- السيرة / ٠1السيرة النبوية
- /
- ٠1هدي النبي صلى الله عليه وسلم
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
ما يبدأ به النبي من أقوال وأدعية في خطبته :
أيها الأخوة الكرام: كان عليه الصلاة والسلام إذا خطب يبدأ خطبته بهذه الأقوال:
((من يهد الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له))
أي إن الهدى -كما ورد في القرآن- هدى الله, ليس هناك هدى غير هدى الله عز وجل:
﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ﴾
والحق لا يتعدد, والحق واحد, والحق هو ما جاء عن الله عز وجل.
والشيء الدقيق أنه عليه الصلاة والسلام أن الله عز وجل يبين له:
﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ﴾
﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾
أما معنى
﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ﴾
أي أنت لست مسؤولاً عن هدايتهم:
﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾
دعوتك حق, ومكلف أن تدعو, ولست مسؤولاً عند عدم استجابتهم, السبب أن الإنسان مخير, والشيء الثاني:
﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾
فالإنسان لأنه مخير؛ سيد الخلق, وحبيب الحق, ومن أوتي جوامع الكلم, أوتي المعجزات, أوتي الوحي, لا يستطيع أن يهديه, والدليل: أناس عاصروا النبي عليه الصلاة والسلام ولم يهتدوا؛ هل هناك أفصح منه؟ هل هناك ألطف منه؟ هل هناك أحكم منه؟
على الإنسان أن يتخذ قراراً بالبحث عن الحقيقة فإذا أرادها فكل شيء يدله عليها:
فالنقطة الدقيقة الآن هناك آيات:
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾
أي الإيمان قبل أن يهتدي إلى الله عز وجل, المقصود بالإيمان الذي هو قبل الهدى أن يتخذ الإنسان قراراً بالبحث عن الحقيقة, فإذا أرادها فكل شيء يدله عليها, وإذا لم يردها لو عاش مع الأنبياء والمرسلين, ورأى بعينه أن البحر أصبح طريقاً يبساً, وهكذا رأى اليهود:
ٌ
﴿فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾
الشيء المحير في القرآن الكريم أكثر من مئة آية:
﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾
في القرآن:
﴿لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾
لو إنسان متق يهتدي بهذا القرآن, إذا كان هناك شيء قبل القرآن, فقبل القرآن أوتينا الإيمان, أي إيمان:
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾
إذاً هذا القرآن يريد تقوى سابقة, الآن: الآيات الكونية, هذه الآيات لمن كان مؤمناً, فالإنسان إذا أراد الحقيقة طلبها, بحث عنها, أي شيء يدله عليها, وإذا لم يردها لو التقى بكل الأنبياء, ورأى بعينه المعجزات، لن يهتدي.
قوم ثمود طلبوا أن ينشق الجبل عن ناقة, انشق الجبل عن ناقة, فعقروها؛ قد ترى كل المعجزات, وقد تلتقي بكل الأنبياء, ومع ذلك لا تؤمن, وقد لا تصلك معجزة ولا آية, إنسان عادي جداً يعيش بين الناس لأنه أراد الحقيقة يصل إليها.
القرآن الكريم هدى للمتقين :
إذاً: كل آية تشير إلى أن القرآن هو هدى للمتقين, وأن هذه الآيات:
﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾
معنى ذلك أنك إذا بحثت عن الحقيقة, أو اتخذت قراراً بالبحث عنها, تجدها.
ذكرت من يومين مفارقة حادة نحن كنا صغاراً, كان هناك آلات تصوير عبارة عن علبة, علبة فقط, فيها فتحة, عدسة, ويوضع فيلم, كل فيلم صورة, قطعة واحدة, كان ثمنها حوالي خمس ليرات, الآلة كلها بخمس ليرات, الآن: يوجد آلات ثمنها حوالي ثمانمئة ألف, حالات معقدة جداً, للمحترفين, ائت بآلة, ثمنها ثمانمئة ألف من دون فيلم؛ مهما لقطت مناظر جميلة, مهما وجهت إلى أماكن نادرة, إلى أماكن تاريخية, كل هذه الآلة, ودقة هذه الآلة, لا قيمة لها, الآن: ائت بأرخص آلة تصوير على الإطلاق ضع فيها أرخص فيلم تلتقط أجمل ما تريد.
طلب الحقيقة هو الفيلم, فإذا كان بأبسط آلة تنطبع فيه الصورة, وإذا فُقد من أغلى آلة, الآلة ليس لها قيمة.
فالقصة أن الإنسان يطلب الحقيقة, فإذا طلبها وجدها؛ وجدها في القرآن, وجدها في أفعال الله, وجدها في خلق الله, وجدها في أفعال الله معه.
من أراد الحقيقة فكل شيء في الكون يدله عليها :
الآن الإنسان عندما يتفتح ذهنه, وتتفتح بصيرته, يلاحظ هنا يوجد توفيق, هنا يوجد تعتيم, هنا شرح صدر, هنا ضيق صدر, هنا إقبال, هنا حجاب.
والحقيقة لن تكون مؤمناً إلا إذا فهمت عن الله, فالله عز وجل يخبرنا أننا مخيرون, وأنك لو التقيت بالأنبياء جميعاً, أبو لهب ألم يلتق بالنبي؟ اليهود ماذا قال الله عنهم؟ قال:
﴿يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾
انظر التشبيه, أي هل هناك معرفة أقوى وأبلغ وأثبت وأسرع من أن تقول هذا ابن فلان الذي أنت أنجبته وربيته صغيراً وكبر؟ فأقوى معرفة, وأسرع معرفة, أن تعرف ابنك, قال:
﴿يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ﴾
لأنهم لم يبحثوا عن الحقيقة, أنكروها, وكفروا بها.
أحياناً طبيب باحث, يصل إلى حقائق لو رآها مؤمن لذاب من خشية الله؛ يصل للنسج, يصل للزمر الدموية, يصل للزمر النسيجية, للمورثات, للهندسة الوراثية, يجد شيئاً دقيقاً دقيق في الجسم, ومع ذلك يشرب الخمر, ولا يصلي, وقد يزني.
فإن أردت الحقيقة فكل شيء في الكون يدلك عليها, وإن لم تردها لا يوجد شيء يدلك عليها.
من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل نفسه عن الله فلن يجد له ولياً مرشداً :
لذلك: أناس عاصروا النبي, وكفروا به, وأرادوا قتله, وكادوا له, وهو قمة في الكمال, هذا معنى قول النبي: "من يهد الله فهو المهتد, ومن يضلل نفسه عن الله فلن تجد له ولياً مرشداً".
هو أراد الدنيا, اختار أن يبتعد عن الله, اختار الشهوة, اختار الدنيا, - لن تجد له ولياً مرشداً-, أما إذا أراد الحقيقة فسيصلها.
فلذلك كان عليه الصلاة والسلام إذا خطب يقول:
((من يهد الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له))
وكان عليه الصلاة والسلام يقول:
((....أَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ ...))
التطوير في الدين خطير جداً لأنه من عند الله عز وجل :
الشيء الثاني في هذا الدرس: أنا ممكن أن أطور, أغير, أبدل, أرقى بالدنيا, أطور الدنيا, أطور المساكن, أطور الطرقات, أطور وسائل كسب الرزق, أطور مثلاً الماء, أجعله بالصنابير في البيوت, أطور المراكب, أطور وسائل المعيشة, أما الدين فلا يحتمل أية زيادة, السبب أن الدنيا من صنعنا, أما الدين فمن عند الله.
نحن بحسب خبراتنا نعمل شيئاً, هناك خلل, هناك خطأ, نعد له, نزيد عليه, نحذف منه, وأمامكم السيارات؛ كل سنة يوجد موديل, يوجد شكل, يوجد ميزات, يوجد نواقص, يوجد زيادات, لأنه حسب الخبرة, والخطأ, والصواب, نعمل تصويباً؛ فالابتداع, والتطوير, والتجديد, والتغيير, والتحديث, هذا ممكن أن يكون في الدنيا, ولا شيء عليه, أما التطوير في الدين فخطير جداً, الدين لا يُضاف عليه, ولا يُنتقص منه؛ لأنه من عند الله عز وجل, مع أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((إن الله يبعث على رأس كل مئة عام من يُجدد لها دينها))
وقد يفهم الإنسان من التجديد شيئاً غريباً جداً، مثلاً بناء نريد أن نجدده؛ نعمل طابقاً زيادة, نعمل ملحقاً, سوراً, نلغي غرفة, أما التجديد في الدين فأن تُزيل عنه ما علق منه مما ليس منه فقط, بناء قديم, كان حجره أبيضاً, صار أسوداً, التجديد أن أزيل هذه الطبقة السوداء عن الحجر, فيعود كما كان.
فأي محاولة للتجديد هي أن نعود إلى الدين؛ إلى أصله, إلى الكتاب والسنة, إلى ينابيعه, إلى صفائه, إلى بساطته, إلى تكامله, الآن: الدين متكامل؛ معرفة, سلوك, اتصال بالله.
التطوير والتغيير والتعديل والتبديل والابتداع بالدنيا فقط و ليس بالدين :
من علامات انحراف المسلمين؛ مسلمون ركزوا على المعرفة فقط وأهملوا الاتصال بالله, هذا أصبح ابتداعاً بالدين, أي أخذ كلية من كليات الدين, وكبرها, جعلها الدين كله, مسلم آخر أخذ كلية ثانية – القلب- أهمل العلم, وأهمل السلوك, واعتنى بالقلب, هذا ابتداع بالدين, أما يجب أن تتحرك بالكليات الثلاث؛ بالكلية المعرفية, والكلية السلوكية, والكلية الجمالية, عندئذ تتفوق.
الآن هناك ابتداع آخر: إنسان أخذ فرعاً من فروع الدين, فرع بسيط جداً, لم يأخذ أصلاً, أخذ فرعاً, جعله أصلاً, تعلم مثلاً المواريث, جيد, جعل الدين كله مواريث, هذا أيضاً ابتداع, المواريث لبنة البناء, فمن اهتمامه فيها كبرها حتى جعلها الدين, وقاتل من أجلها, واستعلى على الناس بها, وقد غاب عنه أنها فرع من فروع الدين، فلذلك:
((....شَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ ...))
فالتركيز اليوم على أن التطوير, والتغيير, والتعديل, والتبديل, والابتداع بالدنيا, والاتباع, والتقيد بالعقيدة, والعبادة في شأن الدين, فلذلك كل إنسان يزيد على الدين يتهمه, ينتقص منه يتهمه.