وضع داكن
19-04-2024
Logo
الدرس : 2 - سورة الجن - تفسير الآية 15 ، حكمة الله في الرزق
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

قال تعالى : وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا.

  الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما ، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه ، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين .
 أيها الإخوة الكرام؛ الآية السادسة عشرة من سورة الجنّ وهي قوله تعالى:

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً﴾

[ سورة الجن الآية: 16]

سؤال: هل الرزق مضمون؟!!

 قد يسأل سائِل سؤال فيقول:
 هل الرِّزْقُ مضْمون؟
الجواب:
 مضْمون ومَوْزون فأصل الرِّزق مضمون ولكنَّ كَمِّيَته تتناسب مع حِكْمة الله عز وجل ، والدليل قوله تعالى:

﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾

[ سورة الشورى الآية: 27]

قد يُحْرَمُ المرء بعض الرِّزق بالمعْصِيَة، فالله سبحانه وتعالى حَرَّك الرِّزق وثَبَّتَ أشياء كثيرة لِيَسْتَقِرَّ النِّظام على الأرض...
 شُروق الشمس وغُروبها مِن مليون سنة وهي بالدقيقة يقول لك : سنة ألفين وعشرة شروق الشمس الخامسة وثلاثة دقائِق ، الليل والنهار والدَّوَران والأنظمة العامة وخصائص المواد الحديدُ حديد والذَّهب ذهب، والنحاس نحاس والفِضَّة فِضَّة، والبذْرة بذْرة، كُلُّ الخصائِص للعناصر ثابِتَة، كُلُّ خصائص البذور ثابتة، وكذا دوَرَات الكواكب ثابتة، إلا أنَّ الأمْطار مُتَغَيِّرة قد تأتي أعْوامٌ كثيرة فَيَأكل الناس من فوقهم ومن تحت أرْجلهم، وقد تأتي أعْوامٌ شحيحة يتْركون أرضَهم.
 فالرِّزق من عند الله يسْتخدمه كيف يشاء ويسْتخْدِمُهُ - دقِّق - لِتَرْبِيَة الإنسان، الدليل أنَّ هذه الآية السادسة عشرة من سورة الجنّ وهي قوله تعالى:

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً﴾

[ سورة الجن الآية: 16]

سؤال: ما هي العوامل التي تكثر الرزق؟

 الآن سَيَنْشأُ سؤالٌ ثاني...
 الرِّزْق مضْمون في أصْله ومُتَبَدِّل في كَمِّيَتِهِ بِحَسَبِ حال الإنسان.
 فما العوامل التي تُكْثرُ الرِّزْق؟
 مع أنَّ كُلَّ إنْسانٍ حريصٌ كُلَّ الحِرْص على رِزْقه؛ لأَّنهُ قِوامُ حياته، لابد من أنْ يأكل فهُو مُفْتقِرٌ إلى الطعام والشراب، وإلى ثمَنِ الطعام والشراب؛ فأنت مُضْطرٌ للعمل كي تأكل ومن أجل أنْ تبْقى؛ تعملُ من أجل أنْ تكْسب المال لكي تأكل فَتَبْقى، فالحاجة إلى الطعام والشراب من أجل بقاء الفَرْد، وحينما تبْحث عن زوْجة فهذا من أجْل أنْ تُكْمِلَ ضَعْفَكَ، وأنْ تكمِل النقْص في الطرف الآخر جعل الله الزوْجَيْن مُتكامِلَين؛ هي عاطِفَتُها مُتأجِّجة وتحْتاجُ إلى من يرْعاها ومن يحْتويها ومن يقودُها، وهو عاطِفَتُهُ ضعيفة يحْتاجُ إلى من يُحيطه بها؛ هي سَكَنٌ له وهو سَكَنٌ لها، وهذه سُنَّة الله في خلْقه فالبَحْث عن زوْجة من أجل بقاء النَّوْع، وتأكيدُ الذات والتَّفَوُّق من أجل بقاء الذِّكْر ثلاث دوافِعٍ أساسِيَّة:
 دافع الطعام والشراب ، ودافع الجِنْس ، ودافعُ تأكيد الذات.
 فالأوَّلُ للحِفاظ على الفَرْد، والثاني للحِفاظ على النَّوع، والثالث للحِفاظ على الذِّكْر.
 فالله عز وجل جعل الرِّزْق أداة تَرْبِيَة بِيَدِه قال الله تعالى:

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً﴾

[ سورة الجن الآية: 16]

أولاً: الاستقامة سبب لزيادة الرزق.

 يُفْهَمُ من هذه الآية أنَّ الاسْتِقامة على منْهج الله تزيدُ في الرِّزْق ، قال تعالى :

﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً﴾

[ سورة النساء الآية: 87]

 أقْوى كلمة تتمَسَّكُ بها هي هذه الآية ؛ لا تنْسوا - هذه إخْواننا المُحامين يعْرفونها - إذا كان هناك قَضِيَّة عويصة بالملايين ، والمُحامي المُوَكَّل وجد اِجْتِهاداً بمحْكمة النَّقْد لِصالح مُوَكِّلِهِ يُطَمْئِنُهُ ويقول له : ربِحْتَ الدَّعْوى وهو لم يرْبح لكِنَّ هذا اِجْتِهاد ، والقاضي مُلْزَمٌ به فإذا كان هذا اِجْتهاد محْكمة النقْد يملأ قلب المُوَكَّل طمأنينة ، فكيف إذا قال الله تعالى :

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً﴾

[ سورة الجن الآية: 16]

 فما عليك إلا أنْ تسْتقيم وعِنْدها ترى كيف أنَّ الله يرْزُقُك من حيث لا تحْتسِب ، وما من مؤمن طبَّقَ هذه الآية إلا وقطفَ ثِمارها ‍؛ من أين ؟ لا يدْري .

 

ثانياً: التقوى سبب لزيادة الرزق.

 الآية الثانِيَة قال تعالى:

﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾

[ سورة الأعراف الآية: 96]

 اِتَّقَوا أنْ يعْصوا ، هل يُمكن أنْ يكون هذا الكلام لا معْنى له ؟! وهل يمكن أنْ لا يُنَفَّذ كلام خالق الكون ؟! إذا الْتَقَيْتَ بِمُوَظَّف كبير وأصدر تعليمات وما نفَّذها ؛ تَحْتَقِرُهُ أليس كذلك؟
 والله أيها الإخوة عندنا أخ لا يمْلك من الدنيا إلا ثِيابه؛ لا بيْت، ولا مأوى، ترك بلْدته بِمُحافظة نائِيَة ، وطلب العلم ينامُ عند بعض أصْدقائِه طلبة العلم ؛ حفظ كتاب الله، وطلب العلم بإخْلاص واسْتقام على أمر الله، فجْأةً طلبوا منِّي بِأحد المناطق الراقِيَة عندنا إمام مسْجد، فَرَشَّحْتُهُ بِيَوْمٍ واحدٍ مدير معْهد شَرْعي وخطيب مسْجد وساعات في التعْليم الثانوي، وبيْتٍ وسيارة وزوْجة؛ شيءٌ لا يُصَدَّق ! فهذا هو قوله تعالى :

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً﴾

[ سورة الجن الآية: 16]

 وهو الآن يتَمَتَّعُ بِمَكانة كبيرة وبِدَخْلٍ كبير وطُمَأنينة ، تأتي الدنيا وهي راغِمَة.
 عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( مَنْ كَانَتِ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ))

[ رواه الترمذي]

 لا تنْسَوا أنَّ الله يؤَدِّبُنا عن طريق الرِّزْق ، إذا كان في المَحَلّ من ينظر نظْرَةً غير شرعِيَّة ويتكلَّم بِكلامٍ غير مسْموحٍ به فإنَّ هذا المحلّ لن يرْبح لأنَّ هناك معْصِيَة ، وإذا المحلّ خالٍ عن الكذب والغِشّ ولا كلام بذيء وأسْعار معتدلة فإنَّ هذا المحلّ مرْزوق.
 أيها الإخوة؛ أنا لا أُحب أنْ أُكثر عليكم من القصص، رغْمَ الأزْمة الموجودة الآن بالأسْواق في البيْع والشِّراء ، حدَّثني أخٌ أنَّ بضاعته بيعَتْ على شَهْرَيْن حتى لا يجد أنْ يُلَبِّي المتطلبات ؛ لأنه لا يغِشّ ، وهو يُعامل الله عز وجل ، جاء التمْوين فما صَدَّق أنَّهُ كيف يبيع بِهذا السِّعْر وموادك عالِيَة؛ حَتْماً عندك مادَّة تُضيفُها، فَحَصوا المصْنع مكان مكان ، وعَمِلَ طبْخة أمامهم فجعلوا تلك النِّسْب مُواصَفات قِياسِيَّة للقطر، هذا يدْفع زكاة وصدقات ولا يغُشّ وزَوَّجَ أوْلاده وكُلّ واحد سيارة، ومعْمَلُ بسيط جداً؛ هذا شيءٌ ملْموس، لا تقُل لي هناك طُرق، لما ربُّنا عز وجل يُوَفِّقُ عبده يُصبح هذا الكلام كلُّه لا معْنى له ، قال تعالى :

﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً﴾

[ سورة الجن الآية: 16]

ثالثاً: صلة الرحم سبب لزيادة الرزق.

 صِلَةُ الرَّحِم تزيدُ في الرِّزْق 
لك أقْرباء ، وأخواتٍ بِمَحَلٍّ بعيد زُرْتَهُمْ وتَفَقَّدْتَ أحْوالهم، أكْرَمْتَهُم وواسَيْتَهُم بِرَمَضان ، قدَّمْتَ لهم هَدِيَّة.

رابعاً: الصلاة سبب لزيادة الرزق.

 قال تعالى :

﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾

[ سورة طه الآية: 132]

 فالبَيْتُ الذي تُقامُ فيه الصلوات الخمسُ هو بيْتٌ مرْزوق.

 

خامساً: الصدقة سبب لزيادة الرزق.

 اِسْتَمْطِروا الرِّزْق بالصَّدَقَة ، أحدُ أسْباب الزِّيادة الصدقة.

سادساً: الاستغفار سبب لزيادة الرزق.

 الاسْتِغْفار قال تعالى :

﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً﴾

[ سورة نوح الآيات: 10-12]

 الاسْتِغْفار وصِلَةُ الرَّحِم والصلاة والإيمان والاسْتِقامة والتَّقْوى؛ هذه كُلُّها عوامل الرِّزْق.

 

سابعاً: إتقان العمل سبب لزيادة الرزق.

 وهناك أشْياء كثيرة منها ؛ إتْقانُ العَمَلِ : " إنَّ الله يحبُّ من العبد إذا عمل عملاً أنْ يُتْقِنَهُ" أصبح هناك كسادٌ بالأسواق من عدم الإتْقان.

ثامناً: الأمانة سبب لزيادة الرزق.

 الأمانة هي من أسباب الرِّزق قال عليه الصلاة والسلام : الأمانة غِنىً، أحدهم كان يبيع في الحميدِيَّة على الرَّصيف أقمشة فجاءتْ امْرأةٌ فاشْترتْ منه واحدة بِخَمْسين ليرة وهو ما يُعادل واحد دولار ، بعد دقيقتَيْن وجد أنَّهُ قد أعْطَتْهُ مائة دولار فرجع إليها وأعْطاها الزائِد ، أحد التجار كان يُراقب من مَحَلِّه ما فعله هذا البائِع على الرصيف ، فأعْجَبَهُ صنيعُهُ هذا فقال له : هل تُشارِكُني في مَحَلِّي ؟! فقال : يا ليْت! فأصبح شريكه وهو الآن بِبَيْتٍ وسيارة ومحلّ ! بِالمُقابل - قِصَّة مُشابهة - بالسِّتْ رُقَيَّة جاءَتْ امْرأة بِنَفْس الطريقة السابقة في الخطأ لكن هذا أخذ المائة دولار وخَبَّأها في اليوم الثاني جاءَتْ الشرطة وضَرَبَتْهُ وأخذت منه المائة دولار ، ودفع عِوَضاً خمسة آلاف ليرة !! كُنْ أميناً وسَتَرى ، مادام أميناً سَيَزْدادُ معاشُهُ ويرْتَقي مرْكَزُهُ.
 الاسْتِغْفار وصِلَةُ الرَّحِم والصلاة والإيمان والاسْتِقامة والتَّقْوى والأمانة ؛ هذه كُلُّها عوامل الرِّزْق.

تاسعاً: التغيير سبب لزيادة الرزق.

 هناك أمرٌ آخر قال تعالى :

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ﴾

[ سورة الرعد الآية: 11]

 غَيِّرْ يُغَيَّر لك ! ضعْ حِساباً لِنَفْسِك ، أين ثغرات المعاصي ؟ بَيْتُكَ وزَوْجَتُكَ ودَخْلَكَ وغلطٌ وكذِبٌ وتدْليس ، هذه هي الكلمات غَيِّر كي يُغَيِّر فإذا ما غَيَّرْتَ ما غَيَّرَ كلمات مُخْتَصَرَة ومُفيدة ، وهذا هو مُلَخَّصُ المُلَخَّص . 

تحميل النص

إخفاء الصور