- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠24برنامج قوانين القرآن الكريم - قناة الرسالة
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أعزائي المشاهدين ... أخوتي المؤمنين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
حاجات الإنسان حاجات حيادية :
لازلنا في قواعد القرآن الكريم ، والقاعدة اليوم قاعدة العزة ، ولابدّ من مقدمة .
أيها الأخوة الأحباب ، الإنسان عقل يدرك ، وقلب يحب ، وجسم يتحرك ، وغذاء العقل العلم ، وغذاء القلب الحب ، وغذاء الجسم الطعام والشراب ، ولكن الله سبحانه وتعالى خلق في الإنسان حاجات ثلاث :
الحاجة الأولى حاجته إلى الطعام والشراب ، ليحافظ على بقائه ، أما الحاجة الثانية فهي حاجته إلى الطرف الآخر ، إلى زوجة ، وحاجة الزوجة إلى زوج ، حاجة كل من الذكر والأنثى إلى الطرف الآخر ، هذه الحاجة تحقق بقاء النوع .
لكن قانون العزة متعلق بالحاجة الثالثة ، الحاجة الثالثة هي حاجة إلى تأكيد الذات ، فالإنسان بعد أن يأكل ، ويشرب ، ويشبع ، ويرتوي ، ويتزوج ، ويحقق هذه الحاجة في الطرف الآخر هو بحاجة عميقة جداً إلى أن يكون شيئاً مذكوراً ، إلى أن يؤكد ذاته ، إلى أن يشار إليه بالبنان ، هذه حاجة في أي إنسان .
وحاجات الإنسان لحكمة بالغةٍ بالغة حاجات حيادية ، يمكن أن تكون سلماً نرقى بها إلى أعلى عليين ، أو أن تكون دركات نهوي بها إلى أسفل سافلين ، ألم يقل الله عز وجل يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام :
﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾
هذا الرفع للذكر تلبية لحاجة في الإنسان ، لكن هذه الحاجة كما أقول دائماً : حيادية ، قد تكون سلماً نرقى بها إلى أعلى عليين ، وقد تكون دركات نهوي بها إلى أسفل سافلين .
حاجة الإنسان إلى أن يكون مكرماً و عزيزاً حاجة أودعها الله فيه :
أيها الأخوة الكرام ، حاجة الإنسان إلى أن يكون مكرماً ، إلى أن يكون عزيزاً ، إلى أن يكون مهماً ، إلى أن يكون في قلوب الناس ، إلى أن يكون ملء سمعهم وبصرهم ، إلى أن يكون مقرباً ، هذه حاجة أودعها الله في الإنسان ، ويمكن أن يلبيها وفق منهجه فيسعد في الدنيا والآخرة ، ويمكن أن يلبيها بخلاف منهجه فيشقى في أثناء تلبيتها في الدنيا والآخرة ، الآية الكريمة التي تعد قانوناً لتلبية هذه الحاجة هي قوله تعالى :
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾
أكبر جزاء للذين أحسنوا في الدنيا الجنة و النظر إلى وجه الله الكريم :
من هؤلاء الذين يستحقون التكريم ؟ من هؤلاء الذين يكونون في مكانة علية في مجتمعهم ؟
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا ﴾
وكلمة أحسنوا كلمة جامعة مانعة شاملة ، أحسنوا في عملهم ، أحسنوا في زواجهم ، أحسنوا في حرفهم ، أحسنوا في علاقاتهم ، أحسنوا في كسب أموالهم ، أحسنوا في إنفاق أموالهم ، أحسنوا في وقت غضبهم ، أحسنوا في رضاهم .
الإحسان كلمة جامعة مانعة مطلقة ، أنت حينما تكون محسناً ، حينما تبني حياتك على العطاء ، حينما تكون لبنة أساسية في بناء ، حينما تكون متفوقاً على أقرانك ، أنت محسن ، والإحسان بشكل دقيق نصفان ، التزام وانضباط بتعليمات الخالق ، ثم عطاء للمخلوق ، التزام ، وعطاء ،
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا ﴾
أكبر جزاء لهذا الإحسان الجنة ،
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾
قال علماء التفسير : هي النظر إلى وجه الله الكريم ، هي الزيادة .
﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ ﴾
أي تقنين ، أو حرمان ،
﴿ وَلَا ذِلَّةٌ ﴾
ما الذي يؤلم الإنسان ؟ أن يكون محروماً ، أو مهاناً .
فمن أجل أن أكون كريماً ، متفوقاً ، متألقاً ، محبوباً ، عزيزاً ، أشعر بقيمتي في مجتمعي ، يجب أن أكون محسناً .
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسان إحسان
* * *
فأنت إن كنت محسناً رفعك المجتمع شئت أو أبيت ، لأن الإنسان مفطور على حبّ الكمال ، على حبّ الإحسان ، على حبّ الالتزام ، على حبّ النقاء .
القرب من الله عز وجل والسكينة لا يكونان إلا بالاتصال بالله والإحسان إلى خلقه :
إذاً من أجل أن تكون مكرماً ، من أجل أن تكون عزيزاً ، من أجل أن يشار إليك بالبنان ، ينبغي أن تحسن
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا ﴾
لهم مكانة في الدنيا ، وجنة يوم القيامة ، وهذا معنى قوله تعالى :
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾
جنة في الدنيا ، وجنة في الآخرة ، وفي الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة .
﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾
في الدنيا ، هم حينما اتصلوا بربهم ، وأحسنوا إلى خلقه ، قربهم الله عز وجل ومنحهم السكينة التي تألقوا بها .
المحترم من انضبطت كلماته و تصرفاته وفق القواعد المشروعة :
شيء آخر : يقول عليه الصلاة والسلام :
(( إياك وما يعتذر منه ))
أي موقف ، أي سلوك ، أي حركة ، أية سكنة ، أي كلام تضطر معه إلى أن تعتذر ، وإلى أن تندم ابتعد عنه ، كلام جامع مانع :
(( وإياك وما يعتذر منه ))
قيل مرة لداهية من دهاة الصحابة ، قيل لعمرو بن العاص : ما بلغ من دهائك ؟ قال : والله ما دخلت مدخلاً إلا أحسنت الخروج منه ، هو الحقيقة الذي سأله سيدنا معاوية ، فقال معاوية : لست بداهية ، أما أنا والله ما دخلت مدخلاً أحتاج أن أخرج منه .
فأنت حينما تنضبط ، أو حينما تضبط كلماتك وفق القواعد المشروعة تكون محترماً ، ومعززاً ، ومكرماً .
أربعة أدعية خطيرة :
أيها الأخوة الكرام ، قرأت كتاباً في أدعية أربعة في الصفحة الأولى ، هذه الأدعية متصلة أشد الاتصال بهذه الحلقة المتعلقة بقانون العزة :
الدعاء الأول :
" اللهم إني أعوذ بك أن يكون أحد أسعد بما علمتني مني " .
مصيبة كبيرة أن تنطق بالحكمة وألا تطبقها ، فيسعد الناس بها ، وتشقى بعدم تطبيقها ، من أسعد الناس من سعد بعلمه " إني أعوذ بك أن يكون أحد أسعد بما علمتني مني " .
الدعاء الثاني :
" اللهم إني أعوذ بك أن أكون عبرة لأحد من خلقك " .
يعني أنا أصبح قصة يتعظ بها الناس ، فلابدّ من أن أكون مع المشاهدين ، لا أن أكون على خشبة المسرح ، وتكون قصتي موعظة للناس ، " اللهم إني أعوذ بك أن أكون عبرة لأحد من خلقك " .
هناك آية دقيقة يقول الله فيها :
﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ ﴾
أصبحوا عبراً للخلق ، فالإنسان حينما يستقيم على أمر الله لا يكون عبرة بل يكون عنصراً إيجابياً يقدم للمجتمع المثل الأعلى .
الدعاء الثالث :
" اللهم إني أعوذ بك أن أقول قولاً فيه رضاك ، ألتمس به أحداً سواك " .
هذا هو النفاق ، " أن أقول قولاً فيه رضاك ، ألتمس به أحداً سواك " المنافق يسقط من عين الله ، ومن عين المجتمع ، فيكون لك موقفان ، موقف معلن ، وموقف حقيقي ، أن يكون لك سرّ وعلن ، شيء تفعله وحدك ، وشيء تفعله أمام الناس ، هذا الإنسان تسقط كرامته بين مجتمعه .
الدعاء الرابع :
" اللهم إني أعوذ بك أن أتزين للناس بشيء يشينني عندك " .
إذاً كرامة الإنسان مطلب أساسي عند كل إنسان ، وهذا المطلب يمكن أن يكون سبباً لرقي الإنسان إلى أعلى عليين ، وأن يكون هذا المطلب نفسه سبباً لسقوط الإنسان إلى أسفل سافلين .
من يخطئ يسقط أول ما يسقط من عين نفسه :
لذلك لن نقطف ثمار هذا الدين من سلامة ، وسعادة ، وعزة ، وكرامة ، إلا إذا كنا محسنين ، فالإنسان طريق العزة ، وقد تجد موظفاً متواضعاً جداً لكنه محسن ، ويؤدي واجبه تماماً ، يتمتع بعزة ، وكرامة لو وزعت على أهل بلد لكفتهم .
فالإنسان حينما يخطئ يسقط أول ما يسقط من عين نفسه ، ويكون سقوطه دليلاً على أن فطرة الإنسان فطرة سليمة أودعها الله في الإنسان لتكون رادعاً ، ودافعاً لكماله الذي يرقى به عند الله ، وعند الناس .
أيها الأخوة الأحباب إلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .