- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠24برنامج قوانين القرآن الكريم - قناة الرسالة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
قانون الفرقان :
أعزائي المشاهدين ... أخوتي المؤمنين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ولازلنا في قوانين القرآن الكريم ، والقانون اليوم : ( قانون الفرقان )
العمل الصحيح ينطلق دائماً من رؤيا صحيحة :
لابدّ من مقدمة : الله عز وجل خلق الأكوان ، ونورها بالقرآن ، إذاً :
﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾
أحياناً يُشق الطريق ، وبعدها توضع الشاخصات لتنور لسالكي الطريق دربهم والأخطار التي تحيط بهم ، ما من عمل يعمله الإنسان إلا وتسبقه رؤيا ، هذه الرؤيا إن صحت صحّ العمل ، وإن فسدت فسد العمل ، هذه الرؤيا إما أن تكون محصلة تجارب أو محصلة رؤيا صحيحة تنطلق من منهج الله في الأرض .
فلذلك الإنسان بحاجة إلى رؤيا صحيحة تكون سبباً في صحة عمله ، وبالتالي في سلامته ، وفي سعادته .
نور الله النور الذي يقذف في قلب المؤمن فيرى به الخير خيراً فيتبعه والشر شراً فيجتنبه:
قانون الفرقان فيه آية تعد أصلاً في هذا الباب ، هذه الآية :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً ﴾
أي يجعل لكم حالة تفرقون فيها بين الحق والباطل ، بين الخير والشر ، بين ما يجوز وبين ما لا يجوز ، بين الجمال والقبح ، بين القيم السامية والحاجات الوضيعة .
إذاً هذا التفريق بين الصح وبين الآخر الغير صحيح هو من محصلة الرؤيا الصحيحة .
الآن يمكن أن نسميه نوراً يقذف في قلب المؤمن ، تؤكده آيات كثيرة ، لعل الآية الأولى التي تؤكد هذا النور الذي يقذف في قلب المؤمن فيرى به الخير خيراً فيتبعه ، والشر شراً فيجتنبه ، إنه نور الله .
مخاطبة الله عز وجل الناس في القرآن الكريم بأصول الدين :
الله عز وجل يقول :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
كلمة
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
تشير إلى عقد إيماني بين العبد وربه ، يعني يا من آمنت بي ، يا من آمنت بحكمتي ، يا من آمن بقدرتي ، يا من آمنت برحمتي ، يا من آمنت بعطائي ،
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
الله عز وجل في القرآن الكريم يخاطب الناس بأصول الدين :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
ويخاطب ربنا جلّ جلاله المؤمنين بفروع الدين ، هذا آمن بالله ، آمن به إلهاً ورباً وخالقاً ، آمن به مسيراً ، آمن به واحداً ، وكاملاً ، آمن بأسمائه الحسنى ، آمن بصفاته الفضلى ، كأن هناك عقداً إيمانياً بين العبد وربه .
لذلك الله خاطب المؤمنين بما يقترب من ثلاثمئة آية ، لأن بينه وبينهم عقداً إيمانياً بينما لم يخاطب الطرف الآخر إلا بآية واحدة يوم القيامة :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ ﴾
تمتع المؤمن برؤيا صحيحة تمكنه من معرفة الخير و الشر :
إذاً حيث ما قرأنا
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
تعني أن كل من آمن بالله ، وحمله إيمانه على طاعته معنياً بهذا الخطاب ،
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اَتَّقُوا اللَّهَ ﴾
أطيعوه ، وتقوى الله بالمفهوم البسيط طاعته ، أي اتقوا معصيته ، اتقوا غضبه ، اتقوا عقابه .
﴿ يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ ﴾
في قرآنه كليات ، ونجد في سنة النبي صلى الله عليه وسلم التفصيلات ، الله عز وجل كلف النبي عليه الصلاة والسلام أن يبين للناس ما نزل إليهم ،
﴿ يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ ﴾
الآن :
﴿ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ ﴾
قال علماء التفسير : رحمة في الدنيا ، ورحمة في الآخرة ، هذا تؤكده الآية الكريمة :
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾
هذا تؤكد آية أخرى :
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ﴾
يتمتع المؤمن أيها الأخوة ، في ضوء هذه الآية برؤيا صحيحة ، يرى الخير خيراً ، يرى الشر شراً ، يرى الحق حقاً ، يرى الباطل باطلاً ، يرى ما ينبغي رؤيا واضحة فيسلكه ، ويرى ما لا ينبغي رؤيا واضحة فيجتنبه .
تقوى الله نور يقذفه الله في قلب المؤمن :
أيها الأخوة الكرام ، هذه الآية الثانية أصل في الموضوع ،
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ﴾
من هنا قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى : تقوى الله تعني أن نوراً يقذفه الله في قلب المؤمن ، فيرى به الخير خيراً ، والشر شراً .
يعني المؤمن يشبه تماماً إنسان يمشي ليلاً في طريق ، فيه حفر ، فيه أكمات ، فيه حشرات ، فيه حيوانات ، فيه أخطار ، فيه منزلقات ، لكن نجاته من كل أخطار هذا الطريق بنور قوي كشاف ، هذا النور القوي الكشاف جعله يبتعد عن الحفرة ، ويتلافى الأكمة ، ويقتل الحشرة ، وينجو من كل خطر ، هذا هو نور الله حينما يقذفه الله في القلب .
الحق واحد لا يتعدد :
أيها الأخوة الكرام ، آية ثانية :
﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾
وليهم ، يربيهم ، يرشدهم ، يؤدبهم ، يخوفهم أحياناً ، يبشرهم ، يرفع قدرهم .
﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾
الذي يلفت النظر في هذه الآية أن الظلمات جاءت جمعاً ، وأن النور جاء مفرداً ، الجواب اللطيف : الحق لا يتعدد ، يعني بين نقطتين لا يمر إلا خط مستقيم واحد ، ولو حاولت أن ترسم بين نقطتين آلاف الخطوط المستقيمة تأتي جميعها فوق بعضها بعضاً ، الحق لا يتعدد ، لذلك جاء النور مفرداً ، أما الباطل كالخطوط المنكسرة ، والمنحنية ، قد نرسم بين نقطتين آلاف الخطوط المنحنية والمنكسرة .
الله عز وجل ولي الذين آمنوا يرشدهم و يؤدبهم و يرفع قدرهم :
لذلك :
﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ﴾
يتضح من هذه الآيات أن الإنسان يتحرك ، هو كائن متحرك ، تحركه حاجاته ، وشهواته ، وغرائزه ، وطموحاته ، هذه الحركة إما أن تسبقها رؤيا صحيحة ، وهذا هو المؤمن ، وإما أن تسبقها رؤيا خاطئة وهذا غير المؤمن الذي ضلّ سواء السبيل وتحرك في غير سعادته وهناءته ، فلذلك الآية الكريمة :
﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ﴾
أيها الأخوة الكرام ، الحقيقة الصارخة الهدى من عند الله وحده.
(( يا عبادي ، كُلُّكم ضالّ إلا مَنْ هَدَيتُه ، فاسْتَهدُوني أهْدِكم ))
قال تعالى :
﴿ وَمَن لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾
النور من عند الله ، الرؤيا الصحيحة من عند الله ، اتخاذ القرار الحكيم من عند الله .
قوى الأرض مجتمعة لن تفسد على الله هدايته لخلقه :
أيها الأخوة ، بطولة المؤمن أنه يهتدي بنور الله ، يتحرك بتوفيق الله ، يمشي بهدف واضح كان نتيجة رؤيا صحيحة ، فكلما اتقينا ربنا ، وأطعناه قذف في قلوبنا نوراً .
فالإنسان أحياناً يعيش بمجتمع فاسد ، ومنحرف ، هذا المجتمع رؤيته غير صحيحة ، بينما المؤمن يتمتع برؤيا صحيحة فلا يقع في المنزلقات والأخطاء التي يقع بها غيره .
الآية التي تلفت النظر هي قوله تعالى :
﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾
تصور ضوء الشمس ، لا أقول نور الله ، ضوء الشمس ، تصور ضوء الشمس كيف أن إنساناً بسذاجة ما بعدها سذاجة أراد أن يطفئها بنفخة من فمه ، لذلك هذا الذي يحاول أن ينهي الحق ، أو أن يلغي الهداية ، أو أن يفسد على الله هدايته لخلقه ، هذا مستحيل وألف ألف ألف مستحيل تماماً كمن يحاول إطفاء ضوء الشمس بنفخة من فمه :
﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾
إذاً لن تستطيع قوى الأرض مجتمعة أن تفسد على الله هدايته لخلقه ، لذلك يبقى الإسلام شامخاً ، ولا تقلق على هذا الدين إنه دين الله ، ولكن اقلق على نفسك أيها الأخ الكريم ما إذا سمح الله لك أو لم يسمح أن تكون جندياً له .
لذلك ما ضرّ السحاب نبح الكلاب ، وما ضرّ البحر أن ألقى فيه غلام بحجر .
أيها الأخوة الكرام ، إلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته