- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠1الترغيب والترهيب المنذري
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
الاستغفار:
(( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بأخرة قال شراح الحديث بآخر أمره بآخر حياته إذا اجتمع إليه أصحابه فأراد أن ينهض قال سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك عملت سوء وظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ))
طبعاً قال هذا مشرعاً لنا.
(( فقلنا: يا رسول الله هذه كلمات أحدثتهن قال أجل جاءني جبرائيل فقال لي يا محمد هن كفارة المجالس ))
طبعاً هذا ينقلنا إلى الاستغفار، قال تعالى:
﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً ﴾
يقال دخل على الإمام الحسن البصري رجل، قال: يا إمام إني أشكو الفقر قال: استغفر الله، دخل عليه رجل آخر، قال: يا إمام إن زوجتي لا تنجب، قال له: استغفر الله، دخل عليه رجل ثالث قال: السماء لا تمطر، قال: استغفر الله، عنده رجل قال: يا إمام عجبت لك ! أو كلما دخل عليك رجل تقول له استغفر الله ؟ قال: أو ما سمعت قوله تعالى
﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً ﴾
فلسفة الاستغفار:
فلسفة الاستغفار، أب عنده ابن، جاء بجلائه، آخذ بالرياضيات صفر، والأب يحب العلم، ويعلق آمالاً كبيرة على تعليم ابنه، فلما رأى هذه النتيجة أراد أن يؤدب ابنه أيما تأديب، قبل أن يؤدبه رآه قد تألم ألماً شديداً، ولم يعد يأكل، ومعه مبلغ جمعه سابقاً أراد أن يجعله لدروس خاصة، الأب عندما رأى ابنه بهذا الهم، وبهذا الألم، وبهذا الضيق، لا يفعل معه شيئاً، انتهى.
فالإنسان في بحبوحة مادام يستغفر الله، هذه دقيقة جداً، أدق من ذلك قوله الله عز وجل:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾
أنت في بحبوحتين، بحبوحة أن تستقيم على أمر الله.
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾
لو خرجت عن منهج الله، لو أخطأت، معك بحبوحتين، أن تستغفر، إما أنك تائب، أو مستغفر، إما أنك مطبق، أو نادم، أما لا مطبق، ولا نادم، أنت الآن مُعرض لسخط الله، فنحن في بحبوحتين.
الله عز وجل لا يعذب أحبابه:
قال علماء التفسير
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
النبي صلى الله عليه وسلم مات، فحقيقة النبي، حقيقته منهجه، فمادام منهجه مطبقاً في حياتنا فنحن في بحبوحة أن الله لا يعذب أحبابه.
﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ ﴾
من أدق الآيات.
﴿ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾
يستنبط استنباطاً قطعياً من هذه الآية أن الله لا يعذب أحبابه، لو أنه وافقهم على دعواهم بأنهم أبناء الله وأحباؤه ينبغي ألا يعذبهم، ما دام يعذبهم فهم ليسوا كذلك.
المستقيم على أمر الله عز وجل له عند الله حق ألا يعذبه إذا هو عبده:
إذاً أنت حينما تستغفر أخذت حماية ثانية، أول حماية: ما دمت مستقيماً على أمر الله لك عند الله حق، والشيء الجميل أن الله عز وجل خالق الكون، وأنت لا شيء، أنت الذي لا وجود لك أمام وجود الله، أنشأ لك حقاً عليه.
(( قال يا معاذ ما حق الله على عباده قال الله ورسوله أعلم سأله مرة ثانية يا معاذ ما حق الله على عباده قال له الله ورسوله أعلم المرة الثالثة قال له يا معاذ حق الله على عباده أن يعبدوه وألا يشركوا به شيئاً، ثم سأله، يا معاذ ما حق العباد على الله إذا هم عبدوه ـالآن الله أنشأ لك حقاً عليه لك حق عندي ما حق العباد على الله إذا هم عبدوه قال ألا يعذبهم ))
هذا كلام رسول الله.
﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ﴾
إذا أنت خائف، قلق، ترى أن هناك شيئاً خطيراً، أو مجهولاً مخيفاً، أو مرضاً لا سمح الله، فقراً، مشكلة، عليك بطاعة الله، وحينما تطيعه ينشئ لك حقاً عليه.
(( قال له حق العباد على الله إذا هم عبدوه ألا يعذبهم ))
الحقيقة الناس عندما بعدوا عن الدين الآيات لم تعد لها معنى، عندما ربنا قال:
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي﴾
علة وجودك على وجه الأرض أن تعبد الله.
الكفارات لا يستحل بها المحارم ولا تلغى بها المناسك:
هذا الحديث:
(( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بأخرة إذا اجتمع إليه أصحابه فأراد أن ينهض قال سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك عملت سوء وظلمت نفسي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت فقلنا يا رسول الله هذه كلمات أحدثتهن قال أجل جاءني جبرائيل فقال لي يا محمد هن كفارة المجالس ))
الآن أسوأ فهم لهذا الحديث نجلس نتكلم كيف نريد، نغتاب، نتحدث بالدنيا، فإذا انتهى المجلس قلنا:
(( سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ))
مستحيل أن يقصد النبي ذلك، مستحيل، لأنه عندنا قاعدة أساسية، الكفارات لا يستحل بها المحارم، أوضح مثل موضوع الحج، إنسان راكب طائرة، أول مرة يركب طائرة بالحج، فيعرف أن الإحرام بعد ساعة، إقلاع الطائرة من دمشق، فوضع كل أمتعته بالحقيبة الكبيرة، والمناشف فيها، لم يعرف كيف ترتيب الطائرة، فعندما أقلعت الطائرة بعد ساعة، قال: أين المناشف ؟ نريد الحقيبة الكبيرة، أي كبيرة ؟ وتخطى الميقات غير محرم ماذا نقول له ؟ بطل حجك ؟ الشرع دقيق جداً، نقول: عليك هدي، وجب عليك الهدي، هدي جبر، صار في خطأ، يجدد، أخذ الحقيبة، ولبس الإحرام، وأحرم، وذبح خروفاً، يأتي إنسان غني يقول: أنا سأوزع مئة خروف، والله هذه المنشفة ما أحببتها، سألبس كلابية، أليس الواحد إذا ما لبس الثوب عليه هدي ؟ طبعاً، أنا سأدفع مئة خروف تفضلوا مليونين، وسألبس الكلابية، نقول له: لو تدفع مليون خروف، لو تأتي بقطيع الأغنام بالعالم تذبحها حجك باطل، لأن الكفارات لا يستحل بها المحارم، ولا تلغى بها المناسك.
الله عز وجل رحيم فتح لنا باب التوبة و الاستغفار:
إذا الإنسان قاعد ويعلم أنه سيتكلم غيبة، وسيتكلم على كيفه، وسيخلق مشاكل للناس، وعندما ينتهي المجلس يقول: أستغفر الله، سبحان الله وبحمده، هذا كلام مرفوض، أنت مؤمن مستقيم، طاهر، عفيف، بالخطأ كلمة منك عن غير قصد، لم تقصدها لها حل، استغفر الله عز وجل، لأن هذا الكلام واسع، وضبط اللسان عمل عظيم جداً، من أجلِّ الأعمال ضبط اللسان.
(( لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ))
فالإنسان إن استطاع أن يضبط لسانه مئة بالمئة ممتاز، لكن الله عز وجل رحيم، فتح لنا باب التوبة، باب الاستغفار، إنسان غلط ماذا يفعل ؟ ييأس، مستحيل.
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ﴾
على الإنسان أن يستغفر و هو في أعلى درجات الورع و الخوف من الله:
باب التوبة مفتوح، فالاستغفار ليس المقصود فيه أن تعمل سيئات بعدها تستغفر، المقصود به وأنت في أعلى درجات الورع، وأنت في أعلى درجات الخوف من الله، وأنت في أعلى درجات الحرص على طاعة الله، لو صدر منك كلمة لم تكن تقصدها، نقول إذا انتهى المجلس:
(( سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ))
هذه كفارة المجلس، فإذا الإنسان سهر سهرة، لكن الإنسان قد يجعل هذه السهرة جنة، قد يجعل هذا اللقاء نعيماً، قد يجعل هذه الوليمة رحمة، إذا ذكر الله فيها، أنا ألاحظ ما من جلسة لا يوجد فيها ذكر لله عز وجل إلا وينشأ مشكلة، كلمة غير منضبطة، نظرة غير منضبطة، أما بذكر الله عز وجل تلتئم القلوب، وتجتمع القلوب، وتتنزل رحمة الله عز وجل، يقول: سررنا، ما معنى سررنا ؟ هناك ذكر لله، صار هناك تجلي بهذه الجلسة، صار سرور، الإنسان أحياناً يدعو الآخرين لا يوجد تجلٍّ، يعمل نزهة لا يسر، كل النزهة مشاكل، يدفع ويتكلف ويرجع منزعجاً، فالإنسان إذا ذكر الله عز وجل الله يجعل كل أحواله جنان، و نعيم.
بشكل عام وطن نفسك أن يكون لسانك رطباً بذكر الله، أن يكون صمتك فكراً، ونطقك ذكراً، ونظرك عبادة و تفكراً.
أسعد الناس بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم المخلص و الموحد:
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
(( قلتُ يا رسولَ الله مَنْ أسْعَدُ الناس بشفاعتك يوم القيامة ))
طبعاً الشفاعة بشكل مختصر غير مفصل حق، لكن الناس أساؤوا فهمها، طالب جامعي، عنده اثنتا عشرة مادة، نجح بإحدى عشرة، المادة الأخيرة أخذ فيها خمساً و أربعين بالمئة، والنجاح خمسون، يعطونه خمس علامات كمساعدة، لأنه ناجح بإحدى عشرة مادة، أما طالب آخذ أصفاراً بكل المواد لن يأخذ شفاعة رسول الله، لا تفهمونها فهماً بعيداً.
﴿ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ ﴾
(( أمتي أمتي فيقال له لا تدري ماذا أحدثوا بعدك يقول سحقاً سحقاً ))
(( يا عباس عم رسول الله يا فاطمة بنت محمد أنقذا نفسيكما من النار أنا لا أغني عنكما من الله شيئاً ))
(( من يبطئ به عمله لم يسرع به نسبه ))
(( لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم ))
لكن إذا الإنسان كان مخلصاً، وكان موحداً، ونقصه علامتين، النبي عليه الصلاة والسلام يشفع له، شفاعة النبي تشبه، أنت أب وأردت أن تمتن علاقة ابنك بأمه، أعطيتها مبلغاً لتعطيه له، فالمبلغ منك، إلا أن هذه العلاقة تمتنت بهذا العطاء، هذا مفهوم الشفاعة، بشكل مختصر، ومنطقي.
(( يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه ))
الموحد.
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ ﴾
على كل إنسان أن يكون حريصاً على طاعة الله عز وجل و ضبط لسانه:
آخر حديث متعلق بالموضوع السابق:
(( كلماتٌ لا يَتَكلَّمُ بِهنَّ أحدٌ في مجلسهِ، عند قيامِه ثلاثَ مرَّاتٍ إلا كُفرَ بِهِنَّ عنه ولا يقُولهُنَّ في مجلسِ خيرٍ ومجلسِ ذِكْرٍ إلا خُتِمَ له بهنَّ عليه كما يُخْتَمُ بالخاتم على الصحيفة سبحانك اللَّهمَّ وبِحَمدِكَ لا إلهَ إلا أنت أستغفِرُكَ وأتوبُ إليك ))
نعود أنفسنا بعد كل جلسة أن نقول هذا الدعاء، ونحن في أثناء الجلسة حريصون حرصاً لا حدود له على طاعة الله، وعلى ضبط اللسان، وعلى البعد عن الغيبة، والنميمة، وقول الزور، وعن المحاكاة، وكل كلمة تؤذي أخاك المؤمن.