وضع داكن
08-05-2024
Logo
مكارم الأخلاق - الدرس : 01 - المعاتبة - عكسها الحقد
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

لن تعود أمتنا إلى ما كانت عليه إلا إذا التزمت بأخلاقها:

أيها الأخوة الكرام, في دروس الفجر إن شاء الله سيكون موضوع هذا الدرس كل يوم فجراً بعض مكارم الأخلاق، ذلك لأن الإيمان هو الخلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك بالإيمان، وحينما أثنى الله على رسوله قال:

﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾

[سورة القلم الآية: 4]

له مئات الخصائص المتميزة، لكن الذي يثني الله عليه هو كسبه الحقيقي، وهو خُلُقه، والخُلق -أيها الأخوة- انتصار على النفس، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بشر، وتجري عليه كل خصائص البشر، كان سيد البشر، لأنه انتصر على نفسه.
ولو أردت أن تستعرض خصائص الأمة في عصور ازدهارها وحالها الذي لا تحسد عليه اليوم يتعلق بأخلاق الأمة، أما كمظاهر، فمظاهر الإسلام الآن صارخة بشكل لا يصدق، مساجد، مؤتمرات، مكتبات، لقاءات، ألقاب علمية، لكن الحب بين المؤمنين مفقود، فلذلك مكارم الأخلاق هي مؤشر على قوة الإيمان.

مشتقات الأخلاق:


شيء آخر أيها الأخوة: كل إنسان فطره الله فطرة عالية:

﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾

[سورة الروم الآية: 30]

لا يوجد إنسان في الستة آلاف مليون إنسان إلا ويحب العدل، ويحب الرحمة، ويحب الحلم، ويحب الإنصاف، ويحب الحكمة، لكن أن تحب الرحمة شيء، وأن تكون رحيماً شيء آخر، أن تحب الرحمة فطرة، أما أن تكون رحيماً فهي صبغة، وبينهما حالة ذكرها النبي -عليه الصلاة والسلام- حينما قال:

((إنما الحلم بالتحلم، وإنما العلم بالتعلم، وإنما الكرم بالتكرم))

فالإنسان قبل أن يحكم اتصاله بالله لا يعد حليماً، لكنه يتحلم، أي يتصنع الحلم، فمن تصنع الحلم ووثق بنفسه أن الله راض عنه، فأقبل على الله، فاشتق من الله صفة الحلم، فكان يحب الحلم بفطرته، ثم تحلم بفعله، ثم أصبح حليماً بخصائصه، ف:

((إنما الحلم بالتحلم، وإنما العلم بالتعلم، وإنما الكرم بالتكرم))

قانونا العداوة والمحبة:


أيها الأخوة, الموضوع اليوم المعاتبة، المعاتبة من مكارم الأخلاق، ما بديلها؟ الحقد، إذا كان الإنسان منقطعاً عن الله يحصي على الآخرين أخطاءهم، فكلما زادت خطيئة زاد الحقد عليه، إلى أن تقع الخصومة والعداوة والبغضاء.
وبالمناسبة: قانون العداوة والبغضاء في قوله تعالى:

﴿فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾

[سورة المائدة الآية: 14]

كقانون: ما دمت مطيعاً لله, فبيننا مودة لا يعلمها إلا الله:

﴿لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ﴾

[سورة الأنفال الآية: 63]

وما دمت مطيعاً لله, يخلق الله بفعله المودة والرحمة بين المؤمنين، والدليل هذه الآية:

﴿لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ﴾

[سورة الأنفال الآية: 63]

وما تواد اثنان في الله ففرق بينهما, إلا بذنب أصابه أحدهما، وما أخلص عبد لله, إلا جعل قلوب المؤمنين تهفو إليه بالمودة والرحمة.

توسط بين العتاب والجفاء مع أخيك:

فالمعاتبة من مكارم الأخلاق.
عتبت عليه؛ أي وجدت عليه، وجدت عليه؛ أي غضبت منه، أعتبني؛ أي ترك ما كنت أجد عليه، ورجع إلى مسرتي، أنا عتبت على أخي؛ أي غضبت منه، أخي أعتبني؛ أي أرضاني.
يقول الإمام علي -رضي الله عليه-: لا أصرم أخاً قبل أن أعاتبه.
المودة والحب بين المؤمنين من خصائص المؤمنين، لو أنه بلغك عن أخيك خبر سيء, إذا نزّهته عن هذا الخبر، وأنت موقن أنه لا يفعل هذا, ليس عليك ألا تعاتبه، لكن إذا تأثرت، ووجدت عليه في نفسك؛ ينبغي أن تسأله، وينبغي أن تعاتبه، وينبغي أن تستوضح الخبر، فقد يكون الخبر كاذباً، وقد يكون صحيحاً، وقدم لك الأسباب الموجبة التي حملته على هذا، وقد يكون صحيحاً وقد اعتذر عن خطئه، وقد يكون صحيحاً وعاهد الله ألا يعود إليه، فعادت بينكما المودة والرحمة.
إذاً: المعاتبة من فضائل الأخلاق، لكن العلماء يقولون: لا بد من التوسط في المعاتبة، إذا كثرت آلت إلى القطيعة.
وإن لم تكن معنى ذلك: أنه ليس هناك مبالاة بالعلاقة بينك وبين أخيك، عدم العتاب دليل الجفاء، وكثرة العتاب تودي إلى القطيعة، فلا بد من الحكمة في العتاب، أي من حين إلى آخر إن رأيت من أخيك شيئاً أقلقك ينبغي أن تعاتبه.

المؤمن يستعتب الكافر لا يستعتب:

أيها الأخوة, أكبر عقاب من الله عز وجل للكافر قال تعالى:

﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾

[سورة النحل الآية: 84]

الكافر لا يستعتب.
لكن المؤمن يستعتب، المؤمن مستعتب، بالتعبير الحديث: برسالة من فعل الله، يسوق له بعض الشدة، يسوق له بعض التعسير، يصيبه بصحته، بأهله، بماله، بدخله، هذه معاتبة من الله عز وجل، وكلما ارتقى الإنسان فهم على الله معاتبته، وأدرك حكمة الله فيما ساقه إليه، الكافر لا يستعتب لأنه خارج العناية الإلهية، أما المؤمن فيستعتب، فإذا عاتبك الله لشدة ساقها إليك, فاحمد الله على هذه المعاتبة، فيك خير، وأنت ضمن العناية الإلهية.
عَنْ أُمَيَّةَ, أَنَّهَا سَأَلَتْ عَائِشَةَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:

((إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ, وَعَنْ قَوْلِهِ: مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ, فَقَالَتْ: مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ مُنْذُ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, فَقَالَ: هَذِهِ مُعَاتَبَةُ اللَّهِ الْعَبْدَ فِيمَا يُصِيبُهُ مِنْ الْحُمَّى وَالنَّكْبَةِ, حَتَّى الْبِضَاعَةُ يَضَعُهَا فِي كُمِّ قَمِيصِهِ فَيَفْقِدُهَا فَيَفْزَعُ لَهَا, حَتَّى إِنَّ الْعَبْدَ لَيَخْرُجُ مِنْ ذُنُوبِهِ كَمَا يَخْرُجُ التِّبْرُ الْأَحْمَرُ مِنْ الْكِيرِ))

[أخرجه الترمذي في سننه]

ضاع منك شيء، سيقت إليك شدة، تعسر عليك أمراً، نشأت مشكلة، لاح لك شبح مصيبة، هذه معاتبة الله لك، والدليل فيك خير، والدليل مرغوب فيك، والدليل ضمن العناية الإلهية، فهذه معاتبة الله، لذلك: المصائب رسائل من الله.
أنا مرة سمعت في الأخبار أن هجوماً أصاب مؤسسة، فجاء صاحب المؤسسة، ورأى آثار الهجوم، فقال كلمة رائعة، قال: وصلتني الرسالة.
إذا أصيب الإنسان بشيء فهي رسالة من الله، فليتفحصها، ليتأمل فيها، ليتدبر.

ما نسي النبي فضل الأنصار فأزال الجفوة بعتاب:

النبي -عليه الصلاة والسلام- حينما وزع الفيء عقب معركة حنين, أعطى المؤلفة قلوبهم، ولم يعط الأنصار، فجاء سيد الأنصار إلى النبي .....
فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:

((لَمَّا أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا أَعْطَى مِنْ تِلْكَ الْعَطَايَا فِي قُرَيْشٍ وَقَبَائِلِ الْعَرَبِ, وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ, وَجَدَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى كَثُرَتْ فِيهِمْ الْقَالَةُ, حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ: لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَوْمَهُ, فَدَخَلَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إِنَّ هَذَا الْحَيَّ قَدْ وَجَدُوا عَلَيْكَ فِي أَنْفُسِهِمْ لِمَا صَنَعْتَ فِي هَذَا الْفَيْءِ الَّذِي أَصَبْتَ, قَسَمْتَ فِي قَوْمِكَ, وَأَعْطَيْتَ عَطَايَا عِظَامًا فِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ, وَلَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْحَيِّ مِنْ الْأَنْصَارِ شَيْءٌ, قَالَ: فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْدُ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, مَا أَنَا إِلَّا امْرُؤٌ مِنْ قَوْمِي ...

-لا يوجد كذب-

: وَمَا أَنَا, قَالَ: فَاجْمَعْ لِي قَوْمَكَ فِي هَذِهِ الْحَظِيرَةِ ...

-والشيء الذي لا يصدق: أن النبي في ذلك الوقت دانت له الجزيرة من أقصاها إلى أقصاها، بمنطق الطغاة بإمكانه أن يلغي وجودهم نهائياً، بإمكانه أن يهدر كرامتهم، بإمكانه أن يهملهم، بإمكانه أن يلومهم، ولكنه جمعهم، وذكرهم بفضلهم عليه فقال-:

أَمَا وَاللَّهِ, لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ: فَلَصَدَقْتُمْ وَصُدِّقْتُمْ, أَتَيْتَنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ, وَمَخْذُولًا فَنَصَرْنَاك,َ وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ, وَعَائِلًا فَأَغْنَيْنَاكَ, أَوَجَدْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ فِي لُعَاعَةٍ مِنْ الدُّنْيَا تَأَلَّفْتُ بِهَا قَوْمًا لِيُسْلِمُوا, وَوَكَلْتُكُمْ إِلَى إِسْلَامِكُمْ, أَفَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ, وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي رِحَالِكُمْ؟ فَوَ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ, لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ, وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ شِعْبًا وَسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ شِعْبًا, لَسَلَكْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ, اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْأَنْصَارَ وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ, قَالَ: فَبَكَى الْقَوْمُ حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ, وَقَالُوا: رَضِينَا بِرَسُولِ اللَّهِ قِسْمًا وَحَظًّا, ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَفَرَّقْنَا))

عاتب أخاك بشكل مستمر لئلا تخسره، أما إذا أحصيت عليه أخطاءه وتراكمت حقدت عليه وقطعته، إذاً: المعاتبة من مكارم الأخلاق.
وسيدنا علي يقول: لا أصرم أخاً قبل أن أعاتبه.

بلاغ رفع إلى النبي:

هناك رواية ثانية لهذه القصة: عن عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتِيَ بِمَالٍ أَوْ سَبْيٍ فَقَسَمَهُ, فَأَعْطَى رِجَالًا وَتَرَكَ رِجَالًا, فَبَلَغَهُ أَنَّ الَّذِينَ تَرَكَ عَتَبُوا, فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ أَثْنَى عَلَيْهِ, ثُمَّ قَالَ:

((أَمَّا بَعْدُ, فَوَ اللَّهِ إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ وَأَدَعُ الرَّجُلَ, وَالَّذِي أَدَعُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ الَّذِي أُعْطِي ....

-أي الذي لا أعطيه أحب إلي من الذي أعطيه، هذه قسها على الله عز وجل، قد يعطي الدنيا لمن لا يحب، وقد يزويها عمن يحب.
وإن الله ليحمي صفيه من الدنيا كما يحمي أحدكم مريضه من الطعام.
وإن الله ليحمي عبده المؤمن من الدنيا كما يحرم الراعي الشفيق غنمه من مراتع الهلاك.
فأحياناً المنع هو عطاء، لو تأملت عميقاً لوجدت المنع عين العطاء، وإذا علمت أسباب المنع انقلب المنع إلى عطاء، ربما أعطاك فحرمك، وربما منعك فأعطاك، يمنعك فيعطيك، ويعطيك فيحرمك-:

وَلَكِنْ أُعْطِي أَقْوَامًا لِمَا أَرَى فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ الْجَزَعِ وَالْهَلَعِ, وَأَكِلُ أَقْوَامًا إِلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ الْغِنَى وَالْخَيْرِ))

هكذا قال عليه الصلاة والسلام.

 

تمسك بالكتاب والسنة وعض عليهما بالنواجذ:

قَالَتْ عَائِشَةُ:

((صَنَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَيْئًا فَرَخَّصَ فِيهِ فَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ ...

-والخلق موجود في كل عصر، أي أورع منك، وأقوى إيمانًا منك، وأقرب إلى الله منك، في الشدة يفطر.
مرة في الجهاد في رمضان كان الحر شديدًا جداً، والجهد بالغًا، فأمسك النبي إناء ماء وشرب أمام أصحابه جميعاً، أي أن أفطروا، بلغه أن بعضهم لم يفطر، فقال عليه الصلاة و السلام:

((أولئك العصاة))

بكل عصر يوجد أناس يزايدون على النبي صلى الله عليه وسلم، أي يفعل شيئاً لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، هو أورع، قال-:

فَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ, فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, فَخَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ, ثُمَّ قَالَ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنْ الشَّيْءِ أَصْنَعُهُ؟ فَوَ اللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً))

[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح]

ولم يكن عليه الصلاة والسلام سباباً ولا فحاشاً ولا لعاناً، كان يقول لأحدنا عند المعتبة:

((ما له تربت جبينه؟))

حتى العتاب يحتاج إلى لطف، إلى رقة، إلى كلمة لطيفة، على كلمة منتقاة حتى في العتاب.

إذا وجدت على أخيك شيئاً عاتبه فإن لم تجد فلا عليك:

يقول أبو الدرداء -رضي الله عنه-: معاتبة الأخ خير من فقده.
إن لم تعاتبه تراكمت الأخطاء وقطعته.
معاتبة الأخ خير من فقده.
وقيل: العتاب خير من الحقد، ولا يكون العتاب إلا على زلة، وقد مدح العتاب فقيل فيه: هو حدائق المتحابين، هو دليل على بقاء المودة.
من فوائد العتاب: أنه يزيل صدأ البغض والكراهية من القلوب، ويزيد المحبة والألفة، ويذهب نزغ الشيطان، وينقي النفوس ويطهرها من ظنون الإثم، ويقوي أواصر الود والتفاهم في المجتمع.
لذلك آخر كلمة: لك أخ تحبه جداً، وتقدره، بلغك عنه شيء، لو أن هذا الشيء لم يؤثر إطلاقاً في حسن ظنك به ما صدقته أبداً، لك ألا تعاتبه في هذه الحالة، أما إن وجدت في نفسك عليه شيئًا غير مكانته عندك، نزل مقامه، شعرت أن هذا ليس بأخ، يجب أن تعاتبه لعل الخبر كاذب، أو لعل هذا الخبر له تفسير، لو كنت مكانه لفعلت مثله، أو لعله تاب من هذا الذنب، فإن وجدت عليه فينبغي أن تعاتبه، وإن لم تجد عليه فلك ألا تعاتبه، والعتاب دليل محبة، ودليل مودة، ودليل حب، فلا أصرم أخاً قبل أن أعاتبه، ومعاتبة الأخ خير من فقده .

دعاء الختام:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور