- السيرة / ٠1السيرة النبوية
- /
- ٠1هدي النبي صلى الله عليه وسلم
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
الإنسان في الحياة الدنيا مخلوق للعمل الصالح والعمل الصالح ثمن الجنة :
يقول عليه الصلاة والسلام:
((إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها, فكفر عن يمينك, ثم ائت الذي هو خير))
هذا الحديث له دلالات كبيرة, من هذه الدلالات أن الإنسان في الحياة الدنيا مخلوق للعمل الصالح, وأن العمل الصالح ثمن الجنة, وأن علة وجودك على وجه الأرض أن تعمل عملاً صالحاً تلقى الله به, وأن العمل الصالح ثمن الجنة, وأن الإنسان إذا جاءه ملك الموت لا يندم إلا على عمل صالح فاته, وأن كل ما في الدنيا لا قيمة له إلا ذكر الله وما والاه.
لذلك لو حلفت بالله, لو أقسمت بالله العظيم, لو ذكرت لفظ الجلالة معظّماً, وحلفت على يمين, ثم رأيت غير هذه اليمين خيراً منها يجب أن تكفر عن يمينك, وأن تفعل الذي هو خير.
استنباط دقيق جداً هو أن العمل الصالح هو كل شيء في حياتك لأنه ثمن الجنة.
فالإنسان إذا جاءه ملك الموت لا يندم على بناء لم يتمه, لا يندم على صفقة لم يعقدها, لا يندم على مشروع لم ينجزه, يندم على عمل صالح فاته, والدليل قول الله عز وجل:
﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ﴾
معنى ذلك أن الوقت وعاء العمل, والعمل إذا كان للدنيا فهذا الوقت استهلك استهلاكاً رخيصاً.
هناك أعمال ليس لها أثر بعد الموت, آلاف الأعمال تحتاج إلى وقت, وإلى جهد جهيد, والإنسان إذا مات هذه الأعمال ليس لها أثر إطلاقاً, ويوجد عمل إذا فعلته في الوقت الذي هو وعاء العمل كان لهذا العمل أثر بعد الموت.
من حلف باسم الله العظيم و كان الخير خلاف هذا اليمين ينبغي أن يكفّر عن يمينه :
لذلك أعقل العقلاء هو الذي ينفق وقته إنفاقاً استثمارياً لا إنفاقاً استهلاكياً, أي الذي تفعله ولا علاقة له بالآخرة هذا استهلاك, الضرورات لا بد منها؛ تأكل, وتشرب, وتنام, وتعمل, وتتزوج؛ لكن بذل جهد جهيد, وقت مديد, في أعمال ليس لها أثر بعد الموت, هذا من ضعف عقل الإنسان, وكم من إنسان بذل جهداً جهيداً, وفاجأه ملك الموت مفاجأة, فذهب إلى الآخرة صفر اليدين.
هل هناك من دلالة أقوى على قيمة العمل الصالح من أنك لو حلفت بالله العظيم, وعقدت الأيمان, وغلظت الأيمان, على ألا تفعل هذا الشيء, ولكن الخير في فعله؟ يقول لك النبي الكريم, وهو رسول رب العالمين, يقول لك النبي الذي لا ينطق عن الهوى:
((إذا حلفت على يمين, فرأيت غيرها خيراً منها, فكفر عن يمينك, ثم ائت الذي هو خير))
فهناك تعنت شديد عند بعض الناس, أنا حالف, إذاً ليس فقيهاً, حالف ألا أزور أختي, أختك ليس لها غيرك, إذا أنت قطعتها قطعت الخير عنها, وتحيدت عن هدايتها, ومنعت نفسك من إصلاح البيت, تكلمت كلمة قاسية فأنت شعرت أن كرامتك خدشت, فحلفت يميناً معظماً ألا تزورها ما حييت.
أنا لا أقول كلاماً من فراغ, هناك قطيعة بين أفراد بعض الأسر؛ عشرون سنة, ثلاثون سنة, ولا كلمة, ولا حركة, ولا سؤال, ولا جواب, ولا اتصال هاتفي.
حلف يميناً, لأنني حلفت يميناً يا أخي, أنت لا تفقه في الدين شيئاً, أنت لو استخدمت اسم الله العظيم, وحلفت أعظم الأيمان, وأغلظ الأيمان, والخير خلاف هذا اليمين, ينبغي أن تكفر عن يمينك, وأن تفعل الخير.
الله عز وجل أرادنا أن نجتمع و نتعاون و يصل بعضنا بعضاً :
هناك استنباط ثان يشابه هذه الاستنباط؛ لو فرضنا معركة بين المسلمين وبين الكفار, وفي ساعة الامتحان, السلاح الأبيض في ساعة القتل كلّ يُشهر سيفه أمام العدو, ودخل وقت الظهر, يجب أن نصلي جماعة, ويوجد آية في القرآن طويلة تتحدث عن صلاة الجماعة في أثناء الحرب.
يقف النبي يصلي, يأتي قسم يصلون خلفه, ويوجد قسم للحراسة, فإذا أنهوا ركعة, جاء الذين يحرسون فصلوا وراء النبي الركعة الثانية، أي وأنت تقابل العدو يجب أن تصلي جماعة, فكيف بالسلم؟
لا تعرف عظم هذه الصلاة- صلاة الجماعة- إلا بهذه الآية؛ وأنت تواجه العدو, وأنت تشتبك معه بالسلاح الأبيض, وهو على مسافة متر منك, يجب أن تصلي الصلوات جماعة وراء الإمام بطريقة ذكرها القرآن الكريم, فإذا كنت في السلم, وفي بيتك, وفي بحبوحة؛ ليس هناك حرب, ولا اشتباك مع عدو, ولا خطر, ولا قتل, فهذا الذي يقصر عن صلاة الجماعة سيحاسب.
قد يسال سائل: الصلاة صلاة؛ إن صليتها في البيت وإن صليتها في المسجد؟ الكلام صحيح إلى حدّ ما, لكن الله عز وجل أراد أن نجتمع, أراد أن نتعاون, أراد أن نتناصح, أراد أن يصل بعضنا بعضاً, أراد أن يستفيد الضعيف من القوي, يستفيد الأقل علماً من الأكثر علماً.
أمية النبي وحده كمالٌ فيه لأن الله تولى تعليمه :
بالمناسبة: هناك بعض الأقوال أسمعها أحياناً: أن النبي أمي, أمية النبي وحده كمالٌ فيه, لأن الله يعلمه, يعلمه بالوحي.
أنت وازن بين أعظم أستاذ في العالم في أي اختصاص, بجامعة عريقة, فيها أستاذ, بلغ من العلم شأواً بعيداً, يعلّم طالباً, وهذا الطالب يفتخر بهذا المعلم, أنا أستاذي فلان.
والآن الأطباء أحياناً, يقول لك: أنا أستاذي فلان- أكبر جراح قلب- أنا أستاذي فلان, أنا علمني اللغة فلان, فكل طالب علم يفتخر بأستاذه، فإذا كان أعلم علماء الأرض يعلّم طالباً, والطالب يفتخر بأستاذه, النبي من يعلمه؟ الله جلّ جلاله, فالمسافة بين أعلى أستاذ وبين الله عز وجل مسافة كبيرة جداً, خالق, انظر الكون كله؛ علم الله عز وجل, حكمته, رحمته. فالنبي يعلمه الله لذلك: وعاء النبي صاف, لا يوجد فيه غير وحي من الله, وهي حكمة ربنا البالغة.
لو أن النبي كان على اتصال, أو اطلاع على الثقافة المعاصرة, أي قرأ, دخل جامعة, لو فرضنا جاء في عصر فيه جامعات, وأخذ شهادة عليا, أخذ علم نفس, أخذ تاريخاً, ثم جاءه الوحي, فصار كلامه مختلطاً, يا ترى كلامك هذا -يا رسول الله- من الوحي أم من ثقافتك؟ دخلنا في متاهة.
أراد الله عز وجل أن يبقى وعاء النبي نظيفاً من كل ثقافة أرضية, وأن الوحي وحده هو الذي يعلمه, وهذا كلام طيب.
الثقافة التي تُؤخذ صدفة لا تشكّل إيماناً:
الآن: نحن لا يوجد عندنا وحي, فإذا ما تعلمنا من بعضنا نبقى جاهلين, الأمية في حقنا نقيصة, وصمة عار, فلان أمي, أي جاهل.
إذا قلنا: النبي أمي, أي هو أعلم علماء الأرض, لأن الله يعلمه، فلذلك قضية أن الإنسان يصلي جماعة, يكون له درس علم, لا يوجد طريقة ثانية.
هناك تعبير مضحك, يقول لك: فلان ثقافته من عنده, أي ليس دارساً لمنهج معين, لم يدرس على يد معلم, قرأ مقالة, سمع في الإذاعة في برنامج ديني كلمة, مرة حضر عقد قران فسمع كلمة دين, فجمع فتاتاً, نتفاً نتفاً, ملاحظات هكذا شاردة, غير مركزة, جمعها, كون ثقافة مضحكة, ثقافة غير متكاملة, غير رصينة, غير قوية, أما إذا طلب العلم طلباً حثيثاً؛ طلب العلم من منبعه, طلب العلم من مظنة العلم, طلب العلم من رجل يثق بعلمه, فسيبني بناء دقيقاً.
مثلاً: إنسان مثقف, عنده مجلة طبية، يجلس مع بعض الأطباء, يسمع بعض الأفكار, هذا إنسان يُعد عالماً بالطب؟ إطلاقاً, هذا عنده ثقافة طبية لا تؤهله لأن يكون طبيباً إطلاقاً.
من يريد أن يدرس الطب مثلاً, في أول سنة يعطونه علوم, رياضيات, وفيزياء, وكيمياء, في السنة الثانية يأخذ تشريحاً وصفياً, بعد ذلك فيزيولوجيا, بعد ذلك علم الأمراض, بعد ذلك علم الأدوية؛ ثم يعمل التدريبات ليأخذ شهادة عليا, بعد ذلك يعمل اختصاصاً, يعطونه اختصاصاً دقيقاً جداً, يتدرب على يد أطباء مهرة في مستشفيات راقية جداً؛ سنتين, ثلاثة, أربعة, هذا يقال له: طبيب, لأنه مارس اختصاصاً, أما كل إنسان قرأ مجلة طبية, وجلس مع بعض الأطباء, فهل يعقل أن يكون هذا طبيباً؟
فهذه الثقافة التي تُؤخذ صدفة؛ من عقد قران, من خطبة جمعة تائهة, من مقالة تقرؤها, من إمام مسجد, قال لك كلمتين هذه لا تشكل إيماناً, لا تشكل علماً؛ لذلك صلاة الجماعة, وارتياد المساجد, لزوم أهل الحق, من أجل أن تكون عالماً, أنت لا يوجد وحي يعلمك.
العلم لا يأتي إلا عن طريق التعلم حصراً :
إنسان يدّعي أنه تأتيه أوراد من الله, هذا نوع من الدجل أحياناً, لأن النبي ماذا قال:
(( إنما العلم بالتعلم))
أي أنتم أيها المؤمنون لا يوجد عندكم طريق إلى التعلم, لا يوجد شيء, نحن نأخذ عن الرزاق, وتأخذ أنت عن عبد الرزاق, هذا كلام فيه دجل, لا يوجد طريق للعلم إلا التعلم, ويوجد أحياناً وهم كثير, و شطحات.
أي أنا أغمض عيني, تأتيني معلومات من الله, معنى هذا أن هناك وحياً، الوحي انقطع, وكل إنسان يدّعي أن الوحي مستمر فقد كفر, الوحي انقطع بموت النبي عليه الصلاة والسلام.
فكلمة أن هناك أوراداًَ, و إشراقات, هذه صحيحة, لكن بحالات دقيقة جداً ذُكرت، من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم، أي صار هناك طلب علم, وصدق, وتطبيق, ممكن أن يلقي الله عز وجل في قلبك معنى معيناً, يلقي في قلبك فهماً معيناً, هذا بعد أن تطلب العلم، ولا تنسى قول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، وإنما الكرم بالتكرم ))
وأدق ما في الحديث كلمة (إنما)، أي العلم لا يأتي إلا عن طريق التعلم حصراً, لذلك: الإنسان لو عاش وحده يعيش بجهل، لذلك النبي قال:
((من بدا جفا))
أي من أقام في البادية, صار طبعه جافاً, لم يطلب العلم, لأن العلم يهذب, لا تعرف قيمة العلم إلا من حالة واحدة, الذي له مجلس علم؛ من سنتين, ثلاث, أربع, لو جلس مع إنسان ما طلب العلم إطلاقاً ساعة يعرف قيمة نفسه؛ من كلام فارغ, من تعليقات سخيفة, من كلام بذيء أحياناً, من طرف جنسية, تجد هذا ليس مهذباً, كلمة مهذب عمل عظيم، أي إنسان طلب من الله عز وجل الكمال, إنسان استقى الكمال من منبعه.
على الإنسان ألا يجعل يمينه عرضة بينه وبين الخير :
لذلك هذا الحديث له دلالة كبيرة:
((إذا حلفت على يمين, فرأيت غيرها خيراً منها, فكفر عن يمينك, ثم ائت الذي هو خير))
فراجع نفسك, إذا حلفت يميناً ألا تفعل عملاً معيناً والعمل فيه خير, بكل بساطة كفر عن يمينك, وافعل الخير, لا تجعل يمينك عرضة بينك وبين الخير:
﴿وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا﴾
أنواع الأيمان :
1 ـ اليمين اللغو :
أنا حالف؟ لا, هذا اليمين ليس عقبة, كفر عنه, وائت الذي هو خير, إلا في حالات: هناك يمين لغو, ويمين منعقدة, ويمين غموس, ثلاثة أنواع للأيمان؛ في اليمين اللغو مثلاً يكون الإنسان في أشد حالات الجوع, يدخل إلى بيت و هم يضعون الطعام على المائدة, يقولون له: تفضل, فيجيب: والله لست جائعاً, تقول: والله وأنت تموت من جوعك؟! هذا نوع من لغو اللسان, وهذا أيضاً عليه مؤاخذة، الله عز وجل قال:
﴿ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ﴾
أي لا تقل والله, شكراً, لا يوجد رغبة لي في الأكل, هذا الكلام الصحيح, لا يوجد عندك رغبة في أن تأكل عند فلان, لا تريد أن يحسبها عليك طعاماً, أو لك إشكال معين, أو دخلت إلى عند مريض مثلاً, وعنده مرض معد, قدموا لك كأس عصير, لعل هناك مشكلة بالعصير, مع أن النبي نهانا أن نأكل شيئاً عند المريض.
أولاً: لم يبق هناك حرج لأن هناك أمراضاً معدية, يا ترى الكأس صنعوها باهتمام أم بدون اهتمام؟ ينتقل المرض. فالإنسان لا يرغب أن يشرب مثلاً؛ لكن لا يقل: والله, عندما قال: والله, أصبح هناك يمين, والله قال:
﴿وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ﴾
لذلك كان أبو حنيفة النعمان- رحمه الله تعالى- يدفع ديناراً ذهبياً عن كل يمين صادقة حلفها، لأن الله قال:
﴿وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ﴾
والإنسان كلما أكثر من اليمين اهتزت مكانته.
عود من حولك على كلمة لا, أو نعم, لا تحلف يميناً, ابق من دون يمين, أكثر شيء في البيع و الشراء؛ تجد البائع حلف خمسين يميناً؛ بذمته, بأمانته, بأولاده, بالكعبة, بالقرآن, رأسمالها أكثر, هل يعقل من أجل بيع قميص أن تحلف خمسة أيامين؟
والنبي قال:
((اليمين الكاذبة منفقة للسلعة, ممحقة للبركة))
قال:
﴿وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ﴾
عن يمين اللغو.
2 ـ اليمين المنعقدة :
أما المنعقدة فيُكفر عنها, وهناك تعبير فقهي دقيق أن الله عز وجل قال:
﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ﴾
هناك تحلة, وهناك تكفير؛ تحلة اليمين قبل الحنث بها, والتكفير بعد الحنث بها.
إنسان حلف ألا يزور أخته, فإذا أطعم عشرة مساكين ثم زارها, هذا تحلل من يمينه, أما إذا زارها وحنث بيمينه, فكفّر عن يمينه بإطعام عشرة مساكين، إذا دفع المبلغ قبل أن يزورها هذا تحلل من يمينه, أما إذا دفع المبلغ بعد زيارتها فهذا كفّر عن يمينه, التكفير بعد الحنث والتحلل قبل الحنث.
3 ـ اليمين الغموس :
اليمين الغموس تغمس صاحبها في النار, اليمين الغموس تحتاج إلى أن تجدد إسلامك, إلى أن تعلن الشهادة, اليمين الغموس ليس لها كفارة لأنها تخرج صاحبها من الدين:
((من حلف على يمين ليقتطع بها مال رجل لقي الله تبارك وتعالى وهو عليه غضبان))
وسميت هذه اليمين يميناً غموساً لأنها تغمس صاحبها في النار, والقضاء يستخدم اليمين الحاسمة الآن إذا كان هناك خلاف على مبلغ من المال, لا يوجد وثائق, يدعى لحلف اليمين, فإذا حلف فهو عند القاضي بريء, أما عند الله فقد يكون غير بريء.
والمشكلة الآن التي لا تصدق أنه إذا دعي المتهم لحلف اليمين, يقول لك: جاء الفرج, يحلف, والله عز وجل له وسائل متعددة في معالجة هؤلاء الأشخاص, أحياناً يقصمهم فوراً.