وضع داكن
28-03-2024
Logo
الترغيب والترهيب - الدرس : 054 - كتاب الصدقات - ترهيب السائل أن يسأل بوجه الله غير الجنة وترهيب المسؤول بوجه الله أن يمنع
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

الجنة عطاء فمن سأل بوجه الله لا ينبغي أن يسأل غير الجنة:

 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( لا يُسألُ بِوَجهِ الله إلا الجنة ))

[ أبو داود عن جابر]

 أي الجنة عطاء، لكن الدنيا ليست عطاء، فإن سألت بوجه الله لا ينبغي أن تسأل غير الجنة.
 يروى أن أحد الخلفاء كان في بيت الله الحرام، فالتقى بعالم جليل، أراد هذا الخليفة أن يتقرب إلى الله بخدمة هذا العالم، فقال له: سلني حاجتك ؟ قال: والله إني أستحي أن أسأل غير الله في بيت الله، فلما التقى به خارج بيت الله، قال له: سلني حاجتك ؟ قال: والله ما سألتها من يملكها أفأسألها من لا يملكها ؟ فلما أصرّ عليه، قال: أدخلني الجنة، وأنقذني من النار، قال: هذا ليست لي، قال: إذاً ليس لي عندك حاجة.
 فأي شيء يأتي الإنسان في الدنيا لا يسمى عطاء لأنه يؤخذ منه، الكريم إن أعطى لا يأخذ، فإذا أعطى الله إنساناً في الدنيا المال عند الموت يسلبه منه، إن أعطاه الصحة، الموت ينهي كل شيء، الموت ينهي غني الغني، وفقر الفقير، وصحة الصحيح، ومرض المريض، وقوة القوي، وضعف الضعيف، ووسامة الوسيم، ودمامة الدميم.
 إذاً ما دام الشيء يسترد منك لا يمكن أن يسمى عطاء، العطاء ما كان أبدياً سرمدياً، فإن سألت بوجه الله عز وجل لا يليق بك إلا أن تسأله الجنة.

 

 لذلك أحد الصحابة الكرام خدم النبي عليه الصلاة والسلام ـ سيدنا ربيعة ـ سبعة أيام، قال له: يا ربيعة سلني حاجتك ؟ قال: أمهلني يا رسول الله ـ هذه فرصة لا تعوض ـ أمهلني، أمهله أياماً ثم سأله، قال: ادعُ الله لي أن أكون معك في الجنة، قال: من علمك هذا ؟ قال: والله ما علمنيه أحد، لكنني رأيت الدنيا فانية، فأردت شيئاً يبقى.
 فالإنسان إذا سأل الله فليسأله الجنة، لأنه لو سأله المال فالمال في الدنيا، و الموت ينهي هذا المال، و لو سأله الرفعة في الدنيا، الموت ينهي هذه الرفعة.

(( لا يُسألُ بِوَجهِ الله إلا الجنة ))

 بل لا يليق بك أن يكون طموحك أقل من الجنة، هذه الدنيا نأكل جميعاً، ونشرب جميعاً، أحياناً الفقير يستمتع بصحن فول أشد من استمتاع الغني بأفخر الطعام، قد يستمتع الفقير بمسكن، بمأوى، أشد من استمتاع إنسان متفلت بأكبر بيت، فالقضية في الدنيا قضية نسبية، والحظوظ موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء، بينما هي موزعة في الآخرة توزيع جزاء.

من طلب شيئاً عليه أن يتناسب هذا الطلب مع عظمة المسؤول:

 وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

(( ملعون من سأل بوجه الله وملعون من سئل بوجه الله فمنع سائله ))

[الطبرانى عن أبي موسى الأشعري ]

 أي إنسان سأل، وإنسان سُئل، السائل والمسؤول إن منع المسؤول، أو سأل السائل غير الجنة كلاهما ملعون.
 إنسان دخل على ملك، والملك ملك، يملك كل شيء في بلاده، قال له: اطلب، قال له: ليرة، مجنون هذا، تطلب من ملك ليرة واحدة ؟ اطلب مليون ليرة، اطلب بيتاً، اطلب مركبة، يجب أن تطلب شيئاً يتناسب مع عظمة المسؤول، المسؤول هو الله عز وجل.

 

(( ملعون من سأل بوجه الله وملعون من سئل بوجه الله فمنع سائله ))

 السائل ينبغي ألا يسأل إلا الجنة، والمسؤول إذا سُئل ينبغي أن يلبي لوجه الله فإن لم يلبِ فهو ملعون عند الله عز وجل.
 الحديث دقيق جداً.

 

 

المؤمن يسعد بالعطاء و غير المؤمن يسعد بالأخذ:

 

 رجل جاء النبي عليه الصلاة والسلام، و سأله مالاً فأعطاه، وحينما خرج، قال عليه الصلاة والسلام:

(( فإن أحدكم ليخرج بصدقة من عندي متأبطها وإنما هي له نار ))

[أخرجه الحاكم عن عمر بن الخطاب ]

 عجيب ! الصحابة استغربوا، سألك فأعطيته، ما دام الذي أعطيته هو عند الله نار، قال أحدهم: لمَ أعطيته ؟ فأجابه إجابة دقيقة جداً:

 

(( يأبون إلا أن يسألوني ويأبى الله لي البخل ))

 

[أخرجه الحاكم عن عمر بن الخطاب ]

 لو أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يعطه، هو لا يستحق، لكن حكمة النبي تقتضي أن يعطيه، لو أنه لم يعطه لقال هو بخيل، لا يعطي، فهذه متعلقة بالدعوة.
 أحياناً الإنسان إذا تصدى للدعوة إلى الله قد يتنازل عن حقوق له كثيرة من أجل سمعته، قد يعطي أكثر مما يستحق الآخرون، لئلا يقال عنه بخيل.
 فأنت في موطن دقيق جداً، فالنبي إنسان سأله أحدهم فأعطاه، فلما خرج، قال هذا السائل يتأبط ناراً، فقالوا لِمَ أعطيته يا رسول الله ؟ قال:

 

(( يأبون إلا أن يسألوني ويأبى الله لي البخل ))

 أنا لا يمكن أن أكون في أعلى درجة من الكمال واُتهم بالبخل، أنا أعطيه لكنه سوف يحاسب، وهذا يقع دائماً، إنسان يلح، يعطيك أوراقاً، يعطيك أدلة، فتستحي منه أن تكون بهذه القسوة البالغة، تعطيه و قد لا يستحق هذا العطاء، أنت دفعت عن نفسك تهمة البخل، لكنه أخذ هذا المال:

 

 

(( ملعون من سأل بوجه الله وملعون من سئل بوجه الله فمنع سائله ))

 الذي أعطيته هو الذي بقي لك، والذي استهلكته هو الذي ذهب منك، فالمستهلكات هي الخسارة، و الأعطيات هي الربح.

 

 

(( بقِي منها إلا كَتِفُها قال بقي كلُّها إلا كَتِفها ))

 

[أخرجه الترمذي عن عائشة أم المؤمنين ]

 فالمؤمن يسعد بالعطاء، أما غير المؤمن يسعد بالأخذ، وإن أردت أن تعرف ما إذا كنت من أهل الدنيا، أم من أهل الآخرة فانظر ما الذي يسعدك أن تعطي أم أن تأخذ ؟.

 

الحقائق التي بيّنها النبي الكريم في الحديث التالي:

 

 كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ))

[أخرجه مسلم عن أبي هريرة]

 ثلاث حقائق ؛ أي إنفاق تنفقه في سبيل الله، هذا الإنفاق لا ينقص مالك، بل يزيده، لأن الله يمحق الربا ويربي الصدقات، طبعا بالحسابات المادية القرض الربوي أربح، أما بالحسابات الإلهية القرض الحسن هو الأربح، فربنا يخضعك إلى قانون العناية الإلهية، أنت تنفق المال، والمال إذا أنفقت منه قلّ لكن بعناية إلهية خاصة يزيد هذا المال، فما نقص مال من صدقة:

 

(( وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزا ))

 إنسان قوي وله خصم بالغ بالإساءة إليه، إما أن تنتقم منه، وإما أن تعفو عنه، قد يتوهم الإنسان أنه إذا عفا عنه قلّ شأنه، وإذا انتقم منه أظهر قوته، لا، بالعكس، الله عز وجل جعل لك قانوناً ؛ لا يزيد الذي يعفو عن خصمه إلا عزاً، بالعفو يزداد عزك عند الله وعند النفس.

 

 

(( وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ))

 الآن هناك أشخاص يلجؤون إلى عرض عضلاتهم، وعرض إمكاناتهم، والحديث عن نفسهم، وعن إنفاقهم، وعن سفرهم، وعن حضرهم، هؤلاء يصغرون عند الناس، فالإنسان إذا تحدث عن نفسه يصغر، وإذا تحدث عن الله عز وجل ووضع نفسه في التعتيم رفعه الله.

 

 

(( ما ذكرني عبدي في نفسه إلا ذكرته في نفسي، ولا ذكرني عبد في ملأ من ملائكتي إلا ذكرته في ملأ خير منه ))

 

[ ورد في الأثر ]

 فالإنسان إذا أغفل نفسه، و تحدث عن ربه، ازداد عزاً، وازداد رفعة ومكانة، وإذا تحدث عن نفسه لينتزع إعجاب الناس و ليعلو عندهم، هو يصغر لا يعلو عندهم.

 

(( ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ))

 

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور