- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (028) سورة القصص
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام، فالآية السابعة من سورة القصص، وفي قِصَّة سيِّدنا موسى عليه وعلى نبيِّنا أفضل الصلاة والسلام، قوله تعالى:
﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ(7)﴾
أوَّلاً ؛ الوَحي في القرآن الكريم على أرْبَعِ مُسْتَوَيات، قال تعالى:
﴿ إِذَا زُلْزِلَتْ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا(1)وَأَخْرَجَتْ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا(2)وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا(3)يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا(4)بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا(5)﴾
هذا وَحْيُ الأمْر، الله عزَّ وجل إذا أوْحى إلى الجماد كان بِمَعنى أمَرَهُ وقال تعالى:
﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنْ اتَّخِذِي مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنْ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ(68)﴾
هذا وَحْيُ الغريزة، قال تعالى:
﴿قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى(49)قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى(50)﴾
هداهُ إلى مصالحِه، وإلى سلامَتِهِ، وإلى صِيانتهِ، وإلى تأمين غايَتِهِ وتأمين طعامِهِ.
فالوَحيُ الأوّل وحْي الأمْر إلى الجَماد، والوَحْيُ الثاني وَحْيُ الغريزة الحَيوان.
قال تعالى:
﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ(7)﴾
هذا وَحْيُ الإلهام، وكُلّ إنسان يُمْكِن أن يوحَى إليه وَحْي إلْهام ؛ يَخْطُر بِبَالِهِ أن يَذْهَب بِهذا الطريق، فالله تعالى يُنَجِّيه، إذْ في الطريق الآخر مُشْكِلة، ويَخْطر بِبَالهِ أن يُلْغي سَفَرَهُ، فإذا به يسْمع أنَّ الطائرة التي كان ينوي الذهاب فيها قد سَقَطَتْ فالإنسان بين وسْوَسَةِ الشيطان وإلهام الملائكة، فالمؤمن المُستقيم يتحرَّك بإلْهامٍ من الملائكة، والإنسان المُنْحَرِف يَتَحَرَّك بِوَسْوَسَة من الشيطان فإمَّا أن تتحرَّك بِوَسْوَسَةِ الشيطان أو إلْهام الملائكة؛ هذا الوحي الثالث، قال تعالى:
﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ(7)﴾
الوحيُ الرابِع هو وَحْيُ الرِّسالة، قال تعالى:
﴿ فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ(15)﴾
هذا وحيُ جِبْريل عليه الصلاة والسلام، فقوله تعالى:
﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيه﴾
هذه الآية فيها أمْران ونَهْيان وبِشارتَان ؛ الأمْرُ الأوَّل: أن أرْضِعيه فإذا خِفْتِ عليه فألْقيهِ في اليمّ، شيء لا يُصَدَّق ! فهي تكاد تموت خَوْفًا عليه، والله يقول: فإذا خفْتِ فألْقيهِ في اليمّ ! بالمناسبة ماذا نسْتفيد نحن في القرن العشرين مِن قِصَّةٍ وقَعَتْ قبل ثلاثة آلاف عام ؟ الحقيقة كما أُؤكِّد لكم دائِمًا: ليس القرآن كتاب تاريخ ولا كتاب قصص، إنَّما هو كتاب قوانين، فلمَّا تلقي الأمّ ابنها المولود في توِّه في صندوق، حركة الماء بِيَدِ مَن ؟ بِيَد الله، وكذا الرِّياح طيِّب امرأة فرعَون التي خطَرَ لها أن تأتي إلى شاطئ البحر ! هذا بِيَدِ مَنْ ؟ بِيَدِ الله، ولمَّا فتِحَ الصندوق مال قلبها إليه، القلب بِيَدِ مَن ؟ بِيَد الله فالله تعالى أراد من هذه القِصَّة أنْ يُعْلِمَنا ونحن نقرأ القرآن في أيِّ زَمانٍ ومكانٍ أنَّه كُلَّ شيء بِيَدِ الله الماء والرِّياح وقلب امرأة فرعوْن كُلّ هذا بِيَدِ الله، وحتَّى الإنسان يطْمئِنّ، لذلك قال تعالى:
﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ(7)﴾
الآية التي تَخُصّ الأنبياء والمرسلين قال العلماء: إنَّ كلّ مؤمنٍ بِقَدْر إيمانهِ واسْتِقامتِهِ وإخلاصِهِ له من هذه الآيات نصيب، فإذا كان هذا الطِّفْل الرَّضيع في صُنْدوقٍ أصَمّ، وفي نهْر هو النِّيل، تتحرَّكُ به الأمواج وتقْذِفُهُ الرِّياح إلى أنْ ساقَتْهُ إلى قصْر فِرْعَون، ثمّ توقَّف أمام غصْن، ثمَّ ألْهَمَ امْرأة فرعون أن تأتي إلى الشاطئ، ثمّ رأَتْ صُنْدوقًا فقالتْ: افْتَحوه فلما فتحوه رأتْ طفلاً قالتْ كما قالت تعالى:
﴿وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9)﴾
فرعَون كما ترْوي القِصص رأى في المنام أنَّ طفلاً من بني إسرائيل سيَقْضي على مُلْكِهِ، فقال: القضِيَّة سهْلةً ؛ سأقْتُلُ أولاد بني إسرائيل جميعًا، فَكُلُّ قابِلَة ولَّدَت امْرأةً أنْجَبَتْ طفلاً عليها أن تُبلِّغ المسؤولين في عهد فرعون لِيَذْبَحوه، فإن لم تُبلِّغ ذُبِحَتْ هي ! أما هذا الطِّفْل الذي سَيَقْضي على مُلْكِهِ ربَّاهُ في قَصْرِهِ !! قال تعالى:
﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي﴾
الحقيقة هاتان الكلمتان تتكرَّران في القرآن الكريم، وهما دقيقتان فأنت لك ثلاثة أزمان ؛ الزَّمَن الحاضِر والماضي والمُستقبل، فالحاضِر هي الَّحْظ التي تعيشُها الآن، أما الماضي والمستقبل، فالماضي قد تحزَنُ عليه وتنْدَمُ على مُضِيِّهِ، وتنْدم على أيَّام الشَّباب، وأيَّام الغِنى والسُّرور والمستقبل تخاف منه ؛ فيه مُفاجآت وأمراض، وذهاب المال فالإنسان دائِمًا عنده قلقان ؛ قلقٌ مُتَعَلِّق بالماضي وهو ندَمٌ، وقلق مُتَعَلِّق بالمستقبل وهو الخوف، فالله تعالى قال:
﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ(30)﴾
فهذه الآية غطَّتْ المستقبل والماضي، لا تخافوا مِمَّا سيَأتي، ولا تحْزنوا على ما مضى، ولأنَّ المؤمن في خَيْرٍ مُتَجَدِّد، وفي صُعودٍ دائِم، ولن يُصيبَهُ إلا ما كتب الله له من خير، فَكُلّ إنسان مؤمن آمَنَ بالله واسْتقام على أمْرِهِ الله عز وجل في عَلْياء سمائِهِ يُطَمْئِنُهُ، لا تَحْزَنْ على ما مضى، ويُغَطِّي له المستقبل فلا تخشى مِمَّا سيَأتي، لذلك ربنَّا عز وجل يقول:
﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(38)﴾
فالمُستقبل دائِمًا أحلى مِن الماضي للمؤمن، أما غير المؤمن فدائِمًا المستقبل أسْوَء من الماضي، عدم القدرة على الاستمتاع بالملذَّات ودِقَّة بالأكل فلا يأكل كلّ شيء، لذا كُلَّما تقدَّم الإنسان بالسِنّ ضَعُفَتْ قُدْرتُهُ على الاسْتِمتاع بالحياة، ففي المستقبل قلق زوْجَتُهُ تكبر ويسْتقلّ أولادُهُ عنه، كان يأْنَسُ بِهِم، إضافَةً إلى أمراض مُخيفة، ففي المستقبل هناك قلق، والماضي في نَدَم، أما المؤمن فالله قال:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ(30)﴾
أوَّل ثمْرة من ثمرات الإيمان كما قال تعالى:
﴿فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى(123)﴾
قال تعالى:
﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ(7)﴾
هذا تَوَكُّل قوِيّ وهذا سيِّدُنا إبراهيم وضَعَ زَوْجَتَهُ في وادٍ غير ذي زَرْع وتوكَّل على الله، هذا فوق طاقَة البشَر، فذَهَبَت جيئةً وذهابًا، فَنَبَعَ ماء زَمْزَم في مكَّة المكرَّمة، فالله تعالى يقول:
﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ(23)﴾
مِن لوازِم إيمانكم التَّوَكُّل على الله.
قال تعالى:
﴿وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي﴾
هذان هما النَّهْيان، والأمْران قال تعالى:
﴿فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ ﴾
هذان هما الأمران، والبشارتين، قال تعالى:
﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) ﴾
فهنا اتَّضَح أنّ فِرْعون الذي قال:
﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الْأَعْلَى(24)﴾
وهو الذي قال:
﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾
وهذا الذي يُعَدُّ أكْفَرَ أهل الأرض، فقد ادَّعى الأُلوهِيَّة، وقتل أبناء بني إسرائيل على شبهة أنَّ أحدهم سيَقْضي على مُلْكِهِ ! ما الذي حصَل ؟ قال تعالى:
﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(21)﴾
هذا الطِّفْل الذي سيَقْضي على مُلْكِهِ ربّاهُ في قصْرِهِ قال تعالى:
﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8)﴾
هذه اللام أعْربها النُّحاة لام المآل، لأنَّه لا يُعْقَلُ أن تكون لامُ التَّعْليل ولا يُعْقَلُ لِعاقِلٍ أن يلتقط طفلاً يقْضي على مُلْكِهِ، لكنَّ الذي حصل وفي نِهايَة المطاف أنَّ هذا الطِّفْل قضى على مُلْكِهِ، قال تعالى:
﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8)﴾
الغريب أنَّ مع فرعون دائِمًا هناك هامان وجنودَهُما، فَمَن أعان ظالمًا سلَّطَهُ الله عليه، ومَن أعان ظالمًا جاء يوم القيامة مَكْتوبٌ على جبينه آيِسٌ من رحْمة الله، ومَن أعان ظالمًا ولو بِشَطْر كلمة كان أوّل ضحاياه، لا تُعِنْ ظالمًا على ظلْمِهِ.
أيها الإخوة الأكارم، مرَّةً أخرى ؛ ما جعَلَ الله هذا القرآن قصَّةً يُتْلى إلى يوم القيامة لِتَكون قِصَّةً، أو لِيُنْبِئنا عن حدثٍ وقع قبل ألفي عام إنَّما العَبْرة أن تتَّخِذ من هذه القِصَّة عِبْرَةً، وهي أنَّ كُلَّ شيء بِيَدِ الله تعالى حتَّى حركة صنْدوق خَشَبي بيَدِهِ، وحركة الرِّياح والماء، وحركة المرأة، ومَيْلُ قلبِها بِيَدِهِ، قال تعالى:
﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي(39)﴾
فإذا أحبَّ الناس أحدًا فلا يظنَنَّ أنَّهُ هو الذَّكيّ ! لا، هذا من توفيق الله وفضْلِهِ، لذلك أجْمَل آية أن هذا الطِّفْل الصغير، تجِدُ الأب بِكامِل طاقاتِه، وذكائِه وخبْراتِهِ، كُلُّها مُوَظَّفة لِتَرْبِيَة هذا الطِّفْل، وكذا الأم فَمَن ألْقى حُبَّهُ في قَلْبَيْهِما ؟ الله عز وجل، ومِن أجل أن يعْمر الكَون فالأب يريدُ أن يُزَوِّج أبناءَهُ ويُعَلِّمَهُم، هذا مِن آيات الله الدالة على عظَمَتِهِ، فالله عز وجل بلا جهْد ولا عمل ألقى حُبَّ الطِّفل في قلب والِدَيْه، يجوعان لِيَأكل، ويسْهران لِيَنام، ويمْرضان لِيَشْفى، هذا دليل على محبَّة الله لنا، وعلى عظمة الله جل جلاله.
قال تعالى:
﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8)﴾
فالبُطولة أن لا تكون من الخاطئين لأنَّ العاقبة للمُتَّقين، والعاقبة لِمَن خاف الله، واسْتَقام على أمْره، والأمور تَدور وتَدور، ولا تسْتَقِرّ إلا على نُصْرة المؤمن وقَهْر الكافر.
قال تعالى:
﴿وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9) ﴾
لا يشْعرون مَن سَيَكون هذا الغُلام، لذا الله تعالى عَلِمَ ما كان وعَلِمَ ما يَكون، وعلِمَ ما سيَكون، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون عَلِمَ أنَّ هذا الطِّفْل سيَغْدو نبِيًّا مُرْسَلاً، وسيَأتي إلى فرْعون وسَيُحاوِرُهُ وسيُثْبِتُ له أنَّهُ رسول مِن خلال آيات كَوْنِيَّة، وفرعون يُلجِمُهُ الله عن قَتْلِهِ، ويَقْبَلُ أن تكون هناك مُناظَرة بينهما، وتَجْري هذه المناظرة ويجْتَمِعُ قَومٌ حول سيِّدِنا موسى، ويتَّجِهون نحو البَحْر فَيَتْبَعُهُم فرعَوْنُ بِجُنودِهِ، ويُصْبِحُ البحر طريقًا يبَسًا ينْزِلُ فيه موسى وأصْحابُهُ فإذا خرج من الضَّفة الثانِيَة نزَلَ فرعون، فعاد البحرُ بَحْرًا، فأغْرَقَهُ الله عندئِذٍ يقول فرعون كما قال تعالى:
﴿ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ(90)﴾
لِمَن العاقبة ؟ للمؤمنين، فأنت كُلّ بُطولتِك أن تكون مع الحق، وأن تكون في خَنْدَق المؤمنين.