- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠31برنامج الإيمان هو الخلق - قناة سوريا الفضائية
تقديم وترحيب :
أيها السادة المشاهدون ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم الإيمان هو الخلق ، يسعدنا أن نكون والأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي نكون في ضيافته ، وفي سعته العلمية ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين في دمشق .
أهلاً وسهلاً بأستاذنا الكريم .
بكم أستاذ علاء ، جزاكم الله خيراً .
أستاذنا في الحلقة الماضية تحدثنا عن مقومات التكليف التي مررنا عليها في الحلقات السابقة ، حتى وصلنا إلى الطبع ، وكيف أن الإنسان يصدق ما يريحه من الأقوال والإشاعات ، ويكذب ما يزعجه ، وكيف أن الإنسان كيف اعتنق فكرة الإلحاد ، وحتى نظرية التطور التي أتى بها " داروين " على أن الأصل والنشوء والتخلق والتخليق كان عبثاً أو صدفة ، أو كان عن غير قانون إلهي ، ولم يخلق هذا الكون الفسيح بدقائقه ونظمه ، كل هذا الاعتقاد ليتفلت الإنسان من ضوابط الحساب والمسؤولية ، ومن التكليف ، وليتفلت الإنسان من كل الإيقاع المنتظم لسيره في الحياة ، ولتحركه في ساحته الحيوية التي أوجدها الله له .
نأتي اليوم لنتحدث عن مسألة ، هذه المسألة تتعلق بخصوصيات الإنسان ، وبتكوين الإنسان ، هل هذه في الجبلة ؟ بالطبع ؟ هل هذه بالفطرة ؟ النقاط أو الخواطر أو الزوايا الضعيفة في النفس الإنسانية .
الله عز وجل يصف الإنسان في القرآن الكريم بالهلع ، وبالضعف ، وبالعجلة ، كيف نتلمس هذه المسألة في نفسية وتكوين الإنسان ؟ .
كيف نتلمس الهلع والضعف والعجلة في نفسية وتكوين الإنسان ؟
الدكتور :
الحقيقة أستاذ علاء ، جزاك الله خيراً ، أن هذه النقاط نقاط الضعف هي كمال مطلق الدليل :
حينما أقتني آلة غالية جداً ، وذات نفع كبير جداً ، وتركيبها معقد جداً ، صلاحها صعب جداً ، يضعون في الآلة نقطة ضعف على طريق إمدادها بالكهرباء ، فإذا جاء تيار كهربائي مفاجئ يمكن أن يحرقها ، هذه النقطة الضعيفة تسيح ـ الفيوز ـ وينقطع التيار ، هل هذه القطعة التي اسمها الفيوز كمال أم نقص ؟ لا ، كمال مطلق ، لأن هذه النقطة الضعيفة حمت الآلة من العطب حماية كاملة .
فلذلك الله عز وجل خلق الإنسان هلوعاً ، وخلقه ضعيفاً ، وخلقه عجولاً ، وهذه نقاط ضعف في أصل خلق الإنسان لا يحاسب عليها ، هذه جبلته ، وهذه فطرته ، ولكنها ضمان بسلامته ، وضمان لسعادته .
1 – صفة الهلع :
نبدأ بالنقطة الأولى ، وهي :
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً ﴾
والله عز وجل فسر هذه الكلمة فال :
﴿ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً ﴾
فهو حريص على ما في يديه ، ينهار عند خبر سيء ، لماذا ؟ هذا ضعف في خلق الإنسان ، لو تصورنا أن الإنسان لا يجزع ، كيف يعالجه الله عز وجل من الضياع إلى الهدى ؟ كيف يأخذ بيده إلى بابه ؟ كيف يحمله على التوبة ؟ كيف يجعله يؤدي العبادات ؟ كيف يجعله يسير على منهج الله الصحيح ، هذا كله بسبب أن الله سبحانه وتعالى خلق فيه هذا الضعف ، إذاً :
﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ﴾
﴿ إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾
الحقيقة التي أتمنى أن تكون واضحة هي أن الإنسان حينما يشعر أن شيئاً يزداد حجمه في جسمه تنهار أعصابه ويسارع إلى طبيب ، يصوِّر ، يأخذ خزعة ينقلها إلى بلد أجنبي ، لولا أنه جزوع ما فعل هذا ، ثم يدعو الله ، ثم يتصدق ، ثم يبدأ يصلي ، لولا هذا الضعف في الإنسان لما تاب هذا الإنسان ، ولما عاد إلى الله إنسان ، ولما أقبل على الله إنسان ، خلقه ضعيفاً ليفتقر في ضعفه فيسعد بافتقاره ، ولو خلقه قوياً لاستغنى بقوته ، فشقي باستغنائه .
هناك حِكَم بالغة جداً لا نعرفها إلا عند فقدها ، هناك نِعَمّ كثيرة نظنها نقائص هي في الحقيقة نِعَم .
﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ﴾
أولاً .
﴿ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ﴾
إذاً الطريقة الوحيدة إلى التوبة ، وإلى الصلح مع الله ، وإلى الإقبال عليه ، وإلى تطبيق منهجه ، وإلى أداء الواجبات ، وإلى تحقيق الأهداف النبيلة التي خُلق من أجلها أساسها أنه جزوع ـ إذا أصابته صدمة يعود ويتذكر ـ الله عز وجل لأنه هو رب العالمين ، إذا ساق له شدة يلقي في روعه أن هذه من أجل كذا ، إذا أتلف له ماله يلقي الله في روعه أن هذا الإتلاف للمال بسبب أنك كسبت مالاً حراماً على حساب ما يصلح المؤمنين ، أو الذين اشتروا هذه البضاعة ، البضاعة فيها فساد ، فيها غش ، مواصفاتها ليست جيدة ، أوهمهم أنها من أعلى مصدر ، فيأتي إتلاف ماله كتأديب له على أنه أساء في علاقته مع الآخرين ، لولا أنه جزوع لما تاب إنسان ، ولما اصطلح مع الله إنسان ، ولما أقبل إنسان ، ولما عاد إنسان إلى الحق .
أنا أقول ، وأنا متأكد من قولي : إنك إذا دخلت إلى مسجد ، ورأيت فيه آلاف مؤلفة ، فتسعة أعشار هؤلاء ساق الله لهم بعض الشدائد حتى عادوا إليه ، واصطلحوا معه ، قال تعالى :
﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾
(( ما من عثرة ، ولا اختلاج عرق ، ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم ، وما يغفر الله أكثر ))
﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا ﴾
البعض وليس الكل .
﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾
الإباحية انتشرت ، فجاء الإيدز ، الآن يخاف الإنسان من هذا المرض ، هذا هو :
﴿ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾
إذاً : أن يكون الإنسان جزوعاً هذه نعمة مبطنة ، لولا هذه النعمة لما اصطلح إنسان مع الله .
﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ﴾
إذا أجرى تحليلا ، وكان في التحليل خبر سيء جداً لا ينام الليل ، ثم يحاسب نفسه ، ثم يراجع نفسه ، ثم لعله ينهج طريقاً آخر ، لعله يقلع عن معصية استقر عليها ، إذاً : من نعمه الكبرى أن الإنسان في أصل فطرته جزوع .
أمّا أنه منوع فالمال لا قيمه عنده ، فإذا أنفقه يرقى به ، لو لم يكن للمال قيمة ، للراحة قيمة ، وللمسكن الواسع قيمة ، وللمركبة الفارهة قيمة ، ولما امتحن ، ولما نجح في الامتحان ، المال له معنى كثير ، أنت حينما تنفق المال ، وأنت في أمسّ الحاجة إليه ، حينما تؤثر أن تقدم شيئاً لأخيك المحتاج ، حينما تؤثر القيمة على المصلحة ، والمبدأ على الشهوة ، أنت ترقى عند الله عز وجل ، لو أن المال لا قيمة له فلا معنى لإنفاقه إطلاقاً ـ بالمخالفة يرقى ، بمخالفة النفس يرقى ـ بمخالفة المنع ، لولا أن للمال قيمة كبيرة جداً عند الإنسان لما امتُحِن ، والدليل :
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾
لولا أن الإنسان يشتهي المرأة كيف يكون عفيفاً ؟ يبذل جهد كبير حتى يكون عفيف حتى يرقى عند الله . سيدنا يوسف بلغ أعلى المراتب حينما قال :
﴿ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾
إذاً لولا أن الإنسان حريص على ما بيده ، فإذا أنفقه في سبيل الله ارتقى إلى أعلى عليين ، على درجة الإنسان حريص على حياته ، فهؤلاء الذين يضحون في حياتهم على سبيل مبدئهم ، وفي سبيل أمتهم ، هؤلاء يرقون عند الله رقي كبير جداً .
إذاً :
﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾
هذا استثناء دقيق جداً .
بالمناسبة أستاذ علاء ، أنت إذا قلت : إنسان ، فهذه الكلمة تنطبق على ستة آلاف مليون ، فإذا أضفت صفة واحدة لها ، وقلت : إنسان مسلم ، مليار ونصف ، كنا ستة مليارات فأصبحنا مليارا ونصفا ، فإذا أصفت وقلت : إنسان مسلم عربي ، 300 مليون ، فإذا قلت : إنسان مسلم عربي مثقف ، 100 مليون ، فإذا قلت : إنسان مسلم عربي مثقف طبيب نصف مليون ، فكلما أضفت صفة ضاقت الدائرة .
﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾
﴿ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾
ضاقت الدائرة ، هذه أول صفة :
﴿ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ ﴾
المذيع :
ضيق الدوائر بدوائر أخرى حتى وصل إلى الخلاصة .
الدكتور :
(( ليس كل مصل يصلي ، إنما أتقبل صلاة ممن تواضع لعظمتي ، وكف شهواته عن محارمي ، ولم يصر على معصيتي ، وأطعم الجائع ، وكسا العريان ، ورحم المصاب وآوى الغريب كل ذلك لي ، وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوء عندي من نور الشمس ، على أن أجعل الجهالة له حلما ، والظلمة نورا يدعوني فألبيه ، ويسألني فأعطيه ، ويقسم علي فأبره ، أكلأه بقربي ، وأستحفظه ملائكتي ، مثله عندي كمثل الفردوس لا يتسنى ثمرها ولا يتغير حالها ))
وهناك صفات كثيرة لهؤلاء المصلين ، نرجو الله في حلقات قادمة أن نعود إليها .
إذاً نقطة الضعف الأولى في الإنسان أنه هلوع .
الهلوع لها شقان :
﴿ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ﴾
إنها نقاط ضعف في أصل بنائه النفسي ، وهي لصالحه ، وهي كمال مطلق له .
المذيع :
كحاسة اللمس ، عندما تقترب اليد من منبع نار فيه حرارة عالية ، مباشرة وبأمر لا إرادي ترتد اليد حتى لا تصاب بالهلاك ، وتتحسس البرودة بنفس الشيء ، هذه الخاصية عند الإنسان هي ليست نقصا ، وإنما هي كمال ، وتمام الخلق ، كما تفضلت ، فهلوع من عوامل أمان لتمام كماله بكل معنى الكلمة .
الدكتور :
أؤكد لك هذا المعنى بأن الإنسان هداه الله بادئ ذي بدء لمصالحه ، فالإنسان أكل طعاماً ساماً يتقيؤه ، لو مال قليلاً يصحح استقامته ، بفعل دوائر الأذن الداخلية ، دوائر التوازن ، فالإنسان في البداية هداه الله إلى مصالحه ، ثم هداه إليه ، ثم هداه إلى الجنة .
المذيع :
جئنا بعد الهلع إلى مسألة الضعف .
2 – صفة الضعف :
الدكتور :
الإنسان ضعيف ، مثلاً : بعد عمر معين يضعف بصره ، يضعف سمعه ، قد يحلل دمه فإذا فيه علل كثيرة ، تلتهب مفاصله ، يشعر بآلام في ظهره ، كان من الممكن أن يبقى الإنسان بأشد حالاته إلى ساعات موته ، ولكن هذه التطورات التي تصيب جسمه بعد سنٍ معينة هي إشارات لطيفة جداً ، رسالة من الله ، أن يا عبدي قد اقترب اللقاء بيننا ، فهل أنت مستعد له ؟ قضية الإنسان عندما ينحني ظهره ، ويضعف بصره ، ويشيب شعره قضية مصيرية .
(( عبدي كبرت سنك ، وانحى ظهرك ، وضعف بصرك ، وشاب شعرك فاستحي مني فأنا أستحي منك ))
إلى متى أنت باللذات مشغول وأنت عن كل ما قدمت مسؤول
***
تعصي الإله وأنت تظهر حب ه ذاك لعمري في الــمقال شنيع
لـو كان حبك صادقا لأطعته إن المـــحب لمن يحب يطيع
***
فـوا خجلي منه إذا هو قال لي يا عبدنــــــا ما قرأت كتابنا
أما تستحي منا ويكفيك ما جرى أما تختشي من عتبنا يوم جمــعنا
أما آن أن تقلع عن الذنب راجعاً فانتظر به مـــــا جاء عهدنا
فـأحبابنا اختاروا المحبة مذهباً وما خالفوا في مذهب الحب شرعنا
فلو شاهد عيناك من حسننا الذي رأوه لما وليت عنـــــا لغيرنا
ولـو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت عنك ثياب الـعجب و جئتنا
ولـو ذقت من طعم المحبة ذرة عذرت الــذي أضحى قتيلاً بحبنا
ولـو نسمت من قربنا لك نسمة لــــمت غريباً و اشتياقاً لقربنا
فـما حبنا سهل وكل من ادعى سهولته قـــــلنا له قد جهلتنا
***
الحكمة مِن خلق الإنسان ضعيفا :
إذاً : الإنسان ضعيف ليكون قريباً من الله ، ليفتقر في ضعفه .
أستاذ علاء ، كلام دقيق جداً ، خُلق الإنسان ضعيفاً ليفتقر إلى الله بضعفه ، فيسعد بافتقاره ، ولو خلق قوياً لاستغنى بقوته فشقي باستغنائه ، والآية تقول :
﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾
فأحياناً القوة والغنى تعمي الإنسان ، تعمي بصره ، يصبح طاغية ، فلذلك الضعف سبيل إلى الافتقار إلى الله .
مرة سأل وزير ملِكا : بكم تشتري هذا الكأس من الماء إذا منِعت عنك ؟ قال : بنصف ملكي ، قال : فإذا منع إخراجه ؟ قال : بنصفي ملكي الآخر .
كل إنسان في رمضان ، ولا سيما إذا كان رمضان في أشهر الصيف ، بعد الساعة الثانية عشرة كل خواطره في الماء ، والشراب ، وأحياناً الإنسان في رمضان يعرف ضعفه ، أنه يكون شخصية مهمة جداً على أعلى مستوى من العلم ، كل أهدافه كأس ماء يشربه ، فالإنسان ضعيف ، خلق ضعيفاً ليفتقر بضعفه ، ويسعد بافتقاره ، ولو خلق قوياً لاستغنى بقوته ، وشقي باستغنائه .
المذيع :
الصفة الأخيرة ؟
3 – صفة العجلة :
الدكتور :
متى يرقى الإنسان ؟ حينما يخالف طبعه ، طبعه عجول ، يحب الشيء الآني الحالي ، الآن معظم الناس يعيشون لحظتهم ، بصرف النظر عن صواب عملهم أو خطئه ، يعيشون لحظتهم ، أما المؤمن فيفكر في المكان البعيد ، قد يختار الجنة ، قد يختار الآخرة .
﴿ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً ﴾
فإذا مشى الإنسان مع طبعه يختار الشيء العاجل ، لأنه عجول ، يختار المكسب السريع ، والمال ، ولو كان من حرام ، إذا كان وفيراً يختاره ، أما المؤمن فإنه يعاكس فطرته ، من هنا يختار هدفه البعيد ، يختار الجنة ، يختار الآخرة ، فهذا الذي يرقى بالإنسان ، الإنسان لا يرقى لو أن طبعه مُهُول ، لا يرقى باختيار الجنة ، لكنه يرقى باختيار الجنة إذا كان طبعه عجولا.
﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولاً ﴾
المذيع :
سيدنا إبراهيم :
﴿ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ﴾
المعنى الإيجابي للعجلة :
هذا المعنى الآخر ، يبادر بالأعمال الصالحة ، قال عليه الصلاة والسلام :
(( بادروا بالأعمال سبعا : ما ينظرون إلا فقرا منسيا ، أو غنى مطغيا ، أو مرضا مفسدا أو هرما مفندا ، أو موتا مجهزا ، أو الدجال ـ الذي يدعي الحرية ، ويسفك الدماء ـ فإنه شر غائب ينتظر ، أو الساعة ، والساعة أدهى وأمر ))
هنا نأخذ معنى آخر :
﴿ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ﴾
﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ﴾
المذيع :
الآن في محطتنا العلمية لهذه الحلقة ، ماذا اخترت لنا سيدي الأستاذ ؟
الخلية الحية آية من آيات الله وليست وليد الصدفة :
الدكتور :
الحقيقة عندنا مشكلة ، أن أكبر مشكلة تواجه نظرية التطور التي نحن في صددها هي أن بنية الخلية الحية معقدة إلى درجة كبيرة ، حيث يستحيل ظهورها بعوامل المصادفة
إن أكبر مشكلة تواجه نظرية التطور هي أن بنية الخلية الحية معقدة إلى درجة كبيرة بحيث يستحيل ظهورها بعوامل المصادفة .
أستاذ علاء ، لو وضعنا عشر ورقات بكيس مرتبة من واحد إلى عشرة ، احتمال أن يأتي طفل ، ويسحبها فتأتي مسلسلة واحد على عشرة آلاف مليون حالة
لذلك قال بعضهم : ذرة الحمض الأميني لا تكفي ذرات لتصنعها صدفة ، مبدأ الصدفة مبدأ تحت الأقدام ، لا يعقل ولا يقبل ، ولا يقبل به أي عاقل .
شيء آخر ، تتكون جميع أجزاء الخلية من دقائق في غاية التعقيد ، قديماً لم تكن هناك مجاهر عميقة ، الآن عندنا مجهر الكتروني يكبر 400 ألف مرة
المجاهر التقليدية ظهرت خلية قطعة مقسمة ، كما بدت هنا ، البنية المعقدة للخلية المعقدة معروفة حديثاً ، فتبدو هذه الخلية تحت المجاهر الحديثة معقدة غاية التعقيد ، مؤلفة من آلاف الأقسام التي تعمل معاً كبنك معلومات ، ومصنع ، ومخزن ، وتصريف إدارة
حتى إن لها غشاء عاقلا يمنع دخول ما لا تريد
شيء آخر ، أنه لكي تستطيع الخلية الاستمرار في الحياة كان من الضروري وجود جميع هذه الأعضاء والأجزاء بنفس الوقت ، أما ظهور هذا النظام المعقد جداً مصادفة فأمر مستحيل تماماً ، ولا تستطيع المختبرات الأكثر تطوراً إنتاج خلية حية واحدة من مواد غير حية ، مستحيل وألفُ ألفِ ألف مستحيل أن تظهر خلية حية من أشياء غير حية
نظرية " داروين " تقوم على هذا ، أن الخلية الحية ظهرت طفرة من أشياء غير حية ، وبدت استحالة هذه العملية إلى درجة أدت إلى تركها كلياً ، وعدت المحاولة بقيام أي تجربة بهذا الصدد محاولة عقيمة ومستحيلة ، أما نظرية التطور فتدعي أن هذه العملية التي عجزت عقول البشر جميعاً مع كل تقنياتهم المتقدمة عن تحقيقها قد تمت سابقاً عن طريق المصادفات العشوائية .
العلماء يقولون : إن ظهور خلية حية في الوجود نتيجة المصادفات يشبه ظهور طائرة بوينغ 747 عن طريق انفجار تم مستودع للحديد
أو ظهور قاموس ( لاروس ) من انفجار في مطبعة ، إنه شيء مضحك .
الدي إن إيه وتصميمها المذهل:
الحقيقة أن علماء الكيمياء الحيوية اكتشفوا الحموض الأمينية التي نعبر عنها بـ ( دي إن إيه ) فيها تعقيبات تفوق حد الخيال ، والتصميم المذهل لهذه الأشياء قد لا يصدقه العقل ، وقد اعترف العالم فرانسيسكو الذي حاز على جائزة نوبل لاكتشافه أن هذه البنية معقدة مثل بنية ( دي إن إيه )لا يمكن أن تظهر إلى الوجود نتيجة المصادفات
وقد اضطر إلى هذا الاعتراف مع أنه من أنصار " داروين " ، إن جزئي ( دي إن إيه )جزئية عملاقة موجودة في نواة كل جزئية حية
والخواص المادية جميعها التي يملكها كل مخلوق حي مربوطة بشكل شفرات في الجزئية الحلزونية ، فبدأ من لون أعيننا ، وبنية جميع أعضائنا الداخلية ، وانتهاء إلى شكلنا ، ووظائف جميع خلايانا
نراها موجودة بشكل مبرمج في الأقسام التي يطلق عليها اسم الجينات في هذه الجزئية ، كل صفات أصلها معلمات مبرمجة في نواة خليته ، حوالي خمسة آلاف مليون معلومة ، شيء لا يصدق .
تتألف هذه الشفرة شفرة ( دي إن إيه )من تماس أربعة جزئيات مختلفة ، فإذا قمنا بتشبه كل جزئية من هذه الجزئيات الأربعة بحرف فإن ( دي إن إيه )هو بنك معلومات مكون من أربعة أحرف
وقد تم خزن جميع المعلومات العائدة إلى الجسم في بنك المعلومات هذا ، ولو قمنا بتسجيل المعلومات الموجودة في ( دي إن إيه )وكتابتها على الورق لاحتجنا أستاذ علاء إلى مليون صفحة تقريباً من صفحات دوائر المعارف ، وهذا يعدل أربعين ضعفا من دائرة المعارف البريطانية التي هي من أكبر دوائر المعرفة للإنسان في العالم .
المعلومات المثبتة على النواة في الخلية ( دي إن إيه )تساوي أربعين ضعف المعلومات في الموسوعة البريطانية
الآن ملعقة فيها من هذه العناصر تكفي لكل ما أُلف وطبع من آدم إلى يوم القيامة ، شيء لا يصدق ، هذا لن يكون صدفة .
﴿ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ﴾
هناك من يعتقد أنهم خلقوا صدفة ، أما الله عز وجل فيقول :
﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾
شيء آخر ، إن نظرية التطور تحاول إرجاع جميع الكائنات الحية إلى المصادفات تبقى عاجزة عجزاً مطلقاً أمام الترتيب المذهل لجزئيات ( دي إن إيه )من الواضح أن البروتينات والجزئيات ( دي إن إيه )والخلايا
وجميع الأحياء ليست إلا نتيجة وأثراً لخلق في درجة الكمال ، وما دام هناك مثل الخلق المذهل والكامل فلا بد أن هناك خالقاً متصفاً بالقدرة ، وبالعلم المطلق اللانهائي .
المخلوقات تعكس إبداع الخالق:
أستاذ علاء ، حينما يتأمل الإنسان أي كائن حي في الطبيعة إلى مدى عظمة الخالق ، فكل كائن حي من ملايين الأحياء الموجودة في الطبيعة نموذج من نماذج الفن الرائع والجمال الفني البديع
هذه الأحياء تشير إلى خالقها ، وتعرفنا به ، وتشير إلى الله عز وجل خالق السماوات والأرض وما بينهما .
ولله في كل تحريكة وتسكينة أبدا شاهد .
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد .
ينطق بوجود الله ، ووحدانيته ، وكماله .
﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
ما استمتعنا به قبل قليل هو دليل واضح ، وفي كينونة الإنسان لا يمكن أن ينكر ، ولا يمكن أن ينكر الخالق هذه العظمة التي هندست ، وخلقت ، ورتبت ، ونظمت ، لا يمكن أن يشيح بوجهه عن هذا الإنسان إلا الاستكبار أو لمصلحة ، كما تفضلت ـ هذا محور هذا اللقاء ـ .
خاتمة وتوديع :
لا يسعني أعزائي المشاهدين إلا أن أشكر الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة النبوية ، في كليات الشريعة وأصول الدين في دمشق ، شكراً سيدي الأستاذ ، وإلى اللقاء إن شاء الله في حلقات قادمة ، وفي محطات علمية قادمة لنتبين بالمشاهدة عظمة الخالق التي نحس بها في داخلنا ، وفي أنفسنا .