- الفقه الإسلامي / ٠6العبادات التعاملية
- /
- ٠4البيع
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
شطر الدين معرفة الله و تطبيق أوامره :
أيها الأخوة الكرام، عطفاً على درس الجمعة وعلى آية سورة الجمعة وهي قوله تعالى:
﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾
فإذا كانت تلاوة الآيات الكونية الدالة على عظمة الله والاتصال بالله وتزكية النفس تطهيراً وتحلية هو علم الحقيقة فتعليم الكتاب والحكمة منه أي السنة النبوية المطهرة هو علم الشريعة، الشيء الأساسي في حياة المؤمن أنه بالكون يعرفه و بالشرع يعبده، أنت حينما تعبد الله تندفع اندفاعاً كبيراً لتطبيق أمره، إذاً شطر الدين أن تعرف الله وشطره الآخر أن تعرف أمره وأن تطبقه.
البيع و الشراء :
كنت في حيرة من موضوع جديد نتابع به دروس الأحد من موضوعات الفقه التي هي شديدة العلاقة بحياتنا اليومية، ما وجدت نشاطاً في حياة الإنسان المعاصر يدور مع الناس كيفما داروا كنشاط البيع والشراء
إن كنت تاجراً تبيع وتشتري، وإن كنت مستهلكاً تشتري وتبيع، والبيع والشراء من أوسع النشاطات الإنسانية، فلذلك لأنه نشاط يومي وضروري وأساسي، ويدور مع الإنسان كيفما دار، لابد من معرفة أحكام البيع والشراء، لأن سيدنا عمر رضي الله عنه يقول: "من دخل السوق قبل أن يفقه وقع في الربا شاء أم أبى" دخول السوق، البيع، الشراء، التراضي، هناك عشرات أو مئات أنواع البيوع المحرمة، وهناك بيوع حلال مئة بالمئة، لذلك أردت في هذه الدروس التي نحن فيها، طبعاً درس الجمعة تفسير، درس الأحد سنة إما حديث أو فقه وكلاهما من السنة، فلذلك نبدأ بهذا الدرس، سلسلة دروس عن أحكام البيوع في الإسلام، لأنه لا يوجد رجل من أخواننا الحاضرين إلا يبيع ويشتري فإذا عرف أحكام البيع والشراء شعر براحةٍ تجاه ربه أنه سلك الطريق الصحيح في العلاقات المالية، ولا تنسوا أيضاً أن الأحكام الشرعية تسعون بالمئة منها متعلق بالنساء والبيع والشراء، بالنساء إثم، بالبيع والشراء عدوان، أحياناً الإنسان يستجيب إلى شهوة دون أن يؤذي أحداً، أحياناً يأخذ مالاً ليس له وقع في العدوان، فالمؤمن بعيد عن الإثم والعدوان.
الدين كامل يغطي كل حاجات الناس :
باب البيع واسع، أحكامه كثيرة ومتشعبة، وقضاياه متجددة، يوجد مئات بل بضع مئات من الأساليب المستحدثة في البيع والشراء لم تكن من قبل، إلا الذي يطمئننا أن الله سبحانه وتعالى قال:
﴿ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
ففي ضوء هذه الآية الكريمة لا يمكن أن تكون هناك حالة في البيع والشراء إلا وقد غطيت بحكم شرعي مستنبط من كتاب الله أو سنة نبي الله، لأن الدين كامل ويغطي كل حاجات الناس، حاجة الناس إلى البيع والشراء حاجة ماسة، معرفة هذه الأحكام من الضرورات الملحة، لذلك ننطلق في هذا الدرس من كليات البيع والشراء وفي دروس قادمة إن شاء الله تعالى ننتقل إلى التفاصيل.
البيع لغة :
البيع في اللغة مطلق المبادلة، أصل النشاط المعاشي للإنسان القديم المبادلة، ومعنى البيع في اللغة مطلق المبادلة، الحقيقة الإنسان عندما يشتري حاجة لو لم يرَ أن هذه الحاجة أثمن من ثمنها لما اشتراها، وأن البائع لو لم يرَ أن هذا الثمن أثمن منها لما باعها، حينما تشتري سلعة تتوهم أو تعلم أنها أثمن من ثمنها، وحينما تبيع حاجةً تتوهم أو تعلم أن ثمن هذا الشيء الذي تبيعه أثمن منه، من هنا يتم البيع والشراء.
مرة قرأت كتاباً مترجماً عنوانه: "فن البيع"، أما مؤلف هذا الكتاب فتوسع في تعريف البيع توسعاً لا يصدق، المحامي يبيع ويشتري، يبيع خبرته ويأخذ ثمنها، كل إنسان إذا وسعت مفهوم البيع يأخذ ويعطي، يعطي علماً، يعطي سلعةً، يعطي قناعةً، يعطي توجيهاً ويأخذ ثمنه.
فالبيع في اللغة: مطلق المبادلة، وقد عرفه بعض علماء اللغة فقالوا: إعطاء المثمن وأخذ الثمن، هذه مثمن أي ثمنت، وضع لها ثمن، إعطاء المثمن وأخذ الثمن، هذا تعريف الراغب الأصفهاني للبيع.
الشراء: إعطاء الثمن وأخذ المثمن، أحياناً وقد تستغربون قال تعالى:
﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾
ما معنى يشري؟ أي يبيع، في اللغة العربية يبيع بمعنى يشتري ويبيع، ويشتري بمعنى يبيع ويشتري، فهذان الفعلان يتناوبان بالمعنيين التاليين، يسمى البيع شراءً ويسمى الشراء بيعاً فتقول: باعه الشيء وباع منه أي اشترى منه، يشري نفسه أي يبيع نفسه.
التعريف الشرعي للبيع :
أما التعريف الشرعي فنحن عندنا في المصطلحات مصطلح لغوي ومصطلح شرعي، الصلاة مصطلح شرعي، أن تتوضأ وتتجه نحو القبلة وأن تكبر وأن تقرأ دعاء الثناء والفاتحة وسورة وتركع وتسجد، أما الصلاة بمعناها اللغوي فاتصال، فنحن حينما نتحدث بالفقه نعول على المعنى الشرعي لا المعنى اللغوي، الحج القصد هذا المعنى اللغوي أما الشرعي فأن تقصد بيت الله الحرام في وقت معلوم وفي مكان معلوم، الصيام بالمعنى اللغوي إمساك، مطلق الإمساك، أما الصيام بالمعنى الشرعي فالإمساك عن الطعام والشراب وسائر المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى غياب الشمس بنية، هذا التعريف الشرعي.
البيع مطلق المبادلة أما شرعاً فنقل الملك بعوض جائز من إنسان إلى إنسان بثمن، يجوز قبضه وحيازته والانتفاع به.
تعريف آخر للبيع والشراء، البيع مبادلة المال بالمال على سبيل التراضي، أؤكد لكم مرةً ثانية أنني ما اخترت هذا الموضوع إلا لأنه ما منا واحد على الإطلاق إلا يبيع ويشتري.
مرة أناس يجلسون في ساحة محطة وقود جلسة سمر عصراً، يشربون النراجيل ويتحدثون، قال أحدهم: أتبيع هذه المحطة؟ قال له: نعم، قال: بكم؟ قال: بستمئة ألف، قال: اشتريت، كلام بكلام، وانفض المجلس وذهب كل في حال سبيله، ومضى عشر سنوات، للذي قال اشتريت صديق محامي يذكر له هذه الطرفة أن فلاناً قال لي تشتري؟ فقلت له: اشتريت، المحطة أصبح ثمنها عشرة ملايين ليرة، فهذا المحامي ولا أقره على عمله قال له: هذه المحطة لك، ألم تقل اشتريت أصبحت لك، فبالإسلام لا يوجد كتابة شيء دقيق جداً، قلت اشتريت انتقلت ملكيتها إلى الذي قال اشتريت، لو أن الشاري اشترط دفع الثمن ولم يدفع العقد لم ينعقد، إذا سكت البائع عن قبض الثمن وقال: بعتك، قال: قبلت، انتقلت ملكية المحطة من فلان إلى فلان وبقي ثمنها في ذمة الشاري، القصة طويلة أقيمت دعوة وجيء بالشهود لينطقوا أنه قال اشتريت، قال بعتك، وقال اشتريت فقط، يا سيدي ما دفع، الدفع موضوع ثان، ثمن هذه المحطة بقي في ذمته لمَ لم تطالبه؟ والقصة شهيرة جداً رواها لي أحد السادة المحامين، وشيء لا يصدق محطة وقود ثمنها عشرة ملايين تنتقل ملكيتها بستمئة ألف ليرة وهذا الذي حصل، سقت هذه القصة الغريبة الحادة كي يتنبه لها الإنسان.
تشتري هذه الحاجة بكم تبيعها؟ بألف ليرة، فقال له: اشتريت، بعد دقيقة احترقت ينبغي أن تدفع ثمنها لأنها انتقلت ملكيتها إليك وتلفها على حسابك، أشياء كثيرة جداً في البيوع، يوجد مآس كبيرة جداً بسبب جهل الناس بأحكام البيع والشراء يتسرعون يقول: اشتريت؟ يقول: بعت، ما كتبنا، الكتابة مثبتة أما إذا أتيت بشهود سمعوك تقول بعتك فالبيع تمّ وانعقد، طبعاً هذه حادثة نادرة جداً حادثة محطة الوقود، لكن ذكرتها كي يتنبه الأخوة الكرام إلى القضية في البيع والشراء لا يوجد فيها مزاح إذا قلت اشتريت ويوجد شاهد انتقلت الملكية إليك.
الرضا أحد شروط صحة البيع :
من أدق التعاريف مبادلة مالٍ بمال على سبيل التراضي، يقول لك: التاجر راضياً لأنه غافل، لأنه جاهل، لو كشفت الحقيقة هل يرضى أن تبيعه سلعة المئة بألف؟ والنبي الكريم يقول:
(( غبن المسترسل ربا، غبن المسترسل حرام ))
قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾
فالرضا أحد شروط صحة البيع، أما المال فهو كل ما يجوز تملّكه والانتفاع به والتصرف فيه، هل يجوز أن تتملك خنزيراً؟ لا، إذاً لا يجوز بيعه ليس مالاً، الخنزير، الخمر هذه أشياء لا تملك ولا تباع، تعريف المال: ما يجوز تملكه والانتفاع به والتصرف فيه بالبيع والهبة والصدقة وغير ذلك من وجوه التصرف شرعاً.
تبادل المنافع :
الحقيقة التبادل ليس مقصوراً على الأموال إنما هو عام وشامل، هناك تبادل المنافع إلا أن تبادل المنافع لا يسمى بيعاً، أحياناً تخدمه ويخدمك، تعلمه رياضيات يعلمك لغة عربية مثلاً، أي تعاونه بقضية ويعاونك بقضية، تبادل المنافع ليس بيعاً، البيع محصور فيما كان قائماً على أخذ شيء له ثمن على سبيل التراضي بين المعطي والآخذ، شرحت له مسألة رياضيات هذه منفعة، طبعاً لها أجرة لكن ليست بيعاً وهي اسمها جُعالة، التدريس والطبابة والمحاماة، أجر المدرس والطبيب والمحامي ليس بيعاً، ليس مبادلة مال بمال، ليس هناك عوض، هناك بذل جهد، هناك بذل عناية، الطبيب يستحق أجره ولو لم يشف المريض، المدرس يستحق أجره ولو لم ينجح الطالب، والمحامي يستحق أجره ولو لم تنجح القضية، إلا أن المحامي الذي يوقن أن هذه القضية لا تنجح، وأن اجتهاد محكمة النقد مناقض لأساسها، هذا المحامي لا يجوز أن يأخذ هذه الدعوى أصلاً، ولا يطمع الموكل أنها ستنجح، والمدرس الذي يوقن أن هذا الطالب سوف لا ينجح لا ينبغي أن يطمئنه تطميناً كاذباً، وكذلك الطبيب، أحياناً يكون المرض خبيثاً بالدرجة الخامسة ولا يوجد أمل بالشفاء، يقول إنسان: أفتح البطن وأنزع كتلة وأخيط فآخذ خمسين ألف ليرة، أحسن من بلاء، هذا لا يجوز الطبيب أجره جعالة وكذلك المحامي والمدرس، إلا أنه لابد من الأمل يكون هناك أمل بالمئة خمسين، بالمئة تسعين أما ما بلغت لا يوجد أمل إطلاقاً لماذا أخذت مال هذا المريض؟
مشروعية البيع في ديننا :
طبعاً البيع والشراء يجب أن تعلموا علم اليقين أن هذا الشرع العظيم كل نشاطات الإنسان مغطاة بأحكام شرعية، الأحكام الشرعية تبدأ بالفرض، ثم بالمندوب، ثم بالواجب، بالمستحب، بالمباح، بالمكروه تنزيهاً، بالمكروه تحريماً، بالحرام، هذه الأحكام الخمس من الفرضية إلى التحريم مروراً بالواجب والندب والإباحة والكراهة، كذلك البيع والشراء تتناوله الأحكام الخمس يوجد بيع محرم، محرم أن تبيع لحم الخنزير، أدوات اللهو، محرم أن تبيع الخمر، ويوجد بيع فرض، ينبغي أن تبيع المواد الغذائية الأساسية عند الحاجة إليها دون أن تمتنع عن بيعها.
أيها الأخوة: الدليل القرآني على أن البيع مشروع في ديننا العظيم قوله تعالى:
﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾
هذا أكبر دليل، والدليل الثاني:
﴿ وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ﴾
طبعاً يوجد عندنا بيع الثمين وبيع الخسيس، كأس عرق سوس لا تحتاج إلى شهود تدفع ثمنها وتشرب لا يوجد بعتك وبعتني أشهد، المناولة فقط للأشياء الخسيسة هي بيع وشراء، أما الأشياء الثمينة بيت، مركبة، أرض، فأشهدوا إذا تبايعتم، هذا دليل آخر، والدليل الثالث، قال تعالى:
﴿ وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ﴾
أموالكم.
الغش والتدليس أكل للمال بالباطل :
الإله العظيم سمى مال أخيك مالك من زاوية واحدة، من زاوية الضرورة، العناية به والحفظ له، يجب أن تحفظ مال أخيك وكأنه مالك، أحياناً إنسان يشتري قماشاً وهذا القماش محمي أي أخذ حرارة زائدة فضعفت مقاومته، تمسك القماش بضغط بسيط يتمزق، ممكن أن تخيطه قمصاناً وتبيعه لا يأتي في بال الشاري لكن دفع خمسمئة ليرة، وفرح به على العيد وهو يلبسه صار قطعتين، أنت ماذا فعلت؟ أنت أكلت ماله بالباطل، يجب أن يلبس قميص بخمسمئة ليرة يعيش خمس سنوات، غسيل ولبس وكوي، من أول لبس تمزع، القماش مضروب، هناك إنسان باع طقم كنبات أول يوم صار في الأرض، ركض الشاري للبائع فقال له: الظاهر أنكم جلستم عليه.
فلذلك أن تبيع حاجةً سيئةً فيها غش هذا أكل المال بالباطل، كل أنواع الغش والتدليس والاحتيال تعد أكلاً للمال بالباطل، لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل، كلمة بينكم تفيد أن الوضع الاجتماعي السليم أن تكون الكتلة النقدية بين أيدي الناس جميعاً، هذه رحمة الله عز وجل، الناس كلها تملك ثمن طعام وشراب ولباس وبيوت ومركبات، أما عرس بستين مليوناً وألف شاب لا يملكون غرفة يتزوجون بها فهذه مشكلة، معنى هذا الكتلة النقدية ليست متداولة بين أيدي الناس، لا تأكلوا أموالكم التي ينبغي أن تكون بينكم متداولةً، لئلا يكون دولة بين الأغنياء منكم.
الحكمة من تحريم الربا :
بصراحة كل طريقة تجمع الأموال بأيد قليلة و تحرم منها الكثرة الكثيرة هذه طريقة تدمر المجتمع، لماذا الربا محرم أشد التحريم؟ لماذا ربنا سبحانه وتعالى يتهدد آكل الربا بحرب من الله ورسوله؟ لأن شارب الخمر يؤذي نفسه، والزاني يؤذي نفسه وامرأة معه، أما المرابي فيؤذي مجتمعاً بأكمله، المال في هذا المجتمع ينتقل إلى أيد قليلة، الشيء الدقيق في الشرع أن الشرع رفض وحرم أشد التحريم أن يلد المال المال، تجلس في بيتك وتضع مئة مليون وتأخذ على المئة اثني عشر، أو ستة عشر، لا تعمل، ولا تقدم سلعة، ولا خدمة، ولا صنعة، ولا تزرع، ولا تعمل شيئاً، إلا أن المال يلد المال.
المال إذا ولد المال تجمعت الأموال في أيد قليلة وحرمت منها الأيدي الكثيرة، أما إذا ولدت الأعمال فالمال شيء دقيق جداً أيها الأخوة، أي محل تجاري إذا فتح يشغل خمسمئة إنسان من دون أن يشعر يحتاج إلى فواتير، حبر، مطبعة، ورق، المطبعة فيها موظفون، فيها محاسب، نقل البضاعة يحتاج إلى سيارة، وإلى من يحمل البضاعة، إلى سائق سيارة، إلى بنزين، تصليح سيارة، وأنت لا تدري فتحت مؤسسة بسيطة، خمسمئة إنسان يكسب من وراء هذه المؤسسة وأنت لا تدري.
ملخص الملخص بلا تعقيدات فقهية المال يجب أن يتولد من الأعمال، هذا صنع باباً، مفروشات، هذا طبب، هذا حلق شعراً، هذا صلح كهرباء، هذا جَلَّسَ سيارة، هذا صحح محركاً، قدم شيئاً، إما زرع أو صنع أو تاجر أو قدم خدمات، أو خبرات، أو معونات، المال جاء على أثر عمل مشروع، أنت مرتاح، المال ولد المال غير مشروع، الربا أساسه أن المال يلد المال.
لأن المال إذا ولد المال صار هناك غني وفقير، أما إذا الأعمال ولدت الأعمال فالكل في حق الحياة سواء.
أركان البيع والشراء :
1 ـ التراضي :
أخواننا الكرام، لا أريد أن أدخلكم في تفاصيل وفي خلافيات فقهية أنتم في غنى عنها، لكن أوضح لكم أركان البيع والشراء بشكل مبسط، أول ركن من أركان البيع والشراء أن يكون هناك من يدل على الرضا لنقل الملك من المالك إلى المشتري، صراحةً كأن يقول: بعتك هذا الشيء أو أعطيتك هذا الشيء بمبلغ كذا، بعتك هذا الشيء بمبلغ كذا، أو أعطيتك هذا الشيء بمبلغ كذا، أو ملكت هذا الشيء بمبلغ كذا، أو هو لك، أو هات الثمن، أو هو حلال عليك ونحو ذلك من أي لفظ يشعر بالرضا من انتقال المبيع من المالك إلى الشاري، لابد من أن يكون هناك رضا:
﴿ وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ﴾
بالأشياء الخسيسة المعاطاة تكفي أي يوجد حاجات ثمن الحاجة ليرتان وضعت ليرتين وأخذت الحاجة، الإشارة والمناولة تحل محل التراضي المعلن صراحةً في الأشياء الثمينة.
الحقيقة لا يلزم في الإيجاب والقبول ألفاظ معينة، لأنه يوجد قاعدة أصولية: العبرة في العقود في المقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني.
سؤال: لو قلت لأحدكم وهبتك هذا القلم بمئة ليرة، هذا عقد هبة؟ نوع العقد بيع واللفظ هبة، العقد بيع، لو قلت: بعتك هذا القلم بلا ثمن، هذا عقد هبة، العبرة بالعقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني، هذه قاعدة لا يوجد لفظ معين، أي لفظ يدل على الإيجاب والقبول، الإيجاب من قبل البائع والقبول من قبل الشاري مع التراضي صحّ البيع أي أكبر ركن من أركان البيع التراضي صراحةً، ضمناً، أو إشارة، أو تناولاً.
2 ـ الإيجاب والقبول :
والشيء الثاني الإيجاب والقبول، إلا أنه تشتري هذا البيت؟ بكم، ثلاثة ملايين، سكت وجلس ربع ساعة، وذهب، بعد أسبوع المبلغ جاهز، ماذا جاهز أنت لم تقل اشتريت، ولم تقل قبلت الآن ثمنه خمسة ملايين ونصف.
3 ـ الإيجاب والقبول في مجلس واحد :
لا يصح البيع إلا بالتراضي والإيجاب والقبول في مجلس واحد، لعل بعض العلماء يقول: تشتري هذه البيت، بكم؟ بثلاثة ملايين، ماذا طبخت اليوم؟ بامية، كبيرة أم صغيرة؟ صغيرة، بكم الكيلو أخذته؟ بندورة دبس أم عصير طازج؟
يجب أن يكون الإيجاب والقبول في مجلس واحد متصل، أما بعد أن دخل موضوع جديد انقطع المجلس، لو أنت قبلت قد لا يقبل البائع، أما إذا اختلف المجلس فالبيع لا يصح، التراضي، الإيجاب والقبول، وأن يتم الإيجاب والقبول في مجلس واحد متصل.
4 ـ توافق الإيجاب مع القبول حتى ينعقد البيع :
يوجد حالة رابعة: تشتري هذا البيت؟ نعم أشتري، بكم؟ بثلاثة ملايين، لا بمليونين، ما توافق رقم البائع مع الشاري، البيع لم ينعقد لا بد من التوافق، صار التراضي، الإيجاب والقبول، وأن يتم الإيجاب والقبول في مجلس واحد متصل، وتوافق الإيجاب مع القبول حتى ينعقد البيع.
5 ـ أن يكون الإيجاب بلفظ الماضي :
الآن يجب أن يكون الإيجاب بلفظ الماضي، بعتك، أما أبيعك فهذا ليس عقد بيع هذا عقد وعد بالبيع، هناك فرق، يجب أن يكون الإيجاب بالفعل الماضي، بعتك، تقول أنت: اشتريت بالماضي، أما أبيعك و أشتري فلا يصح، إلا أن العلماء يوجد عندهم حالة واحدة، إذا قلت له: أبيعك وناولته الشيء، وقال لك: أنا أشتري منك وأخذ الشيء منك ونقدك ثمنه، تبادل المبيع مع الثمن في الوقت الحاضر يجيز أن يكون الإيجاب والقبول في الفعل المضارع، أما أصل البيع فأن يستخدم الفعل الماضي بعتك واشتريت.
6 ـ أن يصدر البيع عن إنسان عاقل مختار :
الآن حتى يصح البيع يجب أن يصدر البيع عن إنسان عاقل مختار، فكل إنسان أكرهناه بقوة السلاح على أن يبيع شيئاً العقد لا ينعقد، يجب أن يكون مختاراً، وأن يكون عاقلاً، فالمجنون بيعه باطل، والمكره بيعه باطل، فالمجنون لا يبيع ولا يشتري، المكره لا يبيع ولا يشتري ولو أتى بصيغة تدل على أنه راض، لا عبرة لرضائه ما دام كان مكرهاً، ولا عبرة لرضائه ما دام مجنوناً، العاقل والمختار يصح منهما الشراء والبيع، ولا يشترط أن يكون بالغاً، والصبي المميز يجوز بيعه وشراؤه بشرط أن يأذن له وليه بذلك.
7 ـ الإسلام ليس من شرط البيع والشراء :
ولا يشترط الإسلام بالبيع والشراء، يمكن من أن تشتري من أهل الكتاب، يمكن أن تشتري من غير المسلمين، يمكن أن تبيع غير المسلمين، فليس من شرط البيع والشراء الإسلام، إلا أن السلاح لا يباع في زمن الفتنة.
8 ـ أن يكون مملوكاً للبائع :
يشترط في المبيع أن يكون مملوكاً للبائع، مقدوراً على تسليمه، رجل مرة باع شخصاً حافلة تراب، قال له: كل يوم مئة ألف، فقال له: بكم؟ طبعاً هي طرفة هل يستطيع أن يسلمه الحافلة، يوجد أشياء لا تسلم، لابد من أن يكون المبيع مملوكاً من قبل البائع، وطاهراً، ولا يكون لحم الخنزير ولا الميتة ولا الخمر قادراً على تسليمه، يوجد أشياء لا تسلم.
9 ـ أن يكون مباحاً تملكه :
شيء آخر: يجب أن يكون مباحاً تملكه، معلوم القدر والصفة منتفع بها، هذه شروط الشيء المبيع.
هذه أركان البيع بشكل إجمالي، التراضي صراحةً أو ضمناً أو إشارةً أو تعاطياً، الإيجاب والقبول، الإيجاب من البائع والقبول من المشتري في مجلس واحد متصل مع توافق الإيجاب والقبول ثلاثة بثلاثة وأن يكون الإيجاب والقبول باللفظ الماضي، بالمضارع لابد من قرينةٍ تدل على أن الإيجاب تمّ بصحة تامة والقبول تمّ بصحة تامة، الإيجاب والقبول يجب أن يصدرا عن مميز مختار، فالمجنون بيعه باطل وشراؤه باطل، والمكره بيعه باطل وشراؤه باطل.
الإسلام ليس شرطاً في صحة البيع لك أن تبيع غير المسلمين ولك أن تشتري منهم، يشترط في المبيع أن يكون مملوكاً، طهراً، مقدوراً على تسليمه للمشتري، مباحاً تملكه، معلوم القدر والصفة، منتفع به.
البيع والشراء نشاط أساسي في حياة الإنسان :
أيها الأخوة، إلا أن الشرع الحكيم استثناءً من بعض أركان المبيع هناك حالات، مثلاً بيع الأخرس يجوز، بيع الأعمى، بيع المزايدة، هذه أنواع من البيوع جازها الشرع تمشياً مع مصالح المسلمين، بيع السلم، بيع العرايا، هذا إن شاء الله نأخذه في درس قادم؛ بيع الأخرس يجوز، بيع الأعمى، بيع المزايدة، بيع السلم، بيع العرايا، هذه بيوع أجازها الشرع، ويوجد بيوع محرمة على الإطلاق، نبدأ بالبيوع التي أجازها الشرع والبيوع التي حرمها الشرع، لكن أريد أن أقول لكم، نشاط البيع والشراء نشاط أساسي في حياة الإنسان حتى لو كان موظفاً، دخله محدود لابد من أن يشتري الحاجات، فحينما يسلك المؤمن الذي عرف الله الأسلوب الصحيح في البيع والشراء يضمن أن بيعه صحيح، وأن هذه اللقمة التي يأكلها حلال هو وأولاده، وقلت لكم قبل قليل: "من دخل السوق من دون فقهٍ أكل الربا شاء أم أبى"، ويوجد أساليب من البيع لا تعد ولا تحصى بعضها محرم، وبعضها مكروه، وبعضها باطل، وبعضها فاسد، فالإنسان لابد من أن يستيقن من أحكام البيوع لأنها أحد أدوات سلامة علاقته مع الله عز وجل.
أحياناً ترى طفلاً صغيراً غير مميز باعك حاجة بثمن بخس، أنت مؤمن، نحن قلنا: طفل مميز، علامة تمييزه أن السعر معقول، أما أحياناً بربع الثمن لا يعرف، وأنت مؤمن لا تشتري منه نبهه للثمن، وضعه أبوه في المحل وذهب للغداء، فرح بنفسه وباع ونسي صفراً وأنت مؤمن، كثير من الحالات يوجد بيع بسعر غير معقول، المؤمن يتفقه لكي لا يقع في الحرام.
حدثني أخ اشترى حاجة بسعر مرتفع من يوم لضعفين أو ثلاثة، منع استيرادها ارتفع سعرها، جاء إلى بائع فباعه على السعر القديم، فذهب إلى البيت ولم يستطع أن ينام، في اليوم الثاني قال له: البضاعة ارتفع ثمنها إلى ثلاثة أضعاف وأنت مخير وأنا جاهز فأخذ نصف الفرق إكراماً له، يوجد مؤمن رضا الله عز وجل أغلى عنده من أي شيء، ومن أي سلعة، والبيع والشراء -كما قلت لكم- نشاط يومي، لا يوجد رجل إلا يبيع ويشتري، أنا واقف أمام شخص وضع نوعين من الطماطم، نوع الكيلو بليرتين، ونوع بستة، لاحظت رجلاً عبأ من الذي ثمنه بستة ليرات و وجههم من الذي ثمنهم بليرتين وزان، أربعة كيلو وأعطاه على الكيلو ليرتين، صدقوني مثل هذا الإنسان ينبغي أن يضع صلاته وصيامه بالحاوية، هذه سرقة.
يوجد أساليب كثيرة جداً إما غلط في الحساب، أو يأخذ شيئاً غير صحيح، هذا الشيء لا يسمى شطارة، هذا يسمى معصية وسرقة مبطنة، فالإنسان ينتبه ليس كل شيء رخيص يشرى، إن شاء الله في الدرس القادم ننتقل إلى بعض البيوع التي أباحها الشرع الحكيم، وفي الدرس بعد القادم ننتقل إلى بيوع حرمها الشرع، ثم هناك أحكام تفصيلية هذه فيما أعتقد نحتاجها أشد الحاجة.