- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (028) سورة القصص
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام، قبل أن أشْرَحَ الآيات الأولى من سورة القصص فلا بدّ مِن مُقدِّمَةٍ تُلْقي ضَوْءًا على هذه الآية.
النبي عليه الصلاة والسلام قال:
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّم:
((َ لَا يَقْضِي الْقَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ ))
لأنَّه حينما يقضي وهو غضْبان اضْطربَتْ أحْكامُهُ، ولم تأت عادِلَة فالنبي عليه الصلاة والسلام نهى القاضي أن يحْكُمَ بين الناس وهو غَضْبان، جاء الفقهاء وقالوا: ما عِلَّةُ هذا النَّهي ؟ عِلَّةُ هذا النَّهي أنَّ الغَضَب يجْعل أحْكام القاضي مُضْطربة، وأيُّ شيءٍ آخر يجْعل أحْكام القاضي مُضْطربةً مَنْهِيٌّ عنه بالقياس على هذا، فلو أنَّ ابن القاضي كان مريضًا مرضًا شديدًا، فهذا المرَض الشديد الذي ألمَّ بابنِهِ ربَّما جعل أحْكامَهُ مضْطربَةً، فالفقهاء حَمَلوا على الغضب ثلاثًا وثلاثين حالة، إذًا ليْسَت العِبْرة أن يغْضَبَ فقط، بل أيُّ شيءٍ يساوي الغضَب في العِلَّة فَهُوَ مَنْهِيٌّ عنه أيضًا، فهذه قاعِدَة.
النبي عليه الصلاة والسلام قال:
((تجِبُ الزَّكاة في القمْح والشَّعير والزَّبيب والتَّمْر ))
طيِّب لو كان الآن رجلٌ عنده مزْرعة نصْف مليون تُفَّاح أليس عليه زَكاة ؟ وهناك آلاف المحاصيل فيها فواكه وثِمار فهل هذه خارجة عن الزَّكاة ؟ قال العلماء: تجبُ الزَّكاة في عِلَّة هذه الأصْناف لا في عَيْنِها، فأيُّ مَحْصول ذو قيمة عليه زَكاة، أما في عَهْد النبي فقد كان القَمح والزَّبيب والشَّعير، أما الآن التُّفاح والأجاص والفريز ثَمينة جدًّا، فالعلماء قالوا: تجبُ الزَّكاة في عِلَّة هذه الأصْناف لا في عَيْنِها، فأيُّ مَحْصول ذو قيمة يتَّحِدُ مع القمح والزَّبيب والشَّعير في العِلَّة فالزَّكاة تَجِبُ فيه.
مِن هذين التَّنْبيهَين ننتقل إلى هذه الآية، قال تعالى:
﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)﴾
كأنَّ البشَر أصْنافٌ ثلاثة صِنْفٌ عرَفَ الله و أطاعه، فهذا نجا وصِنْفٌ عرَفَهُ وقصَّر في طاعَتِهِ، وصِنْفَ ما عرفه وما أطاعهُ، فالصِّنْفُ الثاني والثالث ماذا يفْعَلُ الله بِهِم ؟ الأوَّل عرفهُ وأطاعَهُ، قال تعالى:
﴿يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ(27)ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً(28)فَادْخُلِي فِي عِبَادِي(29)وَادْخُلِي جَنَّتِي(30)﴾
هؤلاء نَجَوْا وسَعِدُوا في الدنيا والآخرة، ولكن هناك صِنْفان ؛ إنْسانٌ عرف الله وقصَّر في طاعتِهِ، وآخر لم يعرفه فلم يُطِعْهُ ! فكيف يُعالِجُ الله هذين الصِّنْفَيْن ؟ هذان الصِّنْفان يُعالَجان بالطَّريقة التالِيَة: إذا عصاني مَن يَعْرِفُني سلَّطْتُ عليه من لا يَعْرِفُني فالذي يعْرِفُ الله وقصَّر في طاعَتِهِ يُسَلَّطُ عليه مَن لا يعْرِفُهُ إطْلاقًا فضَغَط عليه َ واسْتَباحهُ ونكَّل به، لعلَّ هذا الذي يعرفُ الله والمُقصِّر في طاعَتِهِ لعلَّهُ يصْحو ! ولعلَّهُ يصْطلِحُ ويتوب إلى الله، فإن تابَ عكَسَ الآية مكَّنَ الضَّعيف من القَوِيّ، فلعلَّ القَوِيَّ يتوب مرَّةً ثانِيَة، إيَّاكُم أن تفْهَموا هذه الآية وصْفًا لِحَدَثٍ وقَعَ، بل هو مُتَكَرِّرٌ دائِمًا، إذا كان للكُفَّار علينا ألف سبيل وسبيل، فنحن في حياتنا نرْتَكِبُ ألف مَعْصِيَةٍ ومَعْصِيَة، إذا عصاني مَن يعْرِفُني سلَّطْتُ عليه مَن لا يعْرِفُني وأنا ملِكُ المُلوك ومالكُ المُلوك، قلوب المُلوك بِيَدي فإنْ أطاعني العباد حوَّلْتُ قلوب الملوك عليهم بالرَّأْفَة والرَّحْمة، وإن عصاني العباد حوَّلْتُ قلوب الملوك عليهم بالسُّخْطة والنَّقْمة، فلا تشْغلوا أنْفسَكم بِسَبِّ المُلوك وادْعوا لهم بالصَّلاح فإنّ صلاحَهم بِصَلاحِكُم، والذي لا يعْرِفُ الله يُسَلَّطُ على الذي يَعْرِفُهُ، فلعلَّ هذا المُقصِّر يتوب ويُنيب ويرْجع ولعلَّه يصْطلح ويسْتغفر، فإذا عادَ مكَّنَهُ، قال تعالى
﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)﴾
والظالم سَوْطُ الله ينتَقِمُ به، ثمَّ ينْتَقِمُ منه.
فالبشَر أصنافُ ثلاثة، الأوَّل مَن عرف الله، وأطاعَهُ نجا، وهذا ليس للكافر عليه سبيل، قال تعالى:
﴿ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا(141)﴾
وقال تعالى:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا(147)﴾
هذا الصِّنْف خارِج الحِساب، أما الذي عرَفَهُ وعصاه، كَحَال المسلمين مليار ومائتان مليون مسلم ! ليسَتْ كلِمَتُهم هي العليا، فإذا كان للكفار عليهم ألف سبيل وسبيل فلأنَّهم يقْترفون ألف معْصِيَة ومعْصِيَة والظالم سَوْطُ الله ينتَقِمُ به، ثمَّ ينْتَقِمُ منه، أما الآية الدقيقة التي تُؤكِّد هذا المعنى قوله تعالى:
﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(129)﴾
فهذه الآية تكاد تكون قانونًا، دَعْكَ من مُلابساتِها، والأسماء، والظروف واجْعَلْها قانونًا قال تعالى:
﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)﴾
فالإنسان العاقل إذا أصابَهُ ما يكْرهُهُ راجَعَ نفْسَهُ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ:
((يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ"))
ما مِن عثَرَةٍ ولا اخْتِلاج عرقٍ ولا خدْش عودٍ إلا بما قدَّمَتْ أيْديكم، وما يعْفوا الله أكثر، اِجْعَل هذه الآية نُصْب عيْنَيْك:
﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا(147)﴾
فالمؤمن يُحاسِبُ نفْسَهُ حِسابًا عسيرًا لِيَكون حِسابُهُ يوم القيامة يسيرًا فإذا أصابَهُ ما يُؤْلِمُهُ يتساءل ويبْحَث، ويُدَقِّق ويتأمَّل، مِن أجل أن يصِلَ إلى الذَّنب الذي اقْتَرَفهُ حتى لا يُعيدُهُ مرَّةً ثانِيَة، فأحيانًا تجد موظَّفًا يُعامَل بِقَسْوة وبِشِدَّة من طريف المدير لماذا جعل الله له عليك سبيلاً ؟ إذا كنتَ تَقِيًّا ونقِيًّا وورِعًا، لا يستطيع أن يكون لِهذا الإنسان عليه سبيل، فالإنسان يجب أن يُدَقِّق، هذه الآية تُفْهَمُ فهْمًا جماعِيًّا وفهْمًا فرْدِيًّا، لذلك المُسْتَضْعَف ضِمْن العِنايَة المُشَدَّدة قال تعالى:
﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)﴾
لأنَّ الله إذا أحبَّ عبْدًا ابْتلاه، فإن صبَرَ اجْتباهُ، وإن شَكَر اقْتناه، إذا أحبَّ الله عبْدَهُ عجَّل له بالعُقوبَة، إذا أحبّ الله عبْده عاتبَهُ في منامِه وجعل له واعِظًا من نفْسِهِ، فالإنسان يُدَقِّق، لعلَّهُ قصَّر في حقّ إنسان ولعلَّه تكلَّم كلمةً جارِحَةً، ونظرَ نظْرَةً خاطِئَةً، ولعلَّه استهزأ بِأحَد فإذا أصابَهُ ما يكْرهه فلْيُحاسِب نفْسَهُ حِسابًا عسيرًا لأنَّ الله تعالى ما يفْعل بِعذابِنا إن شَكرنا وآمنَّا ؟! قال تعالى:
﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)﴾
هذا قانون الله مع الفئتين الثانية والثالثة، الفئة الثانية التي عرفتْهُ وقصَّرَت في طاعَتهِ، والفئة الثالثة التي ما عرفتْهُ وما أطاعَتْهُ، يُسَلِّط الثالثة على الثانِيَة فلعلَّ الثانِيَة تعود إلى رُشْدِها فإن عادَتْ مكَّنها وقوَّاها وسلَّطها على الثانِيَة من أجل أن تعود إلى رشْدِها، قال تعالى:
﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(129)﴾
والإنسان بِهذه النَّظْرة التَّوْحيدِيَّة يزول في قلبِهِ الحِقْد والحسَد، فلو أصابَك أحدهم بِمَكْروهٍ، تقف منه المَوْقف الكامِل، إما أن تُأذِّبَهُ، وإما أن تُحاسِبَهُ ولكن لا تحْقِدُهُ ؛ لماذا؟ لأنَّ الله سلَّطَهُ عليك، وسمَحَ له أن يفْعَل كذا وكذا، فبيْنَ أن تحْقِد الناس، وبين أن ترى الفاعِل هو الله، وأنَّ يدَ الله فوق أيديهم، وقال تعالى:
﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(17)﴾
بالنَّظْرة التَّوْحيدِيَّة يشْفى قلبُكَ من الغِلّ والحسَد، ومن الحِقْد، وكُلُّ مَكْروهٍ أصابَكَ من طرف إنسان فالله تعالى سمَحَ له بذلك ومكَّنهُ منك رِعايَةً لِحَقِّ العباد على الله في ترْبِيَتِهِم، ولولا تربيَةُ الله لنا ما زكى مِنَّا مِن أحَدٍ أبدًا، قال تعالى:
﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(21)﴾
ذكر لي أخ صاحب معمل ألْبِسَة زارَهُ شَخْص، طلب أربعة قِطَع فاعْتَبَر صاحب المعمل هذه إهانَة، أنا أبيعُ أربعة قِطَع ! وانْزَعَجَ وقال للمشتري: أنا لا أبيع المُفرَّق، فهذا الشَّخْص اسْتحى وخرَج ! فقال لي هذا الإنسان: ثلاثون يوْمًا ما دَخَل مَعْمَلي شَخْص !! أدَّبَهُ الله والمُسْرِفُ أحيانًا يُؤدِّبُهُ الله بالتَّقْتير، والمُتَكبِّر يُهينُهُ، والمُتطاوِل يُوقِفُهُ عند حدِّه، ولولا تربيَةُ الله لنا لما زكى مِنَّا من أحد، تسْعة أعْشار الفضائل التي يتمتَّعُ بها المسلمون هي من فضل تربية الله لهم، فالله ربُّ العالمين، صحيحٌ أنَّ الله منحنا الكتاب والسنَّة ولكنَّهُ يُتابِعُك، ولا بدّ أن يعْلم الإنسان أنَّ الله تعالى إنْ عالَجَهُ فهذه نِعْمة كُبْرى، أما إذا أهْمَلَهُ فهذا دليل على أنَّهُ خارج عناية الله، فالطبيب متى يقول للمريض: كُل ما شئْتَ ! إذا كان مرضُهُ عُضال ولا سبيل للتَّخلُّص منه، أما إذا كان معه الْتِهاب معْدَة فإنَّهُ يُقيم عليه النَّكير إذا أكل لقمة تُخالف التعليمات، فإذا كان الإنسان ضِمن العِناية وعالَجَهُ الله فهذه من نِعْمة الله عليه.