوم، ﴿قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ*أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ﴾ ساكنة سكون الخَوْف، والقلب مضطرب اضطراب الفزع والجزع.

﴿ يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10)﴾

[ سورة النازعات  ]

أي نحن سوف نرد إلى الدنيا؟ ما الذي حصل؟ في رعب، وفي دهشة.

﴿ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً (11)﴾

[ سورة النازعات  ]

طبعاً الإنسان قد يبقى عظاماً نخرةً فقط، أي عظم هَشّ، عظم مَنْخور، قال: لا، أنتم حينما رَجَفَت الأرض، وتبعتها السماء، وأنتم تخافون، والأبصار خاشعة، لن تردوا إلى الدنيا.
 

الإنسان حينما يوضع للحساب يندم أشدّ الندم:


 ﴿يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ﴾ العرب تقول: رُدَّ في حافرته، أي عاد من حيث أتى، توهّموا أن هناك عودةً إلى الدنيا، قال: لا، الذهاب إلى الآخرة، إلى يوم الجزاء، إلى يوم الحساب، إلى يوم الدين، عندئذٍ يقولون:

﴿ قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12)﴾

[ سورة النازعات  ]

الإنسان حينما يُلْغِي إنسانيَّته، ويتَّبع شهوته، قد يستمتع إلى حين، وقد ينغمس في لذَّاتٍ مُحرَّمة، ولكن حينما يوضع للحساب يندم أشدّ الندم.
والآن نحن في الدنيا أيها الإخوة، لك أن تفعل ما تشاء أنت مخيَّر، لك أن تصدق ولك أن تكذب، لك أن تستقيم ولك أن تنحرف، لك أن تُخْلِص ولك أن تخون، لك أن ترعى ولك أن تُضَيِّع، لك أن تفعل ما تشاء، ولكن اعتقد اعتقاداً جازماً أن كل شيءٍ تفعله مُسَطَّرٌ في صحيفتك، وسوف تنشر هذه الصحيفة، وسوف تحاسب عن كل كلمةٍ، وعن كل حركةٍ وسكنةٍ قلتها في الحياة الدنيا.
هؤلاء الذين دفنوا في باطن الأرض، حينما رجفت الأرض، وأخرجتهم للحساب وتبعتها السماء توهَّموا، وكان قلبهم مضطرب من شدة الخوف، وأبصارهم خاشعةً من شدَّة الخَجَل، توهموا أنهم مردودون إلى الأرض، إلى الحياة الدنيا مرةً ثانية، فلمّا علموا أنهم ذاهبون إلى الحساب، إلى الجزاء، حينما يكتشف الإنسان أنه ذاهبٌ ليُحاسب، ذاهبٌ ليحاسب حساباً دقيقاً عسيراً، ما شعوره؟

﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26)﴾

[ سورة الغاشية ]

إلى أين الذهاب؟ إلى الدنيا مرةً ثانية؟! لا، إلى يوم الدين، إلى الدار الآخرة، إلى الحساب.
 

من يؤمن باليوم الآخر لا يستطيع أن يعتدي على أحد:


أحدهم اضطر إلى أن يقترض مبلغ ثلاثمئة ألف ليرة، بحث في جهاتٍ عديدة فلم تُنْجِدهُ، عرض مزرعةً اشتراها وهي غالية الثمن، عرض أن يجعلها باسم من يقرضه هذا المبلغ، على أن يردَّها إليه بعد تسديد المبلغ، هناك إنسان قَبِل، أعطاه المبلغ ثلاثمئة ألف، وسجّل المَدين هذه المزرعة باسم الدائن، وبعد سنواتٍ عدة تمكن المدين من تأمين المبلغ، فذهب إليه ونقده الثمن، وقال: يرجى أن ترجع لي مزرعتي، قال له: كل واحد حقه وصل له، المزرعة ثمنها مليون، فلما رأى أن هذه المزرعة قد ذهبت وضاعت منه تألَّم أشدّ الألم، وهذا الألم طغى عليه  حتى أصابه بأزمة قلبية حادّة، جعلته على شفير الموت، جاء بابنه وأملى عليه هذه الوصية، قال له: حينما أموت، وحينما أوضع في النعش، اذهب بجنازتي إلى محل الذي اغتصب مني هذه المزرعة، وأوقف هذه الجنازة، وادخُلْ إلى محله، وقدِّم له هذه الرسالة، ماذا في الرسالة؟
يقول له: لقد اغتصبتَ مزرعتي ظلماً، وأنا ذاهبٌ إلى دار الحق، فإن كنت بطلاً لا تلحقْني، يُروى أنه ردَّ لهم المزرعة بعد فوات الأوان.
هناك يوم حساب، افعل ما تشاء، الجاهل يعدُّ نفسه ذكياً حينما يأخذ ما ليس له، الجاهل يعدُّ نفسه ذكيّاً إذا اغتصب مالاً، أو عقاراً، أو دكاناً، أو شركةً، أو وكالةً، أو طَلَّقَ امرأةً ظلماً وعدواناً، وقد أخذ كل ما عندها، هناك من يقول لزوجته: إن لم تكتبي لي هذا البيت أطلقك، تكتبه له، وبعد هذا يطلّقها، هذا الذي يؤمن باليوم الآخر لا يستطيع أن يعتدي على نملة، والله على نملة، لا يستطيع أن يأكل درهماً واحداً حراماً، هذا الذي يؤمن باليوم الآخر، أما إذا كان الإيمان فيه ضعيفاً، يعد نفسه شاطراً، وهذا الذي يفعل العمل السيئ من أقرَّه على عمله كان شريكه في الإثم.
ثم يقول الله عز وجل حينما يعلمون أنهم ذاهبون إلى يوم الدين، ليوم الجزاء: ﴿قَالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ﴾ مشكلة كبيرة جداً، أن نحاسَب على كل مالٍ اقترفناه، الميّت حينما يوضع في نَعشِهِ ترفرف روحه فوق النعش، تقول: يا أهلي يا ولدي، لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي، جمعت المال مما حلّ وحَرُم، فأنفقته في حِلِّه وغير حله، فالهناء لكم والتبعة عليَّ.
 

الراجفة والرادفة هما الصعقة الأولى والصعقة الثانية:


أندم الناس رجلٌ دخل ورثته بماله الجنة، ورثوه حلالاً، ودخل هو بماله النار، أندم الناس عالمٌ دخل الناسُ بعلمه الجنة ودخل هو بعلمه النار، أندم الناس رجلٌ باع آخرته بدنيا غيره.

﴿ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً (11) قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13)﴾

[ سورة النازعات  ]

فاتني أن أقول لكم: ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ* تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ﴾ بعض علماء التفسير فسر هاتين الكلمتين بأنهما الصعقة الأولى، والصعقة الثانية، اللتان وردتا في سورة الزُّمَر، ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ﴾ هذه الصعقة الثانية:

﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68)﴾

[ سورة الزمر ]

أول صعقة يصعق بها كل الخلائق، الثانية يوقفون ليوم الحساب.

﴿ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14)﴾

[ سورة النازعات  ]

الساهرة مكان الحشر، ساحة كبيرة جداً، ليس هناك كتل، محاور، تجمعات، هذا من جماعتنا اتركوه، لا يوجد، ﴿فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ﴾ .

﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94)﴾

[ سورة الأنعام ]


أحاديث شريفة تؤكد أن الإنسان يحاسب عن كل شيء يوم القيامة:


المشكلة أن الإنسان يحاسب على كل شيء، ولا نصير له أبداً.

(( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ -أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا-اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ، لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لاَ أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا. ))

[ رواه البخاري ومسلم  ]

هل هناك أقرب من الأب لابنته؟ لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم.

(( عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: مَن سلَك طريقًا يطلُبُ فيه عِلمًا سهَّل اللهُ له به طريقًا مِن طُرقِ الجنَّةِ ومَن أبطَأ به عمَلُه لَمْ يُسرِعْ به نسَبُه. ))

[  صحيح ابن حبان أخرجه في صحيحه ]

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ؟ قالوا: المفْلسُ فينا من لا درهم له ولا متاع، قال: إن المفْلسَ مَنْ يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شَتَمَ هذا، وقذفَ هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فَنيَتْ حَسَناتُهُ قبل أن يُقْضى ما عليه أُخِذَ من خطاياهم فطُرِحَتْ عليه، ثم يُطْرَحُ في النار. ))

[ صحيح مسلم ]

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: هِيَ فِي النَّارِ، قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنْ الْأَقِطِ وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا قَالَ هِيَ فِي الْجَنَّةِ. ))

[ صحيح الترغيب  ]

(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلَا سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ. ))

[ متفق عليه ]

﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ﴾ هذه الصعقة الثانية ﴿فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ﴾ في ساحة الحَشْر.
 

الإيمان بالله من دون إيمانٍ باليوم الآخر لا ينفعنا إطلاقاً:


أيها الإخوة؛ سورة النازعات من سوَر الجُزء الثلاثين، وهي تُرَكِّز على اليوم الآخر، والإيمان باليوم الآخر أساسيّ جداً، بل إن الإيمان بالله من دون إيمانٍ باليوم الآخر لا ينفعنا إطلاقاً.
وفي الدرس القادم يشرح الله عز وجل عن أحد رؤوس الكفر، فرعون، كيف كان في الدنيا يقول:

﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24)﴾

[ سورة النازعات  ]

﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38)﴾

[ سورة القصص ]

وكيف أصبح مصيره في الآخرة، لذلك سُمِّيَ يومُ القيامة الواقعة، قال تعالى:

﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3)﴾

[ سورة الواقعة ]

فمن كان في الدنيا بمقياس البشر غنياً، أو قوياً، ولم يكن مستقيماً، كان في الآخرة في أسفل سافلين.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور