- الحديث الشريف / ٠1شرح الحديث الشريف
- /
- ٠1الترغيب والترهيب المنذري
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
الاستقامة على أمر الله سرّ المفارقة العجيبة بيننا و بين أصحاب الرسول:
عن ربيعة الجوشي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(( استقيموا ونعما إن استقمتم وحافظوا على الوضوء فإن خير أعمالكم الصلاة وتحفظوا من الأرض فإنها أمكم وإنه ليس أحد عامل عليها خيراً أو شراً إلا وهي مخبرة به ))
أيها الأخوة، لو وازنت بين أصحاب رسول الله رضي الله عنهم أجمعين، وبين أمة النبي عليه الصلاة والسلام في آخر الزمان، وجدت مفارقة عجيبة، كانوا قلة، وقد نصروا على أعدائهم، ونحن كثرة كثيرة، وليست كلمتنا هي العليا، كانوا قلة متحابين ونحن كثرة متخاصمين.
الحقيقة لا بدّ من أن نبحث عن سر، السر هو الاستقامة، أي بيدنا معلومات الآن أضعاف مضاعفة عما كانت بين أيديهم، العلم ميسر جداً، كتاب حديث في كل شيء، الأحاديث مضبوطة ومشروحة، القرآن الكريم ميسر كتابة، وسماعاً، وشريطاً، وتعليماً، التيسير العلمي الآن بالعالم الإسلامي يفوق حدّ الخيال.
سمعت عن برنامج لشرح الأحاديث، كتاب البخاري شرحه فتح الباري، يقدر بأربعين جزءاً، كتاب مسلم شرحه الإمام النووي، التسع كتب الصحيحة مع شروحها، وكل شرح أربعون جزءاً، على شريط واحد، أي كلمة من حديث مع شرحه، الأمور ميسرة، ما بال هؤلاء المسلمين على كثرتهم هم ضعاف، مشتتون، للكافر عليهم ألف سبيل وسبيل ؟!
بطولة الإنسان أن يكون مستقيماً أميناً و عفيفاً:
مفتاح الموضوع هو الاستقامة، أصحاب النبي عليهم رضوان الله استقاموا، والمسلمون المتأخرون عبدوا الله، العبادات الشعائرية، صلوا، وحجوا، وزكوا، أما العبادات التعاملية الصدق، والأمانة، والاستقامة، والعفة، هذه تساهلوا بها كثيراً، فكأن هذا الدين تفلت من أيديهم، يقول عليه الصلاة والسلام:
(( استقيموا ونعما إن استقمتم ))
للتوضيح: إنسان يقول ألف مليون، ما هذا الرقم ؟ لم يجد بيتاً بالجبل، لم يستطع أن يزوج ابنه، ألف مليون يحلون كل مشاكله بشكل مادي، بين أن تنطقها وبين أن تملكها، مسافة كبيرة كثيرة، أفقر الفقراء ينطقها، لكن ما كل إنسان يملكها.
فالدين إن تكلمت به ولم تكن مستقيماً النطق به سهل، أما غض البصر غير سهل، أن تكون صادقاً مئة بالمئة هنا البطولة، أن تكون أميناً، أن تكون عفيفاً.
الوضوء سلاح المؤمن:
إذاً:
(( استقيموا ونعما إن استقمتم وحافظوا على الوضوء ))
أي الوضوء سلاح المؤمن، شعوره أنه في عبادة، وعلى عبادة، وجاهز للصلاة، و إن أحب أن يقرأ القرآن فهو طاهر، و إن أحب أن يمسك المصحف فهو طاهر، أدركه الوقت، كان في الطريق، كان عند أناس، أذن المؤذن، دخل فصلى.
الصلاة خير أعمال الإنسان من أجل الاتصال بالله:
(( وحافظوا على الوضوء فإن خير أعمالكم الصلاة ))
الآن هناك نقطة: الصلاة من أجل الاتصال بالله، الصيام للاتصال، الحج للاتصال، الزكاة للاتصال، غض البصر للاتصال، ضبط اللسان للاتصال، تحرير الدخل للاتصال، ضبط البيت للاتصال، كل الذي تعمله من أجل أن تتصل بالله.
(( فإن خير أعمالكم الصلاة ))
وإذا الإنسان لم يتصل بالله لم يفعل شيئاً، فالتاجر إن لم يربح في تجارته فكل نشاطه الآخر ليس له معنى، إن مارس ألف نشاط و لم يربح فهو ليس بتاجر، اشترى محلاً لا يهم، زينه لا يهم، عين موظفين لا يهم، استأجر مستودعات لا يهم، ربح صار تاجراً.
اتصل بالله: معناها مسلم، معناها قطف ثمار الدين، معناها شعر بالسكينة، معناها شعر بالطمأنينة، معناها شعر بتفاهة الدنيا، وعظمة الآخرة، هذه الصلاة.
لذلك: لا خير في دين لا صلاة فيه.
المنافق:
﴿ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى ﴾
المستقيم الصلاة عنده خير أعماله:
لاحظ أنت دائماً ما دام ليس لك أية مخالفة، تحس كأنك قريب من الله دائماً، وجاهز، وحينما تنعقد الصلاة تعرج نفسك إلى الله عز وجل.
أحد الشيوخ له تمثيل جميل ـ قبل الكهرباء كان في البيوت كازات ـ قال: المؤمن المستقيم مثل كاز مستودعه ملآن، وفتيلته مقصوصة، وبلورته ملمعة، وجرسه مجلس، لمجرد أن يقرأ القرآن، أو يتصل بالله، أو يصلي، تعرج نفسه إلى الله، أما المنافق المستودع فارغ، والجرس معطل، والفتيلة محروقة، والبلورة متسخة، فالأمور غير ميسرة.
مادمت تشاهد الأفلام لمنتصف الليل، و تسهر على أشياء ساقطة، صار عندك شعور أنك لست مع الله عز وجل، لو صليت تصلي بتكاسل
﴿ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى ﴾
فالإنسان ما لم يضبط بصره، أي ينظر، يحكي، يصافح، يملأ عينه من الحرام، يغتاب الناس، أحياناً يصغي إلى قصص الناس، لا يهتم بإقامة الدين في بيته، تجد الصلاة صارت عنده شكلية.
فأنت عندما تصلي بشكل صحيح، أنت ديّن صحيح.
(( فإن خير أعمالكم الصلاة ))
الحقيقة هذه الكلمة فيها معنى مختلف، معناها أنت مستقيم، ما دامت الصلاة خير أعمالك معنى ذلك أنت مستقيم.
إخبار الأرض يوم القيامة عن أعمال الإنسان كلها:
(( وتحفظوا من الأرض فإنها أمكم وإنه ليس أحد عامل عليها خيراً أو شراً إلا وهي مخبرة به ))
﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا ﴾
أثقال الإنسان، الإنسان المخلوق الأول.
﴿ وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ﴾
أي الأرض التي فيها الإنسان سوف تخبر عن كل أعماله.
المؤمن عمله طيب كيفما تحرك الناس يلهجون بالثناء عليه والأرض تتبارك به:
الشيء الجميل أيها الأخوة: المؤمن عمله طيب، أي كيفما تحرك الناس يلهجون بالثناء عليه، الأرض تتبارك به.
﴿ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ ﴾
المعنى المخالف، المؤمن تبكي عليه السماوات والأرض، مثلاً مات عالم فخرج في جنازته مليون إنسان، لماذا خرجوا ؟ لم يسوقهم أحد، ولم يجبرهم أحد على الخروج، لكن محبة، معنى هذا أن عمله طيب.
عندما الإنسان تكون صلاته صحيحة معنى هذا أنه مستقيم:
(( وتحفظوا من الأرض فإنها أمكم وإنه ليس أحد عامل عليها خيراً أو شراً إلا وهي مخبرة به ))
العجيب أن هذا الأعرابي الذي سأل النبي أن ينصحه، وأن يعظه، وأن يوجز، " قال له: عظني و لا تطل ؟ تلا الرسول الكريم عليه قوله تعالى:
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾
قال: كُفيت، فلما قال: كُفيت، قال: فَقُه الرجل ".
طاعة الله و إزالة المنكرات أساس صلاح العلاقة مع الله عز وجل:
إذاً: الإنسان يصلح علاقته مع الله بطاعته لله عز وجل، و بإزالة المنكرات:
حدثنا أخ بكلام طيب، له اختصاص نادر، وتعاقد مع شخص على حلّ مشكلة في معمله، فقال له أثناء المساومة على الأجر: أنت بحاجة لي، أنا لست بحاجة لك، هذه الكلمة فيها شيء من الاعتداد بالنفس، اختصاصه نادر، وصاحب المعمل فاوضه على السعر، قال له: أنت بحاجة لي، وأنا لست بحاجة إليك، لا تريد مع السلامة، فطبعاً رضخ صاحب المعمل، قال لي: اشتغلت سبعة أيام بأكملها والطريق مسدود، لم يصل إلى العطل، فقال: عندي مشكلة ـ هذا الأخ موحد ـ ثم ترك العمل وجاء إلى البيت، سبعة أيام، وكل يوم ثماني ساعات، و المشكلة لم تحل، وليس هذا من عادتي، أي بيوم أو يومين تحل مشاكله كلها، راجع نفسه مرحلة، مرحلة، وقف عند هذه الكلمة أنه: أنت بحاجة لي أنا لست بحاجة لك، هذه الكلمة فيها اعتداد، عندما الصحابة قالوها الله ما نصرهم، وعندما قالوا:
(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))
نحن كثر، فالله خذلهم بحنين، قال:
﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ ﴾
استغفر الله عز وجل، باليوم الثامن ذهب إلى المعمل خلال دقائق كشفت الأمور ونجح بعمله.
محاسبة الإنسان لنفسه أساس صلته بالله عز وجل:
الإنسان إذا عنده هذه المحاسبة معنى هذا أنه وصل إلى شيء ثمين، إذا كان يراقب كلماته، يراقب حركاته وسكناته، يراقب أقواله، يراقب بصره، سمعه، لقاءاته، أحزانه، أفراحه، إذا شخص لا أقول مطلقاً لكن قدر إمكانه يمشي بشكل صحيح، ضمن معلوماته لا يوجد غلط، و لم يرتكب معصية وهو يعلم أنها معصية، كلنا نخطئ لكن عن غير قصد، أما يعلمها معصية ويفعلها ؟ مستحيل أن يكون له صلة بالله عز وجل، هذه معنى الاستقامة.
لذلك:
(( وتحفظوا من الأرض فإنها أمكم وإنه ليس أحد عامل عليها خيراً أو شراً إلا وهي مخبرة به ))
كنا من يومين عند شخص تكلم لنا عن حجته مع رئيس فوج، مدحه كثيراً، أثنى عليه كثيراً، أثنى على نزاهته، مثله مثل أي إنسان آخر، أدى المناسك بشكل جيد، و بعدما انتهى هذا الرجل من حديثه، قلت له: كلفك أن تمدحه، قال: لا، قلت له: رأيت الاستقامة كيف تظهر ؟
من دون أن يشعر أمضى الوقت بالحديث عن رئيس الفوج، وعن نزاهته، واستقامته، وعن حجمه، وعن قيادته، وعن عفته، قلت له: هو كلفك أن تمدحه ؟ قال: لا والله، لماذا تمدحه ؟ قال: بشكل غير شعوري.
المستقيم والطاهر يرفع الله ذكره بين الناس:
إذاً: عندما تكون بشكل مستقيم، تكون طاهراً، تكون عفيفاً، تكون منضبطاً، تجد الله يرفع ذكرك.
﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾
أينما ذكرت تتعطر بك المجالس، هكذا فلان فعل، الإنسان يموت لكن له أعمال طيبة جداً، أينما وحيثما يُذكر تذكر أعماله، وهذا العمل إذا عند الناس هكذا فكيف عند الله عز وجل ؟.
حدثني شخص استورد بضاعة، ابنه في أمريكا هو الذي هيأها له، وصلت للجمرك، فتحوها بالجمرك، فحصوها، وصدقوها، و لكن عندما فتحها الأب وجد تحت البضاعة كتباً ثمينة جداً، فالابن كان قد وضع الكتب بأرض هذه الكراتين، وفوقها البضاعة، فعندما كشفوا عن البضاعة لم ينتبهوا للكتب، فالأب إنسان مستقيم عندما اكتشف الكتب، قال لهم: أعيدوها إلى الجمرك، ونبهوهم إلى الكتب التي لم ندفع عليها.
هذه القصة من عشرين سنة، من عشرين سنة إلى الآن لا يمكن أن تفتح بضاعة هذا الإنسان، وثقوا به، ما دام البضاعة خرجت وانتهى الأمر، وأعادها لهم، ودفع عن بعض البضاعة التي لم يأخذوا قيمة لرسومها من عشرين سنة إلى الآن بضاعة فلان مستحيل أن تفتح، فهذا مع إنسان هكذا فكيف مع الواحد الديان؟.
الاستقامة أساس الدين:
هناك شخص تؤمنه على روحك، تؤمنه على عرضك، تؤمنه على مالك، مطمئن، مالك عنده كأنه بجيبك، هذا شيء ثمين جداً، لو نحن نعيش بهذه الحالة الواحد منا يرتاح كثيراً.
أنا مرة أحد أخواننا يعمل بالدهان، لا أستطيع أن أجلس معه، بعثت الأهل لبيت أهلهم، وأنا بعملي، هذا البيت لا يوجد فيه شيء مغلق عليه، الجيران استغربوا هذا، لأن هذا الإنسان مؤمن لا يمكن أن يفتح درجاً، و لا يمكن أن يعمل عملاً خلاف الأصول.
إذا شخص يعيش مع أخوان مؤمنين و مستقيمين فالحياة قطعة من الجنة، في محبة، في طمأنينة، في شعور بالأمن، الناس مع بعضهم مثل الذئاب، ينام بعين ويفتح عيناً يخاف أنه إذا أغمض الاثنتين قضي عليه.
فدائماً هناك معركة، فالاستقامة مفتاح التشغيل للدين.
(( استقيموا ونعما إن استقمتم وحافظوا على الوضوء فإن خير أعمالكم الصلاة وتحفظوا من الأرض فإنها أمكم وإنه ليس أحد عامل عليها خيراً أو شراً إلا وهي مخبرة به ))
النبي قال:
(( تركتكم على بيضاء نقية، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ))
الله يلهمنا الاستقامة.
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ ﴾