وضع داكن
25-04-2024
Logo
الترغيب والترهيب - الدرس : 058 - كتاب الصدقات - الترغيب في الإنفاق في وجوه الخير كرما والترهيب من الإمساك والادخار شحا
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

الوسائل التي يمكن أن يعوض فيها المال و أن يتلف فيها لا تعد ولا تحصى:

 قال عليه الصلاة والسلام:

(( مَا مِنْ يوم يُصبِحُ فيه العبادُ إلا مَلَكانِ يَنْزِلان من السماء يقول أحدهما اللهم أعْطِ مُنْفِقا خَلَفاً ويقول الآخر اللهم أعْطِ مُمْسِكاً تَلَفاً ))

[ البخاري ومسلم عن أبي هريرة]

 المنفق أعطه خلفاً، والمنفق أعطه تلفاً، والوسائل التي يمكن بها إتلاف المال لا تعد ولا تحصى، قد يحترق المال، قد يضيع، قد يُسرق، قد تشتري بضاعة تظنها رائجة فإذ هي كاسدة، الوسائل التي يمكن أن يتلف فيها المال لا تعد ولا تحصى، قد تأتيك ضريبة ظالمة، قد تدفع نفقة تالفة، فالذي ينفق ربنا جلّ جلاله يحفظ له بقية ماله، ثم يخلفه أضعافاً مضاعفة، وكل مؤمن له في هذا الموضوع تجربة أي يعلم ما معنى هذا الحديث، أيضاً الوسائل التي يمكن أن يعوض فيها المال أضعافاً مضاعفة.
 أحد أخواننا الكرام له قريب توفي، دخله محدود، فلما جاء إلى بيت قريبه، و لا يزال على المغتسل سأل أعليه دين ؟ قالوا: نعم، استحيا أن يسألهم كم الدين، قال: دينه عليّ، وهو يتوهم عشرة، خمسة عشر، وضع السقف أن يكون الدين ثلاثين ألفاً، في اليوم التالي تبين له أن عليه مئة وثلاثين ألفاً، لم يتراجع، دفع المبلغ، والله في صحن الجامع ذكر لي هذه القصة، قال: في اليوم التالي ـ هناك كساد بالأسواق عجيب، هو عنده معمل ـ بعت صفقة، الهواتف للمعمل لا تعد، بعنا بشكل غير طبيعي، نصيبي ـ هم ثلاثة شركاء ـ من الربح الصافي في يوم واحد كان مئة وثلاثين ألفاً، الذي أنفقه، والله تكلم القصة بصحن المسجد وبكى.
 المنفق الله جلّ جلاله يعطيه خلفاً، والممسك يعطيه تلفاً، غلطة بالاستيراد، أرقام الأثواب غير الوثائق، مع أنه دفع الجمرك الكامل، لكن هذا يعد خطأ كبيراً، قال لي: دفعنا ستمئة و خمسين ألفاً، هذا دفع مليوني ليرة، هذا خمسة ملايين، هذا ثمانية ملايين، هذه قصص يومية، غلطة بسيطة جداً في البيع والشراء، بضاعة لها مشكلة، بضاعة صودرت، نسي توقيعاً فالبضاعة لم تدخل، هؤلاء التجار.
 المزارعون: آفة، ذبابة بيضاء، صقيع، في كل المصالح هناك وسائل إتلاف المال لا تعد ولا تحصى، ووسائل تعويض المال لا تعد ولا تحصى، فليت الإنسان يخضع لقانون العناية الإلهية.

 

(( مَا مِنْ يوم يُصبِحُ فيه العبادُ إلا مَلَكانِ يَنْزِلان يقول أحدهما اللهم أعْطِ مُنْفِقا خَلَفا ويقول الآخر اللهم أعْطِ مُمْسِكا تَلَفا ))

 

[ البخاري ومسلم عن أبي هريرة]

 

الغني إن بخل بماله باع الفقير آخرته بدنيا غيره:

 في القرآن ثماني آيات، حصراً تبشر المنفق بالتعويض، قال تعالى:

﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ﴾

( سورة سبأ الآية: 39 )

  إذا الإنسان أنفق الله عز وجل يعطيه أضعافاً مضاعفة، وإذا أمسك ! سيدنا علي يقول:
  قوام الدين والدنيا أربعة رجال، عالم مستعمل علمه، وجاهل لا يستنكف أن يتعلم، وغني لا يبخل بماله، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه ".
 فإذا ضيع العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلم، وإذا بخل الغني بماله باع الفقير آخرته بدنيا غيره، إذا أغنياء المسلمين ما رعوا فقراء المسلمين لعل فقراء المسلمين لا يتجهون إلى جهة ترضي الله عز وجل، بدافع الحاجة.

تحريم تخزين الطعام مخافة الفقر:

(( دخل النبي صلى الله عليه وسلم على بلال وعنده صُبر من تمر أكوام من تمر فقال ما هذا يا بلال قال أعد ذلك لأضيافك فقال أما تخشى أن يكون له دخان في نار جهنم ))

[البزار و الطبراني عن عبد الله بن مسعود ]

 أي تخزين الطعام خوف الفقر، وعدم إنفاقه، الآن هناك ظرف آخر، الحياة معقدة جداً، والوقت ضيق، وتأمين الطعام صعب، الناس يضعون الطعام في الثلاجات ، طبعاً هناك جلسة مذاكرة في هذا الموضوع ليس هذا من قبيل التخزين، العبرة أن الإنسان طلب طعاماً، وأنت لا تعطيه الطعام خوفاً من الفقر، التخزين مع الإمساك.

 

(( ما هذا يا بلال قال أعد ذلك لأضيافك فقال أما تخشى أن يكون له دخان في نار جهنم أنفق بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالاً ))

 

[ البزار و الطبراني عن عبد الله بن مسعود ]

  وهناك نقطة دقيقة المحتكر ملعون، المحتكر خاطئ، المحتكر يؤذي المسلمين، لأنه يحبس الأقوات ولا يطرحها في الأسواق، من أجل أن يرتفع ثمنها.

 

من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم:

 

 في بحث الاحتكار بالفقه قد تعجبون، البائع محتكر، وقد يكون الشاري محتكراً كيف ؟ هذه السلعة موجودة في الأسواق بسعر معتدل، فإذا زاد الطلب عليها ارتفع سعرها ، فالذي يشتري أكثر من حاجته هو عند الله محتكر، هناك حركة طبيعية، مادة غذائية موجودة سعرها معتدل، فإذا أقبل الناس على شرائها وتخزينها ارتفع سعرها، الفقير يتضرر، فكما أن البائع إذا حبس البضاعة ولم يبعها ارتفع سعرها، كذلك الذي يشتري بضاعة ولا يحتاجها من أجل التخزين هذا أيضاً يُسهم في رفع السعر، وكل إنسان أسهم في رفع السعر أوقع الفقير في مشكلة، الفقير له دخل محدود، إذا ارتفع السعر دائماً بعض أصحاب الدخل الغير محدود يرفع سعره، له ربح ثابت، إذا ارتفعت الأسعار رفع من بضاعته ، أما هذا صاحب الدخل المحدود إذا ارتفعت الأسعار ماذا يفعل ؟ دخل تحت الخط الأحمر، إذا أخوك بخير أنت بخير، المسلم يعنيه أمر المسلمين، من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، و الإنسان عندما يكون حوله أناس في بحبوحة يسعد، الذي حوله أناس في شقاء يشقى.
 فلذلك كما أن البائع قد يكون محتكراً بحبس السلعة، وتخزينها حتى يرتفع ثمنها، الذي يشتري فوق حاجته أيضاً يعد محتكراً، لأن هذا الإقبال على الشراء يرفع من ثمن البضاعة.

من ضيّق الإنفاق ضيق الله عليه:

 

 و قال رسول عليه الصلاة والسلام مخاطباً أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما:

(( لا تُوكي فيوكي اللهُ عليكِ أنفقي أو انْضَحِي أو انْفَحِي ولا تُحصي فيُحصي اللهُ عليكِ ولا تُوعِي فيوعِي اللهُ عليكِ ))

[ متفق عليه عن أسماء بنت أبي بكر]
 تشدد الله يشدد، تضيق الإنفاق الله يضيق الإنفاق، تعطي الله يعطي، أنا العبد الفقير، لي خبرة مع من حولي، الذي يعطون يُعطَون، الذي ينفقون ينفق الله عليهم، الذي يبسط يده ربنا سبحانه وتعالى يبسط إليه يده، أي هناك معاملة دقيقة جداً، يا أسماء:

 

(( لا تُوكي ))

 أوكى الكيس، أي أغلقيه، شدّي طوقه.

 

 

(( لا تُوكي فيوكي اللهُ عليكِ ))

 أنا أذكر قصة رمزية أذكرها كثيراً: بيت من بيوت الشام القديمة فيه ليمونة تحمل خمسمئة حبة، ستمئة حبة، كل إنسان طرق هذا الباب وطلب ليمون يعُطى، هكذا كانت سياسة الست مع الجيران، توفت هذه الجدة، جاءت بعدها الكنة، رفضت أن تعطي الليمون لأي إنسان، فيبست هذه الليمونة، عمرها ثلاثون، أو أربعون سنة، تعطي الناس كلها.

 

 

(( لا تُوكي فيوكي اللهُ عليكِ أنفقي أو انْضَحِي أو انْفَحِي ولا تُحصي فيُحصي اللهُ عليكِ ولا تُوعِي فيوعِي اللهُ عليكِ ))

 

[ متفق عليه عن أسماء بنت أبي بكر]

 طبعاً

(( لا تُوكي ))

أي لا تمنعي ما في يدك.

درهم تنفقه في حياتك خير من مئة ألف درهم ينفق بعد مماتك:

 كما قال بلال رضي الله عنه:

(( قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بلال مت فقيراً ولا تمت غنياً قلت وكيف لي بذلك قال هو ذاك أو النار))

[ الطبراني عن بلال]

 من هو الذي يموت غنياً ؟ هو الذي يعيش فقيراً ليموت غنياً، فقير من عمل الصالح، أحياناً الإنسان يموت فيترك ثروة طائلة، لا يعلم كيف تنفق بعد موته، قد تنفق في الحرام، قد تنفق في المعاصي والآثام، قد يأتي أولاده ويبددون هذا المال.
 أخوة كثيرون والله عملوا وصية، وأنا على علم بها، وأنا شاهد عليها، عندي نسخة من هذه الوصايا، لا أبالغ لم تنفذ ولا وصية، الأولاد لا ينفذون، نحن أولى بهذا المال.
 لذلك أنفق في حياتك ولا تكن تحت رحمة أحد، عندي في البيت عدد يزيد عن عشر وصايا، والله لم تنفذ ولا وصية، وأنا شاهد عليها.
 هناك رجل ترك ثلاث بنايات لأولاده، و وصى بمئتي ألف للفقراء والمساكين، فلم يدفعوا شيئاً، بخلوا عليه بمبلغ يسير.
 لذلك درهم تنفقه في حياتك خير من مئة ألف درهم ينفق بعد مماتك، في الأعم الأغلب لم ينفق شيء، وإذا أُنفق حالات نادرة.
 لي قريب أنشأ مسجداً، وتوفي قبل أن ينتهي المسجد، أولاده تابعوا هذا المسجد إلى النهاية، حيث أن الأرض، والبناء، والكسوة، والأثاث كانت على نفقته، توفي بنصف المشروع، الأولاد أكملوا و هذه حالات نادرة، أما في الأعم الأغلب الأولاد لا ينفذون وصايا آبائهم.

 

(( مت فقيراً ولا تمت غنياً قلت: وكيف لي بذلك قال هو ذاك أو النار ))

 

[ الطبراني عن بلال]

من ادخر شيئاً لغد و منعه ممن يستحقه فقد أشرك بالله تعالى:

(( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يَدَّخِرُ شيئاً لِغَد ))

[ رواه الترمذي عن أنس ]

 ذكرت لكم من مذاكرة بعض العلماء حول هذا الموضوع، هناك شيء اسمه بلوى عامة، الحياة معقدة جداً، لن تتمكن كل يوم من أن تخرج لتجلب الطعام، لذلك أَلِف الناس في هذه الأيام أن يكون في الثلاجة بعض الطعام، توفيراً للوقت، هذا ليس من نوع تخزين الطعام، تخزين الطعام خوف الفقر، تخزين الطعام وعدم إنفاقه هو الذي نهى عنه النبي، إما خوف الفقر و هذا إشراك، أو تخزين الطعام ومنعه ممن يستحقه، هذا التخزين هو الذي أراده النبي عليه الصلاة والسلام.
 آخر حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم:

 

(( التفت إلى أُحد فقال: والذي نفسي بيده ما يسرني أن أُحداً تحول لآل محمد ذهباً أنفقه في سبيل الله أموت يوم أموت أدع منه دينارين إلا دينارين أعدهما لدين إن كان عليّ ))

 

[الطبراني عن ابن عباس]

 أي التعجيل بالإنفاق.

 

 

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور