وضع داكن
28-03-2024
Logo
الدرس : 1 - سورة الجن - تفسير الآية 13 ، جزاء الاستقامة على أمر الله
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الكرام، الآية الثالثة عشرة من سورة الجنّ، وهي قوله تعالى حِكايَةً على لِسانِ الجنّ:

 

﴿وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا(13)﴾

 

[ الجن: الآية 13 ]

 أيْ لا يخافُ أنْ يُغْلب ولا يخاف أنْ يُجْهَد، لن يرْهَق، ولن يُظلم ؛ هذا كلامُ الله عز وجل، فإذا آمنْتَ بالله واسْتَقَمْتَ على أمْره لا يُمكن أنْ يكون العاصي أنْجَحَ منك، ولا أفْلح منك، ولا أشَدَّ فَوْزاً منك، ولا أعْقَلَ منك إنَّكَ إنْ آمنْتَ بالله عز وجل لن يُضَيِّعَ عملك، قال تعالى:

 

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ (8)﴾

 

[ الزلزلة: الآية 7-8 ]

 عملك محْفوظٌ، والأعمال الصالحة مهما دَقَّتْ لها حِسابٌ دقيق عند الله والأعمال السيِّئَة مهما صغُرتْ لها حسابٌ دقيق عند الله، مركز الثِّقل في الآية ؛ فلا يخاف بخْساً ؛ أنْ يُبخس حقُّه ولا يُعْطاه، وأن يكون في المؤخِّرة، وأنْ يكون قد أطاع الله وخَسِر ؛ هذا مُسْتحيل ! كُلُّ شيءٍ ضَحَّيْتَ من أجْله يُضاعِفُه الله لك أضْعافاً كثيرة قال تعالى:

 

﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)﴾

 

[ البقرة: الآية 245 ]

 أرَدْتَ الزواج من فتاةٍ مُتَفَلِّتة رائِعَةُ الجمال، وفتاةٌ مُلْتَزِمة أقلّ منها جمالاً فأنت اِخْتَرْتَ الأقلّ لِدينها، الله عز وجل يُعَوِّضُك عن الفَرْق في الجمال طِيبٌ ووفاءٌ وخيرٌ وأوْلادٌ نُجباء، وحياة مُسْتَقِرَّة وهُدوءٌ نفْسي لا يعْلمه إلا الله، أما لو آثَرْتَ حظَّ نفْسك واخْتَرْتَ البارعة في الجمال مع رِقَّةٍ في دينها فقد يكون البيتُ جحيماً، وقد يكون الشِّقاق مُستَمِراًّ وقد تكون النتائِج على خِلاف التَّوَقُّعات ؛ مُستحيل أنْ تُؤثِرَ جانب الله عز وجل في أيِّ شيء عُرِضَ عليك عملٌ بِدَخْلٍ كبير إلا أنَّهُ مشْبوه فقد تكون البِضاعة مُحَرَّمة أو الأساليب مُحَرَّمة، أو هذا العمل في جُمْلَتِهِ لا يُرْضي الله عز وجل، أو اخْتَرْتَ عملاً أقَلَّ دخْلاً لكنَّهُ صحيح وفيه خير للناس فحينما اخْتَرْتَ الأقلّ دخْلاً مؤْثِراً طاعة الله عز وجل وخِدْمَةَ عباده ينْبغي أنْ لا تخاف أنْ يبْخَسَكَ الله حقَّك، هذا الدَّخْل القليل فيه بركَةٌ كثيرة وفيه رِضْوان الله تعالى، ثمَّ يُعَوِّضُ الله عليك ما فاتك أضْعافاً مُضاعَفَة، أردتُ أنْ أقف على هذه الآية ؛ فمن يؤمن بربِّه فلا يخاف بخْساً أنْ يُبْخسَ حقُّه وأنْ يُؤخذ من حقِّه ولا يُظلم، ولا رَهَقَاً أنْ يُحَمِّله الله ما لا يُطيق لأنَّ الله تعالى لا يُكَلِّفُ نفْساً إلا وُسْعها بل إنَّ الله تعالى يُعينك على طاعَتِه ألا تقول في كُلِّ صلاة إياك نعبد وإياك نسْتعين ؛ أنت إنْ أردْتَ الطاعة وَفَّقَك الله إليها وإنْ أردتَ إنْفاق المال أعْطاك مالاً لِتُنْفِقَهُ، وإن أردتَ مُعاوَنَة الخلق ألْهَمَك فالفِعْلُ فعلهُ والطلب طلبك، تطلب الخير فَيَخْلُق الله لك الخير ويُنْسِبُه إليك أخٌ من إخْواننا له ابن عَمٍّ مُوَظَّف تُوُفِّيَ رقيق الحال فَدَخَل إلى بيْتِهِ وهو مُسَجًّى ؛ يُغَسِّلونه فقال لأولاده: أَعَلى أبيكم دَيْن، قال: نعم، فقال: والله اسْتَحْييْتُ أنْ أقول كم الدَّيْن ؟‍ تَوَقَّعْتُهُ ما بين العشرة والثلاثين، في اليوم التالي سألْتُ عن حجْم الدَّيْن فإذا هو مائة وثلاثون ألْفاً، فقال لي: والله دَفَعْتُها بالتمام والكمال وطِيبِ قلْب إلا أنَّني فوجِئتُ فقال لي يوم السبْت - هو دفع الخميس المبْلغ - اِتِّصالات للمعْمَل غير معْقولة بحيث أنَّهُ كان ربْحُه الصافي من تلك المبيعات مائة وثلاثين ألْفاً، وكانت الأسْواق جامدة ؛ قال تعالى:

 

﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)﴾

 

[ البقرة: الآية 245 ]

 هل تتصدّق ثمّ تخْسر ؟ تغضّ البصر ثمّ يذهَب عنك ما رأيْت ؛ يمْنحُهُ مما نظر ‍‍!! لك الله عز وجل،الذي يقول أن في الجنة من الحور العين ممَّا لو أطلَّت إحداهنَّ على الأرض لغلب نورُ وجهها ضوء الشمس والقمر، فلئن أُضَحِّيَ بكِ من أجلهن أهون من أن أُضحِّيَ بهن من أجلكِ، هؤلاء الذين يستعجلون حظوزهم في الحياة الدنيا ؛ أذهبوا طيِّباتهم في الحياة الدنيا واستمتعوا بها ؛ وفي الآخرة ما لهم من خلاق،أما الذي كان وقَّافًا عند حدود الله و غضَّ بصره عن محارم الله، لم يملأ عينه من الحرام و لم يملأ جيبه من الحرام، لم يكذب من أجل أن يأخذ المال الكثير، هذا حال معظم المسلمين، يُمتِّعون أسماعهم بالغناء و أبصارهم بالمناظر التي لا تُرضي الله، سمعتُ البارحة خبرًا مُضحكاً ؛ أحد أعضاء مجلس الشعب بمصرَ قدَّم عريضة من أجل تأخير البرامج الكوميدية لوقتٍ متأخِّرٍ حتَّى يراها، سبحان الله !! حريصون على هذه المناظر والتسليات و هذه البرامج و هذه المسلسلات أكثر من حرصهم على صلاة التراويح، لذلك ما ترك عبدٌ شيئاًله إلا عوَّضه الله خيرًا منه في دينه ودنياه وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ

﴿ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا(13)﴾

[ اجن: الآية 13 ]

 فأنت اخترتَ الطريق الصحيح، غيرك معه مائة مليون أما أنت ليس معك شيء فأنت الرابح، أقول لكم يا أيها الإخوة، في لحْظةٍ دقيقة تتَوَهَّمُ أنَّك خاسِرٌ بِطاعتك، وأنَّ الذي عصاهُ رابِحٌ فأنت لا تعْرف الله تعالى لأنَّ الله عز وجل يقول:

 

﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً (71)﴾

 

[ الأحزاب: الآية 71 ]

 معْنى ذلك أنَّك تُكَذِّبُ الله تعالى ؛ إذا رأيْتَ أنَّ طاعتك والْتِزامك خسارة وأنَّ الذي أخذ المال الحرام هو خيرٌ منك وأنَّ الذي تفَلَّت من منهج الله أرْقى منك فأنت لا تعرف الله تعالى، يجب أنْ تكون غَنِياًّ بِطاعتك ؛ كان عليه الصلاة والسلام يدْعو ويقول:" اللهمّ كما أقْررْت أعْيُنَ أهل الدنيا بِدُنْياهم فأَقْرِرْ أعْيُننا بِرِضْوانك " ذاك له أرضٌ يقول لك: لا أبيعُها ولو بمائة مليون وهذا لمع نجْمُهُ فلان وفلان يتكلَّم عن أوْلاده وشهاداته، وهذا قريرٌ بِزَوْجَته وهذا بِتِجاراته إذْ هناك من دخْلُهُ مليون باليوم، وهذا قرير بِبَيْتِهِ ، المؤمن يقول: حسْبِيَ الله ونِعْم الوكيل فأنت إذا كنت في طاعةٍ فأنت أقْوى إنْسان والمُسْتَقْبل لك، والله أيها الإخوة لو تعْلمون فَحْوى هاتَيْن الكلمتين: والعاقِبَة للمُتَّقين، هناك أشْخاص أقْوِياء وأغْنياء ؛ اُنْظر لِهؤلاء الذين عارضوا النبي صناديد وأقْوِياء وزعماء ؛ أين هم الآن ؟‍ في المزابل وأين هم أصْحاب النبي صلى اله عليه وسلَّم ؟ في أعْلى عِلِيِّين، إياك أنْ تكون في خندق المعادات للحق، لأنَّ الطرف الثاني هو الله ؛ فَمن أنت ؟! كُنْ جُندِياً للحق، ولا تعْبأ، ولو كانت درجتك في المجتمع دنِيَّة ؛ ربَّ أشعث أغبر ذي تمرين مدْفوعٍ بالأبواب لو أقْسم على الله لأبَرَّهُ، هذا مدير عام بِمَصْنع كبير، غُرْفَتَين للسكرِتارِيَّا، مكتب علاقات وسيارات، وكان له حاجب ؛ فهذا الحاجب إذا كان مُسْتقيم فظِفْؤُ هذا الحاجب قد تكون خيرٌ من في هذا المعْمل، ذهَبْتُ مرَّةً للمغْرب في مؤتمر إسْلامي مَثَّلْتُ سوريا ففي الفجْر سمِعْتُ عامل الحديقة يُصَلي الفجر بِصَوْتٍ لطيف، فقلتُ: ربما هذا العامل خير عند الله من كلِّ من في الفندق ! فأنت لا تعرف من هو أعظم شأناً عند الله ؛ لذلك الإنسان غَنِيٌّ بِطاعة الله وفقير بِمَعْصِيَته تعالى النقْطة الدقيقة:

 

﴿فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا(13)﴾

 

[ الجن: الآية 13 ]

تحميل النص

إخفاء الصور