وضع داكن
28-03-2024
Logo
مكارم الأخلاق - الدرس : 28 - البشاشة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا بما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

باب في أعمال من البر متفرقة:

أيها الأخوة الكرام, هناك موضوع آخر هو البشاشة، وهي سرور يظهر في الوجه, يدل على ما في القلب من حب اللقاء، وفرح بالمقابلة، وجه مبتسم, وجه طليق بالتعبير اليومي ، يوجد وجه خاص لأخذ الخاطر، والعياذ بالله لا يبتسم أبداً، هذا مصمم خصيصاً للأحزان، أما المؤمن طليق الوجه، بالقرآن:

﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾

[سورة القيامة الآية: 22-23]

﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ﴾

[سورة عبس الآية: 38-39]

﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ * لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ﴾

[سورة الغاشية الآية: 8-9]

﴿تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ﴾

[سورة المطففين الآية: 24]

البشاشة: طلاقة في الوجه، ابتسامة مودة.
عن أَنَسٍ يَقُولُ:

((قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَيَّ بَشَاشَةُ الْعُرْسِ, فَقُلْتُ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ, فَقَالَ: كَمْ أَصْدَقْتَهَا؟ فَقُلْتُ: نَوَاةً, وَفِي حَدِيثِ إِسْحَقَ مِنْ ذَهَبٍ))

[أخرجه النسائي في سننه]

يوجد بشاشة خاصة في الزواج، وخاصة بالنجاح، نال شهادة عليا، يوجد بشاشة خاصة بالعمل، أحياناً بالتجارة: عنده صفقة لم يستطع أن يسوقها لمدة طويلة، ثم جاء من يشتريها, تشعر أنه يوجد بشاشة.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَال:

((مَا تَوَطَّنَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ الْمَسَاجِدَ لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ, إِلَّا تَبَشْبَشَ اللَّهُ لَهُ كَمَا يَتَبَشْبَشُ أَهْلُ الْغَائِبِ بِغَائِبِهِمْ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِمْ))

أكثر أوقاته في المساجد، من درس، لصلاة، لعبادة، لخدمة ...., هذا معنى دقيق جداً، يعني أن الله عز وجل يشعره، ويلقي في روعه أنه يحبه:

((إِلَّا تَبَشْبَشَ اللَّهُ لَهُ كَمَا يَتَبَشْبَشُ أَهْلُ الْغَائِبِ بِغَائِبِهِمْ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِمْ))

غائب غاب عشر سنوات، وعاد لأهله, كيف يلقى ترحيباً وبشاشة وطلاقاً وابتسامة وسروراً؟ لكن يوجد موقف يحتاج إلى توضيح.
عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, فَلَمَّا رَآهُ قَالَ:

((بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ, وَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ, فَلَمَّا جَلَسَ, تَطَلَّقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ, فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ, قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ, قُلْتَ لَهُ: كَذَا وَكَذَا, ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِي وَجْهِهِ, وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَا عَائِشَةُ, مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا؟ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ: مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ))

كان عليه الصلاة والسلام يجعل وجهه طليقاً لكل الناس.
ورد أنه: كان يحذر الناس ويحترس منهم، من غير أن يطوي بشره عن أحد.
كان طليق الوجه مع من يثق، ومع من لا يثق به. 

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ, وَإِنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ, وَأَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ أَخِيكَ))

[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي في سننهما]

((مِنَ الْمَعْرُوفِ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ))

أحياناً: ابتسامتك تلقي في قلب أخيك السرور والطمأنينة، وتلقي في قلب من يعمل معك الراحة.
عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ:

((قَالَ لِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا, وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ))

[أخرجه مسلم في الصحيح, والترمذي في سننه]

عَنْ أَنَسٍ -رَضِي اللَّه عَنْه-: أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْجُمُعَةِ, وَهُوَ يَخْطُبُ بِالْمَدِينَةِ, فَقَالَ:

((قَحَطَ الْمَطَرُ فَاسْتَسْقِ رَبَّكَ, فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ وَمَا نَرَى مِنْ سَحَابٍ فَاسْتَسْقَى, فَنَشَأَ السَّحَابُ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ, ثُمَّ مُطِرُوا حَتَّى سَالَتْ مَثَاعِبُ الْمَدِينَةِ, فَمَا زَالَتْ إِلَى الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ مَا تُقْلِعُ, ثُمَّ قَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ, وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ, فَقَالَ: غَرِقْنَا فَادْعُ رَبَّكَ يَحْبِسْهَا عَنَّا, فَضَحِكَ, ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا, فَجَعَلَ السَّحَابُ يَتَصَدَّعُ عَنِ الْمَدِينَةِ يَمِينًا وَشِمَالًا, يُمْطَرُ مَا حَوَالَيْنَا وَلَا يُمْطِرُ مِنْهَا شَيْءٌ, يُرِيهِمُ اللَّهُ كَرَامَةَ نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِجَابَةَ دَعْوَتِه))

أيها الأخوة, لو أن الناس عادوا إلى ربهم، واستسقوا ربهم بنفوس مؤمنة تائبة, لرأيتم السماء أمطارها كأفواه التراب.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:

((جَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا, وَهُوَ يُرَى الْبِشْرُ فِي وَجْهِهِ, فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إِنَّا نَرَى فِي وَجْهِكَ بِشْرًا لَمْ نَكُنْ نَرَاهُ, قَالَ: أَجَلْ, إِنَّ مَلَكًا أَتَانِي, فَقَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ, إِنَّ رَبَّكَ يَقُولُ لَكَ: أَمَا يُرْضِيكَ أَنْ لَا يُصَلِّيَ عَلَيْكَ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِكَ إِلَّا صَلَّيْتُ عَلَيْهِ عَشْرًا, وَلَا يُسَلِّمَ عَلَيْكَ إِلَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ عَشْرًا؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى))

عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ:

((سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: شَهِدْتُ مِنَ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ مَشْهَدًا, لَأَنْ أَكُونَ صَاحِبَهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ, أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَدْعُو عَلَى الْمُشْرِكِينَ, فَقَالَ: لَا نَقُولُ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى: ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا﴾, وَلَكِنَّا نُقَاتِلُ عَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ وَبَيْنَ يَدَيْكَ وَخَلْفَكَ, فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَشْرَقَ وَجْهُهُ, وَسَرَّهُ يَعْنِي قَوْلَهُ))

كلمة طيبة تملأ نفس أخيك سروراً.
أنا أقول لكم أيها الأخوة: من هو البخيل الأحمق؟ الذي يضن بكلمة:
إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم.
كلمة تهنئة، نحن بشر ما تعودنا هذه الأساليب الرفيعة في التعامل، أخوك نجح في امتحان نهنئه، أو في عمل، أو في إلقاء كلمة هنئه، وقع في مشكلة, حاول أن تخفف عنه، الكلمة الطيبة صدقة.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:

((كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ, غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ, فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ, فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً, حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, قَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الْبُرْدِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ, ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ, مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ, فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, ثُمَّ ضَحِكَ, ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ))

وبإمكانه أن يلغي وجوده، أرأيت إلى حلم النبي‍!؟.

 

لن تنجح في مشروع حياتك إلا إذا كنت مقتفياً أثر الرسول:

أيها الأخوة الكرام, لسيدنا علي كلمة, قال: من الدهاء حسن اللقاء لو لم تكن طيباً، ولكن كن ذكياً.
الآن قضية سلوك حديث، أو سلوك في ذكاء، من الدهاء حسن اللقاء، أنت تلقاه ببشاشة، وافهم منه ما يريد، وهيئ جواً مريحاً لك وله، ثم حقق هدفك.
وقال بعض العلماء: يعجبني من القراء كل سهل طلق مضحاك.

-أحياناً لك مكانة كبيرة، وشأن كبير, تستخدم الجدية إلى أعلى درجة من أجل أن تنتزع إعجاب الناس, وتوقيرهم, وتعظيمهم، لا، هذا من قلة الذوق كما ذكرت في الخطبة.
كان عليه الصلاة والسلام يضحك مما يضحك منه أصحابه.
كن طبيعيًا، طرفة لطيفة الجميع تبسم, هو يبقى بهيبته وصمته وروزته وعبوسه، هذا من قلة الذوق مع من حولك.
كان عليه الصلاة والسلام يضحك مما يضحك منه أصحابه، ويعجب مما يعجبون منه.
ذكرت بالمقابل: أن المبالغة في الذوق من قلة الذوق.
النبي علمنا: أننا إذا عدنا مريضاً أن لا نطيل الزيارة.
ورد في بعض الآثار: أن العيادة مقدار حلب ناقة.
المريض قد يكون متألم أو بحاجة لدواء، أو لمعاملة خاصة، أو لقضاء حاجة، أو بوضع استثنائي، فأنت تعوده بمقدار حلب ناقة، لكن يوجد استثناءات، المريض مرتاح جداً، وليس عنده مشكلة، ولا يوجد ألم، ونام نومًا طويلاً، وأنت تحبه، وهو يحبك، جلست عنده مسافة قصيرة، ثم استأذنت بالخروج، ثم حلف عليك أن تبقى جالساً، إنني مستأنس بك، لكن النبي نهانا عن إطالة الزيارة، لكن أنا مرتاح، لا أبداً, أنا ذو ذوق، لا يجوز.
فقالوا: المبالغة في الذوق من قلة الذوق.
فلذلك-: يعجبني من القراء كل سهل طلق مضحاك، فأما من تلقاه ببشر، ويلقاك بضرس، يمن عليك بعمله، فلا كثر الله في الناس أمثاله، تلقاه ببشر يلقاك بعبوس.
في بعض الأحاديث: من المفارقات كفى بها خيانة، أو تحدث أخاك حديثاً هو لك مصدق وأنت به كاذب، أن تبالغ في البشاشة له، وهو يبالغ في العبوس.

لذلك: الإنسان لا ينجح في علاقته مع الناس إلا إذا كان طبيعياً، لا تكن كهنوتياً، أو متصنعاً، أو بعيداً عن الناس، كن قريباً منهم.
من علامة النبي -عليه الصلاة والسلام-: أنه من رآه بديهة هابه، ومن عامله أحبه.
ومن أدق ما في القرآن الكريم في قوله تعالى:

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً﴾

[سورة مريم الآية: 96]

قال: هذا الود سيلقي محبتهم في قلوب المؤمنين.
هذا معنى.
المعنى الثاني: يلقي محبتهم في قلوب الناس جميعاً؛ مؤمنهم وكافرهم.
يوجد معنى ثالث: يلقي محبتهم في قلوب المؤمنين، وهيبتهم في قلوب الكافرين.
لك محبة عند المؤمن، وهيبة عند غير المؤمن.
والمعنى الرابع:

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً﴾

[سورة مريم الآية: 96]

فيما بينهم، كلام دقيق أقوله: ما دام بين المؤمنين مودة ومحبة, فهذه شهادة على أنهم مؤمنون، وما دام يوجد بغضاء وضغينة وحقد بين المؤمنين, فهذه شهادة على أنهم مقصرون في إيمانهم، لذلك:

﴿فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾

[سورة المائدة الآية: 14]

تبسمك في وجه أخيك صدقة:

أيها الأخوة, القصة سأرويها، ليس لأذكركم بشيء أفعله إطلاقاً، لا شهد الله، لكن مرة لنا أخ من أخواننا, اشترى بيتًا في بلدة في شرق دمشق، قال: كلما جاءت وجبة من الأثاث لبيتنا لنا جار تحت بيتي يخرج، ويساعدني بكل ما يملك، لفت نظره مرتين ثلاثا، مودة بالغة، ثم يأتيني بالضيافة بالشاي بما عندهم من فواكه، فقال: أنت من؟ قال: أنا من رواد جامع النابلسي, صار بينهما تعارف، -شيء جميل، المؤمنون أخوة، يتعاونون, هو يسكن تحته، بيت اشتراه حديثاً، ويفرشه، كلما أحضر شيئاً يساعده جاره-.
قال: أنت كيف عرفت هذا المسجد؟ قال: والله لي قصة! قال: ما قصتك؟ قال لي: ابن خالة من رواد المسجد، وقد أتعبني كثيراً، وقد ضيق علي، وهو دعاني لحضور الدروس، وأنا بعيد جداً عن الدروس، وعن الدين والعلم، هو من الطبقة الفقيرة جداً، غارق في همومه المعاشية، لكن من شدة ما ألح وضيق عليه, أردت أن ألبي دعوته مرة واحدة كي أسكته، فجاء للمسجد، فأثناء السلام يقول لي هذا الأخ القديم: هذا ابن خالتي، أنا بشكل لا شعوري صافحته بشعور بمودة بالغة، وبششت له، وسألته: هل أعجبك الدرس؟ وقلت لابن خالته: عينك عليه، ماذا كلفتني؟ لا شيء، لكن واحد أحضر ابن خالته للدرس، وهذا ابن خالتي أستاذ على عيني أهلاً وسهلاً بك، ومن باب التلطف: هل أعجبك الدرس؟ قال: أعجبني كثيراً، قلت له: عينك على ابن خالتك، هذا الأخ يقسم بالله, لم يترك درسًا بعدها من البشاشة فقط، لم يكلفني شيئًا، ممكن أن أسلم عليه سلامًا عاديًا وجافًا، وممكن أن لا أهتم به، ابن خالتي خير إن شاء الله!! أما قلت له: عينك عليه، وإن شاء الله الدرس أعجبك، وبششت له بوجهه، وصافحته بحرارة؟ ممكن أن تكون هذه سبب متابعة الدروس، قال: لم أعد أغيب عن درس، هو في الحقيقة في وضع اجتماعي صعب جداً, أستاذ يصافحه بمودة وحرارة, هذه ليست قليلة!!.
أخ كان بجدة حدثني, هو مدرس، يوجد هناك فرّاشون، فبالمدرسة قرع الجرس والمدير شديد جداًَ, يحب أن يتوجه المدرسون للصف عند قرع الجرس، فقال هذا الأخ: صببت كأس شاي لأشربه، فإذا بالجرس قد قرع، لا يحب أن يكون عنده خطأ، رأى فراشًا فأعطاه الكأس، في اليوم التالي قال له الفراش: لماذا قدمت لي هذا الكأس؟ قال: والله أردت أن أكرمك به, قال: بقي لي هنا عامين لم يسلم علي أحد بكلمة، فلما قدم له هذا الكأس لفت نظره، هو قدمه مضطراً، قال: أنا أحمل ماجستير في العلوم من دول شرق آسيا، من الفلبين! قال: والله لم أصدقه، فدعاه للبيت، وأطلعه على موسوعة باللغة الإنكليزية بالعلوم، وابنتي في الصف الحادي عشر، عندها سؤال، قال: أجاب بطلاقة ما بعدها طلاقة، تأكدت أنه يحمل ماجستير بالعلوم، لكن من شدة الفقر ماذا عمل؟ فراشًا، قال: خلال شهر أو شهرين صار عندي كل جمعة سهرة أحضر أصدقاءه, أكثر من عشرين أسلموا على يده، قال: بسبب كأس شاي قدمتها لفرّاش!!!.
عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ:

((قَالَ لِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا, وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ))

[أخرجه مسلم في الصحيح, والترمذي في سننه]

تبسمك في وجه أخيك صدقة، التواضع والبشر وطلاقة الوجه والتبسم والتفاؤل، هذه قد تنتهي بهداية الناس.
أنا ذكرت في الخطبة: أن طالبين مسلمين يدرسان في بريطانيا، يتكلمان العربية والإنكليزية، فإذا كانا بمفرديهما تكلما العربية، لهم صديق بريطاني، فإذا اقترب منهم الصديق, تكلما بالإنكليزية مرة مرتين ثلاثة، انتبه هذا الصديق فسألهم: ما السبب؟ قالوا: له نبينا -عليه الصلاة والسلام- نهانا إذا كنا ثلاثة: أن يتناجى اثنان دون الثالث، فإن ذلك يؤذيه، ونحن ننفذ, فقال بما معناه: نبيكم حضاري جداً، ثم عكف على كتب الإسلام، وبعد ستة أشهر أعلن إسلامه ، وقال له كلمة: أنا ما كنت أظن أن في هذا الإسلام الذوق في التعامل، كلما جاء الصديق بدلا اللغة إلى الإنكليزية لئلا يتألم! أنت قاعد، كلنا مسلمون، وعرب يتكلمون بالإنكليزية، اثنان، والثالث ينظر إليهم، هذا احتقار للثالث، منتهى الاحتقار، ويوجد شيء أحياناً يكون فهما، تكون له لغة قوية، أحياناً يتكلمون بغير لغة, ليمنعوه من فهم ما يقولونه, يكون قد فهم لغتهم فيسقطا , لذلك أيها الأخوة:

((لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا, وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ))

فموضوع البشاشة:

((إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم, فسعوهم بأخلاقكم))

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور