وضع داكن
20-04-2024
Logo
هدي النبي صلى الله عليه وسلم - الدرس : 16 - رسائله إلى بعض الملوك.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، و الصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

نص كتاب رسول الله إلى ملكي عُمان :

 أيها الأخوة الكرام: النبي عليه الصلاة والسلام بعد أن دانت له الجزيرة العربية, أرسل كتباً إلى ملوك الأرض, يدعوهم فيها إلى الإسلام, من جملة هذه الكتب أنه أرسل كتاباً إلى ملك عُمان, وبعثه مع عمرو بن العاص, في هذا الكتاب النص التالي:

((بسم الله الرحمن الرحيم, من محمد بن عبد الله إلى جَيفَر وعبدٍ ابني الجلندي, سلام على من اتبع الهدى, أما بعد: فإني أدعوكما بداعية الإسلام, أسلِما تسلَما, فإني رسول الله إلى الناس كافة,

﴿لأنذر من كان حياً* ويحق القول على الكافرين﴾

 , فإنكما إن أقررتما بالإسلام, وليتكما – أي أبقيتكما- ملكين على قوميكما, وإن أبيتما أن تقرا بالإسلام, فإن ملككما زائل عنكما, وخيلي تحل بساحتكما, وتظهر نبوتي على ملككما, وكتب إلى أبي بن كعب, وختم الكتاب – كتب الكتاب إلى أبي بن كعب, وختم الكتاب بخاتمه صلى الله عليه وسلم-.
 كان في عمان ملكان أخوان, قال عمرو:

((فخرجت حتى انتهيت إلى عمان, فلما قدمتهما, عمدت إلى عبدٍ, وكان أحلم الرجلين, -الأخ الثاني عبد, الأول: اسمه جيفر, والثاني: اسمه عبد-, وكان أحلم الرجلين, وأسهلهما خلقاً, فقلت: إني رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إليك وإلى أخيك, فقال: أخي المقدَّم علي بالسن والملك, – أي أكبر مني سناً, وأقوى مني ملكاً-, وأنا أوصلك إليه حتى يقرأ كتابك, ثم قال: وما تدعو إليه؟ – تصور إنساناً خالي الذهن عن أي شيء متعلق بالدين, المناقشة دقيقة جداً-, قال له: وما تدعو إليه؟ قال: أدعوك إلى الله وحده لا شريك له, وتخلع ما عُبد من دونه, وتشهد أن محمداً عبده ورسوله, قال: يا عمرو, إنك ابن سيد قومك, فكيف فعل أبوك, فإن لنا به قدوة؟ قلت: مات ولم يؤمن بمحمد -صلى الله عليه وسلم-, وودت أنه كان أسلم وصدق به, وقد كنت –أنا- على مثل رأيه, حتى هداني الله للإسلام, قال: فمتى تبعته؟ قلت: قريباً, فسألني أين كان إسلامك؟ قلت: عند النجاشي, وأخبرته أن النجاشي قد أسلم, قال: فكيف صنع قومه بملكه؟ – قضية ملك, الأمور كلها بيده, على رأس قومه-, قال: فكيف صنع قومه بملكه؟ فقلت: أقروه واتبعوه, قال: والأساقفة والرهبان تبعوه؟ قلت: نعم, قال: انظر يا عمرو ما تقول, إنه ليس من خصلة في رجل أفضح له من الكذب, – هناك خصال, تبقى خافية على الناس, أما الكذب فيُكشف-, هل أنت متأكد أن النجاشي أسلم؟ قال له: أسلم, وهل تبعه قومه؟ تبعوه, وماذا فعل الأساقفة والرهبان؟ قلت: ما كذبت, وما نستحله في ديننا, –عندنا الكذب كبيرة-, ثم قال: ما أرى هرقل علم بإسلام النجاشي؟ قلت: بلى, قال: بأي شيء علمت ذلك؟ قلت: كان النجاشي يُخرج له خراجاً, -يعطيه ضريبة-, فلما صدق وأسلم بمحمد -صلى الله عليه وسلم-, قال: لا والله, لو سألني درهماً واحداً ما أعطيته, فبلغ هرقل قوله, فقال له أخوه: أتدع عبدك لا يُخرج لك خراجاً ويدين ديناً محدثاً!؟ قال هرقل: رجل رغب في دين, فاختاره لنفسه, ما أصنع به؟ والله لولا أضن بملكي, لصنعت كما صنع -لأسلمت-, قال: انظر ما تقول يا عمرو, قلت: والله صدقتك, قال عبد: فأخبرني ما الذي يأمر به وينهى عنه؟ قلت: يأمر بطاعة الله عز وجل, وينهى عن معصيته, ويأمر بالبر وصلة الرحم, وينهى عن الظلم والعدوان, وعن الزنا, وعن الخمر, وعن عبادة الحجر, والوثن, والصنم, قال: ما أحسن هذا الذي يدعو إليه, لو كان أخي يتابعني عليه, –الأخ الأصغر ألين وأقرب-, لركبنا حتى نؤمن بمحمد, ونصدق به؛ ولكن أخي أضن بملكه, – أي لا يسلم بهذه البساطة– من أن يدعه ويصير ذنباً, قلت: إنه إن أسلم ملّكه رسول الله على قومه –أبقاه ملكاً-, فأخذ الصدقة من غنيهم فردها على فقيرهم, قال: هذا لخلق حسن, وما الصدقة؟ فأخبرته بما فرض النبي -عليه الصلاة والسلام- من الصدقات في الأموال, حتى انتهيت إلى الإبل, قال: يا عمرو, وتؤخذ من سوائل مواشينا التي ترعى الشجر وترد المياه؟ قلت: نعم, فقال: والله ما أرى قومي في بعد دارهم, وكثرة عددهم, يطيعوني بهذا –هذه صعبة عليهم-, قال: فمكثت ببابه أياماً, وهو يصل إلى أخيه, فيخبره كل خبري, ثم إنه دعاني يوماً, فدخلت عليه, -دخل على الكبير-, فأخذ أعوانه بضبعي –ب كتفي, الاضطباع في الحج أن تبرز كتفك الأيمن-, فأخذ بضبعي, فقال: دعوه, فأُرسلت, فذهبت لأجلس, فأبوا أن يدعوني أجلس, فنظرت إليه, فقال: تكلم بحاجتك, فدفعت إليه الكتاب مختوماً, ففض خاتمه وقرأه, حتى انتهى إلى آخره, ثم دفعه إلى أخيه, فقرأه مثل قراءته, إلا أني رأيت أخاه أرق منه, قال: ألا تخبرني عن قريش كيف صنعت؟ فقلت: تبعوه؛ إما راغب في الدين, وإما مقهور بالسيف, قال: ومن معه؟ قلت: الناس قد رغبوا في الإسلام, واختاروه على غيره, وعرفوا بعقولهم مع هدى الله إياهم, أنهم كانوا في ضلال, فما أعلم أحداً بقي غيرك في هذه الحرجة, وأنت إن لم تسلم اليوم وتتبعه يوطئك الخيل, ويبيد خضراءك, فأسلم تسلم, – تصور أعرابياً, يخاطب ملكاً! كم كان هذا الصحابي رابط الجأش, يكلمه ببساطة: إذا لم تسلم تنتهي-, قال له: إن لم تسلم اليوم, وتتبعه, يوطئك الخيل, ويبيد خضراءك, فأسلم تسلم, ويستعملك على قومك إذا أسلمت, ولا تدخل عليك الخيل والرجال, قال: دعني يومي هذا, وارجع إليّ غداً, فرجعت إلى أخيه, فقال: يا عمرو, إني لأرجو أن يسلم, إن لم يضن بملكه, حتى إذا كان الغد أتيت إليه, فأبى أن يأذن لي, فانصرفت إلى أخيه, فأخبرته أني لم أصل إليه, فأوصلني إليه, فقال: إني فكرت بما دعوتني إليه, فإذا أنا أضعف العرب, إن ملكت رجلاً ما في يدي, وهو لا تبلغ خيله ها هنا, وإن بلغت خيله لقيت قتالاً ليس كقتال من لاقى, قلت: وأنا خارج غداً, فلما أيقن بمخرجي, خلا به أخوه فقال: ما نحن فيما قد ظهر عليه, وكل من أرسل إليه قد أجابه, فأرسل إلي, فأجاب إلى الإسلام (هو وأخوه) جميعاً, وصدقا النبي -صلى الله عليه وسلم -, وخلَّيا بيني وبين الصدقة, وبين الحكم فيما بينهم, وكان لي عوناً على من خالفني))

مخاطبة الملوك قضية صعبة جداً تحتاج لإيمان و ثبات و تضحية :

 النبي عليه الصلاة و السلام أرسل كتباً إلى المقوقس, وإلى كسرى, وإلى قيصر, وإلى ملك عمان, كتاباً موجزاً واضحاً, وأرسل مع هؤلاء -مع هذه الكتب- رجال؛ - هناك رجل يصغر شأن الرسالة, و رجل يعظم شأن الرسالة-.
 فالرجل تكلم بفصاحة, وبجرأة, وكأنه لا يخشى في الله لومة لائم. وكلكم يعلم أن مخاطبة الملوك قضية صعبة جداً, الملك يرى أنه الأوحد، فرعون قال:

﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾

[سورة القصص الآية:38]

 أن تخاطب ملكاً شيء يحتاج إلى قوة, وإلى إيمان, وإلى ثبات, وإلى تضحية, لأنه قد يأمر بقتلك بكلمة وينتهي الأمر.
 فكان عليه الصلاة والسلام قد بلغ هذه الرسالة إلى ملوك الأرض.

 

أسلم تسلم كلام لكل إنسان أراد السلامة في الدنيا و الآخرة :

 الشيء الدقيق أن أسلما تسلما: وهذا كلام لكل إنسان, أي أنت لست ملكاً؛ لكن أنت عبد, حينما تُسلم تَسلم في الدنيا والآخرة, حينما تسلم يهديك الله عز وجل سبل السلام, هناك سلام مع نفسك.
 الإنسان أحياناً يبحث عن الراحة النفسية, راحته في طاعته لله, المطيع مرتاح, الذي عليك أديته.
 قال له:

 

(( اللهم هذا قَسْمي فيما أملك، فلا تَلُمني فيما تَملك ولا أَملك))

[ أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي عن عائشة أم المؤمنين ]


 أنت عبد لله, مكلف أن تطيعه, فإذا أطعته شعرت براحة, هذه الراحة أساسها أنك أنت أديت حق الربوبية, أنت عبد, والله عز وجل أنعم عليك بنعمة الإيجاد, ونعمة الإمداد, ونعمة الهدى والرشاد, فأنت تعرف هذه النعمة, وقد أجبته في طاعته إليها.
 فكلمة أسلِما تسلَما هي لكل مسلم, ولكل مؤمن.
 قال له:

(( قل لي في الإسلام قولاً لا أسألُ عنه أحداً بعدك؟ قال: قل: آمَنْتُ بالله، ثم استقم، قال: أريد أخف من ذلك قال: إذاً فاستعد للبلاء ))

[ أخرجه مسلم عن سفيان بن عبد الله الثقفي ]

 كلام واضح؛ إن أردت أقل من الاستقامة إذاً: فاستعد للبلاء, وهذا هو الحق.

 

من أسلم هداه الله سبل السلام مع نفسه و ربه و الناس :

﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ﴾

[سورة يونس الآية:32]

 الحق مفرد, والضلال جمع, قال:

﴿يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾

[سورة البقرة الآية:257]

 لم يقل من الظلمات إلى الأنوار, لم يقل من الظلمة إلى النور, لأن الانحراف ظلمات:

﴿بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ﴾

[سورة النور الآية:40]

 أما الاستقامة فحقيقة واحدة.
 فكلمة أسلما تسلما تعني أن السلامة مطلب كل إنسان؛ لا يوجد إنسان يتمنى المرض, لا يوجد إنسان يتمنى الفقر, لا يوجد إنسان يتمنى الذل, لا يوجد إنسان يتمنى القهر, إن أردت أن تكثر من الذل والقهر, ومن مصائب الدنيا الشديدة التي لا تُحتمل, أسلم, فإن أسلمت, الله عز وجل يهديك سبل السلام, يسيرك بطريق السلامة؛ سلامتك مع نفسك, سلامتك مع ربك, سلامتك مع الناس.

 

من أسلم ربح الدنيا و الآخرة :

 الآن الشرع: أي إنسان طبق الشرع ليس له علاقة بالمحاكم إطلاقاً, ولا بالمخافر.
 طبعاً هناك ملوك قتلوا الرسل.
 ملك كسرى قتل الرسول, ومزق الكتاب, فقال عليه الصلاة والسلام:

((اللهم مزق ملكه))

[ رواه ابن سعد في الطبقات عن عبد الله بن حُذافة]

 كاتب, معاصر, قال: "كل من دعا إلى ملك كسرى يُمزق ملكه".
 فحينما أراد أن يحيي مجد فارس الوثني مُزق ملكه, دعاء من النبي:

((اللهم مزق ملكه))

[ رواه ابن سعد في الطبقات عن عبد الله بن حُذافة]

 النجاشي بقي ملكاً, والنبي صلى عليه صلاة الغائب لما مات, ولما جاء وفد النجاشي خدمهم النبي بنفسه.
 يتوهم الإنسان أنه عندما يسلم يخسر, لا تخسر, تربح الدنيا والآخرة, الله عز وجل عطاؤه كبير, الله عز وجل خيرك بين الدنيا أو الآخرة؛ إن آثرت الآخرة أعطاك الدنيا معها.
 النجاشي أسلم, بقي ملكاً, وتبعه قومه, وأعلوا قدره, وتبعه الأساقفة والرهبان, وأسلموا معه, ولذلك: يعد النجاشي من التابعين، أي من الصحابة الذين لم يلقوا النبي, إذاً: الأغلب يعد من التابعين الذين آمنوا برسول الله ولم يروه.
 وهذا ملك عمان أسلم أيضاً, هناك رواية عن هذا الملك -لم تُذكر هنا- أنه حينما سمع كلام رسول الله, -كلام النبي, أو كلام رسول رسول الله-, قال: "والله ما أمر بشيء وقال العقل: ليته لم يأمر به, وما نهى عن شيء وقال العقل: ليته نهى عنه".
 الإنسان عنده عقل, وأمامنا نقل -القرآن والسنة-, وعندنا فطرة, وعندنا واقع؛ الفطرة مقياس نفسي.

 

من نعم الله الكبرى أن الله عز وجل فطر الإنسان فطرة سليمة :

 الإنسان أحياناً عندما يخطئ يتضايق، الإنسان مجبول جبلة كاملة, فإذا كان كاملاً انسجم مع فطرته, ارتاحت نفسه, فإذا كذب أو خان يشعر بانهيار داخلي, هذه من نعم الله الكبرى أن الله عز وجل فطر الإنسان فطرة سليمة, فإذا خالف فطرته عذبته نفسه.
 لذلك مرض الكآبة في العالم؛ الضيق الشديد, السوداوية, الشعور بالذنب, تعذيب الضمير, مسميات, أو أسماء لمسمى واحد هو أن النفس فطرتها عالية, فإذا خرجت عن أصل فطرتها تعذبت.
 لهذا التناقض الله أعطاك مقياساً نفسياً ثابتاً؛ إن أحسنت إلى الخلق سعدت، وكنت أسعد الخلق, إن أسأت إليهم, كنت أشقى الخلق, هذه فطرة, والعقل مقياس أودعه الله في الإنسان, الله هو الذي خلق العقل, مبادىء العقل تتناسب مع قواعد الدين, فالعقل يدعوك إلى أن تؤمن بالله, أما الذي لا يؤمن بالله فعنده خلل في عقله.

 

الحق هو توافق الواقع والعقل والنقل والفطرة :

 أحياناً تجد بالكون إعجاز, كل شيء كامل؛ لكن هناك ظلماً أحياناً, فإذا أنت آمنت بالآخرة يختل توازنك, الآن الكون يشهد أن كل شيء فيه كمال مطلق؛ في العلم, والحكمة, والرحمة, واللطف, لكن تجد هناك ظلم, هذا الظلم من دون آخرة صعب تفسيره, أما بالآخرة فيفسر, هناك تسوية حسابات؛ كل إنسان سيدفع الثمن, أو سيقبض الثمن.
 فالعقل لا يقبل أن إلهاً عظيماً, خلق الكون, و خلق الناس بدنيا محدودة, وتنتهي الدنيا, وينتهي كل شيء, أصبح هناك تفاوت؛ هناك غني و فقير, و قوي و ضعيف, و صاحب عمر مديد وصاحب عمر قصير، فالإنسان عقله بمبادئه المتوافقة مع الكون, ومع منهج الله عز وجل, وفطرته المتوافقة مع الدين أيضاً:

﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾

[سورة الروم الآية:30]

 أن تقيم وجهك للدين حنيفاً هو نفسه الفطرة التي فُطرت عليها, أصبح العقل, والنقل, والفطرة, والواقع, كلها متوافقة, هذا المؤمن عنده انسجام؛ لا يوجد عنده تناقض, لا يوجد عنده ضياع, لا يوجد عنده خلل, لا يوجد عنده اضطراب, مبادىء عقله متوافقة مع النقل الذي يؤمن به, مع الكتاب والسنة, مع أصل فطرته, مع مبادىء الواقع؛ فالواقع, والعقل, والنقل, والفطرة, كلها متوافقة, وهذا هو الحق.
 فالإنسان لا ترتاح نفسه إلا إذا أيقن بوجود إله عظيم, وله منهج قويم, وله أنبياء ورسل مثل عليا, وهذا أصل الدين.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور