وضع داكن
20-04-2024
Logo
البيع - الدرس : 4 - البيوع المحرمة3- بيع السمسار وتلقي الركبان
  • الفقه الإسلامي / ٠6العبادات التعاملية
  • /
  • ٠4البيع
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الهدف من الحياة طاعة الله :

 أيها الأخوة الكرام، ذكرت لكم في الدروس السابقة أن الإنسان إذا كان على جانب من معرفة الله عز وجل يجد نفسه مندفعاً أشد الاندفاع إلى التقرب منه، ولا شيء يقرب إلى الله كطاعته، لذلك قبل يومين سألني أخ كريم قال: ما الهدف من الحياة؟ أن نعيش في بحبوحة أم أن نبكي في الصلاة أم ألا نرى أحداً فاسقاً من حولنا؟ أم ماذا؟ قلت: الهدف أن تطيع الله لأن الله عز وجل يقول:

﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾

[ سورة الأحزاب: 71 ]

 ينبغي أن تطيعه في سرك وعلانيتك، في نشاطك وجهدك، في فرحك وحزنك، في خلوتك جلوتك، يجب أن تعبد الله في كل أحيانك، وفي كل أوقاتك، وفي كل شأنك، وفي كل حركاتك وسكناتك، لأنك إن أطعته حققت الهدف من وجودك، متى يأتي دور الفقه؟ الذي يعرف الأمر ولا يعرف الآمر يتفنن في التفلت منه، أما الذي يعرف الآمر قبل الأمر فيتفانى في طاعته، فأنت حينما تتعرف إلى الله عز وجل وتقدر الله حقّ قدره، قال تعالى:

﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ﴾

[ سورة الأنعام : 91 ]

 أنت حينما تقدره حق قدره تبحث عن أمره ونهيه، قصة تعرفونها، أخ كريم يعمل في لف المحركات قال لي: قبل أن أعرف الله أحياناً يأتيني محرك معطوب كلفة لفه خمسة آلاف ليرة، أفتحه فإذا خط خارجي قد فلت يكلفني دقائق، يوصل هذا الخط خارجياً ويعود المحرك كما كان، ولما يأتي صاحب المحرك آخذ منه خمسة آلاف ليرة، أما حينما عرفت الله فأخذت منه خمساً وعشرين ليرة والشرط خمسة آلاف ليرة، من الذي يعلم؟ الله وحده يعلم، لن تنضبط، لن تستقيم إلا إذا عرفت أن الله معك، حاضر وناظر، يعرف سرك ونجواك.

 

ما من إنسان إلا ونشاطه الأكبر البيع والشراء :

 لذلك كلما شعرت بحاجة إلى معرفة أحكام الفقه كلما اندفعت اندفاعاً شديداً إلى معرفة أحكام الفقه، معنى ذلك أن هذه بادرة طيبة، بادرة تعني أنك أردت أن تصل إلى الله من خلال طاعته، في الأديان الوضعية هناك طقوس يتوهم المتوهمون أنها توصلهم إلى معبودهم، أما عندنا في الإسلام فهناك عبادات، وهناك طاعات، وهناك معاملات، وهناك آداب توصلك إلى الله، هي التي توصلك إلى الله، هي التي يعول عليها، فلذلك بدأنا قبل أسبوعين بالبيوع المحرمة، ولماذا اخترت البيوع بالذات؟ لأنه ما من إنسان إلا ونشاطه الأكبر البيع والشراء، كن من شئت لابد من أن تبيع وتشتري، ولأن أكل لقمة من حرام تجرح العدالة، ولأن الله سبحانه وتعالى لا يقبلنا إلا إذا كان مطعمنا حلالاً، يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، يقول العبد: يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له؟ من هذا المنطلق كانت هذه الدروس المتعلقة بالبيوع، وبدأت بالمحرمات وهذا هو الدرس الثالث عن البيوع المحرمة.

نهي النبي أن يكون الحضري سمساراً للبادي :

 الآن نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون الحضري الذي يسكن المدن سمساراً للبادي الذي يسكن البوادي والقرى النائية وذلك بأن يتلقاه، يأتي بدوي معه سمن، جبن، فواكه، معه منتجات باديته، أو منتجات قريته، يقول له صاحب أحد المحلات اليوم السعر منخفض دع البضاعة عندي، وأنا أبيعها لك بسعر مرتفع بعد حين، هذا الشيء نهى عنه النبي.

(( نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ ))

[أحمد عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا]

 لأنه يوجد نقطة دقيقة ذكرتها قبل يومين، هي أن السعر حر لك أن تبيع بأي سعر، ولك أن تشتري بأي سعر، إلا أن ولي أمر المسلمين إذا حدد أسعار المواد الأساسية كالخبز، والسكر، والرز، وما إلى ذلك، إذا حدد أسعار بعض السلع الأساسية ينبغي للمسلم أن يتقيد بذلك، لأن هذا لمصلحة العامة، حوض سمك لك أن تشتريه بأي سعر، ولك أن تبيعه بأي سعر، لكن متى يصبح سعره معقولاً؟ إذا انتفى الغش، وانتفى التدليس، وانتفى الإيهام، وانتفى إخفاء العيب، وانتفى الاستغلال، كل المعاصي المتعلقة بالبيع والشراء إذا انتفت السعر يستقر بشكل طبيعي ومعقول، لأنه هناك منافسة، كل إنسان يحب أن يبيع يضع هامش ربح معقول، ويسعّر، أقل من هذا السعر لا يستطيع أن يعيش من هذه التجارة، الأسعار تتحرك وتضطرب إلى أن تنخفض إلى الحد المعقول، والآن أي سلعة فيها منافسة، والناس أحرار في شرائها وبيعها، ترى سعرها أقل سعر، إذا توافرت المواد تنخفض الأسعار للربع أو إلى الأربعين بالمئة، التغى الاحتكار، التغى الاستغلال، التغى إخفاء العيب، التغى الغش، التغى الكذب، التغى التدليس، أي معصية بالبيع والشراء إذا ألغيت السعر سعر السوق هو السعر الطبيعي والمعقول والمألوف.

على الإنسان ألا يحدث تغيراً مفتعلاً في حركة السوق :

 لذلك لما يأتي قَرَوي ولا تقولوا قُرَوي لأن النسب لا يصح مع الجمع، يقول لك مباراة دُولية غلط، مباراة دَولية، حينما يأتي قَروي مع جبنه أوسمنه أو بيضه أو تفاحه أو فاكهته أو محصوله إلى السوق ليبيعه، عرض هذه البضاعة بشكل طبيعي يحدد سعرها المعقول، فلو جاء صاحب الدكان وقال: ابقها عندي الآن السعر قليل أنا أبيعها لك، أي أجرى تعديلاًَ على حركة السوق، وأي تعديل مفتعل على حركة السوق غير الطبيعية هذا يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، أحياناً إشاعة، أحياناً إيهام، أحياناً كذب، أحياناً تدليس، إخبار غير صحيح، فلذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال:

(( مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاحَ فَلَيْسَ مِنَّا وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا ))

[ مسلم عن أبي هريرة]

 الحديث البليغ:

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى صُبْرَةٍ مِنْ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلاً فَقَالَ: يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ مَا هَذَا؟ قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَفَلا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا))

[مسلم عن أبي هريرة]

 غش مطلقاً، لو غششت مجوسياً فلست منا، ليس منا من غش ومن غشنا فليس منا، هذا الحضري صاحب الدكان يقول لهذا البدوي: اجعل البضاعة عندي اليوم غير مناسب أنا أبيعها لك بعد حين بسعر أعلى، الآن غيّر حركة السوق، لأنه يوجد قول: الله هو المسعر أحياناً تجد فاكهة الكيلو بثلاث ليرات أو ليرتين، يوجد سنوات بخمسين ليرة، الكمية بيد الله عز وجل، والموضوع فعلاً عجيب، كل سنة يوجد محصول رخيص، مرة المشمش، ومرة الكرز، مرة التفاح، مرة البطاطا، بثلاث ليرات بيعت البطاطا، رأس مالها أغلى بكثير، الله هو المسعر، الكميات تحدد الأسعار، فلذلك حينما يقول الحاضر للبادي: أنا أبيع لك بضاعتك فقد خالف منهج رسول الله، أساس منهج رسول الله ألا تحدث تغيراً مفتعلاً في حركة السوق الطبيعية، عرض وطلب هذه الحركة الطبيعية تحدد سعراً معقولاً يرضى به الكل.

نهي النبي عن تلقي الركبان :

 شيء آخر: نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن تلقي الركبان، أي أصحاب البضائع؛ السمون، الزيوت فرضاً، الأجبان، الفواكه، التفاح من مناطق معينة، يخرج التاجر إلى هذه الطرق ويشتريها منه في الطريق هذا اسمه بيع تلقي الركبان، صاحب هذه البضاعة لم يصل إلى السوق، لم يعرف سعرها الحقيقي أوهمته بسعر غير حقيقي، هذا البيع حرام، دعه يصل إلى السوق ويعرف سعر بضاعته، عندئذ يطلب السعر المناسب، لذلك قال عليه الصلاة والسلام أيضاً:

(( لا تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ وَلا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَلا تَنَاجَشُوا وَلا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ وَلا تُصَرُّوا الْغَنَمَ وَمَنِ ابْتَاعَهَا فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْتَلِبَهَا إِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ ))

[البخاري عن أبي هريرة]

(( ... وَلا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ ...))

[البخاري عن أبي هريرة]

 كم باعك هذه السلعة؟ أنا عندي أرخص أعدها له وخذ من عندي، النجش كما قلنا في الدرس السابق بيع وهم من أجل رفع السعر.

 

غبن المسترسل حرام :

 يبدو أن الله سبحانه وتعالى أرادنا أن نكون صافين، أن نعبده ونحن فارغون من الهموم، إنسان باع شيئاً بنصف سعره يتألم ألماً شديداً، الغبن مؤلم، إنسان يكون صغيراً ساذجاً يوهمه إنسان بشيء ويشتري منه الحاجة بنصف قيمتها، يشعر بألم وضيق، أنت أساساً بالتعبير العامي لا تتهنى بالسلعة إذا اشتريتها إلا أن يكون صاحبها راضياً، فإذا غششته أو أوهمته أو أقنعته أن السعر قليل وغداً سوف ترتفع الأسعار لن يبارك الله لك، حدثني أخ عمل بالتجارة هو خبرته ضعيفة جداً أول صفقة اشتراها، فاشترى قماشاً عرضه على تاجر كبير، التاجر الكبير ذكي جداً ولكن ذكاءه ذكاء شيطاني، أبدى من العطف والغيرة على مصلحة هذا التاجر الناشئ الشيء الكثير، قال له: كم متراً اشتريت؟ قال له: خمسة آلاف، فقال له: أصلحك الله هل يوجد أحد يشتري خمسة آلاف، فقال له: إن شاء الله عرضين؟ فقال له: عرض، فقال له: هذا ليس مطلوباً أبداً، بأسلوب ذكي جعل الشاري يبرك، بعد ذلك اشتراها منه برأس مالها، باعها في اليوم الثاني بأربعة أضعاف رأسمالها، ويعد نفسه شاطراً لكنه غبي هذا نوع من السرقة، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

(( غبن المسترسل ربا، غبن المسترسل حرام ))

[ الجامع الصغير عن جابر وعلي]

المحتكر خاطئ :

 يوجد أساليب ذكية جداً بالشراء والبيع مع الغبن، لكن الله بالمرصاد الذي تجمعه من هذا الطريق يتلفه الله دفعةً واحدة من طريق آخر، لا تلقوا الركبان يوجد تاءين حذفت الأولى تخفيفاً، لا تتلقوا الركبان.

(( لا تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ وَلا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَلا تَنَاجَشُوا وَلا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ ... ))

[البخاري عن أبي هريرة]

 هذه توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم، لو أنه جاء باد معه بضاعة واشتراها منه الحاضر بسعرها الصحيح لا يوجد مشكلة أبداً، أما أن يشتريها منه بسعر قليل ثم يبيعها بسعر عال فلا يجوز، أو أن يحبس البضاعة ليرتفع سعرها لا يجوز.

(( الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ ))

[ابن ماجه عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ]

 المحتكر خاطئ، من المحتكر؟ هو الذي يحبس البضاعة ليرتفع ثمنها كما يكون البائع محتكراً يكون الشاري محتكراً، كل إنسان يشتري أكثر من حاجته هذا الشراء المفتعل يسبب أزمة في السوق، يرتفع السعر فجأةً، ارتفاع السعر بسبب الشراء الغير معقول، أحياناً الإنسان بخبر بسيط يكثر من الكميات، يصبح هناك جنون على طلب السلعة يرتفع سعرها أضعافاً مضاعفة، رفع الأسعار مخيف.
 قال لي أخ محاضر: صار منافسة على محضر، المحضر بدأ بخمسين ستين مليوناً انتهت مزاودته على مئتين وتسعين مليوناً، متر الهواء أغلى من متر المنتهي عماره، الآن إلى النصف الأسعار وعلى هذا المحضر للربع، فالإنسان يرحم المسلمون عندما يبيع بسعر معتدل يكون عمل عملاً صالحاً.
 إذا رجل يعرف السعر بالمدينة هذه حالة استثنائية، ثم تلقى رجلاً ريفياً معه بضاعة فاشتراها منه بسعر المدينة ليس إثماً، أنت تسير في طريق وإنسان معه جبن السعر مئة وعشرون، قلت له: بسعر السوق، مئة وعشرون لا شيء عليك، إذا أنت اشتريت بسعر معقول، بسعر سوق المدينة، أنت ما تلقيت الركبان، أنت مستثنى، أنت لم تغشه، ولا أردت أن تأخذ بضاعته رخيصةً، ولا أردت أن تخدعه.

بيع الكلب من البيوع المحرمة :

 قال: من البيوع المحرمة بيع الكلب، اختلف الفقهاء في بيع الكلب، الشافعي قال: لا يجوز بيعه أصلاً، وقال أبو حنيفة: يجوز بيعه والانتفاع بثمنه مع الكراهة إذا لم يكن للحاجة، وفرّق المالكية بين الكلب المأذون في اتخاذه وهو الكلب الذي يحرس الزرع والماشية وما في حكمهما ويخشى عليهم من اللصوص مثلاً، والكلب غير المأذون كالكلب الذي يقتنى للعب به ونحو ذلك، أي إذا كلب اقتني هواية شيء والكلب الذي يقتنى لأداء مهمة شيء آخر، في بعض الأرياف، وبعض الأماكن النائية لصوص، هناك كلاب الحماية لها دور كبير، ويوجد كلاب بوليسية ثمينة جداً، الكلب عنده حاسة شم مليون ضعف حاسة الإنسان، يكفي أن تعطيه أحد أدوات مجرم يبحث عن هذه الرائحة من بين خمسمئة ألف إنسان، الله عز وجل أعطى هذا الحيوان حاسة شم تفوق حدّ الخيال، وكثيراً ما اكتشفت الجرائم عن طريق الكلاب، فهذه الكلاب لها قدرات عالية أعطاها الله إياها.

قيمة الإنسان بمعرفته بربه وبأخلاقه واستقامته :

 بالمناسبة ما من صفة بالإنسان مادية إلا وهي في الحيوان أبلغ من الإنسان، الصقر يستطيع أن يرى السمكة في الماء وهو في أعالي الأجواء، ينقض على السمك وهو في الماء، ينقض على فريسته وهو على ارتفاع شاهق، بل إن بعض العلماء يقول: إن الصقر يرى رؤيةً تزيد عن رؤية الإنسان بثماني مرات، كأن معه تلسكوباً وميكروسكوباً، الجمل يرى في الصحراء الشيء البعيد قريب، والصغير كبير، عينه ميكروسكوب وتلسكوب تقرب وتكبر، الكلب مليون ضعف حاسة الشم عنده تزيد عن حاسة شم الإنسان، والحديث في هذا الموضوع طويل، فالإنسان إذا افتخر بسمعه، وبصره، وشمه، وحجمه، و وزنه ففي كل صفة من صفاته حيوان يزيد عليه في هذا، الإنسان قيمته بمعرفته بربه وبأخلاقه واستقامته.

الله وحده هو الذي يعلم :

 لذلك قال العلماء: يجوز بيع الأول ولا يجوز بيع الثاني، فكل ما لا يجوز اتخاذه لا يجوز بيعه.

((رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ ))

[البخاري عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأنْصَارِيِّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ]

 الكاهن الذي ينبئ بالغيب يتكهن، والكهانة هي التنبؤ بالغيب وكما تعلمون لا يعلم الغيب إلا الله.

((مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ))

[أحمد عن أبي هريرة]

 وأنا إلى الآن أسمع من رواد المساجد، اليوم سمعت الظهر أن إنساناً ابنه منحرف، معنى هذا أنه مسحور، ذهب إلى إنسان يفك له السحر دخل في متاهة الخرافات، الله سبحانه وتعالى هو الضار النافع، أحياناً يعزو النجاة على يد إنسان والله عز وجل يقول:

﴿ قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا ﴾

[ سورة الجن : 21]

﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ِلَّةٌ ﴾

[ سورة الأعراف : 188]

﴿ قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ ﴾

[ سورة الأنعام: 50]

﴿ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة الأنعام الآية :15 ]

 أربع آيات احفظوهم، هذا مقام النبي، ممكن إنسان دون النبي يفوق النبي في هذه الخصائص؟ لا، لا أحد يعلم الغيب، أنا لا أقول أن ترد بلسانك لك أن تركل بقدمك مليون قصة مفادها أن فلاناً يعلم وفلاناً لا يعلم، لا أحد يعلم، الله وحده هو الذي يعلم.

(( عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأنْصَارِيِّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ ))

[البخاري عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأنْصَارِيِّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ]

من جمع ثروة على أنقاض الشباب خسر الدنيا و الآخرة :

 أحياناً يوجد دخول إلى ملاه، مقاصف، فيها معاص، فيها نساء، رقص، هذه كلها مال حرام بحرام، لي طالب حدثني عن بعض أقربائه كان يملك دار سينما وحصّل ثروة طائلة - القصة قبل ثلاثين سنة- حصّل مبلغاً يزيد عن عشرة ملايين ليرة قبل ثلاثين سنة، الآن هذا المبلغ يعادل ألف مليون، أصيب بمرض خبيث، دخل عليه هذا الطالب وهو خاله، رآه يبكي قال: إنني جمعت هذا المبلغ كي أستمتع به في حياتي وها قد عاجلني الموت قبل أن أستمتع به، من أين جمعه؟ بناءً على إفساد أخلاق الشباب، كلما كان الفيلم منحرفاً وفيه مناظر مغرية يقبل عليه الشباب أكثر، فالإنسان عندما يجمع ثروة على أنقاض الشباب، وعلى أنقاض أخلاق الناس، وعلى أنقاض الغيبة، وعلى أساليب غير صحيحة، هذا المال يذهب ويذهب معه صاحبه، هذا المال يتلف ويتلف صاحبه، هذه حقائق ثابتة.

حلوان الكاهن :

(( ... نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ ))

[البخاري عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأنْصَارِيِّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ]

 حلوان الكاهن، أكثر الناس يكونون في نزهة تأتي المنجمة تتكلم، أو فنجان قهوة، أو حظك هذا الأسبوع، أو البروج، هذه كلها حرام بحرام، لأن أحداً لا يعلم الغيب إلا الله، والله عز وجل أكرمنا بالدين، وأخرجنا من الخزعبلات، والترهات، والأباطيل، والخدع، ونقلنا إلى المعرفة الصحيحة، العجيب حينما ترى أناساً يصدقون هذه الأكاذيب، حينما تراهم من بين الشاردين ليس هذا مشكلة، أما حينما تراهم من بين الذين يرتادون المساجد، هذا فك لي السحر، وهذا يريد ديك أبيض وديك أسود معاً، يريد خروف فيه لطعة سوداء في ليته حتى ينفك السحر، كله كذب ودجل، الله عز وجل علمنا:

﴿ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ﴾

[ سورة الأعراف: 200 ]

﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ﴾

[ سورة الناس : 1-4 ]

 لمجرد أن تستعيذ بالله يخنس هذا الشيطان وينتهي.

بيع السِّنَّور :

 أيضاً الفقهاء اختلفوا في بيع السِّنَّور، السنور بكسر السين المشددة وفتح النون المشددة، هو الهر قال بعضهم: يحرم بيعه، وقال بعضهم الآخر: يكره بيعه، والأصح عند الجمهور جواز بيعه لعدم صحة ورود النهي عن بيعه في السنة، يكره، وإذا صحّ أنه نهي عنه، فنهي عنه نهي كراهة تنزيه لأن بيعه ليس من مكارم الأخلاق، إلا إذا إنسان أراد أن يشتريه لهدف، لكي يؤدي وظيفته في أكل القوارض، قال: يجوز أن تشتريه، وهذا شيء لا شيء فيه.

النهي عن بيع أدوات اللهو :

 قال لا يجوز بيع أدوات اللهو كالطبل والمزمار والطاولة والشطرنج وغيرها مما لا ينتفع به شرعاً، نقل هذا الإمام النووي عن فقهاء كثيرين، قال صاحب قوت القلوب: كل ما كان سبباً لمعصية من آلة وأداةٍ فهو معصية ينبغي ألا يصنعه و لا يبيعه وألا يعاون على صنعه ولا بيعه، أي بيع أدوات اللهو القديمة والحديثة، والحديثة جداً هذه الصاج الذي يضعونه على السطح هذا أيضاً يحرم بيعه وشراؤه، بيع أدوات اللهو محرم عند الفقهاء جميعاً، كل ما كان سبباً لمعصية محرم بيعه وشراؤه لأنك إن اشتريته أفسدت نفسك وإن بعته أفسدت غيرك، والله عز وجل يقول:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾

[ سورة المائدة: 2 ]

نهي النبي عن البيعتين في بيعة :

 وقد نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن البيعتين في بيعة لما فيه من الغبن والربا والخلل في الصيغة وجهل الثمن وغيرها، الآن دققوا في بيعتين في بيعة، رواه أبو داود في سننه عن أبي هريرة:

((مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوِ الرِّبَا ))

[أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 قال: صورة هذا البيع كان الرجل يبيع سلعةً ديناً فإذا حان الأجل ولم يتمكن هذا الشاري أن يسدد ما عليه باعه السلعة نفسها مرة ثانية بسعر أعلى، شيء واحد بيع مرتين.
 هذه صورة، أوكس الثمنين الأقل أو يكون الربا، ما تمكن من التسديد في اليوم المعين باعه الشيء مرة ثانية بسعر أعلى، صورة من صور الربا أخذ فائدة مضاعفة بسبب التأخير.
 أو الإنسان باع قمحه والذي اشترى القمح اشتراه بثمن بخس فلما حان وقت تسليم القمح لم يتمكن من ذلك، فباعه القمح بسعر أعلى ليشتريه بسعر أعلى أيضاً، طريقة من طرق الاحتيال على نيل ربح زائد عن الحد المعقول، أما أوضح صورة متداولة لهذا البيع فأن تقول: هذا الشيء نسيئة بكذا وحال بكذا، براد يباع نقداً بكذا وتقسيطاً بكذا، بيعتين في بيعة، شيء واحد له سعران، سعر الحال وسعر المؤجل، طبعاً المؤجل أعلى، أنا أقول دائماً: لك أن تشتري بأي ثمن ولك أن تبيع بأي ثمن، ولك أن تدفع الثمن بأي طريقة ولك أن تقبض الثمن بأي طريقة، أما حينما تسمي للزمن ثمناً فوقعت في الربا، أي كتاب ورق أسمر بمئة ليرة، يوجد طبعة ورق أبيض بمئة وخمس وعشرين، الخمسة والعشرون في الكتاب، يوجد طبعة مجلدة بمئة وخمسين، يوجد طبعة مجلدة جلد طبيعي بمئة وخمسين، كلما السعر ارتفع الفرق بالكتاب، يوجد طبعة مجلدة بجلد طبيعي وعليها اسم صاحب الكتاب بالحروف المذهبة بمئتين، أما هذا الكتاب فنقداً بمئتين تقسيطاً بثلاثمئة، المئة الأخيرة هل هي في الكتاب مقابل الزمن؟ لك أن تشتري بأي سعر ولك أن تبيع بأي سعر ولك أن تقبض الثمن بأي طريقة نقداً أو تقسيطاً ولك أن تدفع بأي طريقة نقداً أو تقسيطاً، أما حينما تسمي صراحةً أو ضمناً للزمن ثمناً، نقداً بكذا وتقسيطاً بكذا فأنت ماذا فعلت؟ سميت للزمن ثمناً وقعت في الربا وهذا الحديث الشريف الذي ذكره النبي عليه الصلاة والسلام أوضح دليل على تحريم هذه الطريقة:

(( مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوِ الرِّبَا ))

[أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

تحريم بيع المسلم على بيع أخيه :

 أيضاً محرم أن يبيع المسلم على بيع أخيه:

(( لا يَبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ حَتَّى يَبْتَاعَ أَوْ يَذَرَ ))

[النسائي عَنِ ابْنِ عُمَرَ]

 المؤمن عفيف، المؤمن رحيم، المؤمن أديب، المؤمن لا ينشئ عداوة مع إخوانه، فإذا إنسان اشترى شيئاً أو باع شيئاً ابتعد، فإذا اشترى أو ترك، إذا اشترى انتهى الأمر، إذا ترك اقترب واشتر أنت مكانه، أما أن تحشر أنفك وأن تفسد هذه البيعة وأن تغري البائع بسعر أعلى أو أن توهم الشاري أنه مغبون كي تحل محله فهذا سلوك لا أخلاقي لا يتناسب مع أخلاق المؤمن:

(( لا يَبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ حَتَّى يَبْتَاعَ أَوْ يَذَرَ ))

[النسائي عَنِ ابْنِ عُمَرَ]

 ويوجد حديث آخر:

((لا يَبِعْ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلا يَخْطُبْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ إِلا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ ))

[مسلم عَنِ ابْنِ عُمَرَ]

 وحديث ثالث:

(( لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ ))

[أبو داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 هذه بديهيات في عالم الإيمان.

 

من سوء الأدب والأخلاق أن تنشر نصيحة سلبية :

 أحياناً أخ من إخواننا قال لي: أنا عندي عمل تجاري وضريبة أدفعها في السنة، وجدت تدقيقاً غير معقول، تدقيق لم آلفه من قبل، بحثت فوجدت أن رجلاً سألني عن بيت للزواج يبدو أن البيت سيئ فنصحته ألا يتزوج من هذا البيت، هذا الذي نُصح نقل هذه النصيحة إلى أصحاب الأمر، ونشأت العداوات، هؤلاء وصلوا إلى موظفي المالية فأصبحوا يثيرون على هذا الإنسان مشكلات لا تنتهي، أنت إذا إنسان نصحك ونصحته، من سوء الأدب والأخلاق أن تنشر هذه النصيحة، أما كلما رجل نصحته ينقل للطرف الآخر نصيحتك له فهذه تفت المجتمع، طبعاً أنت محرم عليك أن تغتاب الناس إلا إذا استنصحت، زواج، شراكة، بيت ليس له أساسات، له مشكلة، يوجد إنذار بالهدم، إنذار بالإخلاء، يوجد فيه خطر كبير، وإنسان أعجبه البيت رخيص وثالث طابق ومشمس، البناء الذي في مصر انهار بلا إنذار سمعت اثني عشر طابقاً بثواني صار كوماً من الأنقاض ومات عشرات تحت الأنقاض، حتى يوجد إنسانة جاءت من أمريكا إلى مصر ودخلت إلى هذا البناء بعد ثانيتين انهار هذا البناء، بقيت تحت الأنقاض ستاً وثلاثين ساعة، القضاء والقدر من أمريكا إلى القاهرة لتزور هذا البناء يمكن فيه مصرف لثانية انهار البناء، فإذا قال لك: سعر البيت مناسب وتعلم أنت علم اليقين أنه يوجد خطر على أساساته فإن بقيت ساكتاً خنته، فأنت مضطر إذا استنصحت أن تنصح، في شراء بيت، في زواج، في شراكة، أما الطرف الذي استنصحك فيكون عديم الذوق، وعديم الأخلاق، إذا نقل نصيحتك السلبية إلى الطرف الآخر، يكون بعيداً جداً عن صفات الذوق والأخلاق، فهو أحدث مشكلة لم تنتهِ ودماراً للأسرتين، لأنه استنصحه ونصحه ونقل النصيحة للآخرين، وصدقوني من بين المؤمنين أناس كثيرون جداً يسألك تقول له الصح لا يحلو له إلا أن ينقل هذه النصيحة للطرف الآخر هكذا قال عنك، أنا نصحتك أنت لماذا فعلت هذا؟ لذلك نهى النبي:

(( لا يَبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ حَتَّى يَبْتَاعَ أَوْ يَذَرَ ))

[النسائي عَنِ ابْنِ عُمَرَ]

البيع وقت النداء يوم الجمعة من البيوع المحرمة :

 أيضاً من البيوع المحرمة البيع وقت النداء يوم الجمعة، يحرم على كل من تجب عليه الجمعة أن يبيع أو يشتري عند النداء لصلاة الجمعة، مرة رجل جاء من بلد إسلامي وهناك الصلاة بالإكراه أي إذا أذن الظهر والمحل مفتوح شيء كبير جداً، مع الصلوات الخمسة لا يمكن أن تجد محلاً مفتوحاً في كل البلاد، أتى من هذه البلاد إلى بلدنا في الصيف ودخل إلى أحد المساجد المزدحمة في صلاة الجمعة، فوجد أعداداً كبيرة جداً، هو لفت نظره شيء أنتم جميعاً قد لا تنتبهون إليه، قال هذا الزائر: كل هؤلاء الذين أتوا إلى هذا المسجد جاؤوا طواعيةً وباختيارهم، قال له صديقه: ما هو الدليل؟ قال: لأن هناك على باب المسجد بائع يبيع العوجة وما صلى، ولا أحد أجبره.
 شيء جميل جداً هذا الازدحام وهذا الإقبال على المساجد اختياراً، نحن لا يوجد عندنا اختيار، قال تعالى:

﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾

[ سورة البقرة : 256 ]

نعمة الأمن لا تعدلها نعمة على الإطلاق :

 أيضاً قصة سمعتها تبشر، حدثني أخ جاء بطائرة أجنبية وهو في الطريق إلى دمشق أذيع في الطائرة أنكم في دمشق أأمن بلد في العالم، تستطيعون أن تتجولوا حتى ساعة متأخرة من الليل دون أن تخشوا شيئاً، ترى أباً أرسل ابنه في الساعة الواحدة مساءً ليحضر الخبز، طفل صغير، تأتي المرأة أحياناً من بيت أهلها إلى بيت زوجها الساعة الثانية عشرة مساءً، هذه من نعم الله العظمى، نعمة الأمن لا تعدلها نعمة على الإطلاق، أكثر البلاد الغربية لا تستطيع أن تتجول بعد غياب الشمس، إذا دخلت إلى الفندق هناك تعليمات إذا داهمك لص أعطه كل ما تملك و إلا تفقد حياتك، هذه من أعظم الدول رقياً بالمقياس المادي، أيضاً هذا البلاغ أذيع في الطائرة أنكم في دمشق في أأمن بلد في العالم.
 أخ أيضاً زارنا شاهد أربعة محلات أو خمسة في الأسواق وقت الظهر موضوع كرسي على الباب وصاحبها في الصلاة، محلات فيها بضائع ثمينة جداً هذه من نعم الله علينا، نعمة الأمن، ونعمة الطمأنينة، معظم الناس يدخلون بيوتهم آمنين مطمئنين.

اختلاف الفقهاء في حكم البيع وقت النداء :

يحرم على كل من تجب عليه الجمعة أن يبيع عند النداء لصلاة الجمعة لقوله تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة الجمعة : 9 ]

 طبعاً التحريم قطعي أما بقي فالبيع ينعقد أو لا ينعقد؟ أي إذا بعت بيتاً بخمسين مليوناً وقت النداء وجاءك بعد ذلك سبعين هل تستطيع أن تقلب هذه البيعة؟ هذا البيع حكم وقت النداء، يوجد فقهاء يقولون: البيع ينعقد ولكن المتعاقدين وقعا في المعصية، ويوجد فقهاء قالوا: لا ينعقد، البيع باطل، أيّ بيع مهما كان كبيراً إذا تمّ وقت النداء فهذا بيع باطل لا ينعقد أصلاً، بعضهم قال: ينعقد إلا أن الذين عقدا وقعوا في معصية كبيرة.

 

بيع أوراق اليانصيب من البيوع المحرمة :

 ومن آخر البيوع المحرمة بيع أوراق اليانصيب، طبعاً نحن يوجد عندنا مبدأ في الإسلام المعاوضة، أن تدفع شيئاً دون أن تأخذ شيئاً لا يجوز، أو أن تأخذ دون أن تقدم لا يجوز هذا أصل اليانصيب، قال لي أخ من أخواننا الكرام - والآن ليس معنا - : ضاقت به الدنيا، بيته بعيد، وعمله بعيد، والازدحام على المواصلات قديماً كان شديداً جداً، ضاقت نفسه وقبل أن يصطلح مع الله اشترى ورقة يانصيب، لعلها تربح فيشتري سيارة، وشاءت الصدف أنه بعد أن اشتراها، اشتراها الخميس دخل إلى الجامع يوم الجمعة لأداء صلاة الجمعة، فكانت الخطبة على اليانصيب، قال لي: والله أخرجتها من جيبي ومزقتها أثناء الخطبة، لأنها حرام، له عمل دخله قليل جداً قال لي: جاءني زبون- هو يطبع أقمشة بألفين أو ثلاثة آلاف- أراد طبع خمسين ألف قميص، ودفع له مبلغاً جيداً، وأعطاه رعبوناً كبيراً، وأنجز العمل صار معه سبعة وعشرون ألفاً، نزل إلى السوق رأى سيارة ممتازة بسبعة وعشرين ألفاً، له أخ قال له: تعال وانظر إلى هذه السيارة هذه التي نركبها الآن بهذه الطريقة جاءت، فأنا دمعت عيني أنه مزق الورقة خوفاً من الله، الله لم يدعه بلا سيارة، ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه، صدقوني أيها الأخوة من سابع المستحيلات زوال الكون أهون على الله من أن تدع شيئاً خوفاً منه ثم لا يعوضك الله خيراً منه في الدنيا والآخرة.

(( ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))

[ الجامع الصغير عن ابن عمر ]

ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه :

 لكن يوجد شقان: في دينه ودنياه، في دينه بقي الطريق إلى الله سالكاً، ما عصيت، أنت تصلي، وأنت مرتاح تصلي، وأنت وجهك أبيض، وضعت مصلحتك تحت قدمك هذه في دينه، ودنياه تأتيه الدنيا وهي راغمة، هذا الحديث أخواننا اجعلوه شعاراً لكم، قبل أن تقدم على شبهة، قبل أن تفكر في مخالفة لا تنسى هذا الحديث:

(( ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))

[ الجامع الصغير عن ابن عمر ]

 وهذا الحديث له تطبيقات لا تعد ولا تحصى، أنا متأكد لا يوجد رجل منكم إلا ويوجد عنده قصتان أو ثلاث أو أربع حول هذا الحديث، والشيء الملموس الشيء الذي فيه شبهة ضعه تحت قدمك، تأتيك الدنيا وهي راغمة.
 قال لي أخ من الأخوان عرض عليه بيت ولكن فيه شبهة، طريقة ربوية فسألني قلت له: لا يجوز، فرفضه، بعد حين جاء إنسان عرض عليه بيت، وتقريباً الدفع أكثر من مريح، والآن البيت له، هذه قاعدة:

(( ما ترك عبد شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه في دينه ودنياه ))

[ الجامع الصغير عن ابن عمر ]

 يوجد قول آخر يكمل هذا الحديث: "من ابتغى أمراً بمعصيةٍ كان أبعد مما رجا، وأقرب مما اتقى".
 إذا أردت الوصول إلى هدفك بمعصية ابتعد الهدف عنك، أما إذا أردته بطاعةٍ فالهدف اقترب منك.
 قال: جاء في الفتاوى الإسلامية أن بيع الأشياء عن طريق اليانصيب حرام بلا شك لأنه بيع باطل أو فاسد للجهالة، لكونه على خطر، لأن كل من يدفع شيئاً لا يدري عن المبيع الذي يأخذه، ولا إن كان يأخذ في نظير ما دفع شيئاً فهو حرام كالقمار تماماً.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور