وضع داكن
27-04-2024
Logo
البيع - الدرس : 3 - البيوع المحرمة2- بيع النجس والمتنجس
  • الفقه الإسلامي / ٠6العبادات التعاملية
  • /
  • ٠4البيع
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الدين المعاملة :

 أيها الأخوة الكرام، بدأنا في الدرس الماضي الحديث عن أنواع البيوع المحرمة، و وعدتكم أن أتابع هذا الموضوع في هذا الدرس، وما اخترت لكم موضوع البيوع إلا لأن كل إنسان كائن من كان لابد من أن يبيع أو يشتري، فإذا صحّ بيعه وصح شراؤه، واستقامت وجهته إلى الله سبحانه وتعالى، لأن الدين كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في التعبير الجامع المانع: الدين المعاملة.
 ذكرت هذا كثيراً من قبل أن هنالك عبادات تعاملية، وهناك عبادات شعائرية، فالصلاة والصوم والحج عبادات شعائرية، والبيع والزواج والطلاق عبادات تعاملية، فإن صحت عباداتك التعاملية صحت عباداتك الشعائرية، بل إن النبي عليه الصلاة السلام حينما قال:

(( بُنِيَ الإسْلامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وإقامة الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ ))

[البخاري عن عبد الله بن عمر ]

 يستفاد من هذا الحديث أن العبادات شيء والإسلام شيء آخر، الإسلام بناء أخلاقي، الإسلام صدق، الإسلام أمانة، الإسلام إنصاف، الإسلام تواضع، حب، إخلاص، إقبال على الله عز وجل، هذا الإسلام، دعائمه الصلوات والصيام والحج والزكاة، بني الإسلام على خمس فما لم تصح هذه العبادات التعاملية لا تصح العبادات الشعائرية، وكنت قد ضربت المثل التالي، العبادات التعاملية عام دراسي، والعبادات الشعائرية الامتحان ثلاث ساعات، العام الدراسي تسعة أشهر، دراستك وحفظك ومراجعتك تتبدى في هذه الساعات الثلاثة، فإن لم تصح الدراسة لا يصح الامتحان، إن لم تجتهد في أثناء العام الدراسي لا معنى للامتحان، فهذه النقطة تغيب عن معظم المسلمين، يتوهمون أن الدين أن تصلي، الدين أن تصدق، فإن صدقت تصلي، الدين أن تكون أميناً فإن كنت أميناً تصلي، الدين أن تكون منصفاً، فإن أنصفت الناس تصلي، أما أن تظن أن الصلاة شيء منفصل عن الدين فهذا ما أوقع معظم المسلمين في أكثر بقاع المسلمين بعمل خطير هو فصل الدين عن الحياة، يصلي ويصوم ويحج فإذا دخلت إلى بيته لم تجده بيتاً إسلامياً، الدين المعاملة، يجب أن نعنى بالعبادات الشعائرية وأن نعنى أيضاً بالعبادات التعاملية كي تصح عباداتنا الشعائرية.
 أقوى دليل في هذا الموضوع أن النجاشي لما سأل سيدنا جعفر عن الإسلام أجابه إجابةً أخلاقية، قال له: كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، بماذا أمرنا؟ بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء.

صحة العبادات الشعائرية مرتبط بصحة العبادات التعاملية :

 الدين كله حسن الخلق، الدين تواضع لله، الدين صدق، الدين أمانة، لذلك هذه أكبر نقطة، لا تصح عباداتك الشعائرية من صلاة وصوم وحج إلا إذا صحت عباداتك التعاملية، الآن طالبني بالدليل، قال تعالى:

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾

[ سورة العنكبوت: 45 ]

  فإن لم تنهَ لم تنعقد الصلاة، الدليل:

(( مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ))

[أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة ]

 الدليل:

(( من حج بمال حرام فقال : لبيك اللهم لبيك ، قال الله له : لا لبيك ولا سعديك حجك مردود عليك))

[الأصبهاني في الترغيب عن أسلم مولى عمر بن الخطاب ]

لو أنفقت زكاة مالك ولم تكن مستقيماً، قال تعالى:

﴿قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ﴾

[ سورة التوبة: 53]

 هذه الزكاة، والصيام، والحج، والصلاة، من هو المفلس النبي الكريم سأل أصحابه:

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ))

[ مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

 و:

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: هِيَ فِي النَّارِ، قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّ فُلانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلاتِهَا وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالأثْوَارِ مِنَ الأقِطِ وَلا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا قَالَ: هِيَ فِي الْجَنَّةِ ))

[ أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

 وأن السيدة عائشة رضي الله عنها ذكر لها عن أحد الأصحاب الذين وقعوا في مخالفة كبيرة في البيع والشراء، قالت: قولوا له إنه أبطل جهاده مع رسول الله.

ديننا أخلاق واستقامة وإخلاص وصدق :

 أخواننا الكرام، كلام دقيق وخطير، ديننا معاملة، ديننا أخلاق، ديننا استقامة، ديننا إخلاص، صدق، فإن طبقت العبادات التعاملية صحت عباداتك الشعائرية، والشيء الدقيق أنك إذا طبقت العبادات التعاملية وجدت الطريق سالكاً إلى الله، من السهل أن تقبل على الله، من السهل أن تتصل به، من السهل أن يخشع قلبك له، من السهل جداً أن تشعر بحلاوة الصلاة، وحلاوة الإقبال على الله لأن عملك طيب، يدك نظيفة، وجوارحك منضبطة، بيتك إسلامي، وعملك إسلامي، فالطريق إلى الله سالك.
 إذا الإنسان اعتاد أن يسلك إلى الله، اعتاد أن يتصل به، يكون عنده ميزان حساس جداً، لمجرد أن يقع في مخالفة تعاملية يشعر أن حجاباً كان بينه وبين الله، قال تعالى:

﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾

[ سورة القيامة: 14-15 ]

 لو أنك كذبت كذبةً واحدة قم وصلِّ، المقياس هو الصلاة، النبي عليه الصلاة والسلام قال: الصلاة ميزان.
 فمن وفى استوفى، من وفى الاستقامة حقها استوفى من الصلاة ثمراتها، الصلاة ميزان، قال تعالى:

﴿ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾

[ سورة آل عمران: 61 ]

 اجعل ميزانك الصلاة، إذا فعلت شيئاً وقمت إلى الصلاة فشعرت أن بينك وبين الله حجاباً هذا الشيء غلط، هذه فطرتك، قال تعالى:

﴿ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾

[ سورة الشمس: 8 ]

 النفس إذا فجرت تعلم أنها فجرت وتحجب عن ربها، والنفس إذا استقامت تعلم أنها استقامت وتتصل بربها، أي المنطلق في هذه الدروس دروس البيوع أنه إذا صحت معاملاتك صحت صلاتك، وأي إنسان - وصدقوا ما أقول- يدّعي أنه موصول بالله وليس مستقيماً على أمره فهو كاذب، لأن الله طيب ولا يقبل إلا طيباً، الله عز وجل كماله مطلق لعلك ترى قوياً يتقرب إليه المتقربون بولائهم وإعلان ولائهم وهم ليسوا مستقيمين، الإنسان لا يعلم.

العبرة أن يصل الإنسان إلى الله :

 إنسان سلم عليك سلاماً لطيفاً، احترمك احتراماً تحبه، لا تعلم ماذا يعمل لكن الله يعلم، أنت بإمكانك أن تتقرب إلى إنسان تراه عظيماً ولو لم تكن مستقيماً، لكنك لم تستطع أن تتصل بالله، ولا أن تنال منه شيئاً إن لم تكن كاملاً، فلذلك لا أحد يقول في نفسه: أنا أضع عقبات تعجيزية والله من أجل أن نوفر أوقاتنا، وأن نربح أنفسنا، ما لم تكن طيباً فالله لا يقبلك، ما لم تكن مستقيماً فالله لا يتجلى عليك، ما لم تكن صادقاً أميناً فالله لا يوفقك، العبرة أن تصل إلى الله، أي أية وسيلة اسلكها والعبرة أن تصل إلى الله، ولن تصل إليه إلا بطاعته، ولن تصل إليه إلا بالإحسان إلى خلقه، ولن تصل إليه إلا إذا كنت كاملاً، يمكن أن تغلط ممكن، لكن ولي الله لا تضره معصية بمعنى أنه لا يصر عليها يتوب منها سريعاً، سرعان ما يتوب منها، سرعان ما يستغفر، المؤمن مذنب تواب، أنا لا أقول إنكم معصومون، أما الذي يريد أن يصر على معصية فهذا محجوب، لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال:

(( لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع استغفار ))

[ أخرجه الحارث عن أبي هريرة وعبد الله بن عباس ]

الدين معرفة بالله وطاعة له :

 أنا سمعت أو قرأت في كتب الفقه أن أهل بلدةٍ لو اتفقوا على أن يلغوا الأذان لحوربوا، يمكن أن ينسوا الأذان أما إذا اتفقوا على أن يعطلوا شعيرة من شعائر الله ما داموا قد أصروا على هذه المعصية فهم حجبوا عن الله عز وجل.
 النقطة الثانية الإنسان متى يحتاج الإنسان إلى الفقه؟ حينما يشعر أنه في أمس الحاجة إليه، حينما يعرف الله، بعد أن تعرفه تريد أن تتقرب إليه، ما من طريق أقرب إلى الله من طاعته.
ما تقرب المتقربون إلا بطاعة الله، ما تقرب العباد إلى الله بأحب ما افترضه عليهم، فأنت حينما تعرف الله، وترجو ما عند الله، تسأل ما حكم الله في هذا؟ أقول لكم أيها الأخوة: المؤمن الصادق شغله الشاغل أن يتحرى أمر الله وأن يطبقه، أي إذا صحّ أن نقول عرف الله لا أقول عرفه المعرفة الكاملة، أقول عرفه معرفة لا بأس بها، عرفه معرفة دفعته إلى الطاعة، عرفه معرفة حملته على الطاعة، إن وصلت إلى هذه المعرفة يجب أن تبحث عن أمره ونهيه، لأنك إن عرفته لابد من أن تتقرب إليه، أنت لاحظ نفسك لو إنسان من بني البشر وجدته متألقاً في نظرك، تألق علمي، تألق أخلاقي تحب أن تتقرب إليه، أحياناً تدعوه إلى وليمة، أحياناً تقدم له هدية، أحياناً تزوره، أحياناً تطلب منه الدعاء، كل واحد منا إذا رأى شخصاً كبيراً يتقرب منه ولله المثل الأعلى إذا أنت وجدت عظمة الله، ورحمة الله، وقدرة الله، وتربية الله، وأردت أن تتقرب إليه ماذا تفعل؟ بطاعته، أي إنسان عرف الله المعرفة الصحيحة يجد نفسه مندفعاً إلى طاعة الله، كيف أطيعه؟ لابد من معرفة أحكامه، فلذلك النبي عليه الصلاة والسلام بقي سنوات طويلة في مكة يرسخ الإيمان أما عندما انتقل إلى المدينة نزل التشريع، فالمؤمن بعد فترة طويلة من معرفة الله والتفكر في آياته والتأمل في أسمائه الحسنى الآن يشعر بحاجة جديدة إلى معرفة أوامره ونواهيه، فالدين معرفة بالله وطاعة له، طاعته أي أوامره، من هنا انطلقنا من موضوع البيوع، هناك بيوع محرمة.

بيع النجس والمتنجس :

 الآن البيع المحرم الثامن بيع النجس والمتنجس، فلا يجوز شرعاً بيع النجس كالخمر والخنزير والميتة، ما معنى كلمة نجس؟ أي عينه نجسة، فالميتة نجسة، والخنزير نجس، والخمر نجس، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾

[ سورة المائدة: 90 ]

((عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَالْمُشْتَرِي لَهَا وَالْمُشْتَرَاةُ لَهُ ))

[الترمذي عن أنس]

فلا يجوز شرعاً بيع النجس كالخمر والخنزير والميتة، ولا بيع المتنجس الذي لا يمكن تطهيره كزيت إذا تنجس، والسمن المائع، السمن والعسل ونحوه، في الشتاء إذا وقعت بالسمن فأرة، والسمن جامد يمكن أن تقطع من كتلة السمن شيئاً حول الفأرة أما السمن السائل أو الزيت إذا سقط فيه ما ينجسه فلا يجوز بيعه.
 أما ما يمكن تطهيره كالثوب والطعام اليابس فيغسل، ويجوز بيعه بشرط أن يخبر البائع المشتري بما أصاب سلعته حتى يسلم من خصلة الغش الذي هو من الكبائر.

كلّ شيء غير طاهر محرم بيعه :

 مرّ معنا أن الغش من الكبائر، فلا يجوز بيع النجس من الخمر والخنزير والدم، كما أنه لا يجوز بيع المتنجس الذي لا يمكن أن يطهر، أما إذا كان جافاً فبإمكانه أن يطهر، من أجل أن تخرج من الغش ينبغي أن تخبر الشاري، الشافعية استثنوا من ذلك ما إن باع الإنسان داراً مبنية بآجر نجس، أو دار مسمدة بذبل هذا يصح عند السادة الشافعية، بل إن جمهور العلماء يعد أن الطهارة شرط في صحة الانعقاد، الأصل أن كل شيء غير طاهر محرم بيعه، النبي عليه الصلاة والسلام قيل له:

(( عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالأصْنَامِ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ فَقَالَ: لا هُوَ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ ))

[متفق عليه عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْد ِاللَّهِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا]

 على أنه لا يجوز بيعه، ويجوز الانتفاع به، بقية العلماء لا يجوز بيعها ولا الانتفاع بها، هذا بيع محرم، بيع النجس والمتنجس، البيع المحرم أيضاً بيع ما لا يقدر على تسليمه، تبيع شيئاً ولا تقدر على أن تسلمه، كمن يبيع الطير في الهواء، والسمك في الماء، والحيوان الشارد الغائب، استثنوا من ذلك خلايا النحل لأنها لو خرجت تعود إلى الخلية قطعاً، ممكن للإنسان أن يبيع خلية نحل والنحلات في الحقول، لأن هذا النحل لابد من أن يأوي إلى خليته مساءً، وهناك كلمة سر إن لم تذكرها النحلة تقتل، لا يمكن أن تدخل نحلة إلى غير خليتها، نظام لا يصدق.
 وما دمنا قد تحدثنا عن النحل فهناك شيء لا يصدق في النحل، هناك نحلات مستطلعات تذهب للتعرف على أماكن الرحيق بالزهر، تعود وتخبر النحلات برقصات، هذه الرقصات تخبر بها النحلات عن المسافة بينها وبين حقل الزهور، وعن جهة حقل الزهور، وعن كثافة حقل الزهور.

لا يجوز للمكلف أن يبيع ما لا يقدر على تسليمه :

 والدليل على أنه لا يجوز للمكلف أن يبيع ما لا يقدر على تسليمه ما رواه الإمام مسلم وأبو داود والترمذي:

(( عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: َأْتِينِي الرَّجُلُ يَسْأَلُنِي مِنَ الْبَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدِي أَبْتَاعُ لَهُ مِنَ السُّوقِ ثُمَّ أَبِيعُهُ قَالَ: لا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ ))

[أبو داود والترمذي عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ]

 حدثني أخ كان حديث عهد بالتجارة ولم يتفقه بأصول التجارة، قال: خرجت إلى حمص، هو تاجر أقمشة وجد مسطرة قماش جيدة في حمص فحملها وانطلق بها إلى مدينة أخرى وباعها هناك بسعر جيد جداً، عاد ليشتريها ويبيعها البضاعة بيعت، فاضطر أن يشتريها بأغلى مما باعها لأنه خالف توجيه النبي عليه الصلاة والسلام:

((... لا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ ))

[أبو داود والترمذي عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ]

أي لا تبع ما ليس في ملكك وقدرتك على تسليمه، يوجد استثناءات بسيطة الإنسان أحياناً يبيع الصوف الذي على غنمه هذا بيع السلم مستثنى، لا تبع شيئاً حتى تحوزه إلى رحلك، والقضية لها تفاصيل كثيرة جداً، طبعاً لو طبقنا هذا الحديث ألغينا ما يسمى بيع المضاربات، كميات كبيرة في أراضيها تباع وتشترى مئات المرات، وكلما بيعت واشتريت ارتفع سعرها، فحينما لا تنوي شراء البضاعة ونقلها إلى مستودعك تكون أقرب منك إلى المقامرة لا إلى المتاجرة، حينما تشتري وتبيع وليس في نيتك أن تستقدم البضاعة إلى مستودعاتك النية ليست إذاً أن تأتي ببضاعة وأن تبيعها للمسلمين وأن تحل بها مشكلاتهم، النية أن تربح عن الطريق البيع والشراء والبضاعة في مكانها، هذا بيع المضاربة ينتهي، طبعاً يوجد استثناءات بسيطة ليس هنا مجال لذكرها.
 أحياناً تكون البضاعة في طريقها إليك تعرض أنت مساطرها فالشاري بالخيار إذا جاءت، من لم يشترِ ما لم يرَ له الخيار إذا رأى، لكن البضاعة في طريقها إليك، أما إذا كانت البضاعة لا تنوي أن تستقدمها إطلاقاً، لا تنوي أن تنقلها إلى رحلك، تبيع وتشتري، والبضاعة في مكانها، هذا كما قلت قبل قليل أقرب إلى المقامرة من المتاجرة، والإنسان إذا اشترى بضاعة وحازها إلى رحله، النية أن يبيعها، وإذا طرحها في السوق حلت أزمة وانتفع الناس بها، وانتفع هو ببيعها، فهدم التجارة ألا تستقدم البضاعة وأن تبيعها للناس، فهذه مقامرة لذلك هذا يسمونه بيع المضاربات وبيع المضاربات يرفع الأسعار ولا ينتفع الناس.

بيع المضاربات :

 مرت فترة القيم الثابتة ارتفعت ارتفاعاً مذهلاً، السبب هذه الأرض تباع وتشترى عشرات المرات دون أن تعمر، هذا البيت على العظم يباع ويشترى إلا أن يبلغ سعراً غير معقول، لا أحد سكنه، هذا الذي يشتري ويبيع دون أن يفعل شيئاً هذا يسهم في رفع الأسعار دون أن يدري، هذا سماه العلماء بيع المضاربات، النبي حسمه بهذا الحديث، "... لا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ ".
 مرة ثانية أقول لكم: أنا لا ألقي تفاصيل بالفروع أو بفروع الفروع، كل موضوع إذا أردت أن تصل إلى أدق تفاصيله هناك كتب بالفروع، أنا أعطيكم أصول هذا الموضوع، أما كل شيء ففيه تفاصيل واستثناءات وتوجيهات واجتهادات.

تحريم بيع الغرر :

 بيع الغرر، بيع الغرر أيضاً محرم، من البيوع الفاسدة، وهو أيضاً بيع ما لا يعلم قدره ولا صفته، لا تعرف ما قدره ولا صفته، تبيع وتشتري، يكون في الغالب مبنياً على الغش والخداع، روى مسلم والترمذي وأبو داود:

(( نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ ))

[مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 كان العرب في الجاهلية يمسك أحدهم حصاة ويلقيها فحيثما وصلت تكون حدود الأرض، إذا إنسان رياضي يأخذ أربعة أمثال الغير رياضي معنى هذا أن هذا الشيء أصبح مقامرة.
 مرة قال لي أخ اشترى أرضاً: أخذني صاحب الأرض ليريني إياها، أرض رائعة جداً، أرض منبسطة مطلة على سهل جميل، سعرها معتدل، فاشتراها بعد ذلك كان عرضها ثلاثاً وعشرين متراً وطولها مئة وستة وثمانين متراً، هذا بيع الغرر، صاحب الأرض أوهمه أن الأرض منبسطة وهي شريط، ما طلب مخططات، ما طلب حدوداً، بيع الغرر شيء غير معروفة مساحته، أو شيء معروفة مساحته وأبعاده غير معروفة، تأخذ أرضاً ضيقة.
 يروون أن إنساناً كثير الكذب وعنده عبد كلما كذب يكذبه العبد، فانزعج منه انزعاجاً كبيراً، اشترى له عباءة وقال له البسها و اسكت، قال هذا الرجل: أنا عندي أرض من هنا إلى بيروت - أحد كذباته- هذا العبد لم يتحمل خلع أول كم، فقال: لكن عرضها متر، فقالوا له: معقول؟ فقال لهم: هذا ضيقها عليّ، كنت سوف أعرضها.
 الغرر أي الشيء الغير واضح، لا كميته، ولا أطواله، ولا أبعاده، وكل إنسان يحب أن يغش لا تفهم منه شيئاً، أتركها لله بنصيبها، الآن انتظر، لا يعطيك معلومات دقيقة لأنه ينوي أن يغشك لذلك قالوا: الجهالة تفضي إلى المنازعة.
 اطلب الكمية والنوعية والسعر والتسليم وطريقة الدفع، اتفقوا عليها و وقعوا ، أما كل شيء فيه جهالة فمشكلة، كانوا في الجاهلية الغواص يبتاعون منه ما يعثر عليه، ينتظرونه ولو لم يأتِ بشيء يأخذ مبلغاً من المال، لو جاء بلآلئ عشرة أضعاف ما أخذ يجب أن يدفعها للشاري أيضاً هذه مقامرة، بيع الغرر، وبيع الغواص يغوص ويخرج هذه الغوصة بألف، لو جاء بالصدف ولم يأت باللؤلؤة يأخذ ألفاً، لو جاء بلآلئ قيمتها عشرة آلاف يأخذ ألفاً، هذا أيضاً بيع الغرر.

 

بيع البخت :


بيع البخت، أي بهذه السلعة هدية ثمينة قد تكون وقد لا تكون وما أكثر هذه الآن، أحياناً يشتري الطفل مئة علبة لا ليأكل ما فيها بل من أجل الهدية، دفعنا الأب ثمن مئة قطعة، قالت أم: إن ابنها يشتري ويلقي في المهملات يهمه الصورة، صار هناك تبديد للأموال، هذا بيع البخت، تشتري شيئاً لا تعلم ما إذا كان فيه هدية أو لا يوجد هدية، هم يضعون في كل عشرة آلاف هدية واحدة يصبح الشراء الهدف منه البحث عن الهدية، هذا بيع البخت أيضاً في الشرع محرم.
 كل هذه الأنواع أقرب إلى المقامرة من التجارة، وهو نوع من أكل أموال الناس بالباطل، الإمام النووي يقول: بيع الغرر النهي عن بيع الغرر أصل من أصول الشرع يدخل تحته مسائل كثيرة جداً .

بيع النجش :

 بيع النجش بيع محرم أيضاً، ما بيع النجش؟ أن تشتري أنت شراءً خلبياً بسعر مرتفع من أجل أن تقنع إنساناً مغفلاً، هذه يفعلها بعض التجار، يأتي إنسان يطلب سلعة يعطيه السعر يجدها غالية الثمن، فيقول رجل: أنا أخذها وهذا السعر، الأول تعلق بها يشتري الثاني شراء خلبياً صورياً من أجل أن يقنع الأول بشراء هذه السلعة.
 يوجد رجل متفق مع الصانع، يدخل شخص ويرى كنزة بكم هذه؟ يقول له: معلمي بكم؟ فيذكر المعلم رقم مثلاً مئتا ليرة .
 وقد روى الترمذي وأبو داود:

((لا تَنَاجَشُوا ))

[الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 هذا البيع بيع التناجش بيع خلبي بيع تمثيلي، مثل ذلك مثلاً محضر يباع بالمزاد العلني، للمحضر مئتا مالك لم يتفقوا، المحضر يباع بالمزاد العلني، أحياناً يدخل عشرة متفقين والعشرة يمثلون واحداً يزيدون شيئاً بسيطاً، يبدأ المحضر بمليونين، يقول أحدهم: مليونين وخمسين ألفاً، يصعد الثاني خمسة آلاف، عشرة آلاف، يستقر مثلاً على مليونين وخمسمئة، والمحضر ثمنه أربعة ملايين، هذا البيع فيه تمثيل، طبعاً هذا البيع فيه مزاودة قليلة جداً، إنك إن تكلمت شيئاً لا تقصده باتفاق مسبق فهذا ينطوي تحت بيع النجش، وقد قال عليه الصلاة والسلام:

(( لا تَنَاجَشُوا ))

[الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

بيع الثمر :

 والبيع المحرم الآخر بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه، أي الضمان ينبغي ألا يشتري ثمراً يمكن أن يصاب بالصقيع، بعد أن ينجو من الصقيع ويبدو صلاحه، العنب يسود والحب يشتد بدا صلاحه يشتري، أما أن تشتري قبل أن يظهر صلاحه، لو أصابته آفة سماوية لو جاءه صقيع وتلف الثمر فتنشأ منازعة، يقول الشاري للبائع تريد أن تأخذ مالي لم أجنِ شيئاً من مزرعتك، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال:

((لا تَنَاجَشُوا ))

[الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ] 

((نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهَا نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُبْتَاعَ))

 

[متفق عليه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا]

 وفي لفظ آخر:

(( عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَهَى عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ وَعَنِ السُّنْبُلِ حَتَّى يَبْيَضَّ وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ ))

[متفق عليه عَنِ ابْنِ عُمَرَ]

((لا تَبْتَاعُوا الثِّمَارَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهَا ))

[متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

((نَهَى عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ وَعَنْ بَيْعِ الْحَبِّ حَتَّى يَشْتَدَّ ))

[متفق عليه عَنْ أَنَسٍ]

 لذلك إذا بعت الثمر قبل أن ينجو من الآفة السماوية وقبل أن يبدو صلاحه فهذا بيع فيه غرر، قد يصاب بآفة سماوية وقد تنشأ مشكلة كبيرة بين البائع والشاري.
 طبعاً كل ثمرة، وكل صنف من الثمار له صلاح خاص، الحب يشتد، العنب يسود، هناك شيء يصفر، يخضر، يبيض، كل ثمرة لها صلاح خاص، هذه تابعة إلى العرف.

صلاح البال يحتاج إلى طاعة لله :

 أنا الذي أجده أن كل هذه الأحكام الفقهية لها هدف واحد أن تنتظم الحياة بين البشر كي يتفرغ البشر إلى عبادة الله، الآن كل قضية تدخل مع إنسان بخصومة ست سنوات أو سبع في القضاء كل هذه السنوات تحطم الأعصاب، بسبب متابعة القضايا والدفع، والإنسان عمره أصغر من أن يضيعه في خصومات كان في غنى عنها، قلت لكم مرة سيدنا معاوية سأل سيدنا عمرو بن العاص وكان من دهاة العرب، قال: يا عمر ما بلغ من دهائك؟ قال: والله ما دخلت مدخلاً إلا وأحسنت الخروج منه، قال: لست بداهية، أما أنا والله ما دخلت مدخلاً أحتاج أن أخرج منه.
 أنت من أجل أن تعبد الله، وأن تصفو نفسك، أخواننا الكرام سلامة الصدر وراحة البال شيء ثمين جداً، فكل إنسان يفرط، لا يسجل عقد شراكة، لا يأخذ إيصالاً والمبلغ يذهب جزافاً، يتألم أشد الألم، دخل في متاهات القضاة والمحامين، والأمل، والتوقع، والخوف، دمرت حياته النفسية، لذلك تطبيق الشرع من أجل أن يتفرغ قلبك لمعرفة الله، لهذا ربنا جل جلاله رفع صلاح البال إلى مستوى الهدى، قال تعالى:

﴿ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ﴾

[ سورة محمد: 5]

 صلاح البال يحتاج إلى طاعة لله، أطع الله عز وجل، طبق شرعه لا تقع في مشكلة، يبدو أنه ما من مشكلة في الأرض تقع إلا بسبب مخالفة لمنهج الله هذا يبدو جلياً واضحاً، يبدو أن أي مخالفة لمنهج الله بسبب الجهل، فنحن عدونا الأول هو الجهل، وعلاجنا في العلم نتفقه، لو دخلت إلى قصر العدل لوجدت كل الدعاوى التي تعد بالألوف بعشرات الألوف سببها مخالفة قواعد الشرع.
 حتى في الزواج كل إنسان يرغب أن يجلس مع خطيبته فترة طويلة بلا عقد حتى يجربها ويمتحن أخلاقها، لو أنه وقع الذي يخشى أن يقع ثم اختفى الخطيب ماذا تفعل؟ على القضاء صار في البيت كارثة، فكل إنسان يتساهل في أمور الشرع يدفع الثمن باهظاً، دائماً الإنسان الأحوط يطبق قواعد الشرع.

البيوع المحرمة :

 فبدا لنا الآن أن بيع الثمر قبل بدو صلاحه بيع محرم، وأن بيع النجش بيع محرم وأن بيع الغرر بيع محرم، وأن بيع ما لا تقدر على تسليمه بيع محرم لأنه أقرب إلى المقامرة، وأن بيع النجس والمتنجس بيع محرم، وأن بيع الصبي، وبيع من خف عقله هذا في الدرس الماضي بيع محرم، وبيع المضطر، وبيع المجنون، وبيع الهازل، بيع التلجئة، وبيع المكره كل هذه من البيوع المحرمة، لهذا قال سيدنا عمر: "تفقهوا قبل أن تدخلوا الأسواق فمن دخل السوق قبل أن يتفقه أكل الربا شاء أو أبى"، وقع في ربا، أو في غبن، غرر وهذه من ضرورات البيع والشراء، الإنسان يسأل، قال تعالى:

﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة النحل: 43]

﴿ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ﴾

[ سورة الفرقان: 59]

 والله سبحانه تعالى أمرنا أن نسأل، أنت عندك مسؤولون، إنسان يعرف الله اسأله وإنسان يعرف أحكامه، أو يعرف الله ويعرف أحكام الشرع، وإنسان يعرف أمور الدنيا فاستشر واستخر، اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك.

الاستشارة و الاستخارة :

 أي موضوع الاستشارة والاستخارة وإن كان بعيد عن درسنا مهمة جداً، أنت تنقصك المعلومات تأخذها من شخص يجتمع فيه خصلتان الإخلاص والخبرة، فأنت مكلف أن تستشير أولي الخبرة من المؤمنين وصلت إلى معلومات الآن تخاف أن يكون هناك معلومات غابت عنك، الآن تستخير الله بعلمه، تستخيره بقدرته، لأنك يا الله تعلم وأنا لا أعلم، وتقدر وأنا لا أقدر، إن كان في هذا الأمر صلاح لي في ديني ودنياي وعاقبة أمري فقدره لي، وإن لم يكن لي فيه صلاح في ديني ودنياي وعاقبة أمري، فاصرفني عنه واصرفني عنه، وقدر لي الخير حيث شاء، هذه الاستخارة والنبي قال:

(( ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار ))

[أخرجه الطبراني عن أنس بن مالك ]

استشر المؤمنين الخبراء واستخر رب العالمين، والاستخارة شيء مهم جداً لأن الله رب العالمين يرى هذا العبد يصلي ركعتين، ويدعو بهذا الدعاء، ويفوض أمره إلى الله، جواب الاستخارة إن رأيت التيسير فتابع الأمر، إن رأيت التعسير فقف، لأن جواب الله عز وجل تيسير أو تعسير، إن كان الأمر فيه صلاح لك فتيسير، ما فيه صلاح لك فتعسير.

 

المؤمنون أمرهم شورى بينهم :

 الإنسان إذا اتصل بالله أصبحت قدراته مفتوحة، أما إذا انقطع عن الله فأصبحت قدراته مغلقة، أنت إن كنت مع الله موصولاً استعنت بعلمه، واستعنت بحكمته، واستعنت بتوفيقه وبنصره، بتأيتده، أما الإنسان إذا كان بعيداً عن الله عز وجل فقدراته محدودة، وقد تكون متضائلة، وقد تكون موهومة، يقع في شر عمله، والإنسان كما قال عليه الصلاة والسلام:

(( عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ خَطَبَ النَّاسَ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَقَامِي فِيكُمْ فَقَالَ: اسْتَوْصُوا بِأَصْحَابِي خَيْرًا ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَبْتَدِئُ بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا فَمَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ بَحْبَحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الاثْنَيْنِ أَبْعَدُ لا يَخْلُوَنَّ أَحَدُكُمْ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا وَمَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ))

[أحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ]

 أجمل شيء أن المؤمنين قد وصفوا الله أن أمرهم شورى بينهم، وأن الله سبحانه وتعالى أمر النبي عليه الصلاة السلام فقال:

﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾

[سورة آل عمران:159]

 أنت عود نفسك أن تستشير لأنك إذا استشرت الرجال استعرت عقولهم، استشر أولي الخبرة من المؤمنين، ثم استخر الله عز وجل، وهذه أحكام الشريعة. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور