- السيرة / ٠1السيرة النبوية
- /
- ٠1هدي النبي صلى الله عليه وسلم
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
علامات آخر الزمان :
من علامات آخر الزمان أن المسلمين يقتل بعضهم بعضاً, ومن علامات آخر الزمان أن موتاً كعقاص الغنم, لا يدري القاتل لمَ يقتل؟ ولا المقتول فيمَ قتل؟
النبي عليه الصلاة والسلام حقن دماء أمته, قال:
((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام))
ثلاث ركائز في العلاقات بين المسلمين, أولاً: حرمة الدماء: قال سيدنا عمر رضي الله عنه: "لو أن أهل بلدة ائتمروا على قتل واحد لقتلتهم به جميعاً":
﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾
المسلم:
((لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يسفِك دمًا حرامًا))
((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام بعضكم على بعض))
أي ما قيمة العبادات الشعائرية إذا اغتصبت الأموال وانتهكت الأعراض وسفكت الدماء؟ والمسلمون في وقت تخلفهم سفكوا دماء بعضهم بعضاً, وأكلوا أموال بعضهم بعضاً, وانتهكوا أعراض بعضهم بعضاً, عندئذ: لا قيمة لكل هذه العبادات الشعائرية التي يفعلها المسلمون.
((ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد حجة الإسلام))
الاستقامة أساس اكتساب رضا الله عز وجل :
الإنسان أحياناً يوهم نفسه أنه عندما يصلي, ويقوم ببعض العبادات أن الله راض عنه, مع أن الله لا يرضى عنه إلا إذا كان مستقيماً في العلاقات المادية, مستقيماً في العلاقات الاجتماعية, مستقيماً في العلاقات الأساسية.
((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام بعضكم على بعض، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، حتى تلقوا الله عز وجل، فيسألكم عن أعمالكم، ألا فليبلغ أدناكم أقصاكم، قال: ثم أتبعها: اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟))
كلام موجز, أي أنت مسلم, عندما تكون حريصاً إلى أقصى درجة على الحقوق, أنت مسلم, لا لأنك تصلي, الصلاة يفعلها كل الناس, لا تكلف شيئاً؛ تتوضأ وتصلي, قضية سهلة, هذه الصلاة قضية خطيرة جداً؛ لكن إذا اكتفينا بها أصبحت لا قيمة لها, إذا اكتفينا بالصلاة, وفهمنا الدين على أنه صلاة لا قيمة لها, أما إذا رأيناها تاجاً نتوج بها استقامتنا, الآن الصلاة شيء خطير؛ الصلاة طريق إلى الله, الصلاة نافذة إلى السماء, الصلاة علاقة السماء بالأرض, علاقة المخلوق الضعيف بالخالق العظيم, علاقة المخلوق الحادث بالإله القديم, الأزلي, الأبدي؛ الإنسان بالصلاة قوي, يستمد قوته من الله, الإنسان بالصلاة غني, يستمد غناه من الله, الإنسان بالصلاة عالم, يستمد علمه من الله, أما إذا ظن أن الدين صلاة فقط, وتحرك حركة عشوائية, فعندئذ لا قيمة للصلاة. لذلك هذه الخطبة على إيجازها, وعلى قصرها, بليغة:
((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام بعضكم على بعض))
معنى أعراضكم: العرض في اللغة موضع المدح والذم.
الإنسان عندما يطلق لسانه في الحديث عن الآخرين, يرجىء التهم براحة تامة, ولا يوجد على لسانه رباط كما يقولون؛ يتكلم, يطعن بهذا, بأمانة هذا, بدين هذا, بإيمان هذا, يستخف بهذا, وهو مرتاح, ويقوم بعد ذلك يصلي, هذه الغيبة من أشد الكبائر.
﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ﴾
الدين منهج كامل :
الشيء المؤلم أن موضوع الغيبة موجود في الحلقات الدينية كلها, مرتاح؛ يتكلم على أخيه, يطعن بإيمان أخيه, يطعن بنزاهة أخيه, لا يوجد مشكلة أبداً, يخالف نصاً قرآنياً صريحاً.
هذه المشكلة أن الذي فهم الدين أنه خمس عبادات شعائرية, هذا فهم سقيم, الدين مئة ألف بند, في حياتك اليومية, في بيتك, في صحتك, في علاقتك مع زوجتك, مع أولادك, بموضوع عينك, وشمك, وأنفك, ولسانك, ويدك, وأذنك, الدين منهج كامل, أنت حينما تطبق هذا المنهج الكامل تكون قد استقمت على أمر الله, أما إن أصبح الدين صلاة, وصوماً, وحجاً, انتهى المسلمون.
أنا قلت لكم كما قال عليه الصلاة والسلام:
(( ولن يُغْلَبَ اثنا عَشَرَ ألفا مِنْ قِلَّةٍ ))
في الحرم وحده مليونا مصل, وهناك مليون يصلون حول الحرم؛ فثلاثة ملايين, مع أن اثني عشر ألفاً من هؤلاء لو كانوا كما أراد الله لن يغلبوا في العالم.
انعدام قيمة الدين عندما فصل عن الحياة :
إذاً: عندنا خلل خطير جداً كيف أن الدين ضغط فصار عبادات فقط, والمعاملات لم يعد لها قيمة, تجد شخصاً يأكل مالاً حراماً, يعتدي على حقوق الآخرين, كل مجلسه غيبة, ونميمة, يؤذن, يصلي أول صف, هذا الفهم السقيم, فصلنا الدين عن الحياة, أصبح الدين لا قيمة له.
هذا أساساً الذي أراده أعداء الإسلام, دع ما لله لله, وما لقيصر لقيصر, يقول لك: هناك سلطة زمنية, و سلطة دينية, الدين شيء, الدين في الكنيسة, والدنيا تحكمها القوانين, والعلاقات, والمصالح, من هنا الشيطان نفذ, فصل لك حياتك عن دينك, الدين في الجامع, والدنيا افعل ما تشاء.
تجد أصحاب مهن راقية, محامون أحياناً, يعلم علم اليقين أن القضية غير محقة؛ يتولاها, ويدافع عنها, ويأخذ مبالغ طائلة عليها, فصل دينه عن عمله؛ أحياناً: يكون طبيباً, أحياناً: يكون مهندساً, معلماً, مدرساً, تاجراً يتعامل ببضاعة محرمة، أحياناً بعلاقة ربوية, فصل دينه عن حياته, هذا الفصل هو المحق, عندما لا تفصل الدين عن الحياة, تطبق في حياتك منهج الله عز وجل الآن: أصبح للصلاة معنى, للصوم معنى, للحج معنى, كله أصبح له معنى.
وقلت لكم: أكبر وهم يتوهمه الناس أنه بالحج تُغفر كل الذنوب, لا يُغفر إلا ما كان بينك وبين الله, أما ما كان بينك وبين العباد فلا يُغفر إلا بالأداء أو المسامحة.
فموطن الشاهد في هذه الخطبة:
((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام بعضكم على بعض، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، حتى تلقوا الله عز وجل، فيسألكم عن أعمالكم، ألا فليبلغ أدناكم أقصاكم، قال: ثم أتبعها: اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟ فتوفي حين بلغ المدينة))
كانت خطبة الوداع.
الفرق بين أداء الشعيرة وبين تعظيمها :
الآية الكريمة ذكرتها البارحة:
﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾
العلماء فرقوا بين أداء الشعيرة وبين تعظيم الشعيرة, أكثر من أربعة ملايين حجوا, وأدوا الشعيرة؛ لكن الذين عظموا هذه الشعيرة قلائل.
ومن تعظيم شعائر الله أن تؤدى الشعيرة كما أداها النبي عليه الصلاة والسلام, من تعظيم شعائر الله أن تؤدى هذه المناسك بنفس طيبة, وشوق غامر, من تعظيم هذه الشعائر أن تؤديها, وتتمنى أن تعود لهذه الأمكنة مرات, ومرات.
ثلاثة شروط لتعظيم هذه الشعائر, أما مئات ألوف الحجاج يقولون: لن نعيدها؛ لأن هناك ازدحام, أو تأخر، أو حر.
فالإنسان إذا تأفف من مناسك الحج, الحج أساسه مشقة, و سلبيات, و إيجابيات, والسلبيات ثمن الإيجابيات, وهذه الصلة المحكمة في الحج ثمنها هذه المشقة التي تحملتها, وكل شيء له ثمن .
((صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مئة صلاة في هذا))
وهذا الشيء واضح جداً.
على الإنسان أن يستعد لساعة المغادرة بالتوبة النصوح والعمل الصالح :
فلذلك أيها الأخوة عندما أُنزلت هذه السورة:
﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ* وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً ﴾
هذه نعوة النبي, هذه السورة القصيرة فيها نعوة النبي, وصل النبي إلى قمة النجاح في الدعوة, الإسلام وصل إلى كل أنحاء الجزيرة, واستقر, ودخل الناس في دين الله أفواجاً, قال:
﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾
ولا بد من أن يأتي, لأن إذا تفيد تحقق الوقوع:
﴿وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً ﴾
ليس من باب التشاؤم لكن من باب الواقع, كلنا سوف نغادر, ما أجمل أن تكون المغادرة داخلة في حساباتنا اليومية, داخلة في علاقاتنا المالية, داخلة في علاقاتنا الاجتماعية, وما أجمل أن نستعد لهذه المغادرة؛ أن نستعد لها بالتوبة النصوح, بالعمل الصالح, أن نستعد لها بخدمة الآخرين.
هذه من معاني الحج أن الإنسان بعد الحج يجب أن يعود كيوم ولدته أمه, وأن يفتح مع الله صفحة جديدة.
الإنسان إذا عاهد الله و تاب توبة نصوحة عليه أن يكون عند هذه التوبة :
وكنت أركز في كل خطب الحج في عرفات على ما بعد الحج.
أنا أعلم أن هؤلاء جميعاً حجوا, وقفوا في عرفات, ودعوا, وصلوا؛ ولكنني ألح على سلوك الحاج بعد الحج, يا ترى حينما وقف على الحجر الأسود, وصافحه, وفاوض كف الرحمن, وقال: " بسم الله, والله أكبر, اللهم إيماناً بك, وتصديقاً بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم".
ماذا قال الله عز وجل:
﴿ وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ﴾
أما سيدنا إبراهيم أثنى الله عليه فقال:
﴿وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى﴾
أي صدق ما عاهد عليه الله عز وجل.
فالإنسان إذا عاهد الله, إذا تاب توبة نصوحة, ينبغي أن يكون عند هذه التوبة, وعند هذا الحد.