- أحاديث رمضان / ٠10رمضان 1424هـ - موضوعات مختلفة
- /
- 1- رمضان 1424 - مكارم الأخلاق
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
لا يعلو شأن الإنسانية عند الله إلا إذا أنصفت ذاتها بذاتها:
أيها الأخوة الكرام, من أبرز صفات المؤمن الإنصاف، ينصف الناس من نفسه، الإنصاف هو العدل، الإنصاف والعدل توأمان، الإنصاف والعدل نتيجة علو همة المؤمن، فمن أنواع الإنصاف: أن ينصف الإنسان نفسه من نفسه, أن يعرف قدرها، فلا يضعها فوق ما تستحق، ولا يذلها فيضعها دون ما تستحق، وإنصاف النفس من أجل صفات المؤمن، فإذا أنصف نفسه أنصف الآخرين، وإذا عرف قدره كان عزيزاً، وإذا عرف قدر الآخرين كان موضوعياً، وما من قيمة يلتقي بها العلم والدين إلا قيمة الموضوعية، فهي قمة صفات العالم، وهي قمة صفات المؤمن: أن تكون موضوعياً.
فالنبي -عليه الصلاة والسلام- بلغه عن طريق الوحي, أن حاطب بن بلتعة, وهو أحد أصحابه, قد أرسل كتاباً إلى قريش, يخبرهم بأن محمداً سيغزوهم، وتعلمون أن هذه خيانة عظمى في كل تاريخ البشر، وفي كل الأنظمة، والذي يقوم بهذه الخيانة يستحق القتل في كل الأنظمة والمجتمعات، فلما جيء بالكتاب من المرأة التي ذهبت إلى قريش, أدركوها في نصف الطريق، وكتب فيه: من حاطب بن بلتعة إلى قريش، إن محمداً سيغزوكم، استدعى حاطباً، وقال:
((ما هذا يا حاطب؟ قال عمر قبل أن يتابع النبي -عليه الصلاة والسلام- تحقيقه: دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: لا يا عمر, إنه شهد بدراً.
-الآن ارتكب خيانة عظمى، إلا أن له سابقة، إنه شهد بدراً.
لما رأى النبي من بين الأسرى صهره، زوج زينب وقع أسيراً، أي كان مقاتلاً، أي أراد أن يقتل أصحاب النبي، هذه الحرب، فلما نظر إليه قال: والله ما ذممناه صهراً .
صدقوا أيها الأخوة: إنه ما من صفة تسقط الإنسان من عين الله إلا أن يكون غير منصف، فابنته لها معاملة، وزوجة ابنه لها معاملة، أخطاء ابنته مغفورة, أما أخطاء زوج ابنته فليست مغفورة، هذا الذي يستخدم مكيالين.
إن لم تكن منصفاً لدينك فلست منصفاً:
ترون أنتم الآن: كيف أن هذه الدول الكبرى إذا قال إنسان مسؤول كبير عندهم: إله المسلمين وثن، سوف نحاربهم لأنهم شياطين، اتهم ثلث سكان الأرض، اتهم دينهم ونبيهم وإلههم ومقدساتهم، لا أحد ينطق بكلمة، إذا قال شخص في مؤتمر: إن اليهود يخططون للسيطرة على العالم تقوم الدنيا ولا تقعد، أي أن تستخدم مقياسين ومكيالين, فهذه صفة من أسوأ صفات الإنسان، لذلك علامة المؤمن الإنصاف، يعرف قدر نفسه، يعرف مكانة نفسه، لا يضعها فوق ما تستحق، ولا يسمح أن تكون دون ما تستحق.
يقول عليه الصلاة والسلام:
((من جلس إلى غني فتضعضع له, ذهب ثلثا دينه))
وأن ينصف المرء خالقه، فلا أن يقبل لخالقه صفات لا تليق به، وأن ينصف دينه، فلا يقبل أن يكون الدين متخلفاً عن روح العصر، وأنه نظام لا يصلح للبشرية، مع أنه دين الله عز وجل، وأن ينصف نبيه، فإذا قرأ قصة لا أصل لها ينبغي ألا يقبلها.
مر النبي في الطريق بباب مفتوح، فرأى امرأة تغتسل عارية، وقعت في نفسه فقال: سبحان الله! فجاء الأمر الإلهي أن يا زيد طلقها وتزوجها يا محمد، هذه ليست أخلاق النبي، وهذه قصة لا أصل لها، أنت حينما تقبل عن النبي الكريم قصة لا تليق بمقامه لم تنصفه، وحينما تقبل عن الله مقولة لا تليق بكماله لم تنصف ربك، وحينما تقبل عن كتاب الله شيئاً بعيداً عن سمو هذا الكتاب لم تكن منصفاً له.
أنصف عدوك تملك قلبه:
الإنصاف صفة في الإنسان قلما تلاحظ في غير المؤمنين، لا تلاحظ إلا في المؤمنين، وينبغي أن تنصف العباد، ولو كانوا خصوماً لك، يقول الله عز وجل:
﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا ﴾
-الشنآن: البغض الشديد-:
﴿اعْدِلُوا ﴾
-مع من؟ مع الذين تكرهونهم؟ مع الذين لا تحبونهم؟-:
﴿هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾
والحقيقة: أنت بطل حينما تنصف الناس من نفسك.
كنت في محل تجاري في أحد أيام الأعياد -عيد الجلاء-, فصاحب المحل ابنه في المحل، وابنه في سن موظف عنده صغير، حمّل هذا الموظف بضعة أثواب حتى ضَعُف عن حملها, قال له: لا أحتمل، قال: أنت شاب احمل، فلما حمل ابنه ثوباً واحداً قال له: انتبه إلى ظهرك يا بني، أرأيت إلى موقف أحقر من هذا الموقف؟ فأنت حينما تنصف الناس يحبك الله، حينما تكون موضوعياً، حينما تعامل الناس بالعدل.
قال تعالى:
﴿فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ﴾
ولو لم يكن مسلماً، لأنه غير مسلم ينبغي أن آكل حقه!؟ أنت ساقط من عين الله، ولو كان مجوسياً يجب أن تعطيه حقه:
اتقوا دعوة المظلوم, فإنها ليس بينها وبين الله حجاب.
هنا البطولة، ضمن الأسرة الابن له معاملة غير الفتاة، الصهر غير الابن، زوجة الابن غير البنت، أي دائماً الناس يكيلون بمكيالين، هذان المكيالان يسقطان عدالة الإنسان-.
قال: لا يا عمر إنه شهد بدراً، تعال يا حاطب، ما حملك على ما فعلت؟ قال: والله -يا رسول الله- ما كفرت ولا ارتددت، ولكنني لصيق في قريش، وأنا موقن أن الله سينصرك، أردت بهذا الكتاب أن أحفظ مالي وأهلي هناك، فاغفر لي ذلك يا رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام:
((إني صدقته فصدقوه، ولا تقولوا فيه إلا خيراً))
هل تستطيع أن تعامل عدوك بالعدل؟ أن تعطيه حقه؟ ينبغي أن تنصف نفسك، وينبغي أن تنصف ربك، وينبغي أن تنصف نبيك، وينبغي أن تنصف قرآنك، وينبغي أن تنصف دينك، وينبغي أن تنصف العباد.
أي إنسان كان يعمل عندك أخطأ، فهل ينسيك هذا الخطأ كل ميزاته؟ لست منصفاً.
شخص دخل ليصلي مع النبي، أسرع فأحدث جلبة وضجيجاً، شوش على أصحابه صلاتهم، فلما انتهى النبي من الصلاة قال له:
((زادك الله حرصاً -أنت حريص على الصلاة- ولا تعد))
أي أنت إذا كنت منصفاً, تعلقت القلوب بك.
أنصف أهل بيتك من نفسك:
عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ, أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:
((إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا, فَقَالَ: أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ؟ قَالَ: لَا, قَالَ: فَارْجِعْهُ))
يجب أن تعامل أولادك بالسوية.
يجب أن تعامل زوجتيك بالعدل، لماذا الناس يكرهون التعدد؟ قد تقول المرأة: اذهب وازن، ولا تأتني بضرة، لماذا؟ لأن الناس ما رأوا العدل في التعدد، رأوا الانحياز مع الصغيرة، مع الجديدة، مع الجميلة، معها ومع أولادها، يهمل القديمة، أما لو رأوا الإنصاف في التعدد لما كرهوا التعدد، أحياناً بالتعدد تحل مشكلات لا تعد ولا تحصى، لكن الناس عرفوا التعدد ظالماً، إذاً كرهوا التعدد، أحياناً لا ينصف الإنسان زوجته، يستغل ضعفها، ويكبر أخطاءها، ويتعامى عن فضائلها، هذا ليس منصفاً.
لك جار إن رأى خيراً كتمه، وإن رأى شراً أذاعه, ليس منصفاً.
لك رئيس في الدائرة، إن أحسنت لم يقبل، وإن أسأل لم يغفر.
أيها الأخوة, ما من خطأ متفش في الناس كعدم الإنصاف، في العلاقات الاجتماعية، في العلاقات الأسرية، قد يكون الابن غنيًا، لكنه غير منضبط بالشرع، وابن آخر غير غني، هل يعقل أن يهمل الابن الفقير لأنه فقير، وأن يحترم الابن الغني لأنه غني؟ مع أن الفقير أكثر ورعاً من أخيه، وأكثر التزاماً، فالذي يحز في نفوس الأبناء: أن الأب لم يكن منصفاً في معاملته، ولا في إرثه، ولا في وصاياه، ولا في عطاياه، النبي -عليه الصلاة و السلام- يقول:
((اعدلوا بين أولادكم ولو في القبل))
أكبر صفة ينبغي أن تتحلى بها: أن تكون عادلاً، رأى صهره جاء ليقاتله، وقع أسيراً قال:
((والله ما ذممناه صهراً))
كصهر ممتاز، أنصفه، هل عندك إمكان أن تنصف خصومك؟.
آداب أهل الإنصاف:
1-بيان حقيقة الدين:
يوجد بعض القواعد من آداب أهل الإنصاف:
أولاً: أنت حينما تريد أن تقيم الطرف الآخر, ينبغي أن يكون القصد بيان حقيقة للناس، لا أن تجرحه، لا أن يشتفي صدرك منه، لا أن تصغره، القصد بيان حقيقة، لذلك لا تستخدم كلمات قاسية، لا تستخدم شخصه كي تنهش منه، تتحدث عن فكرة يطرحها غير صحيحة، والأدلة على عكسها، هذا أول أدب: أن تتحرى قصدها، أنت لماذا تهاجم فلاناً؟ أنت كإنسان تنطق بالحق، من حقك ومن حق الناس عليك أن يسمعوا منك كلمة العدل في هذه الدعوة، ليس القصد من ذلك أن تجرحه، أن تفضحه، أن تسحقه، القصد أن تبين للناس حقيقة هذا الدين.
2 -لا يتسرعون في إطلاق الأحكام:
من آداب أهل الإنصاف: أنهم لا يتسرعون في إطلاق الأحكام:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾
هذا هو الأدب الثاني.
3-احمل كلام خصمك على أحسن وجوهه:
الأدب الثالث: احمل كلام خصمك على أحسن وجوهه.
هو قال هذا الكلام، ولكن ما قصد هذا الذي تفنده أنت، احمل كلام الطرف الآخر على أحسن الوجوه، ولا تحمل هذا الكلام على أسوأ الوجوه.
قال لك شخص: لله رجال إذا أرادوا أراد، أنت كافر، أنت مشرك، لماذا؟ إذا أراد بهذا الكلام أنهم مستجابو الدعوة، لا يوجد شيء، لماذا أنت حملت كلامه أنهم لهم إرادة مستقلة عن إرادة الله, لماذا؟ احمل كلام الطرف الآخر محملاً حسناً، احمل كلام الطرف الآخر على أحسن الوجوه.
شخص قال: أنا أصلي بلا وضوء، فسيدنا علي قال: يصلي على النبي، بهذا المعنى، قال: أنا أفر من رحمة الله, قال: لأنه يهرب من المطر، لأن المطر رحمة الله عز وجل، شخص قال: أنا لي في الأرض ما ليس لله في السماء، له زوجة وأولاد، فقد تحمل كلام الآخرين على أحسن الوجوه، وهذا من أدب المؤمنين.
4-ألا تتحدث عن سيئات الطرف الآخر وتتناسى حسناتهم:
من هذه الآداب: ألا تتحدث عن سيئات الطرف الآخر، وتتناسى حسناتهم.
مرة التقيت مع إنسان قريب, كان في أمريكا, حدثنا عن الرقي, وعن الأناقة, وعن الجمال, وعن الانضباط, وعن النظام، ما تكلم كلمة سلبية واحدة، فإذا تحدث عن أهل المشرق, تحدث عن الفوضى والخطأ، قلت له: ليس لأهل هذه البلاد ولا ميزة، ولا لأهل هؤلاء البعيدين ولا سيئة؟ كن منصفاً، تحدث عن إيجابياتهم وعن سلبياتهم، وإن تحدثت عن قومك, تحدث عن إيجابياتهم وعن سلبياتهم.
أنا أحياناً أضطر أن أذكر هذه القصة: شاب هناك أحب فتاة فسأل أباه ليتزوجها، قال: لا يا بني إنها أختك وأنت لا تدري، فتركها ثم تعلق بفتاة أخرى, استأذن أباه قال: لا يا بني إنها أختك وأمك لا تدري، فقال لأمه: ما حدث؟ قالت: تزوج أياً شئت فأنت لست ابنه وهو لا يدري.
هكذا هناك، نحن عندنا انضباط، يوجد أسر بالشام الخيانة قليلة فيها جداً ونادرة، أليست هذه ميزة؟ هناك تماسك أسري، هناك رحمة.
5-أن يكون النقد للرأي لا لصاحب الرأي:
بفرنسا جاؤوا بإنسان، ووضعوا عليه حبراً أحمر اللون أمام سيارة فيها حادث على طريق بين باريس وليون، بعد ست ساعات توقفت سيارة، نحن الهرة يهرع الناس إلى معالجتها، وأخذها إلى المستوصف، أليس كذلك؟ هؤلاء قومك ليس لهم ولا ميزة، تحدث عن أخلاقهم، عن تماسكهم الأسري، عن إقبالهم على الدين، عن رحمتهم التي في قلوبهم، فإذا كنت في بلاد الغرب لا مانع أن تذكر إيجابياتهم، وينبغي أن تذكر مع إيجابياتهم سلبياتهم، وأنت إذا كنت في بلاد الشرق تحدث عن بعض الأخطاء ولا تنسى بعض الفضائل، هذا هو الإنصاف.
يجب أن يكون النقد للرأي لا لصاحب الرأي، هذا من آداب أهل الإنصاف.
6- أن يمتنع الإنسان عن المجادلة التي تفضي إلى المنازعة:
ومن آداب أهل الإنصاف: أن يمتنع الإنسان عن المجادلة التي تفضي إلى المنازعة:
((أنا زعيم في ربض الجنة لمن ترك الجدال وهو محق))
الآن: إذا أردت أن تنتقد الآخرين, خذ ظاهر أقوالهم، لا أن تصل إلى نواياهم، من يعلم النوايا.
ما أراد بهذا الكلام الذي فهمتم منه؟ أراد شيئاً آخراً عميقاً، هذا ليس إنصافاً، ابق في حدود النص.
لا تنتصر أمتنا على عدوها إلا بالعدل:
أخواننا الكرام, يوجد قصة لا يصدقها العقل: إن أحد الأنصار اسمه الأبيرق, هذا الأنصاري, سرق درعاً لأحد وجهاء الأنصار -درع ثمين-, فلما وضعها في جراب، والجراب في طحين، والجراب مثقوب، فسار فخطّ من ساحة المعركة إلى بيته, يوجد دليل على أنه سارق، أخذ هذا الجراب وضعه عند يهودي أمانة، وذهب وفد إلى النبي من طرفه؛ أن نحن أنصارك يا رسول الله، نحن قومك، هذا الإنسان ليس سارقاً، السارق هو اليهودي، النبي تمنى أن يكون هذا الكلام صحيحاً، -إذا أنت هناك خصومة بين ابنك وبين إنسان بعيد، أنت كأب تتمنى أن يكون الحق مع ابنك-، لم ينطق بكلمة، فإذا بقرآن يتنزل عليه فيه عتاب يعد من أشد أنواع المعاتبة، قال الله عز وجل:
﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً﴾
نزلت تبرئة اليهودي، وهو عدو النبي، واتهامًا للأنصاري، وهو من أتباع النبي، هذا هو العدل.
العدل فوق كل شيء، لذلك حينما تفقد الأمة العدل انتهت، فقد تودع منها العدل؛ تتحمل الفقر، نتحمل مليون مشكلة، أما حينما نفقد العدل انتهت هذه الأمة.
النبي -عليه الصلاة والسلام- أرسل عبد الله بن رواحة لتقييم تمر خيبر، وخيبر يهود، فأغروه بحلي نسائهم، فقال: جئتكم من عند أحب الخلق إلي، ولأنتم عندي أبغض من القردة والخنازير، ومع ذلك لن أحيف عليكم، فقال اليهود: بهذا قامت السموات والأرض وبهذا غلبتمونا.
وهذه الأمة الإسلامية لا تشم رائحة النصر إذا ظلم بعضها بعضاً، ما دام هناك ظلم بين المسلمين, لن ينالوا النصر من الله أبداً إلا إذا كان هناك إنصاف، قال تعالى:
﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾
أنصف تؤمن لا تنصف لا تؤمن:
من أبرز الأحاديث الواردة في الإنصاف: عَنْ أَنَسٍ, عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
((لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ))
وفي زيادة: حتى يكره لها ما يكره لنفسه.
الشيء الذي تحبه لنفسك ينبغي أن تحبه للآخرين، وعندك إمكان: الشيء الذي تكرهه لنفسك أن تكرهه للآخرين.
زينب بنت جحش زوجة النبي -عليه الصلاة والسلام- كانت منافسةً للسيدة عائشة، فلما وقعت مشكلة الإفك سأل النبي زينب ضرة السيدة عائشة، تقول السيدة عائشة: سألها عن أمري، فقال: يا زينب, ماذا علمت أو رأيت من عائشة؟ فقالت: يا رسول الله, أحمي سمعي وبصري، ما علمت إلا خيراً، قالت عائشة: وهي زينب التي كانت تساميني، -أي تنافسني وتكرهني من أزواج النبي-، فعصمها الله بالورع، فلما سئلت قالت: ما علمت عليها إلا خيرًا.
هذه البطولة, نحن إذا غلط خصمنا نشرحه، انتهى، وننسى كل ميزاته، نحطمه.
سيدنا أبو ذر الغفاري لقيه رجل وعليه حلة ثوب جميل، وعلى غلامه حلة مثل حلته، فسأله عن ذلك قال:
((إني ساببت رجلاً فعيرته بأمه وأمه السوداء، فقال: يا بن السوداء، فقال لي النبي -عليه الصلاة والسلام-: يا أبا ذر أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية، أخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، أطعموهم مما تأكلون، ولا تكلفوهم ما لا يطيقون، والنهار لكم، والليل لهم، فمن كان أخوه تحت يده؛ فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغرمهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم))
قد يكون عندك خادم ينبغي أن تعامله كابنك، هذا الدين بحاجاته، بمتطلباته، بكرامته، الإنصاف من صفات المؤمن، إذا كنت منصفاً تشعر أن الله يرضى عنك، وأنك عند الله عظيم، وإن لم تكن منصفاً، وإن استخدمت مقياسين ومكيالين كما ترى الآن في العالم كنت صغيرا.
وقعت طائرة في بريطانيا لوكربي, الآن يدفع من اتهم بأنه أسقطها مئتين وسبعين مليار دولار بمعدل خمسمئة مليون ليرة سورية دية كل راكب، يعني عشرة ملايين دولار، ويموت الألوف، ويقولون: خطأ، المسلم ليس له ثمن، من دون ثمن إطلاقاً، لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
((تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً, فيأتي أخي عيسى فيملؤها قسطاً وعدلاً))
دعاء الختام:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.