وضع داكن
26-04-2024
Logo
هدي النبي صلى الله عليه وسلم - الدرس : 20 - هديه في الخوف.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، و الصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الخوف وفضل الخوف :

 الخوف مرتبط بالعلم؛ وكلما ازداد علمك ازداد خوفك من الله, وكلما قلّ العلم قلّ الخوف. أوضح مثل: علم الطبيب يدفعه إلى أن يخاف من الجراثيم, مبالغته في تنظيف الفواكه والخضروات دليل علمه بآفات هذه الجراثيم, ولن تجد إنساناً يعرف الله إلا وهو يخافه, وأشد الناس خوفاً من الله هو رسول الله، قال:

((رأس الحكمة مخافة الله))

[ رواه البيهقي عن عبد الله بن مسعود]

 وأقلهم خوفاً من الله أجهلهم، فالعلم والخوف مرتبطان, والخوف علامة علمك, أنت حينما تعرف أن الله عادل تخاف من بطشه:

﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾

[سورة البروج الآية:12]

 وحينما تعلم أن كل المخلوقات هي مخلوقات الله عز وجل, هو وليها, وسيحاسب عنها, لا تستطيع أن تتجاوز حدك مع مخلوق, لا مع إنسان بل مع مخلوق.
 فلذلك كما كنت أقول دائماً: أنت رحيم بقدر ما أنت مؤمن, وأنت خائف من الله بقدر ما أنت مؤمن؛ فكلما ازداد إيمانك ازداد خوفك من الله.

الخوف من الله دليل الإيمان :

 وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:

((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سَبْعَة يظِلُّهمُ الله في ظِلِّهِ يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّه, - والحديث معروف عندكم إلى أن وصل إلى ....- ورجل دَعَتْهُ امرأة ذاتُ مَنْصِب وجمال، فقال: إني أخافُ الله))

[أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة]

 إذا لم تقل إني أخاف الله في اليوم ألف مرة لست مؤمناً, قبل أن تقول كلمة في الغيبة, قبل أن تقول كلمة في السخرية, قبل أن تقلد إنساناً, قبل أن تستعلي على إنسان, إن لم تقل: إني أخاف الله في اليوم مئة مرة لست مؤمناً, وإيمانك بالله يقتضي أن تنصاع لأمره, وإيمانك بالله يقتضي أن تعرف ما عنده من عقاب إذا خالفت أمره.
 مرة التقيت مع أخ, يومياً يصلي الفجر في أحد المساجد, ويسبق الفجر قيام الليل, أقسم لي أنه إذا فاتته صلاة الفجر يأخذ إجازة من عمله, يخاف إذا فاتته الصلاة وفاتته هذه الجلسة مع الله يخاف أن تنشأ مشكلة معه في اليوم.
أي خوفك من الله دليل إيمانك, والمؤمن يعد للمليون قبل أن يتجاوز حده.

 

إيمان الإنسان بالله يقتضي أن يعرف ما عنده من عقاب إذا خالف أمره :

 فقال:

((.....ورجل دَعَتْهُ امرأة ذاتُ مَنْصِب وجمال، فقال: إني أخافُ الله))

[أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة]

 سيدنا يوسف:

﴿قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾

[سورة يوسف الآية:23]

 العلماء تحدثوا عن سيدنا يوسف, وذكروا أن هناك أكثر من اثنتي عشرة حالة تُعينه على أن يفعل ما طُلب منه مع امرأة العزيز.
 شاب في ريعان الشباب؛ جميل الصورة, غريب, والغريب معه بحبوحة دائماً، الإنسان قد يسافر فإذا سافر لا يوجد عليه رقابة, والتي دعته سيدته, وليس من صالحها أن تنقل عنه الخبر.
 العلماء: أحصوا اثنتي عشرة حالة تشجعه على أن يفعل الفحشاء؛ ومع ذلك:

﴿قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾

[سورة يوسف الآية:23]

 فكان عبداً في القصر لأنه خشي الله عز وجل جعله الله عزيز مصر.
 مرة كان في موكبه يمشي, رأته جارية تعرفه يوم كان عبداً, فقالت: "سبحان من جعل العبيد ملوكاً لطاعته".
 وأحياناً الإنسان يخطئ، والله أعرف شخصاً وصل للغنى, عنده مكتبان للاستيراد, وسيارة, ودخل, وسفر لأوروبا, أخطأ مع امرأة, فكل هذه الأملاك ذهبت منه, والآن يبيع على البسطة في مكان ما.
 فالذي يخاف الله عز وجل دليل أنه يعرفه, وأنت مؤمن بقدر ما تخاف من الله عز وجل, حاسب نفسك, كل جهة, أية جهة في الأرض؛ الله حسيبها, والله وليها, والله وكيلها؛ فهذا الذي يبتز أموال الناس, ويعتدي على الناس, وينسى أن لهؤلاء الناس رباً يدافع عنهم, هو إنسان ضعيف الإيمان.

 

الخوف من الله أمن :

 فهذا:

﴿قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾

[سورة يوسف الآية:23]

 سيدنا يوسف, هذا الشاب, قال للمرأة:

((إني أخاف الله رب العالمين))

 كلمة إني أخاف الله على الإنسان أن يتدبرها يومياً, ساعياً, ولحظياً.
 يوجد أيضاً حديث ورد عن رسول الله كثيراً, يقول عليه الصلاة والسلام:

((كَانَ رَجُل يُسْرِفُ على نَفْسِهِ, فلما حضرته الوفاة, قال لبنيه: إِذا أَنَا مِتُّ فَأحْرِقُونِي، ثم اطْحنوني، ثم ذَرُّوني في الرِّيح, فو الله، لئِن قَدَرَ عليَّ ربِّي, لَيُعذِّبَني عذاباً ما عذَّبَه أحداً، فلما مات فُعِل به ذلك، فأمر الله الأرض، فقال: اجْمَعي ما فِيكِ منه، ففعلتْ، فإذا هو قَائِم، فقال: ما حَمَلَكَ على ما صَنَعْتَ؟ قال: خَشْيَتُك يا ربِّ، أو قال: مَخَافَتُكَ, فغفر الله له))

[أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة]

 طبعاً هذه القصة رمزية؛ أن الذي خشي الله عز وجل مع إسرافه غفر الله له.
 سبحان الله! الإنسان الذي يخاف من الله يكون قدره عند الله كبيراً.
 وأنا أقول دائماً: مستحيل أن تخاف الله فيما بينك وبينه, وبعدها يُخيفك من أحد, مستحيل إن خفت منه لن يخيفك من أحد, وإن لم تخف منه أخافك من أحقر خلقه.
 تجد شخصاً محترماً, عندما يفعل فيما بينه وبين الله معصية, ولا يستحي من الله, تجد يضعف موقفه, شخص دونه بكثير؛ دونه بالعلم, دونه بالمنصب, دونه بالمكانة, يخاف منه، فمن خاف من الله خافه كل شيء، ومن لم يخف من الله أخافه الله من كل شيء.
 تجد قلب المنحرف ضعيفاً, سريع الشك, كثير الخوف, هو حينما لم يخف من الله أخافه الله من الناس.

 

المواطن التي يحاسب فيها الإنسان على أفكاره و هواجسه :

 أيضاً يقول الله عز وجل:

((إذا أراد عبدي أنْ يَعْمَلَ سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يَعْمَلَها))

[أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة]

 وهذا من فضل الله عز وجل, أي الخواطر, الهواجس, الأوراد, الأفكار, لا يُحاسب عنها الإنسان, إلا في موطنين؛ بيت الله الحرام له خصوصية, الإنسان إذا فكر في إيذائه ولم يفعل شيئاً يحاسب:

﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾

[سورة الحج الآية:25]

 يكفي أن تفكر أن تؤذي بيت الله الحرام, على الخاطر يأتي الحساب, هذا البيت له حرمته؛ لا يُقطع نباته, ولا يُقتل حيوانه, ولا يُعتدى على أحد, فيه الثأر يتوقف, في الشهر الحرام, وفي البيت الحرام, لا رفث, ولا فسوق, ولا جدال, هذا بيت الله, ينبغي أن يكون آمناً إلى أعلى مستوى؛ هذه حالة.
 الحالة الثانية: -وهذه خطيرة -, الحالة الثانية:

﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا﴾

[سورة النور الآية:19]

 لم يفعل شيئاً, ولم يتكلم بكلمة, ولم ينطق بكلمة, ولا غمز, ولا همز, ولا أشار, ولا قلد, ولا كلم أحداً, إلا أنه بداخله هو مؤمن عندما أشيعت فاحشة بين المؤمنين ارتاح, سرّ. الإنسان إذا أصابه هذا الحال يعد نفسه مع المنافقين دون تردد, لأن الله عز وجل يقول:

﴿إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا﴾

[سورة آل عمران الآية:120]

 لمجرد أن ترتاح لشيوع فاحشة بين المؤمنين, إنسان مؤمن, محترم, أخطأ, فلما أخطأ, تكلم الناس عنه كلاماً سيئاً, فهذا إذا سررت بانحرافه, وسقوطه هذا دليل النفاق.
 كما لو أنني قلت: لا يوجد أم على وجه الأرض تتمنى فضيحة ابنتها, فإذا تمنت فهذه ليست ابنتها, هي أصبحت بنتاً حراماً, أما أم حقيقية, وهذه ابنتها, ومن صلبها, تتمنى فضيحتها! مثلاً صديقك تزوج، اشترى بيتاً، عيّن بمنصب لائق, هذا يجب أن يسعدك؛ علامة إيمانك فرحك, وعلامة نفاقك -لا سمح الله- أنك لا تفرح, إذا أصابه خير.
 فالتحاسد من شأن المنافقين, أما أن تغبطه على ما أكرمه الله به فهذا من شأن المؤمنين, باستثناء هاتين الحالتين لا تُحاسب إلا على العمل.

 

من أراد أن يفعل سوءاً لكنه لم يستطع هذا ليس له أجر

 فلذلك:

((إذا أراد عبدي أنْ يَعْمَلَ سيئة، فلا تكتبوها عليه حتى يَعْمَلَها, قال: فإن عَمِلَها, فاكتبوها بمثلها, -فعلها تُكتب بمثلها-, وإن تَركَها من أجلي, فاكتبوها له حسنة))

[أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة]

 لكن هناك استثناء، أحياناً الإنسان أراد أن يفعل سوءاً لكنه لم يستطع, حيل بينه وبين هذا العمل, هذا ليس له أجر, الأجر إذا كان طواعية من ذاتك.
 أنا سمعت عن قصة قديمة جداً: شاب يفتح مكتبة بشورى, حجّ في مقتبل حياته, أي أتيح له أن يحج وهو شاب, المكتبة مفتوحة, فتاة فاسقة؛ أغرته, وغمزته, ولمزته, فأغلق المحل, ولحقها, وهو وراءها يمشي تذكر أنه حج بيت الله الحرام, فاستحيا من الله, كان وقتها هناك حافلات كهربائية فركب ونزل, -هذه القصة هو يرويها-.
 في اليوم التالي وقف على دكانه أحد أشراف الحي, وجهاء الحي, وسأله بلغة قاسية: هل أنت متزوج يا بني؟ قال له: لا يا سيدي, قال له: عندي ابنة تناسبك ابعث أهلك, بهذه البساطة, هذا اعتقد أن البنت فيها علة, فيها مشكلة, فبعث والدته, وإذ وجدت أنها بنت من أحسن ما يكون, بعد يومين قال له: ماذا حصل؟ قال له: والله ممتازة يا سيدي, لكن أنا ليس معي مال, قال له: هذا ليس عملك, أحد كبار تجار الزيت في الشام, يظهر أن الشاب قد أعجبه فزوجه ابنته, واشترى له بيتاً, وشاركه, وهذا الرجل حي يرزق الآن, العم مات أما الصهر فحي يرزق.
 ما الذي حصل معه؟ قال: معاذ الله, استحى من الله عز وجل, بعد أن همّ بالسيئة وجد نفسه ستضيع حجته, أين حجته؟ فتراجع.
 فالإنسان إذا تراجع من تلقاء نفسه ذاتياً, من دون مانع خارجي, تنقلب هذه السيئة إلى حسنة, إذا خوفه من الله منعه أن يفعل ما يفعل تنقلب هذه السيئة إلى حسنة.

 

على الإنسان أن يجمع بين الخوف و الرجاء في عبادة الله :

 ويقول عليه الصلاة والسلام:

((لو يَعلمُ المُؤمِنُ ما عِندَ اللَّهِ من العقُوبةِ, مَا طَمِعَ بِجَنَّتِه أحد, ولو يَعْلَمُ الكافرُ ما عندَ الله من الرَّحْمَةِ, ما قَنِطَ من رحمته أحد))

[أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة]

 لذلك ينبغي أن نعبد الله خوفاً ورجاء, يجب أن تجمع بين الخوف والرجاء معاً.
 وفي حديث آخر:

((قرأ النبي -صلى الله عليه وسلم-: ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ.......﴾-حتى ختمها-, ثم قال: إنِّي أرى ما لا تَرَوْنَ، وَأسْمَعُ مَا لا تَسْمَعُونَ، أطَّتِ السَّماء – أي خرج منها صوت-, أطَّتِ السَّماء، وحُقَّ لَها أنْ تَئِطَّ، ما فيها مَوضِعُ قدم, إِلا وَمَلَكٌ وَاضعٌ جَبهتهُ لِلَّهِ سَاجِداً، والله لو تَعلَمُونَ مَا أعلَمُ؛ لَضحِكتُمْ قَليلاً، وَلَبَكَيْتُمْ كَثيراً، وما تَلَذَّذْتُم بِالنِّساءِ على الفُرُشِ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلى الصُّعُدَاتِ تَجأروُنَ إِلى اللهِ، لَوَدِدْتُ أَنِّي شَجَرَةٌ تُعضَدُ))

[أخرجه الحاكم في مستدركه عن أبي ذر]

 أي لو تعلمون ما أعلم؛ مصير الخلائق, وقوفهم للحساب, الحساب الدقيق على كل تصرفات الناس, تجد الناس مثل الدابة الفلتانة؛ يضحك, ويأخذ ما ليس له, ويتعاظم, ويتكبر, أما المؤمن فمنضبط, المؤمن منضبط انضباطاً شديداً لخوفه من الله عز وجل.
 فهذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الخوف, الخوف علامة الإيمان, كما أن الرحمة في القلب علامة الإيمان.
 أنت بقدر ما في قلبك من رحمة بقدر ما أنت متصل بالله, وبقدر ما في قلبك من خوف بقدر ما أنت تعرف الله, معرفته تنعكس خوفاً منه, والاتصال به ينعكس رحمة بخلقه, -دقق هاتين الكلمتين-: معرفته تنعكس خوفاً منه, والاتصال به ينعكس رحمة بخلقه؛ ترحم الخلق لأنك تتصل به, وتخاف منه لأنك تعرفه؛ فإذا عرفته, واتصلت به, كنت رحيماً بالخلق, خائفاً من معصيته.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور