- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠31برنامج الإيمان هو الخلق - قناة سوريا الفضائية
مقدمة:
الأستاذ علاء:
أيها السادة المشاهدون سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم الإيمان هو الخلق، يسعدنا أن نكون بمعية فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين، أهلاً وسهلاً سيدي الأستاذ.
الدكتور راتب:
بكم أستاذ علاء جزاك الله خيراً.
الأستاذ علاء:
تحدثنا في حلقات ماضية عن أسباب الشقاق الزوجي، وكيف نحافظ على الأسرة هذه اللبنة الأساس وهذا المدماك المكين في جدار المجتمع من خلال هذه المداميك وتكرارها يتشكل المجتمع، إذاً الأسرة مجتمع صغير واللبنة الأولى، وإن صلحت الأسرة صلح المجتمع وإن تماسكت تماسك المجتمع.
الآن سيدي من أهم وظائف الأسرة أن تنجب أولاداً صالحين فاعلين يستبقوا الخيرات، الأسرة كما مرّ معنا في حلقات ماضية الأب الأم، الأم قد تكون ناجحة في العمل، قد تكون ناجحة في مجالات معينة، و الأب كذلك، لكن قد يكون في موطن آخر وهو الأهم في تربية أبنائه، والسهر على تقويمهم، وعلى أن يكونوا بناة حقيقيين لمجتمعهم، قد يفشلوا في هذه المهمة، وكثير هي الصور التي تمر أمامنا تترى تتعسر فيها الأسر في إنتاج أولاد صالحين، سيدي هل يُقبل أن يكون الأب ناجحاً في عمله، ناجحاً في المجتمع، وأن يفشل في تربية أولاده ؟
النجاح لا يمكن أن يسمى نجاحاً إذا كان جزئياً:
الدكتور راتب:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصاد الوعد الأمين.
أستاذ علاء جزاك الله خيراً على هذا الموضوع، من الثابت أن النجاح لا يمكن أن يسمى نجاحاً أصلاً إذا كان جزئياً، لأن هناك أركان أربعة في حياة الإنسان، علاقته مع ربه، معرفة، انضباطاً، تقرباً، إحساناً لخلقه، سيدنا عيسى بالقرآن الكريم ورد على لسانه:
﴿ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ (31) ﴾
حركة نحو الله عز وجل، تعبداً ومحبة وإقبالاً وانضباطاً وتفانياً وإخلاصاً وتوكلاً وحركة نحو الخلق إحساناً، وكأن هاتين الكلمتين لخصتا الدين كله معرفة بالحق وإحسان إلى الخلق، فأول محطة كبيرة جداً في حياة الإنسان أن يعرف ربه، فإن عرفه عرف كل شيء وإن سلمت عبادته سلم كل شيء، لذلك هذه المحطة الأولى، لكن هو إنسان يعيش في بيت له زوجة شريكة حياته، له أولاد جزء منه، قدره شاء أم أبى، زوجته وأولاده المحطة الثانية، المحطة الثالثة عمله، مكان رزقه، كسب رزقه، تأكيد شخصيته، تفوقه في الحياة، المحطة الرابعة صحته، النقطة الدقيقة جداً أن أي خلل في أحد هذه المحطات الأربع ينسحب على المحطات الثلاث ولو أنه من الممكن أن يكون خللاً في إحداها دون أن يؤثر على البقية أقول هناك نجاح جزئي، لو أن بالإمكان أن خلل في علاقة الإنسان مع ربه، أو خلل في علاقته مع أهله وأولاده، أو خلل في علاقته مع عمله أو مع صحته، إن كان الخلل في إحدى هذه المحطات لا ينسحب على المحطات الأخرى أقول يمكن أن نسمي النجاح جزئياً إذا كان النجاح جزئياً يمكن أن نسميه نجاحاً، ولكن اعتقادي الجازم مع التجارب والتأكيدات العلمية أن أي خلل في أحد هذه المحطات سينسحب على المحطات الأربع.
من ساءت علاقته مع ربه ساءت علاقته مع كل الناس من حوله:
إن ساءت علاقة الإنسان بربه لن يكون أخلاقياً في بيته، لن يكون مربياً يبحث عن لذته، ردود فعله قاسية جداً، يهمل أولاده، لا يقيم لزوجته مكانة إطلاقاً، لو أهمل علاقته مع ربه لن يتقن عمله، لن يخلص في عمله، ما الدافع إذا أخلص العمل، لابد من دافع. الأستاذ علاء:
هل المحركات مادية أم هي محركات معنوية ؟
الدكتور راتب:
أخلاقية، لو أن علاقته مع ربه ساءت لماذا ينضبط في طعامه وشرابه وبعض ما أباح الله له من شهوات ؟ لا ينضبط بها يتفلت، لو أن العلاقة مع الله اختلت لاختلت علاقته مع زوجته وأولاده وبيته وعمله وصحته، لو أن علاقته مع صحته اختلت، صحته وعاء حياته، وعاء عمله، لا يقوى على العبادات، لا يقوى على العمل الصالح مثلاً لا يقوى على أداء واجباته، لو أنه في بيته بأعلى درجة وفي عمله مهمل فسمع كلمات قاسية من مديره أزعجته لأشهر عديدة، هذا الذي وصلت إليه من خلال تجربة طويلة أن المحطات الأربع يجب أن تكون كاملة حتى نسمي هذا الإنسان ناجحاً في حياته، النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى هذه الناحية:
(( خَيرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ ))
أخلاق الإنسان الحقيقة لا تعرف إلا في بيته:
الإنسان خارج بيته يمكن يعتني بثيابه من أجل انتزاع إعجاب الآخرين، من أجل تحقيق نجاح في عمله، من أجل تحقيق نجاح اجتماعي، أما في بيته ما في رقابة عليه فأخلاقيته الحقيقية في بيته هذا ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم:
(( خَيرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي ))
كان عليه الصلاة والسلام إذا دخل بيته بساماً ضحاكاً،
(( أكرموا النساء، فو الله ما أكرمهن إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم، يغلبن كل كريم، ويغلبهن لئيم، وأنا أحب أن أكون كريماً مغلوباً من أن أكون لئيماً غالباً ))
فأنا حتى أسمي فلان ناجح في حياته لا بد من أن أؤكد أن النجاح يجب أن يكون شمولياً، يسافر ليكسب مالاً غاب عن أهله سنة من دون تربية لأولاده، في الطرقات مع رفاق السوء، زوجته متفلتة مع الجيران والأحاديث الفارغة، رجع وجد بيته مهدماً، معه أموال طائلة ما قيمة هذا المال على بيت مهدم ؟ لذلك قضية النجاح يجب أن يكون شمولياً.
الأستاذ علاء:
سيدي الآن تتطرق إلى مسألة أود أن أقف عندها الخيرية يجب أن تكون في الأساس كما تفضلت إلى الطوق الأقرب فإن كان خيراً لأهله فهو خيراً لمجتمعه، أما إن لم يكن كذلك فالخيرية لمجتمعه هي خيرية زائفة ووهمية.
من لم يكن فيه خير لمن أنجبه لن يكون فيه خير لأحد:
الدكتور راتب:
أنا أبني على هذه الملاحظة الطيبة والعميقة أنك لا تشارك عاقاً لوالديه، إن لم يكن فيه خير لمن أنجبه لن يكون فيه خير لأحد.
الأستاذ علاء:
حتى لا نزوجه، نسأل كيف علاقته بأمه وأبيه ؟الدكتور راتب:
نحن بفضل الله ثقافة المسلمين الاجتماعية بعلاقتهم مع أمهاتهم وآبائهم عالية جداً، مرة سافر إنسان إلى بلد غربي رأى شخصاً يقف على نهر السين ساهم قال ما الذي تتمناه ؟ قال أن أقتل أبي، قال لما ؟ قال أحب فتاة فأخذها مني.
نحن يبيع بيته في الشام يسكن خارج دمشق حتى يزوج أولاده، الأب عندنا سعادته الكبرى أن يهيئ لأولاده مستقبلاً، عندنا علاقات أسرية عالية جداً.
الموقف العلمي للإنسان أن يذكر الإيجابيات و السلبيات حتى يكون موضوعياً:
أنا أتألم تألماً بالغاً مما يسمى الآن بجلد الذات، أحياناً بكل مجلس نذم أنفسنا، نحن عندنا حضارة، عندنا مبادئ، عندنا قيم، عندنا تماسك أسري، عندنا حب، عندنا رحمة بقلوبنا، فإذا إنسان شاهد تقصيراً في بلاده عن بعض البلاد المتطورة جداً لا ينسى النواحي الإيجابية، الموضوعية إن ذهبت إلى الغرب اذكر محاسنهم ومساوئهم حتى تكون موضوعياً، اذكر تبادل الزوجات، الإباحية، الشذوذ، اذكر كل هذا وإن جلست في بلدك اذكر النقائص والإيجابيات، هذا هو الموقف العلمي. الأستاذ علاء:
سيدي أثناء دراستي في ألمانيا أول ما يستقبلوا الإنسان في المؤسسة التي جاءت منها المنحة، الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون كانت المحاضرة الأولى لأحد الأساتذة الكبار بروفيسور فقال: سوف تشاهدون قضايا تثيركم نحن سبقنا الغير فيها لكن هنالك إلى جوانبها قضايا لا تسر، كما يوجد النور في أي مكان بجواره يوجد الظل، وهذه قضية هامة جداً أن يصف الإنسان إن كان موضوعياً الجهتين، يتوازن، كما تفضلت المبادئ والخلق والتماسك الاجتماعي الموجود لدينا ليس موجوداً لدى الغير، قد نكون مقصرين في جوانب علينا أن نتداركها. الدكتور راتب:
أنا الذي أؤكد عليه أننا حضاريون بقيمنا والغربيون متطورون جداً لكنهم بعلاقتهم مع الشعوب الأخرى ليسوا حضاريين، فنحن حضاريون لكننا لسنا متطورين كما ينبغي، أما الطرف الآخر متطور تطوراً مذهلاً لكن في العلاقات العامة متوحش.
الأستاذ علاء:
سيدي هل بالاقتداء أو بالضرورة أو بالحتمية أو بالمقتضى شقاء الأولاد هو شقاء للآباء والأمهات ؟
شقاء الأولاد شقاء حكمي لآبائهم:
الدكتور راتب:
أستاذ علاء جزاك الله خيراً مرة ثانية، في آية كريمة دقيقة جداً قال تعالى:
﴿ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) ﴾
الآية جاءت بالفعل ( تشقى ) بالضمير المفرد، أما بحسب السياق اللغوي: ولا يخرجنكما من الجنة فتشقيا، استنبط علماء البلاغة أن هذا إيجاز بليغ لأن شقاء الرجل شقاء حكمي لزوجته، أنا أبني على هذه الملاحظة هذه القاعدة، شقاء الأولاد شقاء حكمي لآبائهم، كنت مرة في أمريكا لإلقاء محاضرة قلت لو بلغت أعلى منصباً في العالم ككلينتون (وقتها كان كلينتون)، وثروة كثروة أوناسيس، وعلماً كعلم أينشتاين، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس.
أنا حينما أرى أباً ناجحاً في حياته، أولاده متفلتون، يأتون بعد الساعة الثانية ليلاً لا يجرؤ أن يسألهم أين كنتم ؟ أنا أرى أن هذا الأب أشقى الناس قاطبة، ما لم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس هذا المعنى القرآن الكريم أشار إليه بدعاء:
﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ (74) ﴾
من كان له ابن صالح هذا الابن أفضل من أموال الدنيا كلها:
والله أستاذ علاء السعادة التي يمتلئ بها قلب الأب حينما يرى ابنه صالحاً أقسم بالله تزيد عن الوصف، بالمقاييس المادية لو معه مليار دولار إن كان ابنه صالحاً والله هذا أغلى من الثروة، الناس الآن في أول حياتهم يهملون أولادهم، يكتشفون بعد حين أنهم خسروهم.زارنا عالم متخصص بصناعة القيادة قال إن لم ترعَ ابنك من السنة الأولى وحتى السابعة بعد هذا التاريخ قد لا تجدي التربية، كيف الأولى ؟ يعني أطعمت الصغير عمره ثلاثة أشهر، بالشهر الثالث أطعمته وسقيته ونظفته وبكي فحملته، لما حملته عودته أن يتخذ البكاء وسيلة لإزعاجك
ينبغي ألا تحمله، فأنت حينما تهتم بابنك من السنة الأولى وحتى السابعة تغرس فيه المبادئ، الصدق، الأمانة، الاعتدال في الطعام والشراب مثلاً، الاعتناء بالأسنان، الاعتناء بالنظافة، ترتيب الثياب، تجد هذه العادات بقيت معه حتى الموت، وترى أكثر البيوت لا يوجد نظام في البيت و لا يوجد ترتيب للأغراض، الغرفة كلها فوضى، بالطعام لا يوجد نظام، بالشرب لا يوجد نظام، بالعلاقات لا يوجد نظام، هذه الأمراض الطفيفة بالبداية تتفاقم، يصبح البيت قطعة من الجحيم.
فلذلك أنا أظن أن الأب يظن أنه لما تزوج دخل في عالم آخر فيه متعة، دخل في عالم آخر فيه مسؤولية، دخل بأعلى درجة يحاسب عليها عند الله، ورد في بعض الآثار:
لذلك البنت يوم القيامة تقف أمام رب العزة، تقول: يا رب، لا أدخل النار حتى أدخل أبي قبلي، هو الذي سبب فسادي.
الابن قدر ومهما أهملته يبقى ابنك وتبقى آلامه آلامك وانحرافه يضنيك:
أنا أقول الذي عنده أولاد بحاجة ماسة إلى العناية بهم أولاً بإيمانهم، بأخلاقهم، بصحتهم، بتحصيلهم، بعلاقاتهم الاجتماعية، أما الأب الذي يرى بيته منضبطاً، صدق أستاذ علاء لو كان الدخل محدوداً جداً، والأكل خشن جداً، والبيت صغير جداً، وبحيّ متواضع جداً، وبمساحة قليلة جداً أسعد الناس هذه حقيقة، وفي بيوت قصور قطعة من الجحيم:
﴿ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ ﴾
خيط العنكبوت، ثبت أنه أمتن من الفولاذ بخمسة أضعاف، الوهن ليس في الخيط في البيت لأن الأنثى تأكل زوجها وتأكل أولادها وهن اجتماعي، بيت فوضوي، بيت فيه شقاق، بيت فيه تمحور، بيت فيه قسم مع الأب وقسم مع الأم، لا في انضباط لا باللقاء و لا بغيره، أنا أنصح الإنسان أن يجلس مع أولاده كل يوم جلسة ولو على وجبة طعام واحدة الحد الأدنى، كما تفضلت شقاء الأولاد شقاء حكمي لآبائهم، يمكن أن تكون بديهية، يمكن أن تكون مسلماً بها، والله ألتقي بآباء في أعلى درجات النجاح إن سألتهم عن ابنهم تقطع قلبه ألماً، ابنه منحرف، هذا الشيء واقع، أحياناً في قضية صارخة، مُسلّمة لا تحتاج إلى برهان، العلاقة بين الأب والأم علاقة مصيرية، مرة شخص قال لي: إنني أنا مختلف مع والدتي من باب المداعبة قلت له طلقها، قال ماذا أطلقها ؟ قلت له والدتك قدرك، أنا أقول الابن قدر ومهما أهملته يبقى ابنك وتبقى آلامه آلامك وانحرافه يضنيك.
الأستاذ علاء:
ولا يتمنى الأب لأحد في الدنيا أن يكون أفضل منه إلا الابن، ما عدا ذلك لا يتمنى.
محبة الأب لابنه محبة الله له ولولا هذه المحبة ما ربى أب ابنه:
الدكتور راتب:
أستاذ علاء بارك الله، هذه النقطة واضحة عندي جداً، كيف يعرفنا الله بذاته العلية، الله عز وجل لا تدركه الأبصار، كيف يعرفنا بذاته ؟ جعل نظام الأبوة مثل بسيط لعلاقة الله عز وجل بعباده، الأب قد يكون صحته طيبة، ووضعه المادي جيد، ليس بحاجة لأولاده، لا إلى مساعدتهم المادية، ولا المعنوية، ولا الاجتماعية، لكن حينما يرى ابنه متفوقاً وصالحاً ومستقيماً لو شققت على صدره لوجدته أسعد الناس، علاقة أخلاقية بلا نفع إطلاقاً، لذلك قال تعالى:
﴿ وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3) ﴾
الله عز وجل أعطانا نموذجاً عن علاقته بعباده بعلاقة الأب بأولاده، من آيات الله الدالة عليه، مرة سيدنا موسى (رمزية) رأى أماً على التنور تقبل ابنها وتضمه وتشمه بين كل رغيفين، قال يا رب ما هذه الرحمة ؟ قال يا موسى هذه رحمتي أودعتها في قلب الأم وسأنزعها، قصة رمزية فلما نزعها وبكى ألقته في التنور.
فهذا الترابط بين الأب وأولاده وبين الأم وأولادها هذه رحمة الله، هذه محبة الله، بعضهم فسر قوله تعالى:
﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي (39) ﴾
محبة الأب لابنه محبة الله له ولولا هذه المحبة ما ربى أب ابنه، والآن والعياذ بالله الدول المتفلتة جداً تربي كلاباً.
الأستاذ علاء:
تستبدل الابن بأن تقتني كلباً، سيدي الكريم الآن يستمر وجود الإنسان بالمنصب، بالمال، بالمركز، بماذا يستمر وجود الإنسان ؟
استمرار وجود الإنسان بتربية ابنه تربية صالحة:
الدكتور راتب:
كله زائل، بابنه، والله مرة توفي عالم جليل في دمشق كان خطيباً في الجامع الأموي، اليوم الثالث أقيم له عزاء في الجامع الأموي، وقف ابنه خطيباً والله بكيت، إذاً ما مات الأب، مادام ترك ابناً صالحاً عالماً يتقن الدعوة إلى الله إذاً الأب ما مات، وأنا أتمنى أن يكون كل ابن استمراراً لأبيه، لأن الإنسان في أعماق أعماقه قد جُبل على حبّ وجوده وعلى حبّ سلامة وجوده وعلى حبّ كمال وجوده وعلى حبّ استمرار وجوده، سلامة وجوده بطاعة الله، وكمال وجوده بالبذل والتضحية في سبيل الله يرقى، والعمل الصالح يرفعه، واستمرار وجوده بتربية أولاده، وأنا أقول بطولة الأب في الأولاد الذين أنجبهم هل كانوا مواطنين صالحين ؟ صادقين ؟ أمناء ؟ أعفة ؟ متفوقين في دراستهم ؟ يتقنون العلاقة مع الناس إتقاناً جيداً ؟ لذلك الإنسان لما يرى ابناً صالحاً، الله يرحم الأب دون أن يشعر.
الأستاذ علاء:
هذا الاستمرار كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم:
((وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ))
الدكتور راتب:
(( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ))
(( صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، مسجد، ميتم، مستشفى، مدرسة، عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، ترك مؤلفات وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ))
الأستاذ علاء:
هذا فيه استمرار ويتصل العمل ما بين الدارين من خلال هذا.
من ربى ابنه تربية صالحة كل أعمال ابنه و ذريته بصحيفته إلى يوم القيامة:
الدكتور راتب:
أستاذ علاء في بعض الآثار الدينية أن المتوفى إذا كان له أولاد صالحون تأتيه الخيرات بعد وفاته من أولاده، يدعو له، بصراحة كل أعمال الأولاد في صحيفة الآباء، الدليل:
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ (21) ﴾
قال علماء التفسير: ألحقنا بهم أعمال ذريتهم، ممكن إنسان ينجب ولداً صالحاً وإلى يوم القيامة في ثلاثة ملايين من ذريته مثلاً ولأن الابن صالح اختار امرأة صالحة وربى أولاده وأنجب أولاداً صالحين، وهذه السلسلة ثلاثة ملايين إنسان صالحين كل أعمالهم في صحيفة هذا الأب الذي ربى ابنه الأول، هكذا نظام العطاء الإلهي:
﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ (21) ﴾
الأستاذ علاء:
سيدي هل نستطيع بعجالة أن نلخص تلك اللوحة التي تتعلق بتربية الأبناء ولها شرائح ومراتب ويجب أن تكون متكاملة غير منقوصة.
على كل أب أن يوجه ابنه:
1 ـ توجيهاً إيمانياً:
الدكتور راتب:
لا بد من أن تعرف هذا الابن بربه لماذا خلقه ؟ ماذا ينبغي أن يفعل ؟ لماذا هناك أمر وهناك نهي ؟ هل أوامر الله تقييداً لحرية الإنسان أم ضماناً لسلامته ؟ الدولة حينما تضع تيار عالٍ ممنوع الاقتراب، هل تريد أن تحد من حركة المواطنين ؟ أن تزعجهم ؟ لا أبداً تريد أن تضمن سلامتهم، في اللحظة التي يفهم فيها الإنسان أوامر الله ضماناً لسلامته يكون فقيهاً، هذا الابن، الأب يجب أن يجلس معه جلسات طويلة، يا بني كسب المال المشروع مفخرة، فما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وجعل لها قناةً نظيفة تسري خلالها، الشعور بالحرمان لا أصل له في الدين، تصور إنسان تزوج امرأة صالحة وأنجب ذرية صالحة بيته قطعة من الجنة، وإنسان لبى هذه الشهوة بطريق غير مشروع فسقط من عين الله وعين الناس، ففي فرق كبير جداً فلذلك لا بد من تربية إيمانية، ما سر وجودك ؟ ما غاية وجودك ؟ ما تعريف الحلال والحرام ؟ العمل الصالح ؟ ما الخير ؟ ما الشر ؟ هذه مبادئ قد يرضعها مع حليب أمه، هذه لا تجوز لأن الله نهى عنها هذه تفعل هكذا، الكذب يفقدك مكانتك في المجتمع، عدم إتقان العمل ينفض الناس من حولك تخسر زبائنك، الأب عندما يوجه ابنه توجيه إيمانياً أولاً.
2 ـ توجيهاً أخلاقياً:
الآن توجيه أخلاقي الملمح الدقيق:
(( إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ ))
الصدق، الأمانة:
(( أَيُّهَا الْمَلِكُ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ، وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ، وَنَعْبُدَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ، وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ، وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ ))
الإسلام منهج أخلاقي لكن تربية إيمانية عقدية ثم تربية أخلاقية.
3 ـ توجيهاً نفسياً:
نريد تربية نفسية، الإنسان كيف يحاسب نفسه (النفس اللوامة) ؟ كيف لا يتكبر ؟ كيف لا يستعلي على الآخرين ؟ كيف لا يبني مجده على أنقاض الآخرين ؟ كيف يتواضع ؟ كيف يكون محسناً ؟ هذه كلها تربية نفسية.
4 ـ توجيهاً اجتماعياً:
الاجتماعية: كيف يعتذر ؟ كيف يتقن عمله ؟ عندنا تربية اجتماعية، كيف يتواصل مع الآخرين ؟ أنا فاجئني مرة أنه في طلب لوظيفة في هولندا يوجد بند عجيب نحن لا نعرفه ؛ أن يصلح للعمل ضمن فريق، في إنسان يتنافس لا يتعاون.
الأستاذ علاء:
كنا نود أن نستمر نسأل الله عز وجل أن يمكننا من أن نكمل هذه الأبحاث الرائعة والجميلة، والتي تفيدنا في حياتنا اليومية الاجتماعية والاقتصادية وفي علائقنا مع بعضنا.
الدكتور راتب:
لكن كلمة واحدة الأسلوب التربوي الفعال في تربية الأولاد أن تكون قدوة لهم.
خاتمة وتوديع:
الأستاذ علاء:
لا يسعني في نهاية هذه الحلقة إلا أن أشكر فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة على كل ما قدم وشرحت، وإن شاء الله نتمم موضوعنا في حلقات قادمة.