وضع داكن
23-04-2024
Logo
الترغيب والترهيب - الدرس : 049 - كتاب الصدقات - الترغيب في أداء الزكاة وتأكيد وجوبها والترهيب من منع الزكاة وما جاء في زكاة الحلي
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

الدنيا دار ابتلاء لا دار استواء:

 أيها الأخوة الكرام:

 

(( إن الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا وعروا إلا بما يضيع أغنياؤهم ـوفي رواية ما يضيّع أغنياؤهم ألا وإن الله يحاسبهم حساباً شديداً ويعذبهم عذاباً أليماً ))

 

[ رواه الطبراني عن علي]

 هذا الحديث أيها الأخوة، فيه معنى عميق جداً:
 لو أننا سلمنا مركبة إلى سائق، ومشى في طريق عريض جداً، يقدر عرضه بستين متراً، كل أخطاء هذا السائق لا تبدو، لأن الطريق عريض، حتى لو أنه غفل عن قيادة المركبة يبقى في الطريق وأخطاؤه لا تظهر.
 وما دمنا في دار ابتلاء فلابدّ من أن تظهر الأخطاء، لو سار هذا السائق في طريق ضيق، وعن يمينه منخفض، وعن يساره منخفض، فلو غفل ثانية لخرج عن الطريق، ولظهرت غفلته واضحة.
 الأصل أننا في دار ابتلاء لا دار استواء، فلابدّ من أن تظهر الأخطاء كي نعالجها، لابدّ من أن تظهر الأخطاء كي نُطهر منها، هذا الموضوع مثل قيادة السيارة في طريق عريض، أو طريق ضيق.
 مثل آخر: لو أن أباً جاء لأولاده بكم كبير من البرتقال، عنده خمسة أولاد، الأول أكل، الثاني لم يأكل، العدد كبير، لا تبدو فضائل الأولاد بهذا الكم الكبير، أما لو أتى بعشر برتقالات، وأولاده خمسة، فلو أن أحد أولاده أكل ثلاث برتقالات لحرم أحد أخوته برتقالة، لو أكل أربعة حرم أحد أخوته كلياً، لو أكل ثمانية حرم اثنين كلياً، فأي تصرف مع هذا العدد المدروس يظهر الخطأ.

 

الله عز وجل عنده خزائن كل شيء:


 مرة ثانية: نحن في دار ابتلاء، فربنا عز وجل عنده خزائن كل شيء، كان من الممكن أن يكون الكم في الأرض بغير حساب، عندئذٍ لا تبدو الفضائل ولا الرذائل إطلاقاً، أما الكم الذي في الأرض من كل شيء بعدد حكيم جداً، بحيث لو أن الغني أترف جاع الفقير، الغني بذخ شقي الفقير، الكم مدروس.
 فالغني حينما ينحرف يبدو انحرافه في طرف آخر، لأن الله سبحانه وتعالى سيريه عمله، إلا أن الحقيقة أن الله لن يفعل شيئاً حكيماً على حساب أحد، فحتى الغني حينما يترف، وحينما ينفق أمواله جزافاً، يكون الفقير قد أدبه الله، وجعل من فقره وسيلة إلى معرفته.

 

 

 

﴿ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً ﴾

 

( سورة الأنعام الآية 129 )


 هذا الحديث يُطبق على أفراد الناس، وعلى الأمم، وعلى الشعوب، فالشعوب الغنية جداً التي تنفق أموالها إنفاقاً فيه إسراف، يظهر هذا في الشعوب الفقيرة.
 قرأت مرة كلمة: أن ما يأكله شعب من بلاد الغرب من اللحوم، أو أن ما تأكله كلاب شعب من اللحوم يفوق ما يأكله الشعب الهندي بأكمله من اللحوم، هناك ترف ويقابل الترف شعوب جائعة، هناك أغنياء يعقدون عقد قران بستين مليون في فندق، وهناك ستمئة ألف شاب لا يجدون غرفة يسكنون فيها،  هناك إنسان ينفق على وجبة طعام عدة آلاف، وعدة آلاف لا يجدون ما يأكلون.

 

 

الزكاة هي الحجر الأساس في الاقتصاد الإسلامي:

 النقطة الدقيقة أنه:

 

 

(( إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ بِقَدْرِ الَّذِي يَسَعُ فُقَرَاءَهُمْ ))

 

[ رواه الطبراني عن علي]

 فأي دولة، أو أي أمة احسب فيها الدخل العام، واحسب زكاة هذا الدخل، لو أخذت زكاة هذا الدخل، هذه تكفي كل فقراء هذه الأمة.
 أنا حدثني أخ مطلع قال لي: أغنياء البلد خمسة بالمئة منهم يدفعون زكاة أموالهم، أنت تعيش بمسجد، حولك أخوان كرام كلهم يطيعون الله عز وجل، لكن حتى رواد المساجد لا يزيدون عن العشر، الشام فيها خمسة ونصف مليون، رواد المساجد في وقت الذروة في يوم الجمعة لا يزيدون عن خمسمئة ألف، وتأكد أن تسعة أعشار هؤلاء ليسوا ملتزمين، وأن عشر هذا العدد يمكن أن يكون ملتزماً، وأن الأغنياء من هذا العشر لا يزيدون عن العشر، أما لو أن كل غني دفع زكاة ماله لن تجد فقيراً واحداً.
 مرة أجريت حساباً بسيطاً، دخل الأمة في عام ثمانية و أربعين ـ معي إحصاء قديم ـ زكاة المال وقتها كان أربعمئة و ثمانين مليوناً، كان البيت ثمنه خمسة آلاف ليرة، أو أقل، أو ثلاثة آلاف ليرة، كان حجم الزكاة بالنسبة إلى الدخل العام يقدر بأربعمئة و ثمانين مليوناً، هذا الرقم الكبير تنشأ به معامل،  تنشأ به مشاريع، تستوعب كل العاطلين، وكل الفقراء.
 فنظام الزكاة يعد حجر الأساس في النظام الاقتصادي في الإسلام، ولو أن كل غني أدى زكاة ماله لما جاع فقير، أما حينما يجهل الفقراء يكون هذا بترف الأغنياء، ومنع الزكاة.
 هذا الحديث قضية أن الخطأ يظهر، كان من الممكن ألا يظهر الخطأ، لكن الكم مدروس على مستوى أفراد، وعلى مستوى شعوب، الآن في بلد واحد، إذا وجد ترف كبير عند الأغنياء تجد أحياء فقيرةً جداً، الآن في الدول الغنية تجد أحياناً ترفاً غير معقول بالمقابل أحياء في أطراف المدينة يموت الناس فيها من الجوع، هذه تقابل هذه.

 

المال قوام الحياة وحينما يغفل الأغنياء عن واجباتهم في أداء الزكاة تنشأ مشكلات عدة:

 لذلك الإنسان حينما يمنع زكاة ماله، أو حينما يسرف في إنفاقه، سوف يجد خطأه مجسداً في جهة أخرى تعاني من آلام الجوع، ما أُتخم غني إلا بجوع فقير، هذا المعنى تؤكده الآية الكريمة:

 

﴿ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ﴾

( سورة الحشر الآية 7 )

 هذا المال قوام الحياة، الإنسان بالمال يشتري بيتاً، يتزوج، ينجب أولاداً، يربي الأولاد، يطعم الأولاد، يلبس الأولاد، يؤمن لهم حاجاتهم، المال قوام الحياة، وإذا صحّ أن نقول هناك كتلة نقدية هذه ينبغي أن تكون متداولة بين أيدي الناس جميعاً، أما إذا اجتمعت هذه الكتلة في أيدٍ قليلة، وحرمت منها الكثرة الكثيرة، كان الفساد العريض في المجتمع، وإذا أردت أن تبحث في أسباب الاضطرابات في العالم عبر العصور والدهور لا تجد إلا الفقر وراء كل اضطراب في العالم، حينما يختل توزيع الثروة في العالم، تنشأ الاضطرابات، واسأل من يعمل في ضبط الأمور مع غلاء الأسعار، ومع ضعف الدخول تكثر الجرائم، والسرقات، وتنتشر دور الدعارة، هذه حقيقة ثابتة، هناك عدد كبير من النساء اللواتي يمتهن الدعارة، عدد كبيرة لا أقول الجميع، فحينما يغفل الأغنياء عن واجباتهم في أداء الزكاة تنشأ مشكلات في المجتمع كبيرة جداً.
 الآن أخطر شيء أن الشاب لا يجد أمامه شيئاً يتعلق به، لا يوجد أمل في أن يشتري بيتاً، لا أمل له بالزواج، لا أمل له في أن يجد عملاً، طبعاً هذه الطرق المسدودة أحياناً تسبب انحراف الشباب.
 فهذا الحديث عن سيدنا علي من أدق الأحاديث المتعلقة بالتوازن الاقتصادي بين الأفراد.

 

مانع الزكاة يوم القيامة في النار:

 كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

 

 

(( مانع الزكاة يوم القيامة في النار ))

 

 

[ أخرجه الطبراني عن أنس ]


 وكلكم يعلم أن سيدنا الصديق حارب مانعي الزكاة، قال: " والله لو منعوني عقالاً يؤدونها لرسول الله لقاتلتهم عليها "، لأن نظام الإسلام لا يتجزأ، كلٌّ لا يتجزأ، نظام متكامل، فالذي يصلي ولا يزكي، طبعاً الذي يرفض فرضية الزكاة كافر، والذي لا يؤديها عاص، أما الذي يمنعها يقول عنه النبي الكريم:
(( مانع الزكاة يوم القيامة في النار ))
[ أخرجه الطبراني عن أنس ]

 

 

زكاة الحلي:

 ورسول الله صلى الله عليه وسلم:

 

 

(( كان يَمْنَعُ أَهله الحِلْيةَ والحرير ويقول إِن كنتم تُحِبُّونَ حِلْية الجنة وحريرَها فلا تَلْبَسوها في الدنيا ))

 

[ رواه النسائي، وصححه الحاكم عن عقبة بن عامر]

 هذا الحديث يحتاج إلى شرح وإلى تعليق.
 قال المصنف: الأحاديث التي ورد فيها الوعيد على تحلي النساء في الذهب تحتمل وجوهاً من التأويل، أحدها النسخ، لثبوت إباحة تحلي النساء بالذهب.

﴿ وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ﴾

( سورة النحل الآية: 14 )

 إذاً مباح للمرأة أن تتحلى بالذهب.
 إذاً هذا الحديث منسوخ حكمه، هذا معنى.
 المعنى الثاني: هذه المرأة التي تلبس الحلي، ولا تؤدي زكاة مالها، هي المعنية بهذا الحديث، تلبس الحلي، ومعها سيولة نقدية، ولا تؤدي زكاة هذا الحلي.
 المعنى الثالث في حق من أظهرت الزينة له، أي تشتري الذهب والفضة تتزين بهما، وتظهر غناها أمام أخواتها، وتفسد في الأرض.
 والمعنى الرابع: الحديث يشمل اللواتي يبالغن في شراء الحلي، أي المرأة أحياناً تضع في معصمها سواراً، وعلى أذنيها قرطاً، وفي صدرها حلية، أما أن تبالغ في التزين، التي تبالغ، وتسرف، وتزهو، وتتباهى، ولا تؤدي زكاة مالها هي المعنية في هذا الحديث.

جني الزكاة وتوزيعها يحتاج إلى جهد كبير:

 و رافع بن خديج رضي الله عنه قال:

 

(( سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول العامِلُ على الصدقة بالحق لوجه الله تعالى كالغازي في سبيل الله حتى يرجع إِلى بيته ))

 

 

[ أبو داود عن رافع بن خديج ]


 أي جني الزكاة، وتوزيع الزكاة يحتاج إلى جهد، هؤلاء الذين يعملون في جني الزكاة، وتوزيعها على الفقراء والمساكين، هذا جهدهم سماه النبي كالغازي في سبيل الله لأن الحياة متكاملة، إنسان يغزو، إنسان يؤمن حاجات الناس، إنسان يعين على إنشاء المساجد، إنسان يؤسس هذه المساجد، فكل إنسان له نشاط معين، هذا النشاط يعد أساساً في بناء المجتمع.
 فالنبي عليه الصلاة والسلام لم ينسَ هؤلاء الموظفين الذين يجمعون التبرعات، يجمعون الزكاة، ثم يوزعونها توزيعاً يحتاج إلى جهد واهتمام، هؤلاء أيضاً خصّهم النبي عليه الصلاة والسلام بالأفضلية.

 

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور