وضع داكن
26-04-2024
Logo
الدرس : 11 - سورة القصص - تفسير الآيات36-38 ، سعادة الإنسان أن يكون إخْوانُهُ مؤمنين.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
 أيها الإخوة الكرام، لازِلنا في قِصَّة سيِّدنا موسى عليه وعلى نبيِّنا أفضل الصلاة والسلام، ووصلنا في سورة القصص من هذه القصَّة إلى قوله تعالى:

﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (36)﴾

[سورة القصص]

 وذَكَرْتُ لكم البارِحَة أنَّ المُنْحرِف والعاصي يتمسَّك بالتَّقاليد والعادات ويتمسَّك بِما ألِفَهُ عن عاداته وأجْداده ولو كان مُخالفًا للشَّرع، ولكنَّ المؤمن يتمسَّك بالوَحي، ويتمسَّك بِما أنزل الله على نبيِّه، فالحسَنُ ما حسَّنَهُ الشَّرْع، والقبيح ما قبَّحَهُ الشَّرْع، ولو أنَّك تَمْلِكُ آلةً عظيمة النَّفْع وأصابَها عطب يُمْكنُك أن تسأل ألف رجل عن إصْلاحها، ولكنَّ الكلمة التي ينبغي أن تُصغي إليها هي كلمة الخبير والصانِع، فَهُناك ألف رأي ورأي وألف مَقولة ومقولة وهذا بِأَيِّ مَوضوع، بِأيِّ موضوع في حياتِك، وفي تعليم أولادك، وفي بناتك وزَوْجَتِك، وفي إنفاقك للمال ألف موضوع وموضوع، وممكن أن تتلقَّى عن الموضوع الواحِد ألف رأيا ورأيا، إذا كنتَ مُوَفَّقًا وعاقِلاً فإنَّك تبحث عن حُكم الشَّرْع، لأنَّك وِفقَهُ سَتُحاسَب وليس وفق زيْد أو عُبَيد، ولأنَّك وفق هذا الشرع سَتُحاسب لذا قال تعالى:

 

﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (36)﴾

 

[سورة القصص]

 بالمناسبة أيها الإخوة، الإنسان المؤمن لا يسْتشير فاسقا ولا العاصي قال تعالى:

 

﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا(28)﴾

 

[سورة الكهف]

 وقال تعالى:

 

﴿ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(15)﴾

 

[سورة لقمان]

 هذه نقطة، والنُّقْطة الثانِيَة: لا يتَّخِذ المؤمن وبيئة وأصْدقاء وجماعة وأصْحاب وثُلَّة غير مُنْضبِطَة بالشَّرع لأنَّ الصاحب ساحب، لا تسل عن المرء وسَل عن قرينه، وقال تعالى:

 

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ(119)﴾

 

[سورة التوبة]

 سعادة الإنسان أن يكون إخْوانُهُ مؤمنين، حفلة وسيران ونزهة ووليمة هؤلاء يجب أن تخْتارهم اخْتيارًا حكيمًا، فإذا اخْتَرْتَهم من أهل الدنيا فأنت مِن أهل الدنيا، وينبغي أن تختارهم من أهل الدِّين كي يُعينوك على طاعة الله ويأمروك بالمعروف ويَنْهَوْكَ عن المُنكَر، ويُقَوُّوا عزيمَتَك لذلك قال تعالى:

 

﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(51)﴾

 

[سورة المائدة]

 ولا يتِّخذ الإنسان إنسانًا ولِيًّا من دون الله إن لم يَكُن مستقيمًا، والدليل أقْوالهم دائِمًا تُشَكِّك وتُضْعِفُ الهمَّة، وتُقَوِّي الشَّهوة، وتُبْعِد عن الآخرة، أما المؤمن يُقَرِّبُك من الدِّين، ويُقَوِّي عزيمَتَك، لذا لا تُصاحب مَن لا يُنْهِضك حالهُ ولا يَدُلُّك على الله مقالُهُ.
 قال تعالى:

 

﴿وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (37)﴾

 

[سورة القصص]

 هناك نقطة دقيقة ذَكَرْتُها كثيرًا ؛ لو أنَّك تَمْلِك كيلو معْدَن، وكان هذا المعْدنُ ذَهَبًا، وكُلّ الناس يظُنُّه معْدَنًا خسيسًا، مَن الرابِح ؟ أنت هو الرابِح، ولو أنَّك تمْلكُ معدنًا خسيسًا، وبِذَكاءٍ بارِع أوْهَمْتَ الناس أنَّه معْدنٌ ثمين، من الخاسِر ؟ أنت هو الخاسِر، لذا فأنت علاقتُكَ مع نفْسِكَ وليس مع أحَد، فإذا كنت على الحق فلا تخْش في الله لَوْمَة لائِم قال تعالى

 

﴿: قُلْ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ(91)﴾

 

[سورة الأنعام]

 أما العوام وضِعاف العُقول يقولون: سيَضْحكون عليّ، ويقولون بخيل إن لم أُقِم حفْلَةً مُختلَطَة، وبالمكان الفلاني ! لذا حينما تضَعُ التَّقاليد تحت قَدَمِك فأنت مؤمن، ولا تعْبأ، والفتاة المؤمنة كُلّ المودات البدْلات الحديثة تحت قَدَمِها، وترْتدي ثِيابًا ساتِرَةً، ومُحْتَشِمَةً، فما دام هناك آلِهَة تُعْبَد كالإله، وأصْبَحت الشَّهوات إله، وكذا العادات ذَكَرْتُ لكم قبل أُسْبوعَين أنَّ أحَدَ الآباء قام بالليل على الساعة الثانية وإذْ يسْمعُ أنينًا، والحاصل أنَّ ابنهُ كشف أحد المحطَّات الخليعة، ووجدَ ابنه الأوَّل فوق ابنته، والثاني فوق ابنته ‍‍!!! والذي قال هذا هو الذي حصلَتْ له المشكلة، طوبَى لِمَن وَسِعَتْهُ السنَّة ولم تسْتهْوِهِ البِدْعَة وأحدهم اشْترى آلة تَصْوير فيدْيو، وبِوَسْوَسة من الشَّيطان صوَّر نفْسَهُ مع زوْجته بأوضاع مُزْرِيَة! فاسْتأجَر أحد الأيام أفلام وبالخطأ وضَعَ هذا الفلم الذي صوَّره مع زوْجَتِه في علبة من العلب التي اسْتأجَرَها !! صاحب الأفلام هذا وجَد أنَّ هذا الفلم لم يُعْطِهِ له، ووجدَ الفيلم جيِّد طبَعَهُ ووزَّعَهُ، ووصَل لأخ صاحِب المُشْكلة، ووجَدَ أخوه وامْرأة أخيه !! والآن سافر وهرب إلى حَمْص، طوبَى لِمَن وَسِعَتْهُ السنَّة ولم تسْتهْوِهِ البِدْعَة، قال تعالى:

 

﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ(116)﴾

 

[سورة الأنعام]

 نحن الآن نريد بيتًا مُسْلِمًا، خالي من الفسق والفُجور، ولا أجْهزة لَهو وجلسات فيها مودَّة ورحْمة.
 فالله تعالى قال:

 

﴿وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى﴾

 

[سورة القصص]

 إن كنت على الحق فلا تعْبأ بِكلام أحد، ولا تأخذْك بالله لومة لائِم ولا تُبالي ومَن عرف نفْسَهُ ما ضرَّتْهُ مقالةُ الناس به، أحدهم وجد داعِيَة مُخْلصا لله تعالى، فقال له: إنيِّ أُشْفق عليك مِمَّا يقوله الناس عنك ! فقال: هل سَمِعْتَ مِنِّي عنهم شيئًا ؟ فقال: لا، فقال: عليهم فأشْفِق ! برئ مِن الشُّح مَن أدَّى زكاة مالهِ، وبرئ من الكِبر مَن حمَل حاجتَهُ بِيَدِه، و برئ من النِّفاق مَن أكثر من الذِّكْر، فهذا سيِّدنا الصِّدِّيق سار إلى جانب أُسامة ابن زيْد، فَأُسامة يرْكب الناقة وهو قائِدُ الجيْش وخليفة رسول الله يمْشي، فقال أسامة: والله، يا خليفة رسول الله لَتَرْكَبَنَّ أو لأنْزِلَنَّ، فقال: والله لا نزلتَ ولا ركبْت، وما عليَّ أن تغْبرَّ قدَمايَ ساعةً في سبيل الله ! فالنبي عليه الصلاة والسلام عيَّنَهُ قائِدًا للجَيْش وكان عمره سبْعة عشرة سنة ! وفيهم عمر وعثمان وعليّ ومِن أجْل أن يُرسِّخ الصِّديق مكانَتَهُ سار في رِكابِهِ، أين شباب السابعة عشرة اليوم ؟ بالكرة ؛ هذا إن كان نظيفًا كثيرًا، أما سيِّدنا أُسامة فقد كان قائِد جَيش، وفيهم عمر بن الخطَّاب، قال تعالى:

 

﴿وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (37)﴾

 

[سورة القصص]

 هناك سؤال دقيق وهو أنّه لمَّا قيل للنبي صلى الله عليه وسلَّم: إنَّك مَجنون ! وقالوا: إنَّك ساحِر، وقالوا: إنَّك كاهِن، كُلّ هذا قِيل ولكنّ السؤال: لماذا أثْبَتَ الله هذه التُّهَم في القرآن الكريم تُتْلى إلى يوم الدِّين ؟ قال: أثْبتَ هذه التُّهَم لِتَكون عزاءً لِكُلّ مؤمن إلى يوم الدِّين فإذا قالوا لك: أنت جامِد، ولسْتَ مُنْفَتِحا، مُتَزَمِّت، فأنت لك في النبي أُسْوَةً حسَنَة، قال تعالى:

 

﴿قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ(28)﴾

 

[سورة هود]

 أحدهم ما أكل العَسَل بِحَياتِهِ، ويَحْلِف بالله أيْمان أنَّ أطْيب شيء هو الدِّبس ؛ فهذا كلامه صحيح لأنَّه ما ذاق العسَل.
 فالقَصْدُ من هذه الآية لا تعبأ بِقَوْل الناس، والذي يَخْشى أن يقوله الناس عنه، هو يعْبُدُهم من دون الله، والله عز وجل عِتابٌ لطيف للنبي قال تعالى:

﴿وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا(37)﴾

[سورة الأحزاب]

 لأنَّ النبي عليه الصلاة والسلام تكلَّف شيئًا فوق طاقتِهِ، فقد تكلَّف أن يتزوَّج زوْجة مُتَبَنَّى ! وهذه في الجاهِلِيَّة عارٌ كبير، وعارٌ لا يُحْتَمَل إذْ أنَّها مثل ابنَتِهِ !! قال: تزوَّجْها كي يُبْطِلَ الله هذه العادة الجاهِلِيَّة، هذا ليس ابنك، وإنَّما نُسِب إلى أبيه ؛ زيد بن محمَّد، وليس في أصحاب رسول الله كُلِّهم واحِدٌ ذُكِر اسمه في القرآن إلا سيِّدنا زيْد، فقد كان اسمُهُ زيد بن محمَّد، وأصْبح اسمُهُ زيْد ابن حارثة، وعندها جاء اسْمُهُ في القرآن الكريم قال تعالى:
 وهناك آية دقيقة قال فيها تعالى:

 

﴿ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى(25)﴾

 

[سورة النازعات]

 قرآن كريم، وكلام خالق الكون، وفضْل كلام الله على كلام خلْقِهِ كَفَضْل الله على خلْقِهِ، فلماذا بدأ الله بالآخرة قبل الأولى ؟ هذا خلاف التَّرتيب، أليس المنطق أن تقول: نكال الأولى والآخرة !! فما حِكْمة ذلك ؟ الأولى: ما علمت لكم مِن إلهٍ غيري، في حُدود علمي، وهذا فيه تَحَفُّظ، ولكن لمَّا قال: أنا ربُّكم الأعلى ! فهذه فيها تحَدِّي، قال تعالى:

 

﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38)﴾

 

[سورة القصص]

 فالله تعالى بدأ بالتي هي أكفَر ؛ أنا ربكم الأعلى، والأولى قوله: ما علمت لكم من إله غيري !
قال تعالى:

 

﴿فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38)﴾

 

[سورة القصص]

 أراد أن يبني بُرج لِيَطَّلِعَ إلى إله موسى ! قالوا للإمام علي رضي الله عنه: يا إمام متى كان الله ؟ فقال: ومتى لم يَكُن ؟!.

 

تحميل النص

إخفاء الصور