- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠24برنامج قوانين القرآن الكريم - قناة الرسالة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
التناقض بين الطبع والتكليف ثمن الجنة :
أعزائي المشاهدين ، أخوتي المؤمنين ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، لازلنا في قوانين القرآن الكريم ، والقانون اليوم قانون الجهاد .
أيها الأخوة الكرام ، لا بد من مقدمة ؛ لقد خلق الله فينا طبعاً وأعطانا تكليفاً ، هناك تناقض بين خصائص الطبع وخصائص التكليف ، هذا التناقض هو ثمن الجنة ، ففي طبعنا محبة لأخذ المال والتكليف إنفاقه ، في طبعنا رغبة في النوم والتكليف الاستيقاظ لصلاة الفجر في وقته ، الطبع يقتضي أن نخوض في فضائح الناس والتكليف أن نصمت ، الطبع يقتضي الحفاظ على الحياة والتكليف أن نجاهد .
لذلك أيها الأخوة ، هذا التناقض بين الطبع والتكليف هو ثمن الجنة ، لقوله تعالى:
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40)فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)﴾
ثمن الجنة أن نجاهد أنفسنا وأهواءنا :
أيها الأخوة الكرام ، الآية التي هي أصل في هذا الموضوع ـ قانون الجهاد ـ هي قوله تعالى :
﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾
لابدّ من الجهاد ، لأن ثمن الجنة أن نجاهد أنفسنا وأهواءنا ، وهذا هو الجهاد الأكبر كما وصفه بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلذلك الإنسان إن لم يجاهد أو إن لم يحدث نفسه بالجهاد مات على ثلمة من النفاق .
على كلٍّ إذا ذكرنا كلمة الجهاد لا يقفز إلى أذهاننا إلا الجهاد القتالي ، مع أن هناك أنواعاً منوعة من الجهاد ، سوف توضح فيما سيأتي من دقائق متعلقة بهذا الموضوع الخطير .
أيها الأخوة ، ولكن بادئ ذي بدء قال تعالى :
﴿ وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ (6)﴾
لأن الله عز وجل في حديث قدسي صحيح يقول :
(( لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنسَكم وجِنَّكم ، كانوا على أفجرِ قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً ، لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنْسَكم وجِنَّكم كانوا على أتْقَى قلب رجل واحدِ منكم ، ما زاد ذلك في مُلْكي شيئاً ، لو أنَّ أوَّلكم وآخرَكم ، وإنسَكم وجِنَّكم ، قاموا في صعيد واحد فسألوني ، فأعطيتُ كُلَّ إنسان مسألتَهُ ، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما يَنْقُص المِخْيَطُ إذا أُدِخلَ البحرَ ، ذلك لأن عطائي كلام وأخذي كلام ، فمن وَجَدَ خيراً فليَحْمَدِ الله ومن وجد غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ ))
أنواع الجهاد :
1 ـ جهاد النفس و الهوى :
أيها الأخوة ، الآن نبدأ بأنواع الجهاد ، للجهاد أربعة أنواع ، النوع الأول هو الأصل كيف أن هناك تعليماً أساسياً يبنى عليه بقية مراحل التعليم ، لذلك من لم يجاهد نفسه وهواه لا يستطيع أن يرقى إلى مستويات الجهاد الأخرى ، والذي يهزم أما نفسه لا يستطيع أن يواجه نملة ، فلذلك الآية الدقيقة :
﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾
جاهدوا أنفسهم أي حملوا أنفسهم على طاعة الله ، ودفعوا ثمن الطاعة صبراً عليها ، ودفعوا ثمن المعصية صبراً عنها ، وقبلوا قضاء الله وقدره لأنه قرار الله عز وجل ، فهناك صبر عن الشهوة وعن المعصية ، وصبر على الطاعة ، وصبر على قضاء الله وقدره، هذا الجهاد الأول جهاد النفس والهوى ، يمكن أن تدفع نفسك إلى أعلى درجات هذا الجهاد وأنت في بيتك وفي عملك ، لأنك ضبطت نفسك ، وحملت نفسك على طاعة الله ، هذا هو الجهاد الأول ؛ جهاد النفس والهوى .
2 ـ الجهاد الدعوي :
ولكن أيها الأخوة ، هذا الجهاد لا يكفي ، لابدّ من جهاد آخر هو الجهاد الدعوي ، دليله في القرآن الكريم :
﴿ وجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ﴾
أي بالقرآن ، سمى الله عز وجل هذا جهاداً كبيراً لأنه الأصل في كل جهاد لابدّ أن تنقل الحق إلى الآخر ، من هنا قال النبي عليه الصلاة والسلام :
(( خيركم من تعلم القرآن و علمه ))
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
نقل الحق .
الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم في حدود ما يعلم ومع من يعرف :
قد نفاجأ أن الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم في حدود ما يعلم و في حدود من يعرف ، يؤكده قول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( بلغوا عني ولو آية ))
يؤكد هذا المعنى الفرضي للدعوة إلى الله قول الله عز وجل :
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾
أحد أركان النجاة التواصي بالحق ، بل إن قول الله عز وجل :
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾
الجهاد الثاني هو الجهاد الدعوي ، كل مسلم مكلف أن يكون داعية في حدود ما يعلم ومع من يعرف ، هذا هو الجهاد الثاني :
﴿ وجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ﴾
(( خيركم من تعلم القرآن و علمه ))
هذا الجهاد الثاني .
3 ـ الجهاد البنائي :
لذلك أيها الأخوة ، هناك أنواع منوعة من الجهاد فلو انتقلنا إلى الجهاد الثالث ، ما الجهاد الثالث ؟ قال تعالى :
﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾
الحق يحتاج إلى قوة تدعمه ، هناك من يعتقد في العالم الآخر ـ في العالم الغربي ـ إنك على حق لأنك قوي ، أنت قوي أنت على حق ، هذا كلام باطل ، الحق إذا جاءت حركتك وفق منهج الخالق ، فلذلك المؤمن على حق إذاً هو يملك الحجة والبرهان ، لكن هذا الحق يحتاج إلى قوة ، من هنا قال النبي عليه الصلاة والسلام :
(( المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف ))
الله عز وجل كلفنا أن نعد لعدونا القوة المتاحة :
الآية الثالثة في هذا الموضوع :
﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ﴾
ما كلفنا الله أن نعد العدة المكافئة ولكن الله جلّ جلاله كلفنا أن نعد العدة المتاحة ، إذاً :
﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ﴾
جاءت كلمة قوة نكرة تنكيراً شمولياً أي أعدوا لهم كل أنواع القوة ، ولكن في عهد النبي عليه الصلاة والسلام القوة تجسدت في الخيل ، قال تعالى :
﴿ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ﴾
ولكن بعد حين القوة أخذت منحى آخر إلى أن نصل إلى أن الإعلام قوة ، والأقمار الصناعية قوة ، والقنبلة النووية قوة ، والأسلحة الفتاكة قوة ، والتماسك الداخلي قوة ، والإعلام قوة إلى آخره ، الآية تغطي كل أنواع القوى :
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ﴾
عطف الخاص على العام في وقت نزول هذه الآية :
﴿ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾
.
كلمة ترهبون أي تردعون ، معناها الدقيق في هذه الآية تردعون ، وهناك دعاة كثيرون يتحرج من ذكر هذه الآية مع أن الإعداد ـ إعداد القوة ـ من أجل منع الإرهاب بالمفهوم المعاصر ،
﴿ تُرْهِبُونَ بِهِ ﴾
أي تردعون الآخر عن أن يفكر في الوصول إليكم .
أيها الأخوة الكرام ، هذا هو الجهاد الثالث الجهاد البنائي ، لابدّ من تطوير الحياة، لابدّ من استخراج الثروات ، لابدّ من إنشاء السدود ، لابدّ من حلّ مشكلة الشباب ، لابدّ من تأمين المساكن ، كل هذا النوع من العمل ينضوي تحت كلمة الجهاد البنائي .
4 ـ الجهاد القتالي :
إذاً هناك جهاد نفسي جهاد النفس والهوى ، وهناك جهاد دعوي ، وهناك جهاد بنائي ، وبقي الجهاد الأخير وهو الجهاد القتالي ، أيها الأخوة ، الجهاد القتالي تحكمه آيات كثيرة من هذه الآيات :
﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ (190)﴾
أي لإعلاء كلمة الله ، لتكون كلمة الله هي العليا :
﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)﴾
أيها الأخوة الكرام ، لو فهم المسلمون أنواع الجهاد بدقة بالغة ، أو لو نجح المسلمون في الجهاد النفسي نجاحاً باهراً ، وفي الجهاد الدعوي نجاحاً باهراً ، وفي الجهاد البنائي نجاحاً باهراً ، ينتظر أن ينجح المسلم الذي مشى بهذا التسلسل في الجهاد القتالي ، عندئذ يكون قد أعطى نفسه المنهج الذي أراده الله عز وجل ، وحقق الثمن الذي يقبله الله للنصر الأكيد ، والنصر العزيز .
وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته