- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠24برنامج قوانين القرآن الكريم - قناة الرسالة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أكبر خطر يتهدد الإنسان أن تأتي حركته بعيدة عن منهج الله تعالى :
أعزائي المشاهدين ... أخوتي المؤمنين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، لازلنا في قوانين القرآن الكريم ، والقانون اليوم : ( قانون قبول العمل )الإنسان أيها الأخوة ، ما الذي يحركه ؟ أودع الله فيه الشهوات ، ليرقى بها صابراً أو شاكراً إلى رب الأرض والسماوات ، أودع فيه حاجة إلى الطعام والشراب ، هو إذاً يتحرك ليأكل ، أودع فيه رغبة في الطرف الآخر ، يتحرك ليزوج ، أودع فيه رغبة في تأكيد الذات ، هذه الحاجات الأساسية التي أودعها الله في الإنسان تجعله كائناً متحركاً ، لكن هذه الحركة إما أن تكون وفق تعليمات الصانع ، وفق منهج الله ، أو أن تكون حركة لا تنضبط بمنهج الله.
فالذي يؤكد خطورة هذا التحرك هو مدى مطابقته لمنهج الله ، مثلاً الله عز وجل حينما يقول :
﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾
هؤلاء يتحركون ، ولكن يتحركون بخلاف منهج الله ، إذاً لا يحققون لا سلامتهم ولا سعادتهم .
إذاً أكبر خطر يتهدد الإنسان أن تأتي حركته بعيدة عن منهج الله ، لذلك الإنسان لا يسلم ، ولا يسعد إلا إذا جاءت حركته متوافقة مع الأمر والنهي الذين هما من عند خالق السماوات والأرض .
﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾
العلاقة بين الأمر والنهي علاقة علمية :
أيها الأخوة ، الله عز وجل يقول :
﴿ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾
يعني اتقوا أن تعصوه ، و
﴿ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾
أن تطيعه أيها الإنسان فلا تكفره ، وأن تذكره فلا تنساه ، وأن تشكره فلا تكفره ، إذاً حق التقوى أن تكون طائعاً ، وذاكراً ، وشاكراً ، فالإنسان حينما يقصر بذكر الله يشعر بالكآبة ، والضيق ، والضياع ، والإحباط ، وحينما يقصر بذكر الله يؤدبه الله عز وجل ، وحينما يقصر بطاعة الله يكون قد خالف تعليمات الصانع ، لأن العلاقة بين الأمر والنهي علاقة علمية بمعنى أن الطاعة في بذور النتائج ، وأن المعصية فيها بذور النتائج .
ثمن الجنة التناقض بين الطبع والتكليف :
أيها الأخوة الكرام ، الله عز وجل يقول :
﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ﴾
يعني أن تحمل نفسك على طاعة الله ، لأن الله سبحانه وتعالى أودع فيك طبعاً وكلفك تكليفاً ، فالطبع مناقض للتكليف ، أودع فيك حبّ الراحة ، والاسترخاء ، والنوم ، وكلفك أن تستيقظ على صلاة الفجر ، أودع فيك رغبة في أخذ المال ، وكلفك أن تنفقه ، أودع فيك رغبة أن تملأ عينيك من محاسن المرأة والتكليف أن تغض البصر ، هذا التناقض بين الطبع والتكليف هو ثمن الجنة .
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾
من لوازم قبول العمل أن يكون خالصاً لوجه الله و صواباً :
لكن من لوازم قبول العمل كما قال الله عز وجل :
﴿ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا ﴾
لم يقل وسعى لها ، قال :
﴿ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا ﴾
السعي الخاص ، السعي المطلوب ، السعي الذي يحقق نتائج باهرة .
﴿ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً ﴾
إذاً كما نقول لكلية الطب علاماتها ، ما كل طالب ينال شهادة ثانوية يسمح له بدخول كلية الطب ، فلابدّ من مجموع خاص ، وهذا معنى
﴿ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا ﴾
لذلك الله عز وجل يقول :
﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ﴾
والأماني بضائع الحمقى ، والله سبحانه وتعالى لا يتعامل مع تمنيات الإنسان إطلاقاً بل يتعامل مع صدقه في الطلب ، والله عز وجل يقول :
﴿ كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً ﴾
أيها الأخوة الأحباب ، الله عز وجل يقول :
﴿ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ ﴾
متى يرضى الله عن العمل ؟ قال العلماء : يرضى الله عن العمل ويقبله ، ويثيب عليه ، ويحفظ صاحبه ، ويوفقه ، ويلهمه الحكمة ، والسداد ، والرشاد ، والأمن ، والطمأنينة ، إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة .
قانون قبول العمل مهم جداً في حياة كل إنسان :
لذلك ما كل عمل يقبله الله عز وجل ، هناك بعض البدع ، كأن تقول حفل غنائي ساهر يرصد ريعه للأيتام ، هذا عمل ليس وفق منهج الله ، مع أن نيته فيما يبدو العمل الصالح ، أو أن تقول يانصيب خيري ، فالعمل لا يقبل عند الله إلا إذا كان خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة ، فهذا من أجل أن نوفر أوقاتنا ، وجهدنا ، وألا تنطبق علينا الآية المؤلمة ، لمن تنطبق عليه :
﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾
فلابدّ من التأكد من صواب العمل ، هل يوافق السنة ؟ هل يوافق منهج الله عز وجل ؟ هل يرضي الله عز وجل ؟ هل يقبله الله عز وجل ؟ هل في هذا العمل إيذاء للآخرين ؟ هل في هذا العمل ابتزاز لأموالهم ؟ هل في هذا العمل عدوان على أعراضهم ؟ هل في هذا العمل أخذ ما ليس أن تأخذه ؟
فلذلك قانون قبول العمل مهم جداً في حياتنا ، ما منا واحد إلا ويتحرك ، يتحرك بحكم الدوافع التي خلقها الله فيه ، ولكن هذه الحركة إما أن تأتي وفق منهج الله ، فتكون السلامة ، والسعادة ، والتفوق ، والسرور ، وإما أن يكون الإحباط ، والإخفاق ، والبعد عن الله عز وجل ، والشعور بالبعد ، والشعور بالشقاء .
من علامات الإخلاص في العمل :
1 ـ عدم تغير العمل إن كنت وحدك أو أمام الناس :
أيها الأخوة الكرام ، شيء آخر : العمل متى يقبل ؟ قال تعالى :
﴿ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ ﴾
ما الإخلاص ؟ أن تبتغي بهذا العمل وجه الله ، بل ما علامات الإخلاص ؟ علامات الإخلاص أيها الأخوة ، أن لا يتغير العمل ، وأنت تعمله أمام الناس ، أو تعمله وحدك في البيت ، ليس هناك فرق بين خلوتك وجلوتك ، ولا بين سرك وعلانيتك ، ولا بين العمل الذي تفعله تحت ضوء الشمس ، أو في مكان خافت ، خافت الإضاءة ، العمل واحد لا يزيد ولا ينقص ، ولا يتأثر ، ولا يتبدل ، ولا يعدل ، ولا يضاف عليه في خلوتك ، وفي جلوتك ، في سرك ، وفي علانيتك ، في باطنك ، وفي ظاهرك ، هذا من علامات الإخلاص .
2 ـ عدم زيادة العمل بالمديح و نقصانه بالذم :
وعلامات الإخلاص أيضاً تؤكد أن العمل لا يزيد بالمديح ، ولا ينقص بالذم ، هذا أيضاً من علامات الإخلاص .
3 ـ الشعور بالسكينة بعد هذا العمل :
من علامات الإخلاص أنك تشعر بعد هذا العمل بالسكينة ، والسكينة شعور لا يوصف ، تسعد بها ولو فقدت كل شيء ، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء .
بطولة الإنسان أن تأتي حركته وفق منهج الله و يكون عمله مقبولاً :
أيضاً أيها الأخوة ، نحن حينما نقرأ قوله تعالى :
﴿ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ﴾
معنى ذلك أنه من عرف نفسه ما ضرته مقالة الناس به ، وإذا لم تستحِ من الله فاصنع ما تشاء ، لذلك يقول الله عز وجل :
﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ﴾
لا يكون الدين مقبولاً عند الله إلا إذا كان خالصاً ، وصواباً ، يقول عليه الصلاة والسلام :
(( والله لأن أمشي مع أخ في حاجته خير لي من صيام شهر واعتكافه في مسجدي هذا ))
بل من شدة الورع الذي علمنا إياه النبي عليه الصلاة والسلام بعض العلماء فهموا من أقوال النبي المتعددة ، فقالوا هذا القول الرائع ، قال :
(( والله لترك دانق من حرام ـ قال العلماء : الدانق سدس الدرهم ـ ترك دانق من حرام ، خير من ثمانين حجة بعد حجة الإسلام ))
إذاً البطولة أيها الأخ الكريم أن تتحرك لكن أن تأتي الحركة وفق منهج الله ، وأن يكون العمل مقبولاً ، إن في إخلاصه ، وإن في مطابقته لمنهج الله عز وجل ، وهنيئاً لمن جاء إلى الدنيا ، وعمل صالحاً ، وقبِل الله هذا العمل ، فسلم في الدنيا وسعد ، وسمح الله له أن يكون من أهل الجنة .
على الإنسان ألا يعبأ برأي الناس إن كان عمله عند الله مقبولاً و صالحاً :
يقول عليه الصلاة والسلام في حديث صحيح :
(( إذا لم تَسْتحِ فَافْعلْ مَا شِئْتَ ))
قد يفهم بعضهم من هذا الحديث أنه متعلق بالحياء ، ولكن الحديث له أبعاد دقيقة يعني إذا كان هذا العمل وفق منهج الله ، ويرضي الله ، المجتمع الذي تعيش به لا يقبل هذا العمل ، فلا تعبأ برأي الناس فيك ، البطولة أن يكون العمل عند الله مقبولاً ، وأن يكون العمل صالحاً وفق تعليمات الصانع ، ووفق منهج الله .
(( إذا لم تَسْتحِ فَافْعلْ مَا شِئْتَ ))
ولا تعبأ بكلام الناس المثبطين ، الذين تحكمهم عادات وتقاليد .
أيها الأخوة الأحباب ، إلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته